اتساع المظاهرات من سوق طهران إلى محيط البرلمان

المحتجون هتفوا ضد تدهور الوضع الاقتصادي وسياسات النظام الإقليمية... والشرطة استخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريقهم

إيرانيون يهتفون ضد سوء الأوضاع الاقتصادية أثناء الاحتجاجات قبالة سوق الذهب والمجوهرات في بازار طهران القديم أمس (أ.ب)
إيرانيون يهتفون ضد سوء الأوضاع الاقتصادية أثناء الاحتجاجات قبالة سوق الذهب والمجوهرات في بازار طهران القديم أمس (أ.ب)
TT

اتساع المظاهرات من سوق طهران إلى محيط البرلمان

إيرانيون يهتفون ضد سوء الأوضاع الاقتصادية أثناء الاحتجاجات قبالة سوق الذهب والمجوهرات في بازار طهران القديم أمس (أ.ب)
إيرانيون يهتفون ضد سوء الأوضاع الاقتصادية أثناء الاحتجاجات قبالة سوق الذهب والمجوهرات في بازار طهران القديم أمس (أ.ب)

اتسع نطاق الاحتجاجات ضد تدهور الأوضاع الاقتصادية، في «بازار» طهران أمس لليوم الثاني على التوالي، على خلفية احتجاجات اندلعت أول من أمس غضبا من ارتفاع سعر الدولار إلى مستويات قياسية، وأعلن عدد من التجار والباعة في أسواق طهران إغلاق أبواب المحلات احتجاجا على تذبذب الأسعار، قبل أن تتشكل موجات احتجاجية عفوية شقت طريقها من مختلف مناطق وسط طهران إلى محيط البرلمان الإيراني للتنديد بالوضع الاقتصادي، وهو ما أدى إلى مناوشات بين المتظاهرين وقوات الأمن في ميدان بهارستان.
وتباينت تقارير وسائل الإعلام الرسمية مع عشرات المقاطع التي تم تداولها في مواقع التواصل الاجتماعي عبر نشطاء من داخل طهران، وبينما دفعت رواية وسائل الإعلام الحكومية باتجاه تمييز المتظاهرين بين تجار يرفعون مطالب اقتصادية محقة و«مجهولين حاولوا تحريف مسار المظاهرات»، أظهرت مقاطع الناشطين موجات بشرية تردد هتافات بصوت واحد تطالب قوات الأمن بتوفير الأمان للمتظاهرين والسماح بإقامة الاحتجاجات وذلك على الرغم من تأكيد الجانبين على سلمية الاحتجاجات.
وأظهرت المقاطع المتوفرة أن نواة الاحتجاجات بدأت بالإضرابات بين أسوار «بازار» طهران القديم منذ أول ساعات الصباح، قبل أن يشكل التجار والباعة إضافة إلى مواطنين غاضبين موجات بشرية شقت طريقها من الأسواق المركزية في وسط العاصمة الإيرانية باتجاه مقر البرلمان الإيراني في ميدان بهارستان.
وبحسب التقارير، شهدت مدن أخرى بالقرب من طهران، مثل شهريار وكرج، إضرابات مشابهة، كما تداول ناشطون حول حراك متزامن في أسواق مدينة مشهد في شمال شرقي البلاد وجزيرة قشم وبندر عباس وعبادان والأحواز في جنوب البلاد.
واتهمت وكالة «إيلنا» أطرافا بالسعي وراء إثارة التوتر على أثر إغلاق سوق طهران. وتابع تقرير الوكالة المقربة من الإصلاحيين أن «تعطل الأسواق كان دائما لإعلان موقف النقابات تجاه القضايا الاقتصادية مثل الضرائب والركود، وقلما تشهد شعارات سياسية».
وأبلغ متعاملون في «البازار»، التي أيد تجارها الثورة الإسلامية في إيران في 1979، وكالة «رويترز» بالهاتف أن معظم المحال التجارية ما زالت مغلقة.
ونقلت الوكالة عن تاجر في البازار طلب عدم نشر اسمه: «نحن جميعا غاضبون من الوضع الاقتصادي. لا يمكننا أن نواصل أعمالنا بهذا الشكل. لكننا لسنا ضد النظام».
وذكرت الوكالة أن بعض أصحاب المحلات في سوق طهران أغلقوا أبواب المحلات التجارية احتجاجا على غلاء الدولار وتراجع المبيعات، وقالت في تقريرها الرئيسي إن «بعض الأشخاص حاولوا إثارة التوتر في سوق طهران بهدف إغلاق المحلات التجارية احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية المتدهورة وسببوا مشكلات للناس العاديين».
وذكرت تقارير وسائل إعلام رسمية أن 8 أسواق في سوق طهران الكبير أغلقت أبوابها «حفاظا على الأموال والأرواح».
