السلاح المتفلت في لبنان يحتمي بمرجعيات سياسية

شربل لـ {الشرق الأوسط} : القضية تتطلب إلقاء القبض على الرؤوس الكبيرة

TT

السلاح المتفلت في لبنان يحتمي بمرجعيات سياسية

يقول وزير الداخلية السابق العميد المتقاعد مروان شربل لـ«الشرق الأوسط» إن «القضاء على فوضى السلاح في لبنان يتطلب إلقاء القبض على الرؤوس الكبيرة». ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنها «ليست محمية. وإذا كانت محمية يجب رفع الحماية، لأن مصلحة الأحزاب والقوى السياسية أن يعم الاستقرار المقرون بمشاريع الإنماء. ويجب على الدولة أن تحسم أمرها وتباشر خطة تقضي على مسألة فوضى السلاح وتحد منه بالتعاون مع جميع اللبنانيين».
ويشير شربل إلى أن «السلاح خارج الدولة موجود في لبنان منذ عام 1860. كان يقترن بالأحداث الفردية والأحداث الأمنية، وصولاً إلى السلاح الفلسطيني وسلاح الميليشيات في الحرب الأهلية. وبعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري والانقسام الحاد الذي حصل واتهام أفرقاء بأنهم نفذوا الاغتيال، ارتفعت المتاريس بين اللبنانيين، ومع الحرب السورية وإرهاب (داعش) و(جبهة النصرة)، تسلّح الجميع. والدولة لم تستطع وقف التسلح».
وحيال هذا الواقع، تبدو الدولة اللبنانية عاجزة عن مصادرة السلاح المتفلت الذي تجاوز وظيفته كـ«زينة للرجال» سعياً إلى حماية ذاتية، ولم يعد يقتصر دوره على الأخذ بالثأر أو التباهي في الأفراح والمآتم، ليصير جزءاً من عدة الشغل بغية تسهيل كل الأعمال غير الشرعية التي تبدأ بالتهريب عبر الحدود ومروراً بتجارة المخدرات وسرقة السيارات وفرض الخوات، ولا تنتهي بفرض نفوذ عشيرة أو جماعة وتحقيق توازن رعب في جيوب أمنية خارجة عن سيطرة الدولة.
وكانت بورصة الموت بالسلاح المتفلت قد ارتفعت خلال عطلة عيد الفطر، ففي إحدى البلدات البقاعية أدت عملية ثأر إلى جريمة ذهب ضحيتها قتلى وجرحى ربما لا علاقة لهم بموضع الثأر أساساً.
وتقول صاحبة مبادرة «ما تنسونا» الإعلامية زينة باسيل شمعون لـ«الشرق الأوسط» إن «العدد الفعلي للأبرياء الذين يُقتلون برصاص متفلت بسبب إشكال تافه أو برصاص طائش غير متوفر. والقوى الأمنية المختصة تتجنب إعطاء معلومات شفافة حتى لا تظهر فشلها أو تتهم بأنها تضع المسؤولية على أي جهة سياسية».
وباسيل شمعون أطلقت مبادرة «ما تنسونا» بعد مقتل الشاب روي حاموش في يوليو (تموز) 2017 على يد مسلحين، فقد شعرت بأن الحاجة ملحَّة للقيام بعمل يحد من معاناة الأهالي بحيث لا يتحول التجول على الطرق إلى مغامرة قد تنتهي بالموت مع تفلت السلاح. وتضيف: «عندما أجرينا أبحاثاً متواضعة في هذا الملف تبين لنا أن المجرمين إما هربوا أو تم الإفراج عنهم بعد فترة توقيف بسيطة أو تُنفَّذ بحقهم عقوبات لا تتجاوز السنوات الثلاث، كما حصل في إحدى الحالات، وعندما استأنفت العائلة الحكم تم تهريب القاتل إلى سوريا».
وتشير شمعون إلى أنها ليست متفائلة بتحقيق ما تصبو إليه، فالعلة في القضاء والأمن والملاحقة الفعلية للمجرمين. كما أن أهالي الضحايا يتملكهم اليأس من تحقيق العدالة.
إلا أن الصورة الأوضح عن فوضى السلاح عكستها الأحداث الأمنية التي شهدتها عطلة الفطر بين عشيرتي آل جعفر وآل الجمل، وذلك على خلفية سرقة سيارة لمسؤول في «حزب الله» ومحاولة استرجاعها بالقوة، فاندلعت معارك أدّت إلى وقوع قتلى وجرحى وأنذرت بتمدد القتال، ما استوجب اجتماع نواب من المنطقة في منزل أحد وجهاء عشيرة آل جعفر لإقناعه بـ«الحد من سقوط الشهداء»، على ما بيّنه فيديو بثته نشرات الأخبار لنائب «حزب الله» حسين الحاج حسن، لم يتطرق فيه إلى الدولة ومؤسساتها ودورها وسلطتها وفعل السرقة أو فعل القتل، بل اكتفى بمناشدة آل جعفر التعقل والقبول بتسوية وطي القضية في غياب أي إجراءات قانونية بحق المرتكبين.
لكن أهالي بعلبك - الهرمل يائسون من قدرة الدولة على إنهاء الفلتان الأمني وإيجاد الحلول الجذرية لمسلسل الرعب الدائر في المنطقة. والسبب كما يقول مسؤول أمني متقاعد لـ«الشرق الأوسط» يعود إلى أن «قوى الأمر الواقع ترفض مصادرة الأسلحة المتوسطة أو الخفيفة لدى جماعات تحميها وتحتمي بها في بؤرٍ أمنية ساخنة، هدفها ضبط السلاح للتخفيف من نقمة المواطنين في تلك المناطق، أي ترشيد السلاح غير الشرعي الذي تستخدمه جماعات لحماية ساحتها ومنع الجماعات الأخرى بمن فيها الدولة من الاعتداء على هذه الساحة.



