«اليمين البديل»... و«الهوية البيضاء»

مصطلح ظهر أثناء انتخابات 2012 الرئاسية في أميركا

باراك أوباما  -  دونالد ترمب
باراك أوباما - دونالد ترمب
TT

«اليمين البديل»... و«الهوية البيضاء»

باراك أوباما  -  دونالد ترمب
باراك أوباما - دونالد ترمب

في مقدمة كتابه «فهم اليمين البديل»، الصادر عن دار «كولمبيا، نيويورك» في 218 صفحة، يقول المؤلف جورج هولي إن «اليمين البديل» كان موجوداً، تحت سطح الماء، من قبل دونالد ترمب. وكان ينتظر شخصاً يخرجه إلى السطح. ووجد ضالته في ترمب. ويضيف أن «الناس يجب ألا يستغربوا للآراء التي ظهرت إلى السطح ضد السود، وضد الأجانب، وضد المكسيكيين، وضد المسلمين، وضد اليهود، وضد المهاجرين، وضد المثليين، وضد الفقراء والمحتاجين».
مؤلف الكتاب، جورج هولي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة آلاباما. ومن كتبه السابقة: «المهاجرون والتصويت في الانتخابات» و«خطر المهاجرين السياسي». ومن فصول الكتاب الجديد: «أهداف اليمين البديل» و«عودة اليمين البديل» و«هجوم اليمين البديل». لكن هل يوجد «يمين بديل معتدل»؟ وما هو «اليمين البديل»؟ وكيف يختلف عن «اليمين المتطرف»؟
يقول الكتاب إن هذا التعبير (اليمين البديل) ظهر في انتخابات عام 2012 الرئاسية. وكانت تلك الانتخابات قد أعاد فيها الرئيس السابق باراك أوباما ترشيح نفسه (وفاز). ترشح ضده، وسقط الجمهوري المعتدل ميت رومني. وغضب يمينيون في الحزب الجمهوري مرتين: المرة الأولى، لأن أوباما فاز لرئاسة ثانية. والمرة الثانية لأن رومني لم يواجه أوباما مباشرة «بأنه من الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي».
في الوقت ذلك، ظهر نجم رتشارد سبنسر واحداً من قادة اليمين الجمهوري المتطرف. إذن، حسب المؤلف، ينقسم الجمهوريون إلى معتدلين ويمينيين، وهؤلاء يمينيون متطرفون. وطبعاً الناس يعرفون أن سبنسر كان قد أسس معهد «ناشونال بوليسي» (السياسة الوطنية). وعرفوا أن المعهد، الذي كان مغموراً، هو في الحقيقة ربما أكثر المعاهد اليمينية تطرفاً في الولايات المتحدة. ومن أهدافه: دولة للعرق الأبيض «المظلوم»، وتنظيف عرقي «من دون عنف» وإعادة الاعتبار لـ«الثقافة الغربية العظيمة».
ينفي سبنسر أنه يدعو إلى (الاستعلاء الأبيض). لسبب بسيط، وهو أنه لا يؤمن بوجود «الاستعلاء الأبيض»، ولكن بوجود «التفوق الأبيض». ويقول إن هذا التفوق موجود في كل مجال تقريباً: تفوق الحضارة الغربية البيضاء، وتفوق نظامها الديمقراطي، وتفوق علومها وتكنولوجيتها الحديثة، وتفوق دساتيرها، وقوانينها، وأخلاقياتها، وحبها للعمل (بل حتى تفوق الترفيه والمتعة فيها).
ويشير الكتاب إلى نقاش فكري ظهر في العام الماضي، خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، مع تصريحات ترمب العدائية ضد المهاجرين. دار النقاش حول فكرتين: في جانب «ريسيزم» (التفرقة العرقية)، وأنها «ضد الآخر». وفي جانب «رشياليزم» (الانتماء العرقي)، وبأنه «ذاتي».
يعنى ذلك أن الأبيض (أو الأسود، أو الأصفر، أو أي شخص) يملك حق أن يفتخر بلونه (أو عرقه، أو رأيه) من دون أن يعادي الآخرين. لكن، بمجرد أن يعادي الآخرين، يصير متطرفاً (أو يدعو للعنف، أو يرتكب عنفاً).
ما هو «اليمين المعتدل»؟ يجيب الكتاب على لسان سبنسر: «نحن (اليمين البديل)، وليس اليمين المتطرف، لأننا فخورون بهويتنا، من دون أن نعادي هويات الآخرين».
لكن، كما يقول الكتاب، كلما ركز «اليمين البديل» على «الهوية البيضاء»، كلما أثبت أنه يركز على العرق الأبيض (منطقياً، حتى إذا لم يكن واقعياً، يعني هذا عداء غير البيض). ويظهر ذلك في نشاطاتهم: فهم يعادون اليهود (جهراً، وسراً)، ويريدون وقف الهجرة (كلها)، ولا يرفضون طرد المسلمين (وغيرهم من غير المسيحيين).
هكذا، يبدو أن «اليمين البديل»، بحجة «الهوية البيضاء»، لا يعادي آخرين فقط، بل، أيضاً، يريد التخلص منهم. ليس سراً أن على رأس «الآخرين» يوجد السود. فمنذ البداية، حرك فوز الرئيس أوباما، أول رئيس أسود في تاريخ أميركا، هذه الكراهية للسود. ثم حركها أكثر عدم قدرة الجناح المعتدل في الحزب الجمهوري على مواجهة أوباما (سقوط المرشح الجمهوري رومني ضد أوباما في انتخابات عام 2012)، ثم حركها أكثر تنظيم «بلاك لايفز ماتر» (حياة السود هامة).
يقول الكتاب إن هذه الحركة السوداء (تعتمد على الجيل الجديد من السود) لا تخلو من تطرف، لأنها تريد الآتي: مساواة كاملة (وليس فقط رفع الظلم)، ووقف الشتائم (وليس فقط وقف التفرقة)، و«استسلام» البيض (وليس فقط اعترافهم بأخطاء الماضي).
لهذا، صار «اليمين البديل» ينتقد ما يسميه «اليسار البديل»، ويقصد هؤلاء السود، ومؤيديهم. لكن الكتاب يستدرك بقوله إنه لا يوجد يسار بديل.


