اللقاء الخامس بين مارتن سكورسيزي وليوناردو ديكابريو برسم الأوسكار

كيف تم صنع «ذئب وول ستريت»؟

ليوناردو دي كابريو: اللقاء الخامس
ليوناردو دي كابريو: اللقاء الخامس
TT

اللقاء الخامس بين مارتن سكورسيزي وليوناردو ديكابريو برسم الأوسكار

ليوناردو دي كابريو: اللقاء الخامس
ليوناردو دي كابريو: اللقاء الخامس

قبل ست سنوات، انتبه نجمان كبيران إلى أن هناك كتابا يستحق التحويل إلى فيلم سينمائي. لم تكن رواية خيالية، ولو أن أحداثها ومفارقاتها، التي وقعت في التسعينات، تبدو كذلك، بل صدرت على نحو مذكرات، بعنوان «ذئب وول ستريت»، وضعها المضارب في البورصة وأسواق المال غوردان بلفورت عن تجربته في وول ستريت ومضارباته التي انتهت بحصوله على ثروة قدرت بأكثر من مائة مليون دولار، وقع ضحيـتها زبائن خدعهم غوردان بلفورت فأودعوه أموالهم، لكنه استولى عليها، وكاد يفلت من العقاب لولا أنه سقط في شباك الـ«إف بي آي» التي أودعته السجن لسنة وعشرة أشهر وأجبرته على رد أموال بلغت أكثر من 110 ملايين دولار.
النجمان اللذان سعيا لتحويل الكتاب إلى فيلم هما براد بيت وليوناردو ديكابريو. كل لديه شركة إنتاج يملكها بالكامل، وكل وجد أن المشروع الذي يحكي صعود وهبوط تلك الشخصية التي غرقت في فساد الحياة المادية، فرصة للعب دور جديد عليه. والذي فاز به هو ديكابريو، الذي سارع بالاتصال بالمخرج مارتن سكورسيزي عارضا عليه مشاركته إنتاج الفيلم والقيام بإخراجه. اهتم سكورسيزي بالمشروع وقام بكتابة السيناريو وعرضه على شركة «وورنر» التي عادة ما يتعامل معها، لكنه كان في عام 2008 دخل مشروع فيلم «Shutter Island» الذي جرى تصويره بعد عامين مع ديكابريو ومارك روفالو في البطولة. وخلال ذلك، أبلغه الاستديو أنه لن يمول الفيلم.
بعد انتهاء تصوير «شـتر آيلاند»، غيـرت «وورنر» رأيها واتصلت بالمخرج ريدلي سكوت وفاتحته في الموضوع، ثم غيرت رأيها ثانية وتخلـت عن الموضوع مجددا. التقطت المشروع شركة تمويل جديدة اسمها «رد غرانايت بيكتشرز» وأمـنت له ميزانيته التي بلغت مائة مليون دولار، ثم عرضته على استديو «باراماونت» للتوزيع في الولايات المتحدة وكندا. وكان المفترض أن يباشر الفيلم عروضه التجارية في منتصف الشهر الماضي، لكن هذا الموعد تأخر إلى الأسبوع المقبل من شهر ديسمبر (كانون الأول). سبب التأخير، أن مدة العرض قاربت الأربع ساعات، مما جعل المخرج يدخل غرفة المونتاج مجددا والقيام بتوليف نسخة جديدة من ثلاث ساعات.
* تاريخ وول ستريت «ذئب شارع وول ستريت»، لم يكن نزهة بين حدائق موضوع يتحلـى بالأسماء الكبيرة. وكما يتـضح من مسيرته الملخـصة أعلاه، لم يستطع حتى اسم ديكابريو وسكورسيزي، جذب «وورنر»، وهو واحد من الاستديوهات الكبيرة في هوليوود بلا ريب، للإيمان به. الاعتقاد الذي ساد في تلك المؤسسة، أن الجمهور لن يطيق متابعة فيلم يدور عن سوق البورصة أولا، ويستلهم من حياة رجل تعامل مع الجريمة والمخدرات وسرقة الزبائن ثانيا.
في خلفية القرار حقيقة أنه في عام 2000 جرى تحقيق فيلم بعنوان «غرفة التسخين» (Boiler Room)، (أخرجه بن يونغر)، مستوحى من شخصية غوردان بلفورت ولم ينجز أي نجاح يـذكر. كذلك حقيقة أن الأفلام الروائية الثلاثة التي جرى تحقيقها في السنوات الثلاث الماضية عن متاعب شارع «وول ستريت» الاقتصادية، وذلك بدافع التعليق على الأزمة المالية الشاملة التي وقعت سنة 2008، لم تؤت ثمارها المرجوة.
هذه الأفلام بدأت بفيلم ممتاز عنوانه «نداء هامشي»، أخرجه ج س شانتور، حول حياة شخصيات عدة تعمل في مصرف للاستثمارات: جيريمي آيرونز في دور الرئيس الذي سيجد لديه القدرة على المراوغة في تعاملاته بالبورصة لضمان سلامة النخبة في المؤسسة والتضحية بالآخرين (بول بيتاني، زاكاري كوينتو، سايمون بايكر). تبعه على الفور فيلم جيـد آخر، أخرجه جون ويلز، حول البيئة المصرفية ذاتها وما يحدث فيها من بطولة بن أفلك وتومي لي جونز وكريس كوبر، عنوانه «رجال الشركة».
