أحدث خريطة لتوزيع القوى المتصارعة في ليبيا

تحالفات متقاطعة... وتمركزات مفاجئة... وحشود عسكرية سريعة الحركة

أحدث خريطة لتوزيع القوى المتصارعة في ليبيا
TT

أحدث خريطة لتوزيع القوى المتصارعة في ليبيا

أحدث خريطة لتوزيع القوى المتصارعة في ليبيا

تُظهر أحدث خريطة لتوزيع القوى المسلحة في ليبيا تحالفات متقاطعة، وتمركزات مفاجئة في المواقع، وحشودا عسكرية سريعة الحركة. وباستثناء قوات الجيش الوطني، بقيادة المشير خليفة حفتر، في الشرق، يبدو أن باقي التنظيمات العسكرية وشبه العسكرية، في الغرب، تفتقر إلى عقيدة واضحة بشأن الهدف من وجودها، وما تريد أن تفعله في الحاضر والمستقبل.
ومنذ سقوط نظام معمر القذافي... ومنذ تفرُّق الجيش تحت ضربات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في 2011، تشكلت في غالبية المدن مجالس عسكرية لتأمين المرافق وحياة الناس فيها، يعد أقواها هو المجلس العسكري لمدينة مصراتة، إلا أن الصراع على النفوذ، تسبب سريعا في حروب صغيرة هنا وهناك، سقط ضحيتها مئات القتلى وآلاف المصابين، وتشريد الألوف.
ومن بين خلافات المجالس العسكرية، تسللت عناصر متطرفة وصلت في بعض المدن إلى تولي رئاسة تلك المجالس، والدخول بليبيا للمجهول، ما أدى إلى ارتفاع أسهم الجيش الوطني في الشرق، بعد أن تمكن من هزيمة المتطرفين، وفرض سلطة موحدة على مساحات شاسعة من البلاد.
وفي المقابل بقيت مدن الغرب، خاصة طرابلس ومصراتة، تحت وطأة تنافس محموم من جانب مسلحين من مشارب متعددة، رغم وجود سلطة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، المدعوم دوليا. وفي التقرير التالي صورة عن أهم مناطق وجود القوى المسلحة في عموم ليبيا، وفقا لما حصلت عليه «الشرق الأوسط» من مصادر عسكرية وأمنية مختلفة في ليبيا.
منذ عام 2014 تمكن المشير خليفة حفتر من إعادة تكوين «القوات المسلحة العربية الليبية»، وهو الاسم الذي كان يطلق على الجيش في عهد العقيد معمّر القذافي. ويبلغ قوام عناصر الجيش القديم التي كانت منتظمة في الخدمة نحو 140 ألف ضابط وجندي. لكن العدد الحالي الذي رجع للعمل تحت إمرة حفتر، يبلغ تقريبا ربع عدد القوات السابقة.
وكان الهدف من تجميع الجيش تحت اسم «عملية الكرامة»، قبل أربع سنوات، هو التصدي للجماعات المتطرفة التي استوطنت بنغازي، ثاني أكبر المدن والعاصمة التاريخية للشرق.
ولم ينجح حفتر فقط في دحر تنظيمات مصنفة دوليا كجماعات إرهابية، بل تمكن أيضاً من بسط سلطة الدولة على بنغازي، وكل مدن الشرق، ومعظمها مطل على البحر المتوسط، لكن ما زالت هناك بؤر إرهابية منتشرة في مدينة درنة التي تبعد نحو 250 كيلومترا من الحدود مع مصر، وبؤر أخرى في الصحراء الجنوبية الشرقية، وهي منطقة وعرة التضاريس.
- تمركزات الجيش
يتمركز الجيش في الوقت الراهن في معسكرات يقع معظمها في شرق البلاد حول مدينة بنغازي، خاصة منطقة الرجمة التي يدير منها المشير حفتر العمليات القتالية. وتمكن خلال الشهور الماضية من فرض حصار محكم على درنة لتضييق الخناق على الجماعات المتطرفة. ونجح في فتح معسكرات له داخل بنغازي، وفي مناطق القبة والبيضاء، وغيرها.
وللجيش وجود في الشمال الأوسط من البلاد أيضا، يمتد من إجدابيا، حتى مشارف مدينة سرت غربا. وإلى الجنوب من سرت انتزع الجيش قاعدة الجفرة الحيوية من أيدي جماعات متباينة التوجهات، لكنها كانت متحدة ضد الجيش.
وفي الجنوب قاتل حفتر بضراوة من أجل استعادة قاعدة براك الشاطئ الاستراتيجية من أيدي متطرفين في الشهور الماضية. وما زال يسيطر عليها، حيث يقوم بين حين وآخر باستخدام قاعدتها الجوية لتنفيذ غارات على جماعات متشددة في أقصى الجنوب.
وتتوزع القوى الرئيسية ذات التسليح القوي بين أربع مناطق الآن هي: الشرق، وطرابلس، ومصراتة في الغرب، وسبها في الجنوب.
