بيرس لـ {الشرق الأوسط}: مطلوب «هلسنكي» شرق أوسطية لإعادة الاستقرار

المندوبة البريطانية لدى الأمم المتحدة قالت في أول حديث مع صحيفة عربية إن أوروبا تعمل مع أميركا للجم نشاطات إيران

كارين بيرس
كارين بيرس
TT

بيرس لـ {الشرق الأوسط}: مطلوب «هلسنكي» شرق أوسطية لإعادة الاستقرار

كارين بيرس
كارين بيرس

اتهمت المندوبة البريطانية الدائمة لدى الأمم المتحدة كارين بيرس، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، هو الأول لها مع صحيفة عربية، منذ تسلمها منصبها في مطلع السنة الجارية، الحرس الثوري الإيراني بأنه «يزعزع الاستقرار» في الشرق الأوسط، داعية إلى تسوية سياسية شاملة تضمن خروج الإيرانيين من اليمن، كاشفة أن المبعوث الدولي مارتن غريفيث يحاول إطلاق هذه العملية السياسية انطلاقاً من وجوب انسحاب ميليشيا الحوثي من الحديدة.
وكشفت أن هناك مساعي جارية لتمكين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية من تحديد المسؤولين عن استخدام الغازات السامة المحظورة دولياً، في سوريا ودول أخرى، على رغم معارضة روسيا لذلك. وأشارت إلى دعوة قدمتها بريطانيا، لعقد مؤتمر في لاهاي يومي 26 و27 من الشهر الجاري، للدول الأعضاء في معاهدة الأسلحة الكيمائية، بهدف التصويت لإعطاء صلاحية تمكن المنظمة من توجيه اتهامات للجهات المسؤولة.
ووصفت المندوبة البريطانية برنامج الإصلاحات الداخلية السعودية التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بأنها مثيرة للغاية، وعبرت عن أملها في إنشاء آليات لصون الاستقرار في الشرق الأوسط وتوقيع اتفاقية على غرار اتفاقية هيلسنكي (أغسطس/ آب 1975) بين الاتحاد السوفياتي السابق والدول الغربية، التي حددت أطر العلاقات خلال الحرب الباردة... وتطبيقها بين المملكة العربية السعودية وإيران.
في حديثها مع «الشرق الأوسط» حول عدد من الملفات الرئيسية في الأمم المتحدة، عبرت المندوبة البريطانية التي حازت أخيراً على لقب «سيدة» من التاج البريطاني بمناسبة عيد ميلاد الملكة إليزابيث الثانية، عن اعتقادها أن «مجلس الأمن سيضطلع بدور ما» في حال سارت الأمور على ما يرام في شبه الجزيرة الكورية في أعقاب القمة التاريخية التي جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترمب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في سنغافورة. وقالت: «وصلنا إلى هذا الحد لأن مجلس الأمن كان متحداً خلف قيادة أميركية قوية»، إذ أنه «تمكن من ممارسة أقصى ضغط ممكن لتنفيذ العقوبات» التي تقررت في سلسلة من القرارات التي اتخذها المجلس طوال أكثر من سنوات، معتبرة أنها «شكلت عاملاً رئيسياً في جلب الكوريين الشماليين إلى الطاولة». وأضافت أن المجلس ينتظر أن يسمع من الأميركيين لمعرفة «ما إذا كان من المفيد عرض المسألة على المجلس لاتخاذ موقف ما».
ورداً على سؤال عما إذا كان مجلس الأمن سيتعامل مع كوريا الشمالية بالطريقة التي اعتمدها مع إيران عندما تبنى مجلس الأمن قراراً يؤيد خطة العمل المشتركة الشاملة (الاتفاق النووي) أم أنه سيتخذ مساراً مختلفاً، أجابت أن «هذا أحد السيناريوهات الممكنة». بيد أنها استدركت أن «السيناريو الأكثر احتمالاً هو أن يكون محدداً أكثر»، مرجحة أن تخفف العقوبات «بشكل تدريجي».

