شيمة الشمري: أواجه قمع اللغة للأنثى عبر تاريخها الطويل

ترد على من يتهمها بأنها حارسة «نون النسوة»

أغلفة إصدارات للكاتبة
أغلفة إصدارات للكاتبة
TT

شيمة الشمري: أواجه قمع اللغة للأنثى عبر تاريخها الطويل

أغلفة إصدارات للكاتبة
أغلفة إصدارات للكاتبة

لا تكترث القاصة السعودية شيمة الشمري باتهامات النقاد بأن كتاباتها «تفوح منها رائحة الأنثى» وأنها «تقف في ميدان السرد الأدبي تحامي عن حمى المرأة، تحرس نون النسوة».
ترد على من يتهمها بالقول: زيدوني تهما زيدوني.. فما أجملها من تهمة!
وحين سألناها قالت: «سأتجاوز مصطلح الاتهام الذي يمكن أن يكون مقبولا في غرف بوليس العالم الثالث، وأقول: الكتابة عندي لها شرط فني أحاول أن أخلص له، وأجد متعة وأنا أتقاسم معه الحوار، وبالتالي فكل ما يقال عن نصوصي هي آراء من حقها أن تقال، لكن عليها أن تكون مقنعة أمام النص الذي أكتبه».
تضيف: «أقف مدافعة عن الحق والخير والجمال للإنسان ذكرا أو أنثى، وربما رأى بعض النقاد في كتاباتي انتصارا للأنثى، من خلال مدخل للنسوية الحديثة التي أضاءت جوانب من قمع اللغة للأنثى عبر تاريخها الطويل، ولكنهم رأوه انتصارا فنيا، وإنسانيا، وهو ما أحاول الوفاء به».
رغم ذلك، فإن الكثيرين لاحظوا أن «الذات النسائية» لديها متوثبة، وكأنها تدافع عن حمى.. وهي تقول ردا على ذلك: «أنا أكتب من خلال تجارب وقراءات متنوعة، والدفاع عن حياض (الأنثى أو الذكر) أنساق إليه في غير خطابية أو تقريرية وهو غاية نبيلة من غايات الأدب العظيم.. لكنني لا أشعر وأنا أكتب أني في حلبة مصارعة».
الكاتبة والقاصة شيمة محمد الشمري التي تحمل شهادة ماجستير في الأدب والنقد، وهي محاضرة بجامعة حائل، وتحضر حاليا الدكتوراه، سجلت حضورا في عالم السرد السعودي والعربي، ولها مشاركات خارجية متعددة. وقد أصدرت ثلاث مجموعات قصصية: «ربما غدا»، «أقواس ونوافذ»، و«عرافة المساء»، وكتاب سيرة بعنوان: «شاعر الجبل».
في مرحلة مبكرة من عمرها توفرت لشيمة الشمري فرصة للتفرغ للقراءة والكتابة، تقول: «لم أستطع حتى اليوم تحديد سر اندفاعي نحو القلم، فهل كان زواجي المبكر، وانتقالي من حياة إلى حياة أخرى مختلفة هو السبب؟ حيث توطدت معرفتي بالقرية والمزارع والهدوء والبساطة والمسؤولية؟ فربما كان لذلك أثر في انكبابي على القراءة والانفراد بالذات تعويضا عن قرب الأهل وزحام المدينة ووسائل الترفيه هناك».
بدأت قراءتها في التفسير والحديث، إضافة إلى الكتب التراثية.. لكنها اتجهت فيما بعد لقراءة الشعر والنقد والرواية والقصة. تقول: «من الكتاب الذين قرأت لهم: غازي القصيبي، وعبد الله الجفري، وغادة السمان، وأجاثا كريستي، وإيليا أبو ماضي.. وغيرهم.. وهذه المصادر المختلفة أسهمت في صناعة نوع من الوعي، ورسخت في الاتزان الفكري والوسطية، والانطلاق في مجال الكتابة الإبداعية».
كتبت الشمري القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا والمقال والخاطرة وقصيدة النثر، لكنها تجد نفسها أكثر في القصة القصيرة جدا، الذي تقول إنها وجدته «الأقرب في تكثيف لحظة الإبداع التي يجب أن تجد لها فنا موجزا، يتناغم مع سرعة العصر الحديث ويفتح للمتلقي مساحة من المشاركة في استحضار وتأمل فيما قاله النص».
الحقيقة أن تجربة شيمة الشمري في كتابة النصوص القصيرة جدا، كانت مميزة، توقف عندها ذات مرة الناقد التونسي عبد الدائم السلامي بقوله: «إن القصة القصيرة جدا عند شيمة الشمري تمارسُ القتل الفني الرّحيمَ لكلّ ما اهترأ من بِنْياتِ الواقع الاجتماعي التي تجلوها سلوكياتُ الناسِ وتُنبئُ بها مضامينُ رؤيتِهم لعناصرِه، حتى لكأنّ القصّة، على حدِّ توصيفِ الكاتبةِ لها، هي تلكَ الجميلةُ المُشرقةُ، بتفاصيلِها الجذّابةِ، وملامحِها الهادئةِ، التي أنجبت مؤخَّرًا فتاةً صغيرةً جدًّا لكنّها قاتلةٌ!».
وما يلاحظه قراء شيمة الشمري، هو ذاته ما يلاحظه نقادها، فتجربتها تشهد تطورًا من عمل لآخر. تقول: «(أقواس ونوافذ) تجربة مختلفة عن (ربما غدا) وتختلف عنهما مجموعتا الثالثة (عرافة المساء)، فكل مجموعة تجربة جديدة من حيث الطرح والأدوات والتي تأتي نتيجة خبرة المبدع وقراءاته المتنوعة ومحاولة التجريب في الكتابة السردية».
وقد لاحظ السلامي أيضا «أنّ قصص شيمة الشمري القصيرة جدا تنهضُ في فضاءً تخيليًّا يتصارع فيه وعليه مُقدَّسان: اجتماعي يرومُ إخضاعَ الناسِ إلى سلطتِه ويدفعُ بهم إلى تكريسه وتطقيسه، وشخصي نازعٌ دومًا إلى عدم الامتثال للأوّل والتمرّد على السائد من السلوك والأفكار والأحوالِ».
ويضيف: «لا نعدمُ في هذا الإطار اندراجَ قصص شيمة الشمري في حركةِ التجديد المجتمعي التي يشهدها المجتمع السعودي منذ سنواتٍ، حيث نُلفيها تلتقطُ من واقعها المعيش مادّةَ قصصها، وتعوّل على طاقة الإيحاء في القصة القصيرة جدا وإمكاناتها في استغلال الكناية والاستعارةِ لنقضِ مجموعةٍ من المفاهيم الاجتماعيّة المتحكِّمةِ في أعناقِ العلائق بين الناس».