وأفاد مراسل وكالة الصحافة الفرنسية بأن شرطة مكافحة الشغب استخدمت عند الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر (11.00 ت.غ) الغاز المسيل للدموع عند تقاطع «الفردوسي» وشارع «جمهوري»، في وسط طهران، ضد عشرات من الشبان الذين كانوا يرمون حجارة ومقذوفات في اتجاه عناصر الشرطة. وتفرق المحتجون الذين كانوا يهتفون: «ادعمونا أيها الإيرانيون» عندما بدأ عناصر الشرطة الاقتراب منهم.
وأفادت وكالة «رويترز» نقلا عن شهود، بأن دوريات للشرطة جابت البازار الكبير في طهران أمس في الوقت الذي واجهت فيه قوات الأمن صعوبة في إعادة الأمور إلى طبيعتها بعد اشتباكات مع محتجين أغضبهم انهيار الريال، الذي يعطل قطاع الأعمال من خلال زيادة تكلفة الواردات.
وكانت الدعوات للإضرابات بدأت بسوق طهران للإلكترونيات في شارع «جمهوري».
ونقلت عدسات المواطنين الإيرانيين تفاصيل التطورات إلى مختلف مناطق إيران والعالم. أول مقاطع تم تداولها أظهرت شعارات اقتصادية تندد بارتفاع سعر الدولار وعجز السياسات الاقتصادية الحكومية عن تحسين معيشة الإيرانيين، لكن مع مرور الوقت وابتعاد حشود المتظاهرين عن مناطق الانطلاق باتجاه البرلمان، أظهرت المقاطع أن الشعارات اتخذت ألوانا أكثر سياسية تندد بإنفاق طهران على تدخلاتها الإقليمية وتجاهل أوضاع المواطن الإيراني، فضلا عن شعارات «الموت للديكتاتور» وأخرى تشكك بأهلية المرشد الإيراني علي خامنئي وقدرة البرلمان الإيراني على إدارة شؤون البلاد.
وتشهد إيران منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي احتجاجات متصاعدة ضد تدهور الوضع المعيشي وتنحو إلى مسارات أكثر تحديا للسلطات بعدما جرب الإيرانيون عددا كبيرا من الاحتجاجات خلال العام الماضي ضد تدهور الأوضاع المعيشية والمشكلات البيئية، وهو ما أجمع مراقبون على أنه شكل مفارقة على مدى 39 عاما من عمر النظام الإيراني.
قبل أشهر قليلة كانت السلطات قد نجحت في احتواء الاحتجاجات ضد غلاء الأسعار قبل أن تلجأ قوات الأمن إلى العنف في تفريق احتجاجات جماعة «غناباد الصوفية» في فبراير (شباط) الماضي، بمنطقة باسداران شمال طهران، وهو ما أدى إلى سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوف الجماعة وقوات الأمن، وانتهت باعتقال المئات منهم.
في الأثناء، أعلن رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني حشمت الله فلاحت بيشه عن اجتماع صباح اليوم بين نواب البرلمان ومسؤولين حكوميين في الأجهزة المعنية لبحث الوضع الاقتصادي ومخاوف الإيرانيين، وفقا لوكالة «إيسنا» الحكومية.
وشدد فلاحت بيشه على أهمية تنفيذ الاتفاق النووي في ظل الظروف الراهنة وقال: «الأبعاد الاقتصادية الداخلية المتأثرة بالاتفاق النووي؛ نظرا لهواجس الناس والقضايا الدولية التي لها ظروفها الخاصة، تتطلب النقاش».
وكانت تصريحات فلاحت بيشه أول تعليق يصدر من مسؤول في البرلمان الإيراني بعد ساعات من تجمهر المتظاهرين في محيط البرلمان.
وناقش البرلمان أول من أمس خلف الأبواب المغلقة أوضاع الاقتصاد الإيراني وموجة غلاء الأسعار الجديدة بحضور نائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانغيري ووزيري الصناعة والزراعة ورئيس البنك المركزي.
أما محافظ طهران فقد دعا إلى اجتماع طارئ لخلية الأزمة في العاصمة الإيرانية طهران لبحث الإضرابات وتجمهر المحتجين بالقرب من البرلمان الإيراني.
ونقلت «إيلنا» عن المساعد الأمني لمحافظ طهران محسن همداني نسج أن خلية الأزمة في طهران دعت إلى اجتماع طارئ لبحث أوضاع السوق في طهران.
وقال عبد الله اسفندياري، رئيس مجلس أمناء سوق طهران، في أول تعليق على الأوضاع الملتهبة في السوق، إنه «لم يتوقف نشاطه بصورة كاملة، لكن أجزاء كبيرة أغلقت الأبواب».
وصرح اسفندياري لوكالة «إيسنا» الطلابية بأن «مطالب تجار السوق شرعية، يريدون توضيح وضع سوق الصرف بشكل نهائي»، مضيفا: «نأمل في الالتفات إلى مشكلاتهم وأن تعود السوق غدا (اليوم الثلاثاء) إلى حركتها العادية». وأشار إلى أن التجار «يحتجون على سعر الصرف المرتفع... تقلب العملات الأجنبية (...)، وعرقلة البضائع في الجمارك، والافتقار إلى المعايير الواضحة للتخليص الجمركي، وحقيقة أنهم في ظل هذه الشروط، تجعلهم غير قادرين على اتخاذ قرارات أو بيع بضائعهم».