- انقسامات طرابلس وما حولها
وقعت في طرابلس وما حولها حروب صغيرة متعددة كان أبرزها الحرب التي دارت في 2014 بين قوات من مدينة الزنتان الواقعة إلى الجنوب الغربي من العاصمة، وقوات من مدينة مصراتة، التي تبعد نحو مائتي كيلومتر إلى الشرق من طرابلس. لكن الأمور تغيرت والتحالفات أيضا. وفيما بعد تمكنت قوات تتكون في معظمها من أبناء العاصمة، من طرد مقاتلي مصراتة وتحالفاتهم مع الإسلاميين المتشددين، من طرابلس في صيف العام الماضي. وتوالي القوات الطرابلسية وجود السراج كحاكم في طرابلس.
- مخاوف من تاجوراء
من ناحية أخرى، الاثنين الماضي، جرى رصد تحرك من عناصر من ميليشيات مصراتة في اتجاه منطقة القره بولي في شرق العاصمة، حيث تتمركز قوات أخرى مناوئة للسراج، منذ شهور، في منطقة تاجوراء التي تفصل القره بولي عن طرابلس. وتعرف هذه القوات باسم كتيبة بشير البقرة، وهي خليط من متعاونين سابقين مع السراج، وجماعات متطرفة.
وفي اليوم التالي وصل عدد القوات الجديدة التي قدمت من مصراتة، إلى أكثر من تسعين سيارة دفع رباعي وعليها نحو خمسمائة مقاتل مدجّجين بالأسلحة. وكان من السهل رؤيتها في منطقتي العلوص والقويعة، بينما أرسلت قوات البقرة وفودا للترحيب بالمقاتلين الذين وصلوا توا.
يقول قائد في إحدى الميليشيات، إن ممثلين عن قوات على خصومة مع السراج جاءت من مقار تمركزها قرب مطار طرابلس الدولي في الجنوب، لتقديم التهنئة بسلامة وصول تلك القوات المصراتية أيضا، و«هذا لا يصب في مصلحة القوات الطرابلسية».
بيد أن هذا لا يمنع من أن تتغير كل هذه الخطط خلال أيام. فقد وقع تململ من جانب بعض العسكريين المنخرطين في القوات التي جاءت مؤخرا من مصراتة، بسبب تأخير ساعة التقدم إلى وسط العاصمة، فكان الرد أنه لم يتم حسم الأمر بعد، لأن هناك آراء، في مصراتة، تقول إن توجيه القوات لاستعادة قاعدة الجفرة العسكرية، من قوات حفتر، أهم من الدخول في حرب مع قوات السراج في طرابلس.
- قوات على حافة التمرد
ولدى القوات المتمركزة في شرق العاصمة تنسيق مع قوات تابعة لقائد عسكري يفترض أنه يعمل تحت قيادة السراج، في غرب وجنوب غربي العاصمة. لكن في الوقت الراهن يبدو أن هذا القائد، وهو برتبة لواء، لم يعد على سابق الوفاق مع السراج. ويعتقد كبار رجال الأمن في طرابلس أنه إذا ما قام هذا اللواء بالاشتراك مع مصراتة في الهجوم على العاصمة من الغرب والشرق، فإنه يمكن لقواتهما السيطرة على المدينة بسهولة. وتتحرك قوات «اللواء» في ورشفانة حيث تسيِّر دوريات عسكرية في مناطق الزهراء، والعزيزية، والساعدية، والتوغار، والماية، والكسارات، وغيرها.
وفي أحدث مؤشر على ما يشبه التمرد في أوساط قيادات عسكرية في الغرب على السراج، يتحدث مصدر عسكري عن مشادة وقعت بين ضباط بالمنطقة الدفاعيـة لطرابلس، بقيادة اللواء عبد الباسط مروان التي تعمل تحت إمرة السراج، وضباط تابعين لقائد المنطقة العسكرية الغربية، المعين من السراج، اللواء أسامة الجويلي.
ولقد لاحظ عسكريو المنطقة الدفاعية لطرابلس، وجود تحركات لأكثر من ألف عنصر من قوات تابعة لجويلي، على تخوم طرابلس، دون أن تحصل على إذن من السراج بصفته القائد الأعلى للجيش... «وهذا مثير للقلق»، كما يشير المصدر نفسه. وتم إخطار السراج بهذه التطورات، إلا أن كل شيء تغير سريعا إلى الأسوأ بالنسبة لرئيس المجلس الرئاسي، إذ تمادت دوريات القوات المشار إليها، في اتجاه طرابلس، دون إبلاغ السراج، ووصلت إلى مناطق متقدمة من جنوب العاصمة مثل العزيزية، على بعد 45 كيلومترا، والسواني على بعد 20 كيلومترا.
- القوات الطرابلسية
