إردوغان لحسم الرئاسة... وحزبه يتراجع في البرلمان

الانتخابات جرت وسط تدابير أمنية مشددة... ومراقبة لصيقة من المعارضة

إردوغان يدلي بصوته في مركز اقتراع بإسطنبول أمس (رويترز)
إردوغان يدلي بصوته في مركز اقتراع بإسطنبول أمس (رويترز)
TT

إردوغان لحسم الرئاسة... وحزبه يتراجع في البرلمان

إردوغان يدلي بصوته في مركز اقتراع بإسطنبول أمس (رويترز)
إردوغان يدلي بصوته في مركز اقتراع بإسطنبول أمس (رويترز)

صوّت الناخبون الأتراك في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة، اللتين أُجريتا في يوم واحد، أمس، وفقاً للتعديلات الدستورية التي أقرها الناخبون في الاستفتاء الشعبي الذي أُجري في 16 أبريل (نيسان) 2017 على انتقال البلاد إلى النظام الرئاسي.
ورجحت نتائج أولية أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان حسم سباق الرئاسة من الجولة الأولى، بهامش طفيف. لكن {حزب الشعب الجمهوري} الذي يتزعم المعارضة شكك بالنتيجة، ورجح الاتجاه إلى جولة ثانية.
وبحسب وكالة الأنباء الرسمية، فإنه بعد فرز نحو 90 في المائة من صناديق الاقتراع، حصل إردوغان على نحو 54 في المائة من الأصوات، بينما حصل أقرب منافسيه محرم إينجه، مرشح حزب الشعب الجمهوري، على 30.3 في المائة من الأصوات.
وفي الانتخابات البرلمانية حصل «تحالف الشعب»، المكون من حزبي {العدالة والتنمية} الحاكم الذي تراجعت حصته و{الحركة القومية} على نحو 54.8 في المائة من الأصوات بواقع 43.2 في المائة للأول (298 مقعدا) و11.4 في المائة للثاني (51 مقعدا). ودخل حزبا الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد و«الجيد» البرلمان بعد تجاوزهما نسبة 10 في المائة من أصوات الناخبين. وبذلك انخفض عدد مقاعد حزب العدالة والتنمية في البرلمان من 317 مقعدا في البرلمان الحالي المؤلف من 550 مقعداً إلى 298 مقعدا في البرلمان الجديد المؤلف من 600 مقعد.
وشكك إينجه في النتائج التي تولت وكالة أنباء الأناضول الرسمية إعلانها حصرياً، فيما اعتبر ماهر أونال، المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية، مثل هذه الشكوك {إهانة لمؤسسات الدولة}.
وفي كلمة تلفزيونية من قصر «هوبر» الرئاسي في إسطنبول، مساء أمس، في أول ظهور له عقب إعلان النتائج الأولية للانتخابات، قال إردوغان إن الانتخابات «جرت في أجواء ديمقراطية، وبلغت المشاركة فيها نسبة قياسية»، متعهداً بالعمل خلال الفترة المقبلة على «تعزيز الديمقراطية والحريات وسيادة القانون واستقلال القضاء».
ورفض تشكيك معارضيه في النتائج غير الرسمية التي أعلنتها وكالة الأنباء الرسمية، أمس، ورجحت فوزه. وقال إن «المشاركة الشعبية في الانتخابات وصلت إلى نسبة تقترب من 90 في المائة»، مؤكداً أن «هذا يعد انتصاراً كبيراً للديمقراطية في تركيا؛ إذ لم تتحقق مثل هذه النسبة على مستوى العالم».
وأضاف: «على مدى 16 عاماً تصارعنا مع الانقلابيين وقوى الوصاية، ولن نترك تركيا مرة أخرى لتقع في براثن هذه القوى من جديد، وسنواصل مسيرتنا بعد أن بذلنا كل جهودنا من أجل التخلص من هذه الحقبة، ولن نسمح بتضييق الحريات أو إقصاء على أي أساس عرقي أو ديني».
ورأى أن «هذا الدعم الذي حصلنا عليه من شعبنا سيدفعنا إلى مواصلة معركتنا ضد الإرهاب»، مشيراً إلى أن «الشعب التركي لم يصوت فقط لانتخاب الرئيس والبرلمان؛ وإنما صوّت لصالح إقرار النظام الرئاسي، وسنعمل في الفترة المقبلة على إقرار حزمة واسعة من القوانين وتنفيذ وعودنا التي قدمناها للشعب وإنجاز المشروعات التي وعدنا بها؛ سواء شق قناة إسطنبول وإنتاج السيارة الوطنية وتعزيز الصناعات الدفاعية».