في سياق متصل، قال أمين عام نقابات «بازار طهران» أحمد كريمي أصفهاني لوكالة «إيسنا»: «كنا نتوقع الأوضاع الحالية للسوق، وحذرنا المسؤولين عدة مرات، وقلنا إنه لا يمكن السيطرة على السوق في ظل الأحوال الحالية».
من جانبه، قال المساعد الأمني والسياسي لقائمقام طهران عبد العظيم رضائي، أمس، إن السلطات «لم تعتقل أي شخص من المتجمهرين خلال الاحتجاجات»، مشددا على أن «التجمعات انتهت بشكل سلمي ومن دون مشكلات، ولم تسفر عن إصابة أي أحد».
وقال المسؤول الأمني الإيراني تعليقا على انتشار عدد كبير من قوات الأمن الإيرانية، إنه يأتي نتيجة «الحساسيات الموجودة لتوفير أمن المركز التجاري في محيط السوق، حتى لا يفتقر أصحاب المحلات للأمن ويغلقوا المحلات»؛ بحسب ما أوردت عنه وكالة «إيرنا» الرسمية.
وقال المسؤول الإيراني إن السلطات بحثت مطالب أصحاب المحلات والتجار مع رؤساء النقابات، مضيفا أن «مطالب الباعة اقتصادية، لكن عددا من الأشخاص أرادوا تغيير مسار الاحتجاجات من القضايا الاقتصادية، وهو ما تصدت له قوات الأمن».
وبحسب المسؤولين، فإن مطالب السوق في الاحتجاجات شملت مخاوف من تذبذبات سوق العملة وفقدان الأعمال.
وأجمعت وسائل الإعلام التابعة للحكومة و«الحرس الثوري» على أن الاحتجاجات «كانت مطالب نقابية واقتصادية، أدت إلى إغلاق جزئي للسوق وتجمهر عدد منهم أمام البرلمان».
وقالت وكالة «تسنيم»، التابعة لمخابرات «الحرس الثوري» الإيراني، في تقريرها الرئيسي عن احتجاجات سوق طهران إنها خرجت ضد السياسات الاقتصادية للحكومة الإيرانية.
وأوضحت الوكالة أن «المتظاهرين تفرقوا بإعلان احتجاجهم على الوضع الاقتصادي وقرارات المسؤولين عن الملف الاقتصادي في الإدارة الإيرانية»، ووصفت إغلاق سوق طهران بالخطوة الرمزية بهدف إيصال صوتهم إلى المسؤولين. كما وجهت تهما إلى «مجهولين ملثمين» بالسعي وراء اختراق صفوف المتظاهرين لإجبار التجار على إغلاق محلاتهم التجارية، وهو ما واجه مقاومة من قبل التجار أجبرتهم على مغادرة السوق؛ حسب زعم الوكالة.
وأشارت الوكالة إلى مناوشات بين المتظاهرين وقوات الأمن في شارع «جمهوري» ومنطقة «لاله زار» بالقرب من مقر البرلمان الإيراني، وقالت إن متظاهرين أشعلوا النيران في أكشاك الشرطة والممتلكات العامة.
ويتعرض الريال لضغوط شديدة من تهديد العقوبات الأميركية. وهوت العملة الإيرانية إلى 90 ألف ريال مقابل الدولار في السوق غير الرسمية أمس من 87 ألفا أول من أمس الأحد، ونحو 75500 يوم الخميس الماضي، بحسب موقع الصرف الأجنبي «بونباست دوت كوم»؛ وبحسب «رويترز».
وفي نهاية العام الماضي، بلغت العملة المحلية 42890 ريالا للدولار.
وفرضت إيران حظرا على استيراد أكثر من 1300 منتج في إطار إعداد اقتصادها لمقاومة عقوبات تهدد بها الولايات المتحدة، ووسط احتجاجات على هبوط عملتها إلى مستويات قياسية منخفضة.
في السياق نفسه، ذكرت صحيفة «فايننشيال تريبيون» الإيرانية أمس عن وثيقة رسمية أن وزير الصناعة والتجارة محمد شريعة مداري فرض حظر الاستيراد على 1339 سلعة يمكن إنتاجها داخل البلاد. كما ذكرت صحيفة «طهران تايمز» أن قائمة الواردات المحظورة تشمل الأجهزة المنزلية ومنتجات المنسوجات والأحذية ومنتجات الجلود والأثاث ومنتجات الرعاية الصحية وبعض الآلات.
وتأتي التطورات في طهران قبل بدء العقوبات الأميركية على إيران التي من المفترض أن تبدأ من جديد في أغسطس (آب) وفي نوفمبر (تشرين الثاني) المقبلين بعدما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي.
وقد يتسبب هذا في انخفاض إيرادات إيران من العملة الصعبة من صادرات النفط، وقد يؤدي ذلك إلى قيام الإيرانيين بتحويل مدخراتهم من الريال إلى الدولار.



فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
TT

فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)

لا تشذ فرنسا في مقاربتها للملف السوري عن غيرها من الدول الأوروبية وغير الأوروبية وتتأرجح مواقفها بين الرغبة في الإقدام على الدخول بتفاصيله، والتروي بانتظار أن يتضح المشهد السوري وما تريده السلطة الجديدة وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام» بقيادة أحمد الشرع (المكنى سابقاً أبو محمد الجولاني).

كذلك تريد باريس تنسيق مواقفها وخطواتها مع شريكاتها في الاتحاد الأوروبي رغم أن الدول المعنية ليست كلها منخرطة في الملف السوري بمقدار انخراط باريس أو برلين أو مدريد، وأفادت الخارجية الفرنسية بأن الملف السوري سيكون موضع مناقشات بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين المقبل.

ما تقوله المصادر الفرنسية، يُبين أن باريس، كغيرها من العواصم، «فوجئت» بسرعة انهيار النظام الذي تصفه بأنه «نظام قاتل» مسؤول عن وفاة 400 ألف شخص وكل يوم يمر يكشف عن المزيد من «فظاعاته»، فضلاً عن أنه أساء دوماً للمصالح الفرنسية خصوصاً في لبنان، ولم يحارب الإرهاب بل «شجعه» كما دفع ملايين السوريين إلى الخارج.

وتعدّ فرنسا أن سقوط نظام بشار الأسد شكل «مفاجأة»؛ إلا أنه شكل «بارقة أمل» للسوريين في الداخل والخارج، ولكنها مُكَبّلة بعدد كبير من التحديات والمخاطر؛ منها الخوف من «تمزق» سوريا، وأن تمر بالمراحل التي مر بها العراق وليبيا سابقاً، وأن تشتعل فيها حرب طائفية ونزاعات مناطقية وتنشط مجموعات «إسلاموية وجهادية»، وتدخلات خارجية، وأن تنتقل العدوى إلى لبنان كما حصل في السنوات 2015 و2016.

ملاحظات باريسية

وإزاء مفردات خطاب «معتدلة» تصدر عن أحمد الشرع والهيئة التي يرأسها وعلى ضوء صورة الحكومة الانتقالية التي رأت النور برئاسة محمد البشير، تتوقف باريس عند عدة ملاحظات: الأولى، اعتبار أن ما جرى «يفتح صفحة جديدة»، وأن الهيئة المذكورة لم ترتكب تجاوزات كبرى واعتمدت حتى اليوم خطاباً «معتدلاً» ووفرت ضمانات «كلامية»؛ إلا أن ما يهم فرنسا، بالدرجة الأولى، «الأفعال وليست الأقوال».

