الأزمة السورية سلاح الرئيس ومعارضيه في الانتخابات التركية

لا يشكّل إعلان رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، الأسبوع الماضي، عن مشاركة 30 ألف مجنس سوري في الانتخابات البرلمانية – الرئاسية التركية الإشارة الوحيدة إلى الترابط بين القضية السورية والانتخابات التركية، لكنه قد يكون الإعلان الرسمي الأول عن انخراط المعارضين السوريين في العملية الانتخابية، وإن كان هذا الرقم يشكل قدراً ضئيلاً من عدد الناخبين الأتراك الذي يناهز الـ54 مليون ناخب.
ويعد الملف السوري عاملاً أساسياً في القرار الذي اتخذه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بإجراء الانتخابات مبكراً، وقبل سنة من موعدها، بالإضافة إلى رغبة إردوغان في تجنب إجراء الانتخابات في أجواء الانهيار الاقتصادي المرتقب في البلاد أواخر العام الحالي، مع اقتراب استحقاقات دين خارجي كبير، قد تجعل البلاد في وضع صعب جداً اقتصادياً.
ومنذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، كانت هذه الأزمة مادة رئيسية في الدعاية الانتخابية للموالاة والمعارضة التركيتين. فالموالون يرون في «نجدة الأشقاء المسلمين» عاملاً إيجابياً، بينما يرى المعارضون الجانب الآخر منها، والمتمثل في عدد النازحين الكبير (3 ملايين لاجئ مسجل ونحو 5 ملايين مقيم إجمالاً) وضغطهم على الاقتصاد التركي وفرص العمل، والمبالغ الطائلة التي دُفعت لرعايتهم (32 مليار دولار).
أما السوريون فقد وجدوا في هذا السجال أنفسهم، بطبيعة الحال، إلى جانب الفريق الموالي المرحب، ما دفع بعضهم في الانتخابات السابقة إلى القيام بمظاهرات دعم وتأييد للرئيس التركي رجب طيب إردوغان على الرغم من الدعوات التي أطلقها معارضون مقيمون في تركيا لهم لالتزام منازلهم يوم الانتخاب، وهي الدعوة التي سيكررونها اليوم.
وقالت مصادر تركية رسمية لـ«الشرق الأوسط» إن عدد الذين نالوا الجنسية التركية يقترب من 100 ألف شخص، غير أن 30 ألفاً فقط حصلوا على البطاقات التي تخوّل لهم الاشتراك في الانتخابات. وإذ أكد المصدر أن هؤلاء موزعون على العديد من المناطق التركية، غير أنهم يتركزون بشكل أساسي في 3 مناطق داخل محافظة إسطنبول، مشيراً إلى أن أعداد هؤلاء لن تؤثر في عملية الاقتراع أياً كانت الجهة التي سيصوّتون لها.
وقد استخدم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الورقة السورية بقوة في دعايته الانتخابية، فلم يخلُ خطاب واحد من الإشارة إلى معاناة السوريين، وإلى دور تركيا في مساعدتهم، والتحذير من الخطر الكردي السوري الذي يخاطب أهواء القوميين الأتراك بقوة، وجذب إليه بالفعل حزب الحركة القومية الذي انتقل من المعارضة الشرسة لإردوغان إلى التحالف الكامل.
وتقول دراسة أعدها مركز «جسور» السوري المعارض إنه «يُعتقد أن الانتصارات السريعة التي حققها الجيش التركي في عفرين كانت أصلاً سبباً رئيسياً في تقديم موعد الانتخابات، حيث يرغب الرئيس إردوغان في تحويلها إلى نتائج في صناديق الاقتراع»، مشيراً إلى أن «الأزمة السورية حضرت في المشهد التركي منذ بداياتها، وتحوّلت تدريجياً من شأن خارجي في دولة مجاورة، ينبغي على السياسيين الأتراك التعامل معه بدقة، إلى جزء من المشهد المحلي، بل وأصبحت تركيا جزءاً من المشهد السوري أيضاً».
وفي مثل هذا الشهر من عام 2011، وصلت أول مجموعة من 122 شخصاً، معظمهم من مدينة جسر الشغور، إلى قرية كربياز كيو في محافظة هاتاي جنوب تركيا، تزامناً مع الحملة الموسعة لجيش النظام على مدينة جسر الشغور آنذاك. ومع نهاية الأسبوع الثاني من شهر يونيو (حزيران) 2011، كان عدد اللاجئين في تركيا قد وصل إلى 8500 شخص. واستمر تصاعد أعداد اللاجئين السوريين بشكل مستمر، حتى وصل في بداية يونيو 2018 إلى 3,579,254 لاجئاً مسجلاً مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وتشير الدراسة إلى حضور متفاوت للأزمة السورية في خطابات المرشحين، تبلغ الذروة في خطاب الرئيس إردوغان الذي يعد الأكثر استعمالاً لها، وتتناقص تدريجياً لتغيب تقريباً في خطابات المرشح الكردي صلاح الدين دميرتاش.