مقالات ذات صلة

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

يوميات الشرق ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

لعلّه المتحف الوحيد الذي تُعرض فيه عيدان كبريت، وبطاقات يانصيب، وأعقاب سجائر... لكن، على غرابتها وبساطتها، تروي تفاصيل "متحف البراءة" إحدى أجمل حكايات إسطنبول.

كريستين حبيب (إسطنبول)
كتب فرويد

كبار العلماء في رسائلهم الشخصية

ما أول شيء يتبادر إلى ذهنك إذا ذكر اسم عالم الطبيعة والرياضيات الألماني ألبرت آينشتاين؟ نظرية النسبية، بلا شك، ومعادلته التي كانت أساساً لصنع القنبلة الذرية

د. ماهر شفيق فريد
كتب ناثان هيل

«الرفاهية»... تشريح للمجتمع الأميركي في زمن الرقميات

فلنفرض أن روميو وجولييت تزوَّجا، بعد مرور عشرين سنة سنكتشف أن روميو ليس أباً مثالياً لأبنائه، وأن جولييت تشعر بالملل في حياتها وفي عملها.

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

صدر حديثاً عن دار نوفل - هاشيت أنطوان كتاب «دليل الإنسايية» للكاتبة والمخرجة الآيسلندية رند غنستاينردوتر، وذلك ضمن سلسلة «إشراقات».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون «شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