الحرس الثوري يزعزع الاستقرار
وبالإشارة إلى التطورات الأخيرة المتعلقة بكوريا الشمالية، أكدت السفيرة بيرس أن هناك عدداً من العبر التي يمكن الإفادة منها بالنسبة إلى الإيرانيين الذين «لديهم الكثير من الأصابع في الكثير من الفطائر» في المنطقة والعالم، داعية الإيرانيين إلى أن «يبدأون حواراً أفضل مع الغرب، بما في ذلك أميركا» حول «أفضل السبل لتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط». وأكدت أن «كثيرا من الفوضى يتسبب بها وبشكل أساسي الحرس الثوري الإيراني»، إذ أنه «يتبع طريقة مزعزعة للاستقرار» باسم أن «إيران لديها مصالح أمنية مشروعة» في المنطقة. ولاحظت أن الإيرانيين «تلاحقهم قضايا في بلد مثل اليمن، على رغم أن لا مصالح أمنية إيرانية مباشرة هناك». ورأت أن بريطانيا والدول الغربية تعتمد «سياسة حازمة» حيال الدور السيئ لإيران في المنطقة، مؤكدة أن هذه الدول تعمل مع الأميركيين من أجل «لجم نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار». لكنها عبرت عن اعتقادها أنه «من الأفضل القيام بوجود الاتفاق النووي، عوض رفع القيود عن النشاطات النووية لدى إيران».
وقالت: «نحن نقبل بأن لدى إيران مصالح أمنية مشروعة، لكن بعض نشاطها حول الصواريخ الباليستية يتجاوز أي حاجة عقلانية قد تكون لديها»، موضحة أن لدى الإيرانيين «الكثير من الصواريخ، والكثير منها مصوب نحو إسرائيل، والكثير منها يشحن إلى الحوثيين لإطلاقها على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة»، مشددة على أنه «يجب إيجاد طريقة لتقييد تطوير تلك الصواريخ وإنتاجها في إيران»، علما بأنه «لن يكون هناك حظر شامل على إنتاج كل الصواريخ».