وعلى الرغم من سخونة المنافسة بين مرشحي الرئاسة الستة والأحزاب الثمانية التي تبارت لنيل مقاعد البرلمان، وعددها في البرلمان الجديد 600 مقعد، جرت عمليات الاقتراع في أجواء من الهدوء ولم يسجل المراقبون الأجانب أو المحليون تجاوزات خطيرة تؤثر على سلامة العملية الانتخابية.
وجرت الانتخابات وسط إجراءات أمنية مشددة، وتم نشر آلاف من قوات الأمن في أنحاء البلاد منهم نحو 40 ألفاً في مدينة إسطنبول وحدها، وهي أكبر مدن البلاد وأكثرها من حيث عدد الناخبين، حيث تضم 10 ملايين و559 ألفاً و686 ناخباً، من أصل 56 مليوناً و322 ألفاً و632 ناخباً في داخل تركيا.
وصوّت المرشحون للرئاسة وزعماء الأحزاب السياسية كلٌّ في دائرته، حيث صوّت الرئيس التركي رجب طيب إردوغان برفقة زوجته أمينة إردوغان، في الانتخابات البرلمانية في المركز الانتخابي بإحدى المدارس بالدائرة الأولى التابع لمنطقة سكنه، في حي أسكودار بالشطر الآسيوي من إسطنبول. وقال في تصريح مقتضب عقب التصويت، إن «تركيا ترفع سقفها من خلال النظام الرئاسي من أجل تجاوز مستوى الحضارات المعاصرة»، لافتاً إلى ارتفاع نسبة التصويت في الانتخابات، واعتبر أن ذلك يشكل تعبيراً عن الحياة الديمقراطية في البلاد.
وأشار إردوغان إلى أنه لم ترد أنباء عن مشكلات جدية في عملية الاقتراع في الانتخابات في عموم البلاد، قائلا إنه «سيتابع جزءاً من فرز أصوات الناخبين في إسطنبول، والجزء الآخر في أنقرة».
وغالباً ما يفعل إردوغان ذلك، حيث يجهز حزب العدالة والتنمية لاحتفالات بالفوز في الانتخابات ويطل إردوغان على الجماهير من شرفة المركز الرئيسي للحزب، لكنه هذه المرة لم يبدُ واثقاً من نتائج الانتخابات كما كان الحال في الاستحقاقات الانتخابية منذ تولي حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا منذ 2002، وذلك لصعوبة المنافسة في انتخابات أمس.
وأدلى أبرز منافسي إردوغان على الرئاسة مرشح حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، بصوته في مقر دائرته الانتخابية بيالوفا غرب تركيا بصحبة أسرته. ودعا أنصاره في تصريح عقب إدلائه بصوته إلى البقاء حول الصناديق في جميع اللجان ومراكز الاقتراع، لحين انتهاء فرز الأصوات. وقال إنه سيرابط أمام مقر اللجنة العليا للانتخابات في أنقرة لمتابعة عمليات الفرز.
وفي تصريحات لاحقة عقب بدء عمليات الفرز، قال إينجه إن عمليات الفرز ونتائج الانتخابات هي مسؤولية جميع أفراد الشعب، وليست وكالة أنباء «الأناضول» التي أعلنت أنها ستتولى إعلان النتائج حصرياً. وكانت قد نشرت معلومات كاذبة توحي بفوز الرئيس رجب طيب إردوغان حتى قبل إجراء الانتخابات، مذكّراً بإعلانها نتائج أعلى من النتائج الحقيقية في الاستفتاء على تعديل الدستور العام الماضي ثم اضطرت إلى خفضها. وشدد على أنه سيفوز بالانتخابات الرئاسية.
من جانبه، طالب رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، عقب إدلائه بصوته في مدرسة بالعاصمة أنقرة، موظفي الدولة المختصين بتسيير عملية التصويت، بأن يعلموا أنهم ينتسبون إلى الدولة التركية، لا إلى حزب من الأحزاب (في إشارة إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم)، مشدداً على أن عليهم أن يقوموا بواجبهم من هذا المنظور.
كما صوّتت المرشحة للرئاسة ميرال أكشينار، رئيسة حزب «الجيد»، في إسطنبول، وصوّت رئيس حزب «السعادة» تمال كرم الله أوغلو، مرشح الرئاسة في إزمير، كما صوّت المرشح الخامس دوغو برنتشيك رئيس حزب الوطن اليساري في إسطنبول. وقال في تصريح عقب الإدلاء بصوته إن تركيا تمر بمرحلة مهمة، وإنها ستعود بعد يومين إلى نهج مصطفى كمال أتاتورك. بينما صوّت المرشح السادس للرئاسة عن حزب الشعوب الديمقراطي (المؤيد للأكراد) صلاح الدين ديمرتاش، المحبوس على ذمة قضايا تتعلق بدعم الإرهاب منذ أكثر من عام ونصف العام، في مركز التصويت في سجن أدرنه (أقصى شمال غربي تركيا).