كلا هذين الفيلمين أخفقا في جذب الجمهور الواسع، لكن ميزانية كل منهما كانت محدودة (نحو 15 مليونا للفيلم الواحد)، مما ساعد على امتصاص النتائج المادية. الأمل، سنة 2011، أنيط بفيلم ثالث هو الأكبر بين هذه وهو فيلم أوليفر ستون «وول ستريت: المال لا ينام» الذي أنتجته «فوكس» بميزانية وصلت إلى 75 مليون دولار.
هذه المرة كان هناك قدر من التفاؤل، نظرا لأن هذا الفيلم حاول العودة إلى شخصيات فيلم أوليفر ستون السابق «وول ستريت» سنة 1987 الذي حقق نجاحا لافتا حينها. لكن، بينما ضرب الفيلم السابق على محك العلاقة بين الإنسان والمادة، ونقد للتصرف غير المسؤول لرجال ومؤسسات الشارع المصرفي المذكور (ومنه دلف الفيلم إلى نقد الرأسمالية)، أخفق الفيلم الجديد في إثبات الحاجة إليه. لقد أوهم المخرج ستون متابعيه بأنه سيقدم فيلما ينتمي إلى أعماله النقدية وأنه سيمنح الفيلم رؤية تنفـس غضب عموم المشاهدين مما حدث سنة 2008 وتبعاتها، ثم أنجز فيلما حول «الجشع الجيـد» كما جسده مايكل دوغلاس والحب الذي سيربط بين ابنته كاري موليغن والشاب النظيف شاي لابوف.
«المال لا ينام» لم ينجز تلك الآمال التجارية، والمقارنة بينه وبين الفيلمين السابقين «رجال الشركة» و«نداء هامشي» كان لصالح الفيلمين السابقين في نطاق الجدوى والمضمون كما في نطاق العناصر الفنية البحتة.
* خمسة لقاءات «ذئب وول ستريت» هو اللقاء الخامس بين المخرج مارتن سكورسيزي والممثل ليوناردو ديكابريو، وهو آيل لدخول المسابقة الرسمية لأوسكارات العام المقبل. كذلك هو تعاون بدأ بينما كان ديكابريو لا يزال يصعد سلـم النجاح عام 2002 عبر فيلم «عصابات نيويورك» الذي امتزج فيه الخيال بالواقع في أحداث وقعت عام 1863. ديكابريو لم يكن الاختيار الأول لمارتن سكورسيزي، الذي سعى قبل ذلك لوضع دان أكرويد وجون بولوتشي في الدورين اللذين لعبهما ديكابريو ودانيال داي لويس. لكن وفاة الثاني ألغت المشروع سنة 1978.
حين جرى إحياء المشروع على أن ينفـذه المخرج في استديوهات «شينيشيتا» الأسطورية بروما، وضع في البال مل غيبسون في الدور الأول، وانطلق يتابع الديكورات الكبيرة التي جرى إنشاؤها رغم أن صديقه جورج لوكاس قال له خلال زيارة له، إن مثل هذه المدن التاريخية المنوي إنشاؤها يمكن للديجيتال تحقيقها من دون الحاجة إلى بنائها الفعلي. في تلك الأثناء، جرى تعديل جديد تم بموجبه جلب ديكابريو وداي - لويس للقيام بالدورين الرئيسين عام 2002.
الفيلم الثاني كان «الطيـار» (2004): سيرة حياة المنتج والمغامر والمليونير الراحل هوارد هيوز. المشروع أعاد سكورسيزي وديكابريو (الذي لعب دور هيوز) إلى تاريخ ماض (مطلع القرن) لمتابعة حياة رجل أحاط نفسه بالكثير من الغموض. بعد سنتين، أنجزا معهما اللقاء الثالث: فيلم بوليسي شارك في بطولته إلى جانب ديكابريو كل من مات دايمون، وجاك نيكولسون، ومارك وولبرغ. ثم تلا هذا الفيلم «شـتر آيلاند» (2010) الذي انتقل إلى حقبة أقرب من التاريخ (الخمسينات) في عالم يتماوج بين الخيال والواقع وبين الوهم والحقيقة.
فيلم سكورسيزي المقبل
* حال انتهى مارتن سكورسيزي من «ذئب وول ستريت»، انصرف لتحقيق فيلم تسجيلي كان وقـع عقده مع محطة «HBO» الأميركية، وها هو الآن يمضي الوقت في تصويره. الفيلم لم يتـخذ لنفسه عنوانا بعد، لكنه يدور حول بيـل كلينتون ويتضمـن مقابلة معه ومقابلة مع زوجته هيلاري وحياة كل منهما السياسية في البيت الأبيض وقبله.



