باريس تسعى إلى طاولة مستديرة تضم أطراف آستانة و«النواة الصلبة»

قصر الإليزيه الرئاسي في باريس.
قصر الإليزيه الرئاسي في باريس.
TT

باريس تسعى إلى طاولة مستديرة تضم أطراف آستانة و«النواة الصلبة»

قصر الإليزيه الرئاسي في باريس.
قصر الإليزيه الرئاسي في باريس.

تشكو باريس من غياب استراتيجية أميركية «واضحة» في سوريا، وتعتبر أن خيارات واشنطن في هذا الملف لم تحدد بعد بدقة؛ لأن وزير الخارجية مايك بومبيو «لم يتفرغ بعد لمعالجته» باعتبار أن ملف كوريا الشمالية استحوذ حتى الآن على أولويات اهتماماته الخارجية؛ لكن رغم انعدام «خطة واضحة مستقبلية» للحل السياسي ولصورة سوريا، فإن مصادر فرنسية رفيعة المستوى تحدثت إليها «الشرق الأوسط» تعتبر أن واشنطن حددت «مجموعة قليلة من الأولويات» تعمل على هديها، بانتظار أن تكون مكونات الإدارة والأجهزة الأمنية والوزارتان المعنيتان «الخارجية والدفاع» قد توصلت إلى «رؤية موحدة» لما يجب أن تكون عليه سوريا وللمسارات المفضية إليها.
وتؤكد هذه المصادر التي هي على تواصل مع المسؤولين الأميركيين، أن النقاشات بين الجهات المعنية لم تصل بعد إلى خلاصات نهائية، رغم أنه من الواضح أن خيار الرئيس ترمب في الانسحاب «في أسرع وقت» تراجع بفعل ضغوط داخلية وخارجية.
تقول المصادر الفرنسية: «نحن بانتظار أميركا وما ستقرره. وهي لم تكشف لنا عن استراتيجيته». والمجهول الأكبر الحاسم، بحسب رؤيتها، هو «معرفة ما إذا كان الأميركيون سيبقون في سوريا أم لا». وتضيف هذه المصادر أنه عندما يسأل الطرف الأميركي عن تصوره لسوريا الغد، فإن رده هو إعلان التمسك بالقرار الدولي رقم 2254 الصادر نهاية عام 2016.
وما تريده واشنطن وفق باريس، يتلخص في أربعة أهداف مرحلية: الأول، القضاء نهائيا على «داعش». والثاني، منع عودة الحرب بين تركيا ووحدات حماية الشعب الكردية، ليبقى اهتمام القوات الكردية منصبا على محاربة «داعش». والثالث، عدم المساس بالمصالح الإسرائيلية، الأمر الذي يفسر تمسك واشنطن بالمحافظة على منطقة خفض التصعيد في الجنوب الغربي لسوريا، والمحادثات القائمة مع الطرف الروسي للنظر بمصيرها وإعادة قوات النظام إليها، ولكن مع إبعاد العناصر الإيرانية والميليشيات الشيعية لمسافات يتم التحاور بشأنها. أما الهدف الأميركي الرابع فيتمثل في المحافظة على أمن الأردن، عن طريق منع تحول منطقة الجولان - درعا إلى ساحة قتال تحمل تهديدا أمنيا للأردن، أو تدفع لنزوح عشرات الآلاف إلى أراضيه.
لا يبدو أن لباريس تحفظات على هذه الأهداف الآنية. فهي تتمسك بالقضاء على «داعش» ووجود وحدات كوماندوس فرنسية إلى جانب وحدات حماية الشعب شمال شرقي سوريا، دليل على ذلك. كما أن انتشارها «قبل انسحابها مؤخرا» في الأسابيع الأخيرة في محيط مدينة منبج كان غرضه «طمأنة» الأكراد ليتفرغوا لمحاربة «داعش». كذلك، فإن فرنسا «متمسكة» بالقرار 2254؛ لكن ما تسعى إليه هو كيفية العمل من أجل العودة إلى المسار السياسي. من هنا، أهمية ما يسعى إليه الرئيس ماكرون والدبلوماسية الفرنسية وهو «إيجاد آلية تنسيق» بين مجموعة آستانة (روسيا، وتركيا، وإيران) و«المجموعة المصغرة» الداعمة للمعارضة السورية (الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، والسعودية، والأردن) التي تريد باريس توسيعها بضم تركيا ومصر إليها.