ووضع الناخبون الأتراك أصواتهم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 180 ألفاً و64 صندوقاً انتخابياً، موزعين على جميع أنحاء الولايات التركية. وبدأت عمليات التصويت في شرق وجنوب شرقي تركيا (المناطق ذات الأغلبية الكردية) في الساعة الثالثة فجر أمس بتوقيت غرينيتش، وانتهت في الساعة 13:00، وفي المناطق الأخرى، بدأ التصويت الساعة 4:00 بتوقيت غرنيتش وانتهى الساعة 14:00، ورُفع الحظر عن إعلان النتائج الأولية الساعة 16:00، بعد تطبيق الصمت الانتخابي لمدة 24 ساعة.
وأكدت بعثة مراقبة الانتخابات التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا أنها تابعت مراقبة سير العملية الانتخابية في مختلف أنحاء تركيا عبر 330 مراقباً ميدانياً تابعاً لها، بشكل طبيعي ودون أي قيود.
وقال رئيس البعثة السفير أودري غلوفر، إن البعثة تشكلت من 330 مراقبا ميدانياً يتابعون العملية الانتخابية في مختلف أنحاء تركيا، وأن عملهم لم يواجَه بأي قيود وسار بشكل طبيعي، وإن البعثة جاءت إلى تركيا لمراقبة العملية الانتخابية، بناءً على دعوة من وزارة الخارجية التركية. وتابع أن المراقبين التابعين للبعثة يقومون منذ شهر بأنشطتهم المتعلقة بتفقد صناديق الاقتراع والمراكز الانتخابية وغير ذلك من الأنشطة، في مناطق مختلفة من تركيا. وأضاف غلوفر: «نحن هنا من أجل مراقبة سير العملية الانتخابية؛ بما في ذلك عملية فرز أصوات الناخبين داخل وخارج البلاد»، مشيراً إلى أن البعثة تعمل بالتنسيق مع الجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومجلس أوروبا.
ويشارك 415 مراقباً من 8 منظمات دولية، في مراقبة عملية الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية، التي جرت، أمس (الأحد). وقامت المنظمات الدولية المذكورة بمراقبة سير العملية الانتخابية وفقاً للمعايير الدولية، وعملية الدعاية، ومشاركة الناخبين، وستقوم بإصدار تقرير عن مشاهداتها في وقت لاحق.
وتوقف التصويت في عدد من لجان جنوبي تركيا بسبب شكوى حزب الشعوب الديمقراطي (مؤيد للأكراد) من تجاوزات من جانب أنصار للرئيس التركى رجب طيب إردوغان، في بلدة سوروج بمحافظة شانلي أورفا، وأنباء عن وجود أعمال تزوير وأعداد زائدة من بطاقات التصويت في صناديق الاقتراع. وقال عدد من النشطاء في حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، في بيان صحافي، إنه تم تقديم طلب للهيئة العليا للانتخابات في المدينة وتمت الاستجابة وتوقفت أعمال التصويت إلى حين التحقق من الشكوى.
وعبّر رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، الذي سيكون آخر رئيس وزراء بعد تطبيق النظام الرئاسي الجديد، عن أمله في أن تجلب الانتخابات الهدوء والسلام، وتعزز أواصر الأخوة. وقال يلدريم إن تركيا ستواصل التقدم نحو أهداف وآفاق جديدة، مصحوبة بالاستقرار والثقة مع النظام الرئاسي الجديد.
وقال نائب رئيس الوزراء المتحدث باسم الحكومة التركية، بكير بوزداغ، إن النظام الرئاسي سيدخل حيز التنفيذ بجميع مؤسساته وقواعده، عقب إعلان نتائج الانتخابات، وإن تركيا ستفتح الباب على مرحلة جديدة عقب نتائج الانتخابات، و«نأمل أن تكون فاتحة خير على بلادنا». وأشار إلى أن الانتخابات سارت في أجواء من النضج الديمقراطي في عموم تركيا، وقد صمت السياسيون وسيسمع الجميع كلمة الشعب، متعهداً باحترام حزب العدالة والتنمية الحاكم قرار الشعب أياً كان وسيواصل المرحلة الجديدة في ضوئه. وقال رئيس حزب الحركة القومية، المتحالف مع العدالة والتنمية، دولت بهشلي: «إنني على ثقة بأن تركيا ستدخل مرحلة جديدة في ظل انتخابات آمنة ومستقرة».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