ماجان القديمة ...أسرارٌ ورجلٌ عظيم

قطعتان ذهبيتان وقطعة نحاسية مصدرها موقع تل أبرق في الإمارات العربية
قطعتان ذهبيتان وقطعة نحاسية مصدرها موقع تل أبرق في الإمارات العربية
TT

ماجان القديمة ...أسرارٌ ورجلٌ عظيم

قطعتان ذهبيتان وقطعة نحاسية مصدرها موقع تل أبرق في الإمارات العربية
قطعتان ذهبيتان وقطعة نحاسية مصدرها موقع تل أبرق في الإمارات العربية

كشفت أعمال المسح المتواصلة في الإمارات العربية المتحدة عن مواقع أثرية موغلة في القدم، منها موقع تل أبرق التابع لإمارة أم القيوين. يحوي هذا التل حصناً يضمّ سلسلة مبانٍ ذات غرف متعددة الأحجام، يجاوره مدفن دائري جماعي كبير. وتُظهر الدراسات أن هذه المنشآت تعود إلى فترة تمتد من الألف الثالث إلى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، وترتبط بمملكة عُرفت في تراث بلاد الرافدين باسم ماجان. خرجت من هذا التل مجموعة من اللقى تشهد لتعدّدية كبيرة في الأساليب، وضمَّت هذه المجموعة بضع قطع ذهبية، منها قطعة منمنمة على شكل كبش، وقطعة مشابهة على شكل وعلَين متجاورين.

يقع تل أبرق عند الخط الحدودي الفاصل بين إمارة أم القيوين وإمارة الشارقة، حيث يجاور الطريق الرئيسي المؤدي إلى إمارة رأس الخيمة. شرعت بعثة عراقية باستكشاف هذا الموقع في عام 1973، وبعد سنوات، عُهد إلى بعثة دنماركية تابعة لجامعة كوبنهاغن بإجراء أعمال المسح والتنقيب فيه، فأجرت تحت إدارة العالِم دانيال بوتس خمس حملات بين عامَي 1989 و1998. خرج تل أبرق من الظلمة إلى النور إثر هذه الحملات، وعمد فريق من الباحثين التابعين لكلية برين ماور الأميركية وجامعة توبنغن الألمانية على دراسة مكتشفاتها في 2007. تواصلت أعمال التنقيب في السنوات التالية، وأشرفت عليها بشكل خاص بعثة إيطالية تعمل في إمارة أم القيوين منذ مطلع 2019.

استعاد دانيال بوتس فصول استكشاف هذا الموقع في كتاب صدر عام 1999 تحت عنوان «ماجان القديمة... أسرار تل أبرق». زار الباحث تل أبرق للمرة الأولى في 1986، يوم كان يقود أعمال التنقيب في مواقع مجاورة، وزاره ثانية بعد عامين، بحثاً عن مؤشرات أثرية خاصة تتعلّق بالأبحاث التي كان يقودها، وكان يومها يعتقد أن تاريخ هذا التل يعود إلى مطلع الألف الأول قبل الميلاد، ثم عهد إلى العالِمة الدنماركية آن ماري مورتنسن بمشاركته في استكشاف هذا الموقع، وتبيّن له سريعاً أن الأواني التي كشفت عنها أعمال المسح الأولى تعود إلى القرون الثلاثة الأولى قبل الميلاد بشكل مؤكّد. إثر هذا الاكتشاف، تحوّل موقع تل أبرق إلى موقع رئيسي في خريطة المواقع الأثرية التي ظهرت تباعاً في الأراضي التابعة للإمارات العربية المتحدة، وتوّلت البعثة الدنماركية مهمة إجراء أعمال المسح المعمّق فيه خلال خمسة مواسم متتالية.