15 ألف طالب يمني في تعز تسربوا خلال فصل دراسي واحد

المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
TT

15 ألف طالب يمني في تعز تسربوا خلال فصل دراسي واحد

المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)

في حين يواصل المعلمون في محافظة تعز اليمنية (جنوب غرب) الإضراب الشامل للمطالبة بزيادة رواتبهم، كشفت إحصائية حديثة أن أكثر من 15 ألف طالب تسربوا من مراحل التعليم المختلفة في هذه المحافظة خلال النصف الأول من العام الدراسي الحالي.

وعلى الرغم من قيام الحكومة بصرف الرواتب المتأخرة للمعلمين عن شهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول)، فإن العملية التعليمية لا تزال متوقفة في عاصمة المحافظة والمناطق الريفية الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية بسبب الإضراب.

ويطالب المعلمون بإعادة النظر في رواتبهم، التي تساوي حالياً أقل من 50 دولاراً، حيث يُراعى في ذلك الزيادة الكبيرة في أسعار السلع، وتراجع قيمة العملة المحلية أمام الدولار. كما يطالبون بصرف بدل الغلاء الذي صُرف في بعض المحافظات.

الأحزاب السياسية في تعز أعلنت دعمها لمطالب المعلمين (إعلام محلي)

ووفق ما ذكرته مصادر عاملة في قطاع التعليم لـ«الشرق الأوسط»، فإن محافظتي عدن ومأرب أقرتا صرف حافز شهري لجميع المعلمين يقارب الراتب الشهري الذي يُصرف لهم، إلا أن هذه المبادرة لم تُعمم على محافظة تعز ولا بقية المحافظات التي لا تمتلك موارد محلية كافية، وهو أمر من شأنه - وفق مصادر نقابية - أن يعمق الأزمة بين الحكومة ونقابة التعليم في تلك المحافظات، وفي طليعتها محافظة تعز.