يكمن هدف باريس في إيجاد «أجندة مشتركة ومتناسقة» بين المجموعتين، يمكن أن توصل إلى مفاوضات سياسية، مثل الدستور والانتخابات والأسرى والمسائل الإنسانية. والهدف من ذلك «الوصول إلى مسار لإيجاد حل للنزاع، يمر حكما عبر طاولة مستديرة (تضم المجموعتين) تضغط من خلالها الأطراف الفاعلة على المعارضة والنظام، وخصوصا النظام، لقبول الدخول في حوار حول ممارسة السلطة ومستقبلها والوضع السياسي العام في سوريا». وتعتبر باريس أن العودة إلى البحث عن لجنة دستورية بحسب توصيات آخر مؤتمر في سوتشي، كانت نتيجته الأولى «إعادة تعويم» المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا ودور الأمم المتحدة. وبعد اجتماعه بممثلين عن مجموعة آستانة، سيلتقي دي ميستورا بممثلين عن «المجموعة المصغرة». لكن مفتاح الحل في نظر باريس يبقى مرهونا بمدى استعداد موسكو وطهران للضغط على النظام للسير بالحل. لكن الصعوبة تكمن في «التداخل» بين الملف السوري وبين الملفات الإقليمية الأخرى المتفجرة، وعلى رأسها الملف النووي الإيراني. يضاف إلى ذلك صراع المصالح واختلاف الأجندات بين الأطراف المعنية، واستخدام الحرب في سوريا في إطار نزاع إقليمي أوسع.
ترى باريس أن إسرائيل تحولت إلى عامل «رئيسي» مؤثر في الحرب في سوريا، من خلال تطور رفضها للحضور الإيراني في هذا البلد، ومن خلال التفاهمات التي استطاعت نسجها مع الولايات المتحدة، التي تبنت الدفاع عن مصالحها من جهة ومع روسيا من جهة أخرى.
وتعتبر الجهات الفرنسية أن روسيا تجهد للتوفيق بين التزامين: الأول، التزامها بالحلف مع طهران للدفاع عن النظام وتفاسم النفوذ في سوريا. والثاني، التزامها القوي بأمن إسرائيل ورفض أي مساس بأن تكون إيران مصدر تهديد لإسرائيل في سوريا. وهذان الالتزامان يبرران «الأداء» الروسي. موسكو «تغض النظر» عن الضربات الجوية والصاروخية الإسرائيلية ضد العناصر والقواعد الإيرانية أو الميلشيات المرتبطة بها «طالما أن الضربات الإسرائيلية تبقى في حدود معينة ولا تمس المصالح الروسية». مقابل ذلك، فإن إسرائيل تحرص، وفق باريس على أمرين: الأول، عدم إيذاء أي روسي في سوريا، والثاني، عدم استهداف «حزب الله» في سوريا؛ حيث يمكن النظر إلى وجود «تفاهم ضمني» لعدم الاعتداء بين الجانبين.
العنصر الآخر الذي يحظى باهتمام باريس، وضع الأكراد السوريين. وفي هذا السياق، تتخوف باريس من نتائج انسحاب أميركي محتمل على وضعهم المستقبلي، إن لجهة ما تسعى إليه تركيا أو لجهة ما يعمل النظام من أجله. وفيما ترى باريس أن تحركات تركيا في المناطق الكردية تحظى بدعم من موسكو «وآخر دليل على ذلك تسليمها مدينة تل رفعت للجيش التركي»، فإن نصيحتها للأكراد هي بالسعي لفتح حوار مع أنقرة. وترى باريس أن تركيا «أصبحت جزءا ثابتا في المعادلة السورية»، وبالتالي فإنها «تشجع» الأكراد على فتح حوار معها «من أجل إقناعها بأن وحدات حماية الشعب ليس حزب العمال الكردستاني» الذي تحاربه تركيا. وشكوى الأكراد أن تركيا «ترفض جذريا فتح حوار معهم». أما بالنسبة للنظام، فإن باريس تحث الأكراد على «رفض الوصول إلى اتفاق معه وفق شروطه» التي لا تتوافق أبدا مع طموحات الأكراد. ووفق القناعة الفرنسية، فإن خطة النظام هي «العودة إلى سوريا لما قبل عام 2011». وفي الأسابيع الأخيرة، كرر الأسد أنه يريد استعادة «كل شبر» من الأراضي السورية، إما سلما أو بالقوة. يبقى موضوع منطقة إدلب التي انتقل إليها عشرات الآلاف من المعارضة من كافة التلاوين. والسمة الغالبة على وضعها هي «الانتظار والترقب» إذ إن النظام «غير قادر» من جهة على استعادتها بالقوة، ومن جهة أخرى، فإن عملياته العسكرية فيها إذا قرر الانطلاق بها ستسفر عن «مأساة إنسانية» وحركات نزوح كبرى. يضاف إلى ذلك أن منطقة إدلب هي منطقة «خفض تصعيد» وقد عهدت مراقبتها إلى تركيا التي نشرت حولها 11 نقطة مراقبة. وما تعتبره باريس أن الأطراف المؤثرة «تراهن على حصول مواجهات بين الجهاديين وغير الجهاديين»؛ بحيث يقضى على الطرفين أو يتم إضعافهما معا.



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.