السينما في 2025... عام مفصلي لتطور تقنيات الإبهار

«سريع وغاضب» واللامعقول (يوينڤرسال)
«سريع وغاضب» واللامعقول (يوينڤرسال)
TT

السينما في 2025... عام مفصلي لتطور تقنيات الإبهار

«سريع وغاضب» واللامعقول (يوينڤرسال)
«سريع وغاضب» واللامعقول (يوينڤرسال)

في مجمله، كان عام 2025 نقطةً مفصلية في مسار السينما على أكثر من صعيد. بدقّة عالية يمكن تحديد العام الحالي على أساس نقطة تفصل بين ما قبله وما بعده، تماماً كما حدث عندما داهم وباء «كورونا» العالم قبل 5 سنوات، فوجدت السينما، كغيرها من القطاعات، نفسها في موقع التحدي والمواجهة.

لكنّ ما يحدث هذه المرّة يختلف؛ فالسينما تدخل عصراً جديداً تبلورت ملامحه في الأعوام السابقة، ثم تجسّد عام 2025 بوصفه واقعاً ثابتاً وقوة مؤثرة في مختلف عناصر الصناعة. الإحاطة بهذه التطورات تكشف حجم تأثير دخول التقنيات إلى عمق البنية الصناعية للسينما.

«بوليت» المطاردة تبدو واقعية لليوم (وورنر)

استبدال شامل

حتى سنوات قليلة مضت، ظلّ إنتاج الأفلام يجري بالطريقة التقليدية: الموافقة على المشروع، ومن ثَم تطويع كل الإمكانات الفنية والتقنية لخدمته وفق موضوعه ونوعه. وكان من المعتاد اللجوء إلى تقنيات الكمبيوتر غرافيكس لإتمام ما يصعب تحقيقه واقعياً، مثل مشاهد مطاردات السيارات في أفلام مثل «بولِت» (Bullitt) 1968، و«ذَ فرنش كونكشن» (The French Connection) 1971، و«رونَن» (Ronin) 1998، التي كانت تُنجز بجهود بشرية شاقة وبمخاطر حقيقية.

اليوم تغيّر القاموس التنفيذي بالكامل. بات في الإمكان تصوير ممثل يركض في «شوارع باريس»، وهو في الحقيقة واقف داخل ستوديوهات «يونيڤرسال»، أمام شاشة خضراء. ويكفي عقد مقارنة بين تلك الأفلام الكلاسيكية وأي فيلم من سلسلة «Fast and Furious» للتأكد من حجم التحوّل.