وما تريده باريس عميلة انتقال سلمي للسلطة وأن تضم جميع المكونات وأن تحترم الحقوق الأساسية للمواطنين والأديان والطوائف، وأحد معاييرها أيضاً احترام وضع النساء وحقوقهن، كذلك، فإن باريس ستعمل لأجل هذه الأهداف مع الشركاء العرب وأيضاً مع تركيا وإسرائيل.

بيد أن فرنسا لا تريد لا الإسراع ولا التسرع، وإن كانت تتأهب لإرسال مبعوث إلى سوريا يرجح أن يكون الدبلوماسي جان فرنسوا غيوم، لكنها تستبعد الاعتراف السريع بالسلطات الجديدة.

وأكدت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان صادر عنها الخميس أن باريس ترى أنه «من السابق لأوانه في هذه المرحلة مناقشة رفع العقوبات المفروضة» على سوريا.

وكان وزير الخارجية المستقيل، جان نويل بارو، قد أجرى محادثات مع بدر جاموس، رئيس لجنة المفوضات السورية ومع ممثلين عن المجتمع المدني.

وقال بيان رسمي إن بارو ومحدثيه «عبروا عن الالتزام بتحقيق انتقال سياسي سلمي يشمل الجميع ويتماشى مع القرار 2254 الصادر عن الأمم المتحدة، يحمي المدنيين والحقوق الأساسية والأقليات».

كذلك أشار إلى «الاتفاق على أهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة واحترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها»، فضلاً عن «الإعراب عن قلقهم إزاء مخاطر التشرذم وانعدام الاستقرار والتطرّف والإرهاب، وضرورة استنفار الطاقات السورية والدولية من أجل تحاشيها».

اللاجئون

أما بالنسبة لملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فإن باريس تقول إنها ليست من يقول لهؤلاء بالعودة أو بالامتناع عنها. إلا أنها بالمقابل تعدّ الشروط الضرورية لعودتهم مثل الأمن والعودة الكريمة «ليست متوافرة» رغم سقوط النظام القديم وقيام نظام جديد.

وتتوافق المواقف الفرنسية مع تلك التي صدرت عن مجموعة السبع، الخميس، التي أبدت الاستعداد لدعم عملية انتقالية في إطار يؤدي إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي في سوريا، مذكرة بأن العملية الانتقالية يجب أن تتسم بـ«احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك حقوق المرأة، وحماية جميع السوريين، بمن في ذلك الأقليات الدينية والعرقية، والشفافية والمساءلة».

لاجئون سوريون في تركيا يسيرون نحو المعبر الحدودي بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد (د.ب.أ)

وضمن هذه الشروط، فإن مجموعة السبع ستعمل مع أي حكومة سورية مستقبلية تلتزم بهذه المعايير وتكون نتاج هذه العملية وتدعمها بشكل كامل.

وبينما تقضم إسرائيل أراضي سورية، وتدفع تركيا بالقوات التي ترعاها في الشمال الشرقي إلى مهاجمة مواقع «قسد»، فإن مجموعة السبع دعت «الأطراف كافة» إلى الحفاظ على سلامة أراضي سوريا ووحدتها الوطنية واحترام استقلالها وسيادتها.

ومن جانب آخر، وفي الكلمة التي ألقتها بعد ظهر الخميس بمناسبة «القمة الاقتصادية الخامسة لفرنسا والدول العربية» التي التأمت في باريس، عدّت آن غريو، مديرة إدارة الشرق الأوسط والمغرب العربي في الخارجية الفرنسية، أن الوضع اليوم في المنطقة «بالغ التعقيد» في قراءتها للتطورات الأخيرة في سوريا وللوضع في الشرق الأوسط، وأن المنطقة «تشهد تحركات تكتونية» (أي شبيهة بالزلازل).

وتعتقد غريو أن هناك «حقيقتين» يتعين التوقف عندهما بشأن سوريا: الأولى عنوانها «انعدام اليقين»، والعجز عن توقع التبعات المترتبة على هذه التطورات ليس فقط في المنطقة ولكن أيضاً في الجوار الأوروبي، إذ إن المنطقة «تسير في أرض مجهولة» وتشهد تغيرات جيوسياسية رئيسية.

و«الحقيقة» الثانية عنوانها السرعة الاستثنائية التي تحصل فيها هذه التغيرات، مشيرة إلى أنه في عام واحد حصلت حرب غزة وحرب لبنان والحرب بين إسرائيل وإيران وانهيار النظام السوري، وهي تطورات غير مسبوقة، لا في أهميتها وتبعاتها ولا في زمنيتها.