توجد حالياً في وسط العاصمة قوات هي خليط من المدنيين والعسكريين، محسوبة على السراج، وإن كانت تعمل بشكل فيه نوع كبير من الاستقلالية. وهذه القوات تتبع قادة معروفين منهم هيثم التاجوري، وعبد الرؤوف كارا، وعبد الغني الككلي. لكن قواتهم تعد متواضعة إذا ما قورنت بالقوات التي تملكها كل من مصراتة والزنتان مجتمعة. وتعمل القوات الطرابلسية باعتبار أنها قوات تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية، لكنها مع ذلك تتصرف في معظم الوقت كقوات مستقلة، ولديها سجون خاصة لا تتبع أي سلطة بما فيها السلطة القضائية. وفي كثير من الأحيان تدخل في مناوشات مع السراج نفسه.
وتسببت مخاوف القوات الطرابلسية من تنامي قوات الحرس الرئاسي، وهي قوة نظامية تابعة للسراج، برئاسة العميد نجمي الناكوع، في التضييق على هذه القوة، وتهميش الناكوع نفسه. بيد أن القوات الطرابلسية ليست على قلب رجل واحد في معظم الوقت. فهي تتنافس أيضا على النفوذ فيما بينها. ودخلت في صراع ضد بعضها بعضا، قبل شهرين، بسبب رغبة كل منها في الاستحواذ على شحنة سيارات «بيك آب» مستوردة من الخارج. ويقول وسيط شارك مرات عدة في حل الخلافات بين القوات الطرابلسية: التاجوري وكارا، هما عمود الدفاع عن طرابلس، إلا أنهما لم يعودا على وفاق كما كانا في الماضي.
- الكرّ والفرّ
هذه ليست المرة الأولى التي تقترب فيها قوات ضاربة تابعة لمصراتة من العاصمة. فقد جرت مثل هذه التحركات في الشهور الماضية، دون تنسيق مع الزنتان. وفي كل مرة يبدأ التحشيد لحرب كبيرة في طرابلس، إلا أن القوات المصراتية إما أنها تعود إلى مدينتها، أو تظل متمركزة قرب العاصمة لعدة أسابيع. لكنها، ومنذ أواخر العام الماضي، حصلت على مكسب من الخلافات التي وقعت بين كتيبة البقرة والسراج. وكان بشير البقرة مكلفا بالمشاركة في تأمين العاصمة، إلى أن قام بمحاولة لاقتحام مطار إمعيتيقة، ما دفع السراج إلى رفع الغطاء القانوني عنه.
ووجد خصوم السراج فرصة لدعم البقرة والتحالف معه. وتتمركز قوات البقرة، المكونة من مئات المقاتلين، في تاجوراء شرق العاصمة، وتتعاون مع قوات من ترهونة والخُمس، بالإضافة إلى مصراتة. وهي حاليا مصدر تهديد كبير.
- قوات وزير دفاع السراج
وزير الدفاع في حكومة المجلس الرئاسي، العقيد المهدي البرغثي، يبدو أنه ليس على وفاق مع السراج. ووقع الخلاف بين الطرفين بعد حادث الهجوم على قاعدة براك الشاطئ، في جنوب البلاد منذ نحو سنة، التي تهيمن عليها قوات من الجيش الوطني الذي يقوده حفتر. وجرى قتل وإصابة عشرات الجنود في القاعدة. وتبادل السراج ووزير دفاعه الاتهامات حول المتسبب في هذه الكارثة التي هزت المجتمع الليبي.
وفي الوقت الراهن يعمل وزير الدفاع بشكل شبه مستقل عن السراج، ولديه قوات في محيط طرابلس، ولا يعلن عادة عن نياته. ولديه اتصالات مع قوى مختلفة، بما فيها قوات تقع في الخانة المناوئة للسراج. ويبلغ عدد القوات الموالية لوزير الدفاع نحو ألف مقاتل، ويوجدون في مجموعات لها أسماء عسكرية منها الكتيبة 28، وموجودة في طريق الشط، وميدان الشهداء، وسوق الثلاثاء، ووسط طرابلس، والكتيبة 92 في شارع الزاوية، ومنطقة صلاح الدين، والكتيبة 301، موجودة في طريق المطار، والسواني، والكريمية، وغيرها.
ودعم وزير الدفاع عملية «البنيان المرصوص» التي أدت إلى طرد تنظيم داعش من مدينة سرت، لكن قيادات «البنيان المرصوص» - ومعظمهم من مصراتة - تفرقت بهم السبل، فبعضهم ما زال مواليا للسراج، والبعض الآخر يناصبه العداء وينحاز للمتطرفين.
ولم يعرف موقف البرغثي من هذه الاختلافات. ولم يسجل أي اشتباك مباشر لقواته في مناطق التماس بين الإخوة الأعداء حول طرابلس، أي في تاجوراء والزاوية، ووادي الربيع، حيث يوجد هناك خليط من المئات من العناصر المسلحة، بعضها من الموالين للسراج وبعضها من خصومه.
- العودة إلى المطار