لكن المدّ لا يتوقف هنا. فالاعتماد على الذكاء الاصطناعي شهد هذا العام قفزة جديدة. صار من الممكن، تنفيذ الفيلم من السيناريو إلى الشاشة عبر منظومة غير بشرية بالكامل: كتابة، إخراج، تصوير، مونتاج، بل وحتى أداء الممثلين.

دافع رئيس

قبل أسبوعين، اعتلى المخرج غييرمو دل تورو منصّة «أميركان فيلم إنستتيوت» لتسلُّم جائزته عن فيلمه الجديد «فرانكنستين»، ونال تصفيقاً حاراً حين أعلن: «فيلمي فني في كل لقطة. خالٍ بنسبة 100 في المائة من الذكاء الاصطناعي».

وعلى الرغم من هذه المواقف، يبقى الدافع الأساسي لاعتماد التقنية واضحاً: تقليص الميزانيات الضخمة للأفلام التجارية. فالذكاء الاصطناعي قادر على خفض التكاليف إلى النصف تقريباً، بحيث تبقى الرواتب هي العبء الأكبر وحدها.

وهذا يتقاطع مع استعداد جمهور واسع لقبول كل ما يقدّم له ما دام يحتوي على جرعات عالية من الأكشن والخيال، دون الاكتراث بما إذا كان الفيلم «بشرياً» أم مُنتجاً آلياً.

«فرانكنستين» 100 في المائة سينما (نتفليكس)

تفكير بالنيابة

يرى المدافعون عن الذكاء الاصطناعي (AI) أنّه يطوّر بصريات الفيلم ويجوّد مؤثراته، لكن هذا صحيح بقدر محدود. فالسينما بلغت قممها على أيدي فنانين أكفّاء صنعوا روائع مثل «ووترلو»، أو «بوني وكلايد»، أو «لورنس العرب»، أو «صنست بوليڤارد»، أو «القيامة الآن».

ما يطلبه الذكاء الاصطناعي ببساطة هو: «لا تفكّر... سأفكّر نيابةً عنك».

وهو ما يشبه ما حدث مع الهواتف الذكية وخرائط «غوغل»: استبدال الجهد الذهني بالاعتماد التام على التقنية.

ولا يعمل الذكاء الاصطناعي وحده في هذا المسار. فعام 2025 هو الامتداد الأكثر شراسة لما بدأ قبل سنوات مع المنصّات المنزلية، التي توفّر عليك مهمّة الانتقال إلى صالات السينما. غايتها ليست راحتك ولا حتى مساعدتك على الحد من النفقات (لم ترتفع أسعار التذاكر إلى المستوى الحالي إلا كرد فعل على انخفاض الإقبال) بل مد أصابعها إلى محفظتك كل شهر. أنت بالتالي، وعلى عكس روعة الحضور الفعلي لصالة السينما، لست أكثر من رقم محفوظ ومصمم لكي تُفيد جهة لن تقوم مطلقاً بتوفير أفلام فنية أو تعالج موضوعات جادّة بفاعلية طالما إنها ليست مطلب الجمهور.

وفي هذا السياق جاء هجوم «نتفليكس» الأخير لشراء «وورنر»، في خطوة توسّع رقعة هيمنة المنصّات. بينما جاء دخول «باراماونت» على خط الاستحواذ لعرقلة هذا التفرّد وإعادة بعض التوازن إلى المنافسة.

لكن السينما المناوئة لم تُهزم بعد وتجد في المهرجانات الفنية مساحة كبيرة للمقاومة كما في مواقف مخرجين يدركون جيّداً أن عليهم الصمود في وجه هذه التيارات.