للإمارات والسعودية مخاوف مشروعة
وعن دور إيران بدعم الأسد في سوريا و«حزب الله» في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن، رأت أن «دول المنطقة تتحمل المسؤولية الأساسية عن تحقيق الاستقرار في المنطقة. لذا في اليمن، يجب أن تكون هناك تسوية سياسية مع الحوثيين، ولكن أيضاً مع مجموعات يمنية داخلية أخرى من أجل تسوية سياسية أكثر شمولاً وتضمن خروج الإيرانيين في نهاية المطاف من اليمن عسكرياً». وأضافت أنه في سوريا «نحض الروس والإيرانيين على ممارسة نفوذهم من أجل التوصل إلى تسوية سياسية». ورأت أنه «في النهاية ستكون هناك حاجة إلى شكل ما من الحوار بين المملكة العربية السعودية وإيران». وأكدت أن «الوضع حول الحديدة يثير قلقاً بالغاً»، موضحة أن «هجمات الحوثيين ضد السعودية بالصواريخ، وبعضها من إيران، ليست شرعية ويجب أن تتوقف»، معترفة بأن «لكل من الإمارات والسعودية مخاوف أمنية مشروعة نابعة من اليمن ويجب معالجتها». غير أنها اعتبرت أنه «لا يوجد حل عسكري في اليمن. يجب أن تكون هناك تسوية سياسية وهذا ما يعمل عليه مبعوث الأمم المتحدة مارتن غريفيث»، كاشفة أن «الأمم المتحدة تحاول التفاوض على انسحاب الحوثيين من الحديدة».
وأكدت أن «إيران تورد بعض الصواريخ التي يستخدمها الحوثيون»، مضيفة أن مجلس الأمن أصدر بالفعل قرارات حول توريد الصواريخ للحوثيين. وكشفت أن خطة مارتن غريفيث للسلام تتضمن «إجلاء الحوثيين من الحديدة تمشياً مع قرارات مجلس الأمن» على أن يبقى ميناءي الحديدة والصليف مفتوحين لأنهما «يشكلان شريان الحياة الحيوي للشعب اليمني». وتجنبت وضع جدول زمني لذلك.
وفيما يتعلق بسوريا، قالت: «أنا لا أعتبر أن كل شيء تقوم به روسيا موجه نحو تحقيق السلام»، بل على العكس لأن «معظم ما قامت به روسيا كان موجها لمساعدة الرئيس الأسد على الأرض، بما في ذلك مهاجمة شعبه». غير أنها اعترفت بأن «هناك فائدة» من بعض الجهود الروسية مثل مناطق خفض التصعيد وعملية أستانة، مضيفة أن المبعوث الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا يمكن أن يشكل قريباً اللجنة الدستورية. وأكدت أن «الروس لا يستخدمون الحد الأقصى الممكن من التأثير على الأسد».
وعما إذا كان الرئيس الأسد أو أي شخص آخر في سوريا سيحاكم على استخدام الأسلحة الكيماوية، أجابت أنها لا تريد أن تكون متفائلة بصرف النظر عن الظروف المحيطة بهذه المسألة بالذات «لأننا بعيدون عن أن نكون قادرين على اقتياد شخص ما إلى محكمة بسبب استخدام الأسلحة الكيماوية»، موضحة أنه «لا توجد في الوقت الراهن محكمة دولية» مخصصة لذلك، مضيفة: «لذا، سيوضع الأمر في عهدة محكمة وطنية في سوريا أو في أي مكان آخر». واعتبرت أن الأمر «الأكثر أهمية هو أنه ينبغي أن تكون هناك آلية مناسبة، آلية دولية لتحديد من استخدم الأسلحة الكيماوية استناداً إلى معايير قائمة على الأدلة ومن ثم ينبغي أن تكون هناك مساءلة على ذلك»، مشددة على أهمية جمع الأدلة تمهيداً لليوم الذي يمكن فيه تسليم الجناة إلى المحكمة.
وتعليقاً على اعتبار نظيرها الروسي فاسيلي نيبينزيا أن الاستعدادات الجارية لعقد مؤتمر في نهاية الشهر الجاري في لاهاي لتمكين منظمة حظر الأسلحة الكيماوية من تحديد المسؤولية في هجمات الغازات السامة ووصفه ذلك بأنه «خطير»، قالت بيرس: «أود أن أعرف لماذا يعتقد أن هذا خطير. لا أرى خطورة إذا كانت هناك آلية لتحديد المسؤولية (...) ومساءلة على استخدام هذه الأسلحة المحظورة»، مؤكدة أن ذلك «يجعل العالم أكثر أماناً لأنه يعمل كرادع ضد أشخاص آخرين يحاولون استخدامها في المستقبل». ورأت أن «هذه ليست بالضرورة سلطة مجلس الأمن، الذي هو أحد الخيارات. ولكن هناك خيار آخر عبر استخدام اتفاقية الأسلحة الكيماوية نفسها لمعالجة مسألة تحديد المسؤولية. وأوضحت أن هذا هو هدف عقد اجتماع للدول الأطراف في اتفاقية الأسلحة الكيماوية في نهاية يونيو (حزيران) الجاري. وتساءلت عن سبب حرص الروس على دور مجلس الأمن حيث يملكون حق النقض، الفيتو.
وأكدت أن الدول الغربية لم تتخل عن هدف التوصل إلى حل في سوريا من دون الأسد. ولكنها أضافت: «نحن نتعامل مع واقع العالم كما هو، ومن الواضح أن وضع الشروط المسبقة للعملية السياسية لن ينجح، وبالتالي نحن مستعدون للعمل مع الروس وغيرهم ومع الأمم المتحدة لمحاولة دفع العملية السياسية إلى الأمام، ولن نضع شروطاً مسبقة قد تعرقل ذلك».

التصعيد في غزة
وعن النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي والتجاذبات الأخيرة التي شهدتها أجهزة الأمم المتحدة، ومنها مجلس الأمن والجمعية العامة، حول التصعيد الأخير في غزة ولا سيما فيما يتعلق بالنص الذي يطالب بالحماية الدولية للشعب الفلسطيني والذي امتنعت بريطانيا عن التصويت عليه، قالت بيرس إن بلادها «تتطلع إلى أن تكون هذه النصوص متوازنة لكي تتمكن من التصويت لمصلحتها»، معتبرة أن النص الذي أعد للجمعية العامة «ليس متوازناً» لأنه «لا يندد بحركة حماس». وأضافت أن «الصعوبات الأخرى تكمن في الإشارة المبهمة للغاية إلى آلية الحماية المطلوبة». ودعت إلى صوغ «قرار معقول ومتوازن في عملية السلام في الشرق الأوسط يدعم حل الدولتين، ويدعو الإسرائيليين والفلسطينيين إلى الجلوس حول طاولة المفاوضات للتفاوض حول ذلك»، معتبرة أن «ذلك ممكن من الناحية النظرية (...) لكن جعل ذلك يحدث في الواقع أمر صعب للغاية». وأضافت: «لا نزال نترقب مقترحات السلام الأميركية»، آملة في حصول ذلك «قريباً» لأنه «سيكون حافزاً لنوع القرار الذي من شأنه أن يشجع الجانبين على الجلوس حول طاولة المفاوضات».
وفي ليبيا رأت أن «اجتماع باريس كان مفيداً» إذ أنه «تطرق إلى كل القضايا وحدد الطريق الممكنة للتقدم». ولكن «خلال الشهرين المقبلين، ينبغي أن يجري مجلس الأمن حواراً أعمق مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة غسان سلامة، بهدف دعم جهوده على أفضل وجه وجمع كل الأطراف».