ظروف صعبة

وفق بيانات وزعتها مؤسسة «ألف» لدعم وحماية التعليم، فإنه وفي ظل الظروف الصعبة التي يمر بها قطاع التعليم في مدينة تعز وعموم مناطق سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، ازدادت تداعيات انقطاع الرواتب والإضراب المفتوح الذي دعت إليه نقابة المعلمين، مع إحصاء تسرب أكثر من 15 ألفاً و300 حالة من المدارس خلال النصف الأول من العام الدراسي الحالي.

وقال نجيب الكمالي، رئيس المؤسسة، إن هذا الرقم سُجل قبل بدء الإضراب المفتوح في جميع المدارس، وتعذر استئناف الفصل الدراسي الثاني حتى اليوم، معلناً عن تنظيم فعالية خاصة لمناقشة هذه الأزمة بهدف إيجاد حلول عملية تسهم في استمرار العملية التعليمية، ودعم الكادر التربوي، حيث ستركز النقاشات في الفعالية على الأسباب الجذرية لانقطاع الرواتب، وتأثيرها على المعلمين والمؤسسات التعليمية، وتداعيات الإضراب على الطلاب، ومستقبل العملية التعليمية، ودور المجتمع المدني والمنظمات المحلية والدولية في دعم قطاع التعليم.

المعلمون في عدن يقودون وقفة احتجاجية للمطالبة بتحسين الأجور (إعلام محلي)

وإلى جانب ذلك، يتطلع القائمون على الفعالية إلى الخروج بحلول مستدامة لضمان استمرارية التعليم في ظل الأزمات، ومعالجة الأسباب التي تقف وراء تسرب الأطفال من المدارس.

ووجهت الدعوة إلى الأطراف المعنية كافة للمشاركة في هذه الفعالية، بما في ذلك نقابة المعلمين اليمنيين، والجهات الحكومية المعنية بقطاع التعليم، ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية.

آثار مدمرة

كانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) قد ذكرت منتصف عام 2024، أن أكثر من 4.5 مليون طفل في اليمن خارج المدرسة بسبب تداعيات سنوات من الصراع المسلح. وأفادت بأن شركاء التعليم يعيدون تأهيل وبناء الفصول الدراسية، ويقدمون المساعدة التعليمية للملايين، ويعملون على إعادة الآخرين إلى المدارس، وعدّت أن الاستثمار في التعليم هو استثمار في مستقبل الأجيال.

وتقول المنظمة إنه منذ بداية الحرب عقب انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية، خلفت الهجمات التي تعرض لها أطفال المدارس والمعلمون والبنية التحتية التعليمية آثاراً مدمرة على النظام التعليمي في البلاد، وعلى فرص الملايين من الأطفال في الحصول على التعليم.

1.3 مليون طفل يمني يتلقون تعليمهم في فصول دراسية مكتظة (الأمم المتحدة)

وأكدت المنظمة الأممية أن للنزاع والتعطيل المستمر للعملية التعليمية في جميع أنحاء البلاد، وتجزئة نظام التعليم شبه المنهار أصلاً، تأثيراً بالغاً على التعلم والنمو الإدراكي والعاطفي العام والصحة العقلية للأطفال كافة في سن الدراسة البالغ عددهم 10.6 مليون طالب وطالبة في اليمن.

ووفق إحصاءات «اليونيسيف»، فإن 2,916 مدرسة (واحدة على الأقل من بين كل أربع مدارس) قد دمرت أو تضررت جزئياً أو تم استخدامها لأغراض غير تعليمية نتيجة سنوات من النزاع الذي شهده اليمن.

كما يواجه الهيكل التعليمي مزيداً من العوائق، تتمثل في عدم حصول أكثر من ثلثي المعلمين (ما يقرب من 172 ألف معلم ومعلمة) على رواتبهم بشكل غير منتظم منذ عام 2016، أو انقطاعهم عن التدريس بحثاً عن أنشطة أخرى مدرة للدخل.