جدير بالذكر، أنه وقعت الحرب بين مصراتة والزنتان في 2014. وكان آخر مظاهرها الاقتتال الشرس حول مطار طرابلس الدولي. ولقد تحصن مقاتلو الزنتان في المطار، وقامت قوات مصراتة بقصفهم بكل أنواع الأسلحة، ما أدى لحرق المطار بما فيه من طائرات، وانسحاب الزنتان إلى مدينتهم.
واليوم، إذ تخشى أطراف في المجلس الرئاسي من مغبة تحالف هاتين القوتين، يجري بحث مقترحات تقدمتا بها لأطراف في المجلس الرئاسي، بشكل غير رسمي، لكي تقتسم مصراتة والزنتان إدارة المطار وما حوله من أراض ومزارع في جنوب العاصمة.
ويقول مستشار في طرابلس، إن هذا مخرج مهم لتجنب وقوع حرب، لكنه يضيف أن هناك من يعارض هذا المقترح، وعلى رأس هؤلاء القوات الطرابلسية، فأي وجود لمصراتة والزنتان في أي مكان في طرابلس هو بمثابة تهديد مباشر لمئات من قوات التاجوري، وكارا، والككلي، وهي القوات التي يعتمد عليها السراج في نهاية المطاف.
- أنصار النظام السابق
أخيراً، تقول مصادر ممن كانت في الماضي من معاوني القذافي، إن هناك نحو سبعين ألفا من الضباط والجنود ممن لم يلتحقوا، منذ 2011، بالجيش الذي يقوده المشير حفتر، لأسباب سياسية تتعلق بانحياز حفتر إلى الانتفاضة التي أطاحت القذافي. ويشير إلى أن هؤلاء إما أنهم لجأوا إلى المنافي الاختيارية في مصر وتونس والجزائر وغيرها، للحفاظ على أرواحهم، أو اختاروا البقاء داخل ليبيا انتظارا لتغير الظروف على الأرض، خاصة من جانب المجتمع الدولي الذي يرفض عودة قادتهم للواجهة.
ومع ذلك، فإن معظم القيادات العسكرية التي تعمل مع حفتر هم أساساً من الجيش الليبي السابق. لكن بالنسبة لمن هم في داخل ليبيا، وينتظرون تغير الأوضاع، فيتركز وجودهم في مدينة بني وليد التي ما زالت تعلق صور القذافي على جدران المباني. وتوجد بعض البلدات في إقليم فزان، جنوبا، ما زال فيها قادة عسكريون يتمسكون بمبادئ القذافي، رغم أن بعضهم يتولى القيادة في مناطق عسكرية تابعة لحفتر.
- قوات الجضران
> ظهر اسم إبراهيم الجضران آمرا لحرس المنشآت النفطية في المنطقة الواقعة بين مدينتي إجدابيا وسرت. وكان يزعم أن لديه آلاف المقاتلين في تلك المنطقة التي تحوي مصافي لتصدير النفط، ودخل في حروب ضد المشير حفتر لحكم المنطقة بالقوة، لكنه خسرها، ومن ثم تفرق معظم مقاتليه. وجرى إقالته من جانب السلطات الحاكمة في شرق ليبيا وغربها.
وألقي القبض على الجضران قبل سنة، وأودع سجن في بلدة نالوت، جنوب غربي طرابلس، إلا أنه فر من محبسه ثم ظهر قبل أسبوعين في مصراتة، التي أصبح يهيمن عليها تحالف من زعماء «الإخوان» و«القاعدة» و«داعش».
ويقول مصدر أمني: «هناك أطراف محلية وإقليمية تعمل ضد حفتر، هي من ساعد على جمع المقاتلين، من متطرفين ومرتزقة أفارقة، لشن هجوم على المصافي النفطية، انطلاقاً من مركز عمليات يديره متشددون في مصراتة، في محاولة لتشتيت جهود الجيش في درنة. ويخشى المتطرفون من أي تقدم لحفتر في اتجاه غرب البلاد».
- جيش الصحراء
> يوم الخميس من الأسبوع الماضي، وأثناء الإعداد لشن هجوم على منطقة «الهلال النفطي»، شوهدت قوات تابعة لجماعات من متطرفين ومرتزقة في الصحراء الليبية والمعروفة باسم «جيش الصحراء»، وهي في طريقها للالتحاق بالهجوم على مصافي النفط. وتتمركز هذه القوات في مناطق ذات طبيعة صخرية بركانية في وسط الصحراء منها «الهروج» و«الجبال السود» و«أم الغرانيق» و«قرارة خلف الله».
ولا يقتصر وجود المقاتلين هناك على «جيش الصحراء» الذي شكله مقاتلو «داعش»، الفارون من مدن الشمال، ولكن المنطقة تضم مسلحين مناوئين لحكومات بلادهم في أفريقيا ومتطرفين قادمين من دول أفريقية، وآخرين فارين من مناطق القتال في العراق وسوريا. وانخرط مرتزقة من هؤلاء في الهجوم على الهلال النفطي.



ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
TT

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في أزمة سياسية بعد الانهيار المفاجئ للحكومة الائتلافية التي يرأسها المستشار أولاف شولتس. وبهذا التطوّر بات شولتس أحد أقصر المستشارين حكماً في ألمانيا؛ إذ إنه قبل إكماله 3 سنوات على رأس الحكومة الائتلافية التي تمثل 3 أحزاب (اشتراكي وليبرالي وبيئي «أخضر») صار المستشار رئيساً لحكومة أقلية مؤلفة من حزبين بانتظار الانتخابات المبكرة التي حُدّد موعدها يوم 23 فبراير (شباط) المقبل.

الحكومة الألمانية ترنّحت إثر انسحاب «ضلعها» الليبرالي، الحزب الديمقراطي الحر، منها. ورغم انسحاب الحزب، أراد رئيسها المستشار أولاف شولتس الاستمرار على رأس «حكومة أقلية» حتى نهاية مارس (آذار)، وهو التاريخ الذي حدّده في البداية لإجراء الانتخابات المبكرة عوضاً عن نهاية سبتمبر (أيلول).

لكن أمام ضغوط المعارضة وافق المستشار وزعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) على تقريب الموعد شهراً آخر. وحتى بعد إجراء الانتخابات، فإن فترة الشكوك قد تستمر لأسابيع أو أشهر إضافية. وللعلم، في ألمانيا، لم يسبق أن فاز أي حزب بغالبية مطلقة تسمح له بتشكيل حكومة منفرداً. وبالنتيجة، حكمت ألمانيا (الغربية أساساً) منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حكومات ائتلافية قادها إما محافظو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (يمين الوسط) أو اشتراكيو الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار الوسط).

فريدريش ميرتز (آجنزيا نوفا)

اليمين عائد... لكن!

هذه المرة يبدو أن الديمقراطيين المسيحيين (الحزب الذي قادته لفترة أنجيلا ميركل) يتجهون لاستعادة السلطة. فحزبهم تصدر استطلاعات الرأي بفارق كبير بنسبة تصل إلى 33 في المائة، وهي أعلى من النسبة التي تتمتع بها الأحزاب الثلاثة التي شكَّلت حكومة شولتس مجتمعة، قبل انهيارها. غير أن اختيار الحزب الشريك - أو الأحزاب الشريكة – في ائتلاف الديمقراطيين المرتقب، قد يكون أمراً معقّداً ويستغرق وقتاً طويلاً.

