معبر رفح يفتح آفاقاً جديدة أمام شبان غزة الراغبين في الهجرة

TT

معبر رفح يفتح آفاقاً جديدة أمام شبان غزة الراغبين في الهجرة

بعد معاناة استمرت أكثر من عام ونصف العام، نجح الشاب محمد جودت، البالغ من العمر 33 عاماً، في مغادرة قطاع غزة عبر معبر رفح البري، الذي لا يزال يفتح أبوابه أمام حركة المسافرين الفلسطينيين منذ بداية شهر رمضان، ويتوقع استمرار العمل فيه حتى عيد الأضحى بهدف التخفيف عن سكان القطاع.
وبعد أيام قليلة من مغادرته القطاع عبر معبر رفح، وصل محمد إلى تونس للقاء فتاة تونسية تعرّف عليها قبل 5 أعوام خلال دراسته في تونس، ليعود إليها بهدف الزواج بعد انتظار طويل نتيجة إغلاق معبر رفح البري الذي كان يفتح لأيام معدودة ثم يُغلق. ولم تسنح لمحمد فرصة السفر عبر فتح المعبر من قبل كونه لم يكن يملك مالاً كافياً لتأمين رحلته، ولا للمرور عبر ما يُعرف بـ«آلية التنسيق»، التي كان يدفع فيها بعض المسافرين أموالاً تصل إلى 3 آلاف دولار لأكثر من جهة لتأمين سفرهم إلى خارج قطاع غزة.
ويقول محمد لـ«الشرق الأوسط»، متحدثاً عبر الهاتف من تونس، إنه منذ وصوله بدأ ترتيبات الزواج بالفتاة التونسية التي تعمل مدرّسة في إحدى المدن الكبرى، مشيراً إلى أنهما يستعدان للاحتفال بزواجهما اليوم (الأحد)، ولفت إلى أنه كان يتواصل معها ومع أسرتها طوال الفترة التي عاد فيها من تونس إلى قطاع غزة بعد إنهاء تعليمه الجامعي هناك.
وعبّر الشاب الفلسطيني عن فرحته الكبيرة بعد تمكنه من مغادرة القطاع والوصول إلى تونس، مشيراً إلى أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي كان يعيشها في غزة لم تمكنه طوال سنوات من الحصول على فرصة عمل وبناء مستقبل والزواج، وتابع أنه يخطط للبقاء في تونس والبحث عن فرصة عمل فيها.
وكانت السلطات المصرية قد أعلنت قبل أيام الاستمرار في فتح معبر رفح البري حتى إشعار آخر، وسط ترجيحات بالاستمرار في فتحه حتى نهاية عيد الأضحى على أقل تقدير. وهذه هي المرة الأولى التي يفتح فيها المعبر لهذه الفترة الطويلة منذ الأحداث التي شهدتها مصر عام 2012.
وفي الأسابيع الماضية، نجح عدد كبير من الطلاب والمرضى والشبان الذين كانوا يحاولون باستمرار مغادرة القطاع، بهدف الهجرة أو البحث عن العمل في دول أوروبية مختلفة، من السفر عبر معبر رفح. وقال الشاب إسماعيل المهندس الذي غادر بلدته جباليا، شمال قطاع غزة، يوم 17 رمضان عبر معبر رفح البري متجهاً إلى مصر، ومنها إلى اليونان، إنه غادر القطاع بعد محاولات حثيثة كان قد أقدم عليها لمغادرة غزة منذ 3 أعوام، بعد أن فقد الأمل في الحصول على وظيفة تمكنه من بناء مستقبل له في غزة.
وأشار المهندس، في حديث هاتفي لـ«الشرق الأوسط» من اليونان، إلى أنه وصل مع 4 شبان آخرين، ورجل آخر يعمل موظفاً في السلطة الفلسطينية، إلى اليونان، وأنهم يطمحون بمغادرتها في أقرب فرصة للتوجه إلى بلجيكا، أو دولة أوروبية أخرى يمكن أن يعيشوا فيها أملاً بالحصول على «فرصة حياة أفضل».
وقال المهندس، الذي يبلغ من العمر 28 عاماً، ولم يتمكن من الزواج في غزة، أو العثور على فرصة عمل، رغم أنه خريج تجارة أعمال، إنه خطط للسفر إلى خارج غزة أكثر من مرة، لكن الفرصة لم تسنح له سوى الآن، بعد فتح معبر رفح لهذه المدة الطويلة.
ولفت إلى أنه في حال تمكن من الحصول على فرصة عمل، وتحسن وضعه الحياتي في أوروبا خلال السنوات المقبلة، فإنه لن يتوانى في جلب أشقائه الثلاثة إلى المكان الذي سيكون موجوداً فيه، أملاً بتغيير واقع حياتهم الصعب، مشيراً إلى أنه سيسعى إلى الزواج من فتاة غربية أو من أصول عربية. وأكد أن هناك الآلاف من الغزيين الذين يطمحون بالهجرة أملاً في تغيير حياتهم ولو بقدر قليل، حيث يمكنهم الحصول على طعام صحي وكهرباء ومياه بشكل دائم، بعيداً عن الاضطهاد السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يعانون منه «نتيجة سياسات حماس وفتح»، كما قال.
وتابع أن غالبية الشبان في غزة، خصوصاً من الخريجين، لا يحصلون على فرص عمل، بل يعتمدون على أعمال تقع تحت بند «البطالة / العمل المؤقت»، ويصل راتبها شهرياً إلى 200 دولار فقط، وهو مبلغ لا يكاد يكفي لتأمين المواصلات بين مكان السكان ومقر العمل، وأضاف: «في حال استمر معبر رفح مفتوحاً، فإنني أعتقد أنه سيتم تسجيل أعداد كبيرة جداً من الشبان المهاجرين».
وبحسب إحصاءات غير رسمية، حصلت عليها «الشرق الأوسط» من مراكز سفريات في غزة (قبل فتح معبر رفح)، فإن نحو ألفي شاب فلسطيني، غالبيتهم تتراوح أعمارهم بين 24 و35 عاماً، مسجلون ضمن قوائم الراغبين في السفر طمعاً في الهجرة واستكمال تعليمهم في الخارج والبقاء خارج قطاع غزة.
وقبل سيطرة الجيش المصري على الحدود وإغلاق الأنفاق، كان الشبان يعتمدون على الأنفاق في مغادرة القطاع إلى مصر، ومنها للهجرة إما براً أو بحراً. وتوفي ما لا يقل عن 17 فلسطينياً من سكان القطاع في سبتمبر (أيلول) 2014، إثر حادثة غرق سفينة في أثناء مغادرتها سواحل الإسكندرية باتجاه ليبيا، تمهيداً لنقلهم إلى أوروبا، فيما فُقد أكثر من 60 شخصاً آخرين، بينهم عائلات بأكملها في منتصف الشهر ذاته، ولا يزال مصيرهم مجهولاً وسط حديث عن وفاة عشرات منهم وإنقاذ آخرين.
وتشير إحصاءات دولية إلى أن 80 في المائة من سكان غزة باتوا يعتمدون على المساعدات الإنسانية الدولية، وأن البطالة قد ارتفعت بفعل الحصار إلى نحو 42.8 في المائة، وتوقف 90 في المائة من المشاريع، وفقد 75 ألف موظف لرواتبهم بسبب الانقسام بين الضفة والقطاع، فيما تسببت القيود الإسرائيلية بخسارة في الثروة السمكية والزراعية بنسبة 47 في المائة.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.