حمل عنوان كتاب دانيال بوتس اسم «ماجان القديمة»، وهو اسم تردّد في تراث بلاد الرافدين، ويمثّل جزءاً من شبه جزيرة عُمان كما تُجمع الدراسات المعاصرة. يذكر قصي منصور التركي هذا الاسم في كتابه «الصلات الحضارية بين العراق والخليج العربي»، ويقول في تعريفه به: «تعدّدت الإشارات النصية المسمارية عن المنطقة التي عُرفت باسم ماجان، وهي أرض لها ملكها وحاكمها الخاص، أي إنها تمثّل تنظيماً سياسياً، جعل ملوك أكد يتفاخرون بالانتصار عليها واحداً تلو الآخر». عُرف ملك ماجان بأقدم لقب عند السومريين وهو «إين» أي «السيد»، كما عُرف بلقب «لوجال»، ومعناه «الرجل العظيم». واشتهرت ماجان بالمعادن والأحجار، وشكّلت «مملكة ذات شأن كبير، لها ملكها واقتصادها القوي»، ودلَّت الأبحاث الحديثة على أن مستوطنات هذه المملكة، «بما فيها الإمارات العربية وشبه جزيرة عُمان الحالية، كانت لها قاعدة زراعية، ولكي تجري حماية استثماراتهم هذه شعر المستوطنون بضرورة بناء التحصينات الدفاعية الممكنة لقراهم، حيث احتوت كل قرية أو مدينة صغيرة على أبراج مرتفعة، بمنزلة حصن مغلق واسع، يتفاوت ارتفاعاً ومساحةً بين مدينة وأخرى». يُمثّل تل أبرق حصناً من هذه الحصون، ويُشابه في تكوينه قلعة نزوى في سلطنة عُمان، وموقع هيلي في إمارة أبو ظبي.

يتوقّف دانيال بوتس أمام اكتشافه قطعةً ذهبيةً منمنمةً على شكل كبش في مدفن تل أبرق، ويعبّر عن سعادته البالغة بهذا الاكتشاف الذي تلاه اكتشاف آخر هو كناية عن قطعة مشابهة تمثّل كما يبدو وعلَين متجاورين. وتحمل كلٌّ من هاتين القطعتين ثقباً يشير إلى أنها شُكّلت جزءاً من حليٍّ جنائزية. إلى جانب هاتين الحليتين الذهبيتين، تحضر حلقة على شكل خاتم، وقطعة على شكل ورقة نباتية مجرّدة، إضافةً إلى زر صغير، وتُكوّن هذه القطع معاً مجموعة ذهبية صغيرة تجذب ببيرقها كما بصناعتها المتقنة. يحضر الكبش في وضعية جانبية، ويتميّز بطابع تجسيمي دقيق، يتجلى في جانبيه. في المقابل، يحضر الوعلان متقابلين بشكل معاكس، أي الذيل في مواجهة الذيل، ويتميّزان كذلك بحذاقة في التنفيذ تظهر في صياغة أدّق تفاصيل ملامح كل منهما.

يذكر احد النقوش أن «لوجال ماجان»، أي عظيم ماجان، أرسل ذهباً إلى شولكي، ثاني ملوك سلالة أور الثالثة الذي حكم من 2049 إلى 2047 قبل الميلاد. ويربط دانيال بوتس بين قطع تل أبرق الذهبية وبين هذا الذهب، مستنداً إلى هذه الشهادة الأدبية، ويجعل من هذه القطع قطعاً ملكية ماجانية. في الخلاصة، يبرز كبش تل أبرق ووعلاه بأسلوبهما الفني الرفيع، ويشكّلان قطعتين لا نرى ما يماثلهما في ميراث مكتشفات تل أبرق الذي ضمّ مجموعة من البقايا الحيوانية، تُعد الأكبر في شبه الجزيرة العربية.

من هذا الموقع كذلك، عثرت البعثة الإيطالية في عام 2021 على مجموعة من اللقى، منها تمثال نحاسي صغير على شكل وعل، يبلغ طوله 8.4 سنتيمتر. يعود هذا التمثال إلى فترة زمنية مغايرة تمتدّ من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثالث الميلادي، ويتميّز بطابعه الواقعي الذي يعكس أثراً هلنستياً واضحاً. يماثل هذا التمثال مجموعة كبيرة من القطع مصدرها جنوب الجزيرة العربية، كما يماثل قطعاً معدنية عُثر عليها في قرية الفاو، في الربع الخالي من المملكة السعودية.