ووفقاً للدراسة، فقد حضرت الموضوعات المتعلقة بالقضية السورية بشكل كبير في خطاب الرئيس إردوغان الانتخابي، ويكاد معظم خطاباته الانتخابية لا يخلو من إشارات إلى هذه الموضوعات. وقال إردوغان مخاطباً الجيش التركي مطلع الشهر الحالي: «لقد سحقتم إرهابيي تنظيم داعش خلال عملية درع الفرات، وسحقتم إرهابيي تنظيم (بي يي دي) في عملية غصن الزيتون، والآن تضيقون الخناق على إرهابيي تنظيم (بي كي كي) في جبال العراق، لماذا تقومون بكل ذلك؟ إنه من أجل شعب واحد وعَلَم واحد ووطن واحد ودولة واحدة، أجدادنا أورثونا هذا الوطن ونحن سنورّثه للأجيال القادمة، وكما نفتخر اليوم بأجدادنا ستفتخر بكم الأجيال القادمة في المستقبل». وقال إردوغان في خطاب آخر إن «أطفال سوريا يواصلون حياتهم وهم يعيشون في رعب لا يعرفون متى ستنزل عليهم القنابل في بيوتهم وشوارعهم ومدارسهم، كما أن التنظيمات الإرهابية تتحرك بحرية كما تشاء في سوريا». أما مرشح حزب الشعب الجمهوري محرم إنجه، فقد تعهد في حالة نجاحه بإغلاق المعابر الحدودية مع سوريا، ومنع السوريين الذين يسافرون إلى سوريا لقضاء إجازة العيد من العودة إلى تركيا. وقال: «إذا كنت تستطيع أن تذهب وتبقى ثم تعود من جديد، فلماذا لا تبقى هناك؟ لماذا تأتي؟ هل تأتي لقضاء عطلة هنا؟ هذا غير مقبول؟ عندما يغادرون المنزل لقضاء العطلة، سأغلق الباب وسيبقون هناك. هل تركيا مطبخ حساء؟». وسُئل إنجه عما إذا كان الأسد «خطاً أحمر» بالنسبة إليه، فأجاب: «لا أشعر بشكل خاص بالتعاطف أو الكراهية تجاهه. ولكن لا ينبغي أن يكون هناك مجال في إدارة الدولة للغضب مع أي شخص. يجب ألا يتصرف الشخص الذي يحكم تركيا بشكل عاطفي». وأكد ضرورة الحفاظ على وحدة أراضي سوريا واعتماد دستور جديد، وشدّد على «ضرورة إجراء انتخابات تحت مراقبة الأمم المتحدة بمشاركة السوريين الموجودين بالخارج». وقال: «سيعود السوريون الذين يعيشون في تركيا لحسن الحظ إلى ديارهم بعد تأسيس هذا الهيكل». كما عبّر عن عدم رغبته في إنفاق 40 مليار دولار على اللاجئين السوريين. ووعد في مقابلة أخرى بأنه عندما يصبح رئيساً، سيرسل سفيراً إلى دمشق على الفور.
أما المرشحة عن حزب «الخير»، المنشق عن حزب الحركة القومية، ميرال أكشنار، فقد كررت دعواتها لإعادتهم إلى بلادهم، وتعهدت بإنجاز ذلك خلال عام من فوزها.
وقالت أكشنار أمام تجمع في مدينة مرسين الجنوبية في إطار حملتها الرئاسية: «أعدكم من هنا، بأن اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا سيتناولون إفطار رمضان في عام 2019 مع أشقائهم في سوريا». وقالت إن وجود اللاجئين السوريين في تركيا كان له تأثير سلبي على اقتصاد البلاد، معتبرة أن السياسة الخاطئة التي اتبعها الرئيس الحالي رجب طيب إردوغان قد ضاعفت من عدد اللاجئين السوريين في البلاد.
أما المرشح اليساري دوغو برينجيك، فقد دعا إلى تحسين العلاقة مع النظام السوري، وأبدى استعداده لاستقبال الأسد شخصياً في أنقرة إن نجح في الانتخابات. وقال: «بمجرد أن أتولى منصبي، سأدعو بشار الأسد إلى أنقرة. سألتقيه في المطار. وبهذه الطريقة سنحسّن العلاقات الثنائية مع سوريا، والتي تعدّ جهة فاعلة رئيسية في علاقات تركيا بين إيران وروسيا والصين».