شاشة الناقد: ثلاثة أفلام من مهرجان «البحر الأحمر» تكسر المعتاد

«العميل السري» (مهرجان البحر الأحمر)
«العميل السري» (مهرجان البحر الأحمر)
TT

شاشة الناقد: ثلاثة أفلام من مهرجان «البحر الأحمر» تكسر المعتاد

«العميل السري» (مهرجان البحر الأحمر)
«العميل السري» (مهرجان البحر الأحمر)

THE SECRET AGENT ★★★★

إخراج: ‪ كلايبر مندوزا فيلو‬

البرازيل | تشويق سياسي

عروض 2025: مهرجان «البحر الأحمر»

يتألّف هذا الفيلم الذي شهد عرضه الأول في مهرجان «ڤينيسيا» هذا العام واستُقبل جيداً في مهرجان البحر الأحمر قبل أيام من 3 أقسام، كل منها بعنوان مختلف، لكن ليس بغرض سرد 3 حكايات مختلفة، بل لربط أحداث كل فصل وشخصياته بخيط واحد يتناول، بالإيحاء غالباً، الجريمة السياسية في البرازيل سنة 1977. وسواء تحدّث القسم الأول عن جرائم قتل ارتكبها نظام تلك الفترة ضد المواطنين، أو رغبة بطل الفيلم مارسيلو (واغنر مورا) في البحث في أرشيف الدولة عن تاريخ عائلته (القسم الثاني)، أو لجوئه للتخفي بعيداً عن أعين مطارديه في محاولته لإعادة فهم وتقييم الواقع المُعاش (عموم الأقسام الثلاثة)، فإنه يوفّر من خلال شخصية بطله نظرة جامعة لأثر الاضطهاد السياسي على حياته فرداً وحياة الآخرين مجموعةً. وهو يفعل ذلك بدراية كاملة وبحرية فنية تجعل الفيلم أكثر إشباعاً لمحبي السينما وتمنح المُشاهد معالجة تبدو كما لو كانت مستقاة من خطوط أحداث لا نراها، بل نعايشها كما نعايش الماثل أمامنا. هذا كان شغل فيلو منذ فيلمه الأول «أصوات مجاورة» (Neighboring Sounds) وما زال شغله الآن، حيث ما نراه وما لا نراه يتساويان في الإيحاء والأهمية.

يستخدم فيلو السينما مرآة تعكس ذاكرة تقض المضاجع. مارسيلو يعيش في ماضيه كما في واقعه الحالي. يلجأ إلى بلدة تعيش طقوساً احتفالية لا يأبه لها كثيراً، إذ إن غايته إعادة الوصل بينه وبين ابنه الذي يعيش في الخيال. كل هذا والشعور بأن السلطة والعاملين فيها أو متعاملين معها موجودون عن قرب، حتى وإن لم نرَ لهم حضوراً فعلياً.

يتحرك الفيلم بحرية بين موضوعاته وأقسامه، غير مرتبط بمنهج سرد معيّن، ولكثرة مشاغله وما يود البحث فيه هناك تطويل يطغى، لكنه يبقى قادراً على جذب الاهتمام طوال الوقت. ما يتبلور على الشاشة هو عمل يجمع بين سيرة شبه شخصية لرجل يرفض نسيان الأمس وبين حب السينما كلغة تعبير، وثقة المخرج بالكيفية التي ينجز فيها مفرداته هذه.

BLACK RABBIT‪,‬ WHITE RABBIT ★★★

إخراج: شهرام مقري

طاجيكستان/ الإمارات العربية

المتحدة | دراما

عروض 2025: مهرجان «البحر الأحمر»

هذا فيلم غريب يُقدّر لحريّة المخرج في معالجته المبنية، بوضوح، على الخروج من شروط السرد المعتمد عادةً إلى آخر يتطلّب من المُشاهد التحرك بالاتجاه نفسه، متجاوزاً بدوره ما اعتاد عليه.

«أرنب أسود، أرنب أبيض» (مهرجان البحر الأحمر)

يدور في أرض تعود إلى استوديو حيث يُصوَّر فيلمان معاً في رقعة واحدة. رغبة المخرج مقري تعتمد على الإكثار من استخدام حريّته في رصف الفيلم الذي يريد كما يريده. هذا يخلق وضعاً تتكرر فيه المشاهد والحوارات، كما الحال عادةً خلال صنع الأفلام. نرى المشهد نفسه مع تغيير طفيف أكثر من مرة، تبعاً لرؤية مخرج يهوى التجريب ويراه مدخلاً مناسباً لسينماه. امرأتان ورجل ومسدس قديم هم محور ما يدور، لكن في وسط ما يبدو تكراراً، حضور لطبقات جديدة تتوالى الظهور.