كتب أحلم بقراءتها 2025

كتب أحلم بقراءتها 2025
TT

كتب أحلم بقراءتها 2025

كتب أحلم بقراءتها 2025

هناك كتب عديدة أحلم بقراءتها في مطلع هذا العام الجديد المبارك. لكني أذكر من بينها كتابين للمفكر الجزائري المرموق لاهوري عدي. الأول هو: «القومية العربية الراديكالية والإسلام السياسي». والثاني: «أزمة الخطاب الديني الإسلامي المعاصر - ضرورة الانتقال من فلسفة أفلاطون إلى فلسفة كانط». وربما كان هذا أهم كتبه وأشهرها. والدكتور لاهوري عدي اشتهر، منذ عام 1992، ببلورة أطروحة لافتة عن صعود موجة الإسلام السياسي، بعنوان: «التراجع الخصب أو الانتكاسة الخصبة والمفيدة». هذا المصطلح شاع على الألسن وبحق. ما معناه؟ ما فحواه؟ مصطلح التراجع أو الانتكاسة شيء سلبي وليس إيجابياً، على عكس ما يوحي به المؤلف للوهلة الأولى، ولكنه يتحول على يديه إلى شيء إيجابي تماماً، إذا ما فهمناه على حقيقته. ينبغي العلم أنه بلوره في عز صعود الموجة الأصولية الجزائرية و«جبهة الإنقاذ». قال للجميع ما معناه: لكي تتخلصوا من الأصوليين الماضويين اتركوهم يحكموا البلاد. هذه هي الطريقة الوحيدة للتخلص من كابوسهم. وذلك لأن الشعب الجزائري سوف يكتشف بعد فترة قصيرة مدى عقم مشروعهم وتخلفه عن ركب الحضارة والعصر، وسوف يكتشف أن وعودهم الديماغوجية الراديكالية غير قابلة للتطبيق. سوف يكتشف أنها فاشلة لن تحل مشكلة الشعب، بل وستزيدها تفاقماً. وعندئذ يلفظهم الشعب وينصرف عنهم ويدير ظهره لهم ويفتح صدره للإصلاحيين الحداثيين الليبراليين. هذه الأطروحة تذكرنا بمقولة «مكر العقل في التاريخ» لهيغل، أو بـ«الدور الإيجابي للعامل السلبي في التاريخ». بمعنى أنك لن تستطيع التوصل إلى المرحلة الإيجابية قبل المرور بالمرحلة السلبية وتذوُّق طعمها والاكتواء بحرِّ نارها. لن تتوصل إلى الخير قبل المرور بمرحلة الشر. لن تتوصل إلى النور قبل المرور بمرحلة الظلام الحالك. ينبغي أن تدفع الثمن لكي تصل إلى بر الخلاص وشاطئ الأمان. وقد سبق المتنبي هيغل إلى هذه الفكرة عندما قال:

وَلا بدَّ دونَ الشَّهْد من إِبرِ النحلِ

هذه الأطروحة تقول لنا ما معناه: الأصولية المتطرفة تشكل وهماً جباراً مقدساً يسيطر على عقول الملايين من العرب والمسلمين. إنهم يعتقدون أنها ستحلّ كل مشاكلهم بضربة عصا سحرية، إذا ما وصلت إلى الحكم. ولا يمكن التخلص من هذا الوهم الجبار الذي يخترق القرون ويسيطر على عقول الملايين، إلا بعد تجريبه ووضعه على المحك. عندئذ يتبخر كفقاعة من صابون. ولكن المشكلة أنه لم يتبخر في إيران حتى الآن. بعد مرور أكثر من 40 سنة لا تزال الأصولية الدينية المتخلفة تحكم إيران وتجثم على صدرها. فإلى متى يا ترى؟ إلى متى ستظل الأصولية الدينية القروسطية تحكم بلداً كبيراً وشعباً مثقفاً مبدعاً كالشعب الإيراني؟ بعض الباحثين يعتقدون أن هذا النظام الرجعي لولاية الفقيه والملالي انتهى عملياً، أو أوشك على نهايته. لقد ملَّت منه الشبيبة الإيرانية، ومِن الإكراه في الدين إلى أقصى حد ممكن. وبالتالي، فإما أن ينفجر هذا النظام من الداخل وينتصر محمد جواد ظريف وبقية الليبراليين الإصلاحيين المنفتحين على التطور والحضارة الحديثة. وإما أن يعود ابن الشاه من منفاه ويعتلي عرش آبائه مرة أخرى. ولكم الخيار.