عقبة البيروقراطية

من ناحية ثانية، رغم محاولات الديمقراطيين المسيحيين تقريب موعد الانتخابات أكثر، مستفيدين من تقدم حزبهم في استطلاعات الرأي، ودعوات جمعيات الأعمال لتقليص فترة الشك والغموض في بلد لم يشهد نمواً اقتصادياً منذ 5 سنوات، فإن البيروقراطية الألمانية شكّلت عائقاً أساسياً أمام ذلك.

وحقاً، لا يقع اللوم في تأخير الانتخابات لنهاية فبراير (شباط) فقط على تشبّث شولتس بإطالة عمر حكومته العاجزة عن العمل. ذلك أنه فور انهيار الحكومة، وبدء الكلام عن انتخابات جديدة، دقّت «هيئة الانتخابات» جرس الإنذار محذّرة من أن التسرّع في إجرائها قد يؤدي إلى أخطاء تسببت بإعادتها. ورأت «الهيئة» ضرورة إفساح الوقت الكافي لتحضير اللوائح، وطبع الأوراق، وتحديات العثور على ورق كافٍ ومطابع جاهزة للعمل في خلال مدة زمنية قصيرة.

نقاط خلافية جدّية

ورغم سخافة هذا المشهد، فهو يعكس واقعاً في ألمانيا المقيدة بالبيروقراطية التي تعيق الكثير من تقدّمها، وكان واحداً من أسباب انهيار الحكومة في النهاية. فقد فشلت حكومة شولتس بإدخال أي إصلاحات لتخفيف البيروقراطية رغم التوصيات المتكرّرة من اختصاصيين. ولقد صدرت آخر هذه التوصيات الأسبوع الماضي من «مجلس الخبراء الاقتصادي»، وهو «مجلس حكماء» مدعوم من الحكومة، دعا إلى تقليص البيروقراطية وتسريع «المكننة» كواحدة من الخطوات الرئيسة لتحقيق النمو الاقتصادي.

وللعلم، كانت تلك واحدة من الخلافات الأبرز بين أحزاب الائتلاف الحكومي الثلاثة. فليبراليو الحزب الديمقراطي الحر (وسط) - الذي يعتبر مؤيداً لمجتمع الأعمال والشركات الكبرى - دفعوا منذ تشكيل الحكومة إلى «تقليص البيروقراطية»، خصوصاً على الشركات، إضافة إلى تخفيض الضرائب عنها، لكن أولويات الاشتراكيين وحزب «الخضر» البيئي تمثّلت بزيادة المعونات الاجتماعية والاستدانة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي فرضتها تبعات حرب أوكرانيا وجائحة «كوفيد - 19».

قضية الإنفاق العام

شكّل الإنفاق العام نقطة خلافية أخرى مع الليبراليين الذين رفضوا التخلي عن بند كبح الديون الذي يوصي به الدستور الألماني إلا في الحالات القصوى. وجرى التخلي عن هذا البند بعد جائحة «كوفيد - 19» عندما اضطرت الحكومة إلى الاستدانة والإنفاق لمساعدة الاقتصاد على النهوض. وفي المقابل، أراد الاشتراكيون و«الخضر» مواصلة العمل بتعليق بند كبح الديون ضمن خطط إنعاش الاقتصاد وتمويل الحرب الأوكرانية، لكن ليندنر رفض رغم أن «مجلس الخبراء» أوصى ببحث هذا البند وتخفيف التقيد به.

هكذا أدى الخلاف على إجراءات إنعاش الاقتصاد وميزانية عام 2025 إلى انفراط التحالف مع الليبراليين، ودفع بشولتس إلى طرد زعيمهم ووزير المالية كريستيان ليندنر، الذي قدم مقترحاً لتقليص البيروقراطية وخفض الضرائب مقابل خفض الإعانات الاجتماعية لتمويل الحرب في أوكرانيا من دون زيادة الدين العام.

الاشتراكيون بقيادة شولتس وحزب «الخضر» رفضوا مقترح ليندنر من دون القدرة على التوصل إلى «حل وسط»، مع أن المستشار اعتاد المساومة والحلول الوسطى منذ تشكيل حكومته التي غالباً ما شابتها الخلافات الداخلية.