من حسنات الفيلم التصوير (لمرتضى غايدي)، الذي يؤسس لنظام عمل متكامل يتواكب مع رغبة المخرج في تشغيل مخيلة المُشاهد وتعزيز أسلوبه. في أحيان كثيرة، يؤدي ذلك، ولو بالقصد، إلى الخلط بين الحدث الذي يقع في الفيلم الذي نراه، وذلك الحدث الآخر الذي ينطوي عليه الفيلم داخل الفيلم.

LOST LAND ★★★

إخراج: أكيو فوجيموتو

اليابان/ ماليزيا/ فرنسا

دراما عن الهجرة

عروض 2025: مهرجان «البحر الأحمر»

لا بد أن الشعور الإنساني في صميمه هو ما يدفع مخرجاً يابانياً للانتقال إلى بنغلاديش لتصوير موضوع محلي الحدث مع شخصيات محلية بدورها.

«أرض مفقودة» (مهرجان البحر الأحمر)

في «أرض مفقودة» متابعة لمصير صبي في الرابعة من العمر وشقيقته ابنة التاسعة، وقد قررا الاشتراك في رحلة تبدأ في حافلة تقل عشرات الأشخاص وتنتهي بهما بعد أيام من المشاق، وقد أصبحا وحيدين. مما يتبدى أن غاية المخرج فوجيموتو هي الحديث عن الهجرة غير الشرعية عموماً، مع تمهيد للشخصيتين قبل التحوّل عنهما لتصوير آخرين يؤمّون الهدف نفسه ويعيشون مصاعبه. سيعود المخرج للصبي شافي وأخته سميرة لاحقاً بعد أن يؤسس صورة عامة.

رغبة هذين الولدين هي ترك بنغلاديش في محاولة للقاء والديهما اللذين كانا قد هاجرا إلى ماليزيا. ليس هناك كثيراً لتداوله حول ظروف ما قبل قرارهما بالهجرة، لكن الحكاية تنتهي بهما وقد وجدا نفسيهما في تايلاند. على ذلك، يلتقي هذا المنهج مع حقيقة أن الشخصيات المحيطة تهاجر من دون القدرة على اتخاذ قرارات صائبة. في عموم الفيلم، هم آملون بمستقبل أفضل في عالم لا أمل فيه بالنسبة إليهم على الأقل.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


شهد أمين لـ«الشرق الأوسط»: «هجرة» يكسر نموذج المرأة الواحدة

شهد أمين في حوار معها من داخل مهرجان البحر الأحمر (المهرجان)
شهد أمين في حوار معها من داخل مهرجان البحر الأحمر (المهرجان)
TT

شهد أمين لـ«الشرق الأوسط»: «هجرة» يكسر نموذج المرأة الواحدة

شهد أمين في حوار معها من داخل مهرجان البحر الأحمر (المهرجان)
شهد أمين في حوار معها من داخل مهرجان البحر الأحمر (المهرجان)

بين حضور دولي، بدأ مع فيلم «سيدة البحر» عام 2019، وصولاً إلى اختيار فيلمها الجديد «هجرة» لتمثيل السعودية في سباق الأوسكار 2026، تبدو المخرجة السعودية شهد أمين أكثر وضوحاً في صياغة رؤيتها السينمائية، خاصة أن الفيلمين يتقاطعان في السرد النسوي، حيث يقدمان نظرة لأحوال المرأة ومعالجة عميقة لقصصها.

وفي حوار أجرته معها لـ«الشرق الأوسط» من داخل مهرجان البحر الأحمر السينمائي بجدة، حيث يشارك فيلمها في المسابقة الرسمية، جاء السؤال الأول عن هذا التقاطع، لتجيب: «كنتُ واعية تماماً وأنا أعمل على (هجرة)، فأنا لا أريد تكرار نفسي، ولا تقديم فيلم يشبه (سيدة البحر)... أردتُ أن أكتب من نقطة مختلفة، من اللحظة التي نعيشها الآن، ومن السؤال الذي يشغلني شخصياً: ما الذي أريد قوله للعالم اليوم؟».