وبخصوص إيران، أحلم بقراءة مذكرات فرح بهلوي للمرة الثانية أو ربما الثالثة. وهو كتاب ضخم يتجاوز الأربعمائة صفحة من القطع الكبير. وتتصدره صورة الشاهبانو الجميلة الرائعة. ولكنها لم تكن جميلة فقط، وإنما كانت ذكية جداً وعميقة في تفكيرها. من يُرِد أن يتعرف على أوضاع الشعب الإيراني قبل انفجار الثورة الأصولية وفيما بعدها أنصحه بقراءة هذا الكتاب. مَن يرد التعرف على شخصية الخميني عندما كان لا يزال نكرة من النكرات، فليقرأ الصفحات الممتازة المكرَّسة له من قبل فرح ديبا. كان مجرد شيخ متزمت ظلامي معادٍ بشكل راديكالي لفكرة التقدُّم والتطور والإصلاح الزراعي الذي سنَّه الشاه في ثورته البيضاء التي لم تُسفَك فيها قطرة دم واحدة. كان مع الإقطاع والإقطاعيين الكبار ضد الفلاحين البسطاء الفقراء. وكان بإمكان الشاه أن يعدمه، ولكنه لم يفعل، وإنما تركه يذهب بكل حرية إلى منفاه. بعدئذ تحول هذا الشيخ القروسطي الظلامي إلى أسطورة على يد أشياعه وجماعات الإسلام السياسي أو المسيَّس. هذا لا يعني أنني أدافع عن الشاه على طول الخط، كما تفعل فرح ديبا؛ فله مساوئه ونقائصه الكبيرة وغطرساته وعنجهياته التي أودت به. ولكن ينبغي الاعتراف بأنه كانت له إيجابيات، وليس فقط سلبيات مُنكَرة. ولكن الموجة الأصولية دمرته ودمرت سمعته كلياً، وقد آن الأوان لتدميرها هي الأخرى، بعد أن حكمت إيران مدة 45 سنة متواصلة. وعلى أي حال، فإن أفعالها وأخطاءها الكبرى هي التي دمرتها أو ستدمرها. لقد أشاعت الحزازات المذهبية في المنطقة، وأعادتنا 1400 سنة إلى الوراء. هل سننتظر مليون سنة لكي نتجاوز الفتنة الكبرى التي مزقتنا؟ هنا يكمن خطأ التفكير الأصولي الرجعي المسجون في عقلية ماضوية عفى عليها الزمن. متى ستتحقق المصالحة التاريخية بين كافة المذاهب والطوائف عندنا مثلما تحققت المصالحة التاريخية الكاثوليكية - البروتستانتية في أوروبا وأنقذتهم من جحيم الانقسامات الطائفية والمذهبية؟ متى ستنتصر الأنوار العربية الإسلامية على الظلمات العربية الإسلامية؟ بانتظار أن يتحقق ذلك ينبغي على جميع الأقليات أن تلتف حول الأكثرية، لأنها هي العمود الفقري للبلاد، ولأن نجاحها سيكون نجاحاً للجميع، وفشلها (لا سمح الله) سيرتد وبالاً على الجميع.

أضيف بأن الحل الوحيد للتطرف هو الإسلام الوسطي العقلاني المعتدل السائد في معظم الدول العربية، إن لم يكن كلها. «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً»، كما يقول القرآن الكريم. وهو الذي نصّت عليه «وثيقة الأخوة الإنسانية» في أبوظبي عام 2019، و«وثيقة مكة المكرمة» الصادرة عن «رابطة العالم الإسلامي»، في العام ذاته، وهو الذي تعلمته أنا شخصياً في ثانوية مدينة جبلة الساحلية السورية، على يد أستاذ التربية الدينية الشيخ محمد أديب قسام. كان فصيحاً بليغاً أزهرياً (خريج الأزهر الشريف). كان يحببك بدرس الديانة غصباً عنك. لا أزال أتذكر كيف كان يشرح لنا الحديث التالي: «دخلت النار امرأة في هرة حبستها، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت». كأني أراه أمام عيني الآن وهو يشرح لنا هذا الحديث النبوي الشريف. هنا تكمن سماحة الإسلام ومكارم الأخلاق. فإذا كان الإسلام يشفق على الهرة أو القطة أو الحيوانات؛ فما بالك بالبشر؟ هنا يكمن جوهر الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين لا نقمة عليهم ولا ترويعاً لهم.