وطبعاً، دفع طرد ليندنر الوزراء الليبراليين للتضامن مع زعيمهم والاستقالة... ما فرط عقد الحكومة. وبعد أيام من الجدل حول موعد الانتخابات المقبلة، اتفقت الأحزاب على طرح الثقة بالحكومة يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) - ويتوقع أن تخسرها بعد خسارتها الغالبية البرلمانية - ما سيؤدي إلى انتخابات عامة حدد موعدها في 23 فبراير.

كريستيان ليندنر (رويترز)

الاقتصاد أساس الأزمة

نقطة إنعاش الاقتصاد تظهر الآن نقطةً خلافية أساسية، بينما يراوح الاقتصاد الألماني مكانه عاجزاً عن تحقيق أي نمو يذكر. ثم أن مئات الشركات الصغيرة والوسطى أقفلت خلال العامين الماضيين، وبدأت حتى كبرى شركات السيارات تعاني خسائر دفعت بشركة «فولكسفاغن» العملاقة إلى إقفال 3 من مصانعها العشرة في ألمانيا.

مع هذا، لا يمكن لوم سياسات الحكومة والخلافات الداخلية حول التعامل مع الاقتصاد وحدها، لتبرير تدهور الاقتصاد الألماني خلال السنوات الثلاث الماضية. إذ بدأت حكومة شولتس عملها في خضم جائحة «كوفيد - 19» التي تسببت بأزمات اقتصادية عالمية، وتلت الجائحة الحرب الأوكرانية وتبعاتها المباشرة على ألمانيا، التي كانت تستورد معظم حاجاتها من الغاز من روسيا. وقد تعاملت حكومة شولتس مع انقطاع الغاز الروسي السريع عن ألمانيا بحكمة، ونجحت في تعويضه بسرعة من دون التسبب بأزمة نقص للغاز في البلاد. وأيضاً اتخذت تدابير لحماية المستهلكين من الارتفاع الكبير في الأسعار، مع أنها ما كانت قادرة على تفادي التداعيات بشكل كامل.

من ثم، تحوّلت الحكومة إلى ما يشبه حكومة إدارة الأزمات والسياسات السيئة الموروثة عن الحكومات السابقة. لكن حتى هنا، يمكن تحميل الاشتراكيين بعض مسؤولية السياسات الاقتصادية السيئة، ومنها اعتماد ألمانيا بشكل متزايد طوال حكومات أنجيلا ميركل الأربع على الغاز الروسي، والسبب أن الاشتراكيين شاركوا في ثلاث من هذه الحكومات، وشولتس نفسه كان وزيراً للمالية ثم نائب المستشارة.

علاقة الاشتراكيين بروسيا

من جانب آخر، لم يساعد القرب التاريخي للاشتراكيين من روسيا حكومة شولتس بإبعاد نفسها عن موسكو؛ إذ بقي المستشار متردداً لفترة طويلة في قطع العلاقات مع روسيا ودعم أوكرانيا. ومع أن ألمانيا تحوّلت الآن إلى ثاني أكبر داعم عسكري لكييف بعد واشنطن، فإن تردد شولتس شخصياً في كل قرار يتعلق بتسليح أوكرانيا، غالباً ما وضعه في مواجهة مع حليفيه في الحكومة وكذلك مع المعارضة. وللعلم، يعتمد شولتس سياسة حذرة في دعم أوكرانيا ولا يؤيد ضمها لـ«ناتو» (حلف شمال الأطلسي)؛ تخوفاً من استفزاز روسيا أكثر وخشيته من دفعها لتوسيع الصراع.

في أي حال، كرّر شولتس القول في كل مناسبة بضرورة استمرار دعم أوكرانيا، وكان هذا واحداً من أسباب الخلافات حول الميزانية التي أدت إلى انهيار الحكومة، فوزير المالية أراد اقتطاع مخصّصات اجتماعية لتمويل الحرب في حين شولتس أراد الاستدانة لذلك رافضاً المس بالإعانات.

وحيال أوكرانيا، مع أن مقاربة تمويل الحرب في أوكرانيا تختلف بين الأحزاب الألمانية، لا خلاف على دعم كييف لا خلاف عليه. بل يتشدّد الديمقراطيون المسيحيون المتوقع فوزهم بالانتخابات وقيادتهم الحكومة المقبلة أكثر في دعمهم. ويؤيد زعيم حزبهم، فريدريش ميرتز، الذي قد يصبح المستشار القادم، أوكرانيا ضم أوكرانيا «فوراً» إلى «ناتو» بخلاف شولتس، كما يؤيد إرسال صواريخ «توروس» البعيدة المدى والألمانية الصنع إليها، بينما يعارض شولتس ذلك.

