مكتومو القيد في وادي خالد يتحرّكون لضمهم إلى مرسوم التجنيس

أكدوا أنهم أحقّ بالهوية اللبنانية من أثرياء النظامين السوري والإيراني

TT

مكتومو القيد في وادي خالد يتحرّكون لضمهم إلى مرسوم التجنيس

استغلّ المئات من مكتومي القيد من أبناء منطقة وادي خالد في شمال لبنان، صدور مرسوم التجنيس الذي شمل أكثر من 300 سوري وفلسطيني وعراقي، وبدأوا تحركاً باتجاه المرجعيات السياسية، للحصول على الجنسية اللبنانية، أسوة بعائلاتهم وأقاربهم الذين نالوا الهوية اللبنانية بموجب مرسوم التجنيس الصادر في العام 1994 ولم يشملهم يومها بسبب أخطاء في المرسوم، أو سقوط أسمائهم سهواً.
والمفارقة أن المكتومين المشار إليهم هم لبنانيون أباً عن جدّ، لكنهم لا يملكون وثيقة رسمية للتعريف عنهم، وهم يتجولون بموجب إفادة تعريف يمنحهم إياها مختار بلدتهم، لكنها لا تكفي لحصول أي منهم على جواز سفر، ولا حتى الاستفادة من وظائف الدولة ولا الخدمات الاستشفائية والاجتماعية، وكشف رئيس بلدية منطقة العماير (وادي خالد) أحمد الشيخ الذي يقود هذه الحملة، لـ«الشرق الأوسط»، أن «هناك نحو 100 عائلة أنجزت ملفاتها، للحصول على حقها في الجنسية اللبنانية التي حرموا منها إما بالظلم المتعمّد من قبل الدولة وإما بالإهمال»، مشيراً إلى أن «كلّ عائلة يتراوح عدد أفرادها بين 5 و10 أشخاص، أي الوالدين والأبناء».
وعن الأسباب التي حالت دون حصول هؤلاء على الهوية اللبنانية في مرسوم التجنيس الصادر عام 1994، ونال خلاله عموم أبناء وادي خالد الجنسية، أكد الشيخ أن «جميع هؤلاء قدموا طلبات تجنيس أسوة بأقاربهم، إلا أن أسماءهم سقطت سهواً أو بالخطأ»، لافتاً إلى أنه «داخل البيت الواحد ثمة أشخاص وردت أسماؤهم في المرسوم وحصلوا على الجنسية، بينما أشقاؤهم لم ترد أسماؤهم وحرموا من الجنسية ظلماً»، لافتاً إلى أن «بعض الأشخاص كانوا معتقلين في سجون النظام السوري ووردت أسماؤهم في المرسوم، لكنهم لم يتمكنوا من الحضور إلى مقرّ الأحوال الشخصية للبصم ودفع الرسوم، فجرى شطبهم لاحقاً». وأشار رئيس بلدية العماير إلى أن «كل المتقدمين بملفات حصولهم على الجنسية، كانوا يتابعون إجراءات تصحيح أوضاعهم وإدراج أسمائهم، إلا أن الطعن الذي قدّم بالمرسوم، وقرار مجلس شورى الدولة الذي علّق العمل به، جمّد آلية النظر بهذه الطلبات، وبالتالي حرمهم من الجنسية».
ولا تزال وزارة الداخلية غارقة بآلاف المراجعات المطالبة بتصحيح الأخطاء، إلا أن وسائل المعالجة معقدة، وأقرّ مصدر في وزارة الداخلية بحق المئات من أبناء وادي خالد والقرى السبع، بالحصول على الجنسية وتصحيح الأخطاء التي حرمتهم الهوية أسوة بأفراد عائلاتهم وأقاربهم الذين حصلوا عليها». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «قرار مجلس شورى الدولة الذي علّق العمل بالمرسوم الـ1994، آخر إمكانية لحصولهم على الجنسية»، معتبراً أن «معضلة هؤلاء تحلّ بحالتين، إما بمرسوم جديد يصحح الأخطاء التي اعترت المرسوم السابق، وإما بإعادة النظر بالمرسوم الـ1994 وهذا أقرب إلى المستحيل».
وكان أبناء منطقة وادي خالد، حرموا من الجنسية اللبنانية، لأن الإحصاءات التي أجرتها الدولة اللبنانية في العام 1930 لم تشملهم، مع أبناء القرى السبع في جنوب لبنان، قبل أن يجري إنصاف معظمهم في العام 1994، بعد عقود على مطالبهم، إلا أن هذا المرسوم صدر بضغط من الوصاية السورية، التي منحت الجنسية لآلاف السوريين المقربين من الاستخبارات السورية التي كانت عاملة آنذاك في لبنان.
وأوضحت مصادر محلّية في وادي خالد، لـ«الشرق الأوسط»، أن «وجهاء المنطقة بدأوا التنسيق مع رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، بواسطة نواب عكار (شمال لبنان)». وأكدت أن «المراجعات تركز على ضرورة إلحاق هؤلاء بمرسوم التجنيس الجديد، لأنهم أحقّ بالجنسية من رجال الأعمال المقربين جداً من نظام بشّار الأسد وإيران، والذين صدر مرسوم خاص بهم لمنحهم الجنسية»، معتبرة أن «المجنسين الأثرياء حصلوا على الجنسية اللبنانية، ليشغلوا مناصب وزارية ونيابية بفضل ثرواتهم الطائلة، وبالتالي إمساك النظام السوري وطهران بالسلطة في لبنان مواربة».
من جهته، عزا وزير الداخلية السابق مروان شربل سبب الأزمة القائمة إلى مرسوم التجنيس الصادر في عام 1994، الذي منح الجنسية عشوائياً لعشرات آلاف الأشخاص الذين لا يستحقونها. وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن المرسوم المذكور «لم يترك سورياً أو مصرياً أو سودانياً مقيماً في لبنان إلا منحه الجنسية، وهذا ما أدى إلى خلل ديموغرافي خطير في لبنان». وأوضح أن «من أصابهم الإجحاف في المرسوم السابق من اللبنانيين، يمكنهم تصحيح هذا الخطأ بالحصول على حكم قضائي». وشدد شربل على ضرورة «إصدار قانون عن مجلس النواب يحدد الشروط الواجب اعتمادها لمنح الجنسية اللبنانية، وليس بقرار ارتجالي يزيد من تفاقم الأزمة السابقة».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.