مسلسل «طريق» محطة فارقة في مشوار عابد فهد ونادين نسيب نجيم

قد يكون مسلسل «طريق» أحد أنجح المسلسلات التي قُدّمت خلال شهر رمضان، فقد اكتملت له العناصر الدرامية المتوازنة التي تجعل حكايته تستحق المتابعة، وإخراجه جيد، وإيقاعه السّريع يبقي توتر الفرجة قائماً حتى اللحظة الأخيرة. كما أنّ العمود الفقري للقصة، أي العلاقة التي تربط بالمصادفة بين محامية رقيقة الحال أميرة (نادين نسيب نجيم) وصاحب المطاعم الثري رغم أميته جابر (عابد فهد)، وتنتهي بزواج صعب وغير متكافئ، غذّاها أداء متميز جداً للثنائي الذي تفوّق على نفسه، وسجلا معاً محطة في مشوارهما الفني قد لا تُنسى أبداً.
لم تكن الكاتبتان سلام كسيري ومعها فرح شيا ولا المخرجة رشا شربتجي، ولا حتى الشركة المنتجة لمسلسل «طريق» «الصباح للإعلام»، بحاجة لاستعارة اسم الأديب الكبير نجيب محفوظ زوراً للرفع من شأن العمل. والحقيقة أنّ المسلسل يستعير حكاية الفيلم المصري الذي عرض عام 1980. ويحمل اسم «الشريدة» من إخراج أشرف فهمي بطولة النجمة المصرية نجلاء فتحي ومحمود ياسين، وينسب قصة المحامية وزواجها من رجل ثري غير متعلم إلى نص لنجيب محفوظ. والمقصود هي قصة صغيرة تحمل نفس اسم الفيلم في مجموعة محفوظ القصصية الأولى «همس الجفون» الصادرة عام 1938. ولكنّك تكتشف أنّ الفيلم وكذلك المسلسل لا علاقة لهما من قريب أو بعيد بنجيب محفوظ. إذ تقرأ قصة الكاتب الكبير «الشريدة» من أولها إلى آخرها ولا تعثر على ما يشبه قصة المحامية وزوجها الثري. وعلى ما يبدو أنّ كاتبتي المسلسل نقلتا عن الفيلم الذي ادّعى اقتباسه قصة نجيب محفوظ، رغم أنّه لا يمت لها بصلة، من دون العودة إلى النّص الأصل، وهو أمر غريب ومثير للتساؤل، ويحتاج إيضاحا من أصحاب العمل لحساسية الموضوع ومشروعية نسبة فكرة مسلسل إلى كاتب كبير فقط للإفادة من اسمه.
على أي حال، نص وحوارات مسلسل «طريق» حملت من العناصر الدرامية ما يكفي، لينافس العمل ويتفوق، بصرف النظر عن اسم الكاتب. فمن البداية إلى النهاية، ثمة ما يستحق المتابعة، من عائلة أميرة رقيقة الحال المتواضعة التي تدير الأم فيها محطة للبنزين، وتقطن منزلاً بجوارها بعد أن فقدت الابنتان والدهما، إلى جابر الذي يأتي لشراء المحطة وهنا تنطلق شرارة معرفته بأميرة، وسط عراك كلامي وغضب من العائلة لما سيحلّ بها بعد تشريدها، مع تداخل قصة عائلة أخرى هي التي ينتمي إليها جابر آتية من دمشق، ولها حكايتها الخاصة، وتاريخها الأليم الذي يمتد إلى أيام الوحدة بين مصر وسوريا. وعلى خط الأحداث حكاية رغدة خطيبة جابر السابقة المتورطة في تعاطي المخدرات، وصهره الذي لا يوفّر فرصة لكسب المال والاختلاس، ودخوله من دون علم منه في حكاية تهريب كوكايين، أثناء شرائه اللحوم للمطعم. هكذا تفتح أقنية عدة، وحكايات مختلفة من أكثر من صوب لتصب جميعها في الحكاية الأصل هي زواج أميرة من جابر، وكأنّما هذا الزواج يحمل كل الأعباء التي تأتي من كل جانب، ويتعاون الزوجان على حلّها كلٌ بدوره وضمن إمكانياته، وبحسن طويته، لتقول له في النهاية، وبعد أن يكون الفارق الاجتماعي قد أقنعها بأنّ الحياة بينهما مستحيلة، وكأنّما خلق كل واحد منا ليساعد الآخر، في إشارة إلى أنّ استغناءها عنه لن يكون ممكناً.
ثمة ثغرات بالتأكيد، والثغرة الأكبر هي حين نكتشف أنّ أخت جابر الأقرب إليه سعاد (وفاء موصللي)، هي والدته، وقد كتمت سرّها عنوة مدى عمرها، مع أنّ جابر يبدو أكبر منها سناً أو في عمرها، وهو ما بدا غير منطقي. وكان يجدر بالمخرجة أن تذهب إلى ماكياج يظهر سعاد متقدمة في العمر قليلاً كي لا يشعر المشاهد أنّه أمام شيء من الكاريكاتير، وإن كان الأداء الرهيب لعابد فهد جعل الثغرة أقل فداحة.
وإذا كانت القصص بخواتيمها، فقد وصل مسلسل «طريق» في نهايته إلى ما يرضي المتفرجين ولا يتركهم في حزن على البطل الفائق الطيبة والإنسانية جابر (عابد فهد) الذي تكالبت عليه الظروف، وأساء إليه كثيرون ممن أحسن إليهم ليجد نفسه ما أن يخرج من مأزق حتى يدخل في آخر، وتظنّ في النهاية أنّ الدائرة الجهنمية أُغلقت عليه ولن يتمكن من النجاة، لكن ما يحدث هو العكس. وكأنّما النهاية السعيدة للثنائي الذي كابد طوال ثلاثين حلقة، فتحت للمتفرج بارقة أمل، وسط مسلسلات رمضانية هي في غالبيتها كئيبة وشديدة السوداوية.