وهنا نشير إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي كان طوال السنوات الماضية، منذ تفجّر الحرب الأوكرانية، شديد الانتقاد لتردّد المستشار الاشتراكي في قرارات تسليح كييف وقطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا، رغم أنه كان المسؤول عن وصول العلاقات الاقتصادية إلى مرحلة الاعتماد الألماني على الطاقة الروسية... كما كان حاصلاً قبل الحرب.

على الحكومة الجديدة التعامل مع ترمب

في ملف العلاقات الاقتصادية

أولاف شولتس (رويترز)

تبعات عودة ترمب

في اتجاه موازٍ، مقاربة الحرب الأوكرانية ستضع أي حكومة ألمانية جديدة في مواجهة محتملة مع إدارة دونالد ترمب القادمة في واشنطن. إذ ستضيع ألمانيا شهوراً ثمينة في تحديد سياستها مع العد العكسي للانتخابات المبكرة وتفاوض الأحزاب خلالها على تشكيل حكومة ائتلافية.

ولن يكون أمام الحكومة الجديدة فقط تحدي التعامل مع إدارة ترمب في ملف أوكرانيا، بل أيضاً في ملف التجارة والعلاقات الاقتصادية. ذلك أن ترمب في عهده الأول دأب على انتقاد ألمانيا بسبب ضخامة صادراتها إلى الولايات المتحدة، وبخاصة السيارات، التي تفوق بأضعاف الصادرات الأميركية إليها. وبالفعل، هدَّد آنذاك برسوم على السيارات الألمانية في حال لم تزد برلين وارداتها من الولايات المتحدة خاصة الغاز الأميركي الذي كان ترمب يضغط على ميركل لاستيراده عوضاً عن الغاز الروسي. بالتالي، مع عودة ترمب، ستعود المخاوف من حرب اقتصادية مع واشنطن قد تكون إذا وقعت مدمّرة لقطاع السيارات الألمانية. وحقاً، خفّضت كل الشركات الألمانية الكبرى سقف توقّعاتها للأرباح في الأشهر المقبلة، بعد تراجع مبيعاتها في الأسواق الخارجية وتحديداً الصين، بشكل كبير. وقد يشكّل تقلّص سوقها في الولايات المتحدة ضربة جديدة لها يحذّر الخبراء الاقتصاديون من أن تبعاتها ستكون مؤلمة للاقتصاد الألماني.

حسابات الانتخابات المقبلة

عودة إلى حسابات الداخل، لم يطرح الزعيم الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتز، في الواقع، فكرة إعادة وزير المالية المعزول كريستيان ليندنر إلى حكومته المحتملة. لكن سيتوجّب أولاً على حزب ليندنر، أي الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) أن يكسب أصواتاً كافية لتمثيله في البرلمان. وحتى مع تحقيق هذا قد لا يكون التحالف بين الحزبين كافياً لضمان الغالبية، إلا إذا حصلت مفاجأة وحقق أحد الحزبين نتائج أعلى من المتوقع في الاستطلاعات، كما فعل الاشتراكيون في الانتخابات الماضية عندما نالوا قرابة 26 في المائة متقدمين على الديمقراطيين المسيحيين الذين نالوا 24 في المائة من الأصوات. ويومذاك كانت استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات تشير إلى شبه تعادل بين الحزبين.

من ثم، في حال بقاء ليبراليي الحزب الديمقراطي الحر خارج الحكومة، قد تعيد ألمانيا إنتاج حكومة يشارك فيها الحزبان الرئيسان المتناقضان في سياساتهما الاجتماعية والاقتصادية، أي الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني والحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي). وقد يُجبَر الحزبان على ضم شريك ثالث يرجح أن يكون حزب «الخضر» في حال غياب الليبراليين عن المشهد. وقد تعيد هكذا حكومة ثلاثية فترة الخلافات والاضطراب التي شهدتها ألمانيا في ظل الحكومة الثلاثية الحالية التي رغم انجازاتها، لا يذكر كثيرون إلا الخلافات التي شابتها.وحتى ذلك الحين، فإن التحديات التي ستواجهها أي حكومة ألمانية قادمة، تجعل من فترة انتظار الانتخابات وتشكيل الحكومة، فترة صعبة ستزيد من عمق الأزمة الاقتصادية وتشرذم الموقف الألماني والأوروبي أمام الإدارة الأميركية.