نساء الأجيال الثلاثة

أمين، التي تقدم في «هجرة» رحلة المرأة السعودية عبر 3 أجيال، تشير إلى انزعاجها من الفكرة الدارجة اليوم حول تصوير «المرأة المعاصرة» بوصفها النسخة الوحيدة الصحيحة، وكأنها جاءت لتُصحّح أخطاء الأجيال السابقة من الأمهات والجدات وكل النساء السابقات، مضيفة: «شعرتُ أن هذه النظرة فيها قدر من النرجسية». وتتابع: «نحن نرى الحياة اليوم من منظور معاصر ومختلف جذرياً، لكن هذا لا يعني أن تفكيرنا هو الصحيح وتفكيرهنّ هو الخطأ... كنتُ أريد أن أعطي حقاً للنساء اللواتي جئن قبلنا».

وتمضي لشرح رؤيتها التي تشكلت في «هجرة» قائلة: «أردتُ أن أقدم أجيال النساء من دون أحكام... نعم، هناك صراع بين الأجيال، لكنه صراع ينتهي بتفاهم، وبإدراك أن اختلافنا طبيعي وليس تهديداً. اليوم، العالم كلّه يضغط ليجعلنا نموذجاً واحداً، وفكرة واحدة... بمعنى: إذا لم تشبهني فأنت مخطئ أو شرير أو مريض. بينما الحقيقة أننا يمكن أن نختلف، ونظل نتقبّل بعضاً».

فيلم هجرة يتناول العلاقات المتشابكة بين أجيال من النساء (الشرق الأوسط)فيلم «هجرة» يتناول العلاقات المتشابكة بين أجيال من النساء (الشرق الأوسط)

«هجرة»... الحكاية العميقة

حضرت «الشرق الأوسط» عرض فيلم «هجرة» في المهرجان، حيث شهد إقبالاً كبيراً وبيعت التذاكر بالكامل، والفيلم الذي يأتي من بطولة خيرية نظمي ونواف الظفيري والوجه الصاعد لمار فادن، تعود قصته لعام 2001، حين تقرر الجدة اصطحاب اثنتين من حفيداتها لأداء فريضة الحج، وبعد أن تتوه واحدة منهما، تقرر الجدة في لحظة صعبة أن تترك الحج وتبحث عن حفيدتها الضائعة، وخلال الرحلة يتكشف الكثير من الأسرار.

شهد أمين حرصت على إظهار واقعية العلاقة الإنسانية بين الجدة والحفيدة، بعيداً عن الحوارات المطولة والتعابير المبالغ بها، حيث برزت لغة العيون والإيماءات بشكل أكبر في أداء كل شخصية، كما أظهرت تفاصيل ما يحدث حول رحلة الحج ذاتها، والشخصيات الهامشية التي تعيش على بيع السبح وماء زمزم وتوصيل الحجاج، والطقوس التي تعصف بالمكان في تلك الفترة الغنيّة بالقصص والأحداث، ما يجعله فيلماً ينحاز للعمق وصدق التجربة.

الأوسكار... الواقعية قبل الحلم

وبواقعية شديدة، تجيب أمين حول سؤالها عن فرص فيلم «هجرة» في الوصول إلى القائمة القصيرة ومن ثم النهائية للأوسكار، قائلة، «دعينا نقول إن الوصول إلى القائمة القصيرة هو الخطوة الأهم... وبصراحة، كل مخرج يكون لديه قدر من التفاؤل في هذه المرحلة، لكن يجب أن نكون واقعيّين؛ لأن الوصول إلى الأوسكار لا يعتمد فقط على جودة الفيلم، بل يحتاج أيضاً إلى حملة إعلامية ضخمة في لوس أنجليس».

وتستكمل حديثها: «نتمنى الوصول إلى القائمة القصيرة، لكني أرى أن الوصول إلى القائمة النهائية صعب جداً... ومع ذلك، لم لا؟ نقول إن شاء الله... في هذا العام أفلام عربية جميلة وقوية، وجودتها عالية، وأتوقع أن يصل أحدها إلى الأوسكار... نتمنى أن نكون نحن، لكن قد يكون فيلماً عربياً آخر، لا أحد يعلم!».

أحدث جلسة تصوير لشهد أمين في مهرجان البحر الأحمر (المهرجان)

أفلام المهرجانات أم السينما التجارية؟

ولأن أفلام شهد أمين دائماً حاضرة في المهرجانات السينمائية بخلاف دور العرض التجارية، تحتم علينا سؤالها إن كانت مخرجة لأفلام المهرجانات، لترد: «بصراحة، نعم. أفلامي تُصنَّف عادة ضمن أفلام المهرجانات، صحيح أن (سيدة البحر) عُرض في صالات السينما، لكن حضوره كان أفضل في المهرجانات».

وترى أمين أن هناك فرقاً كبيراً بين أفلام شباك التذاكر والأفلام التي تُقدَّم للمهرجانات، وعن ذلك تقول: «الأفلام التجارية تستهدف السوق مباشرة، وتُبنى على فورمات معروفة تشبه ما اعتدنا عليه في السينما الأميركية أو نوع الأفلام الخفيفة التي يعرف الجمهور شكلها مسبقاً، بحيث يدخل المشاهد الفيلم وهو يعرف تقريباً الإيقاع المتوقع، والنهاية المحتملة، والمشاعر التي سيخرج بها».

وتضيف: «أفلام المهرجانات شيء آخر... فهي أفلام تحاول أن تأخذ الجمهور في رحلة مختلفة، بتجربة بصرية أو سردية غير مألوفة. ليست مصممة لاسترضاء الجميع، وقد لا تحظى بقبول واسع، لكنها دائماً تحمل طبقات وعمقاً وتجريباً أكبر من الأفلام التجارية، ولهذا السبب نجد المهرجانات تبحث عن هذا النوع من الأعمال؛ لأنها تضيف صوتاً جديداً وشكلاً جديداً للسينما».

وبالسؤال عن طرح «هجرة» في صالات السينما السعودية، تكشف أمين عن أن الموعد «قريب جداً»، وقد يكون «في مطلع عام 2026 تقريباً»، لكنها تؤكد أن القرار يعود للموزّعين والمنتجين. وتضيف: «الحلم الحقيقي لأي صانع أفلام هو تحقيق المعادلة الصعبة: فيلم يحمل عمقاً فكرياً وشاعرية، وفي الوقت نفسه يمنح الجمهور تجربة ممتعة ومؤثرة... إذا نجح (هجرة) في ذلك فسأكون ممتنّة جداً».

المخرجة العربية... خارج القوالب

وعند الحديث عن حضور المخرجات العربيات، من هيفاء المنصور إلى كوثر بن هنية ونادين لبكي وشيرين دعيبس، في المهرجانات الدولية، ترى أمين أن الصورة أكثر تعقيداً مما يبدو، قائلة: «في الغرب، وخصوصاً في أميركا، تعمل المخرجات غالباً في مساحة السينما المستقلة؛ لأن السينما التجارية ما زالت ذكورية... القصص يكتبها رجال، ويُنتجها رجال، وتُساق ضمن قوالب مألوفة».

وتشير إلى أن السينما المستقلة تمنح المخرجات مساحة أكبر لتقديم رؤية مختلفة، مضيفة: «في العالم العربي اليوم، عدد المخرجات الشابات أكبر من عدد المخرجين، ولهذا نراهن كثيراً في المهرجانات العالمية... البعض يظن أن وجود المرأة في هذه المنصات هو مجرد (مجاملة)، وهذا غير صحيح إطلاقاً... كل الأسماء التي نراها - من الخليج إلى شمال أفريقيا - قدّمت أفلاماً تستحق مكانتها».

وتختم المخرجة شهد أمين حديثها بالقول: «دائماً ما يُسألني الناس: ما الصعوبات التي واجهتها لأنك امرأة؟ الحقيقة أن المخرجات السعوديات والعربيات اليوم أكثر حضوراً من نظيراتهن في أوروبا... وأنا فخورة جداً بذلك».