المصالح المتضاربة تزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط
ورداً على سؤال عما إذا كان الشرق الأوسط يتحرك في اتجاه المزيد من انعدام الاستقرار، قالت إنه عقب انتهاء الحرب الباردة في التسعينات من القرن الماضي «كان هناك الكثير من الحديث عن نظام عالمي جديد»، مشيرة إلى أن ذلك أدى إلى «عدم استقرار في مناطق عدة لبعض الوقت، مثل البلقان. ولكن على المستوى العام ساد الهدوء مناطق معينة».
وأضافت أن ما يظهر الآن إلى الصدارة بلدان تصير أكثر حداثة ولديها مصالح اقتصادية وأمنية وسياسية على الساحة العالمية، ولكن من دون أن يكون لديها أي إطار كالذي كان خلال الحرب الباردة.
ورأت أن هذه البلدان «تتموضع في منطقها وفي العالم من النواحي الاقتصادية والأمنية»، وهذا ما يؤدي في نظرها إلى «تصادم الكثير من المصالح بطريقة لا مثيل لها من قبل، جزئياً لأن الكثير في بلدان الشرق الأوسط لم تكن لاعبة في على الساحة العالمي سابقاً». واعتبرت أن النظر إلى «مجموعة العشرين» التي أنشئت حديثاً نسبياً يوضح كيف أن «عدداً من الدول صارت فجأة من اللاعبين الاقتصاديين والسياسيين الجديين، ومن الطبيعي أن تتصادم مصالحها».
وأضافت: «ما لم نحصل عليه بعد هو الإطار الذي يمكن من خلاله إدارة هذا النوع من تنافس المصالح»، مذكرة أن «أوروبا لديها تلك الأطر»، ومنها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومجلس أوروبا، فضلاً عن الكثير من أطر العمل بين الشرق والغرب ومجموعة السبع للدول الصناعية الكبرى. وقالت إن «بقية العالم ليس لديها سوى الأمم المتحدة ومجموعة العشرين»، داعية إلى «حوار ونقاش أكبر من أجل تسوية التنافس على كل هذه المصالح خارج نطاق خطر النزاع أو عدم الاستقرار».
وعن تراجع الدور القيادي للولايات المتحدة من المسرح العالمي، رأت أن «أميركا تدخل في دورة وستعود، لأن هناك عدداً كبيراً من المصالح الأميركية الموجودة في الخارج»، مرجحة أن «تبدأ أميركا بتغيير موقفها» في وقت ما. لكن على المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وبعض القوى الاقتصادية الجديدة، ومنها المملكة العربية السعودية، أن «تبذل المزيد من الجهد لمساعدة مناطق مختلفة على أن تكون أكثر استقراراً». وأشارت إلى أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان «لديه برنامج إصلاح داخلي مثير للغاية»، مضيفة أنه «سيكون من المثير للاهتمام للغاية إذا ساعدت منظمة المؤتمر الإسلامي في صوغ بعض الآليات، كالتي في أوروبا، للمساعدة في إدارة بعض القضايا الداخلية في المنطقة». وأعطت مثلاً أن أوروبا لديها اتفاقية هيلسنكي بين روسيا والغرب ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا للمشورة حول كيفية التعامل مع الأقليات الوطنية وحول التغيير الدستوري وحول القضايا الاقتصادية والاجتماعية على المستوى الإقليمي، ولكن «ليس لديك هذه الأشياء في الشرق الأوسط»، علما بأنها «موجودة أكثر في أفريقيا من خلال الاتحاد الأفريقي».
وتساءلت أخيراً عما إذا كانت القوى الرئيسية في الشرق الأوسط تريد البحث عن أنظمة مؤسسية تساعدها على إدارة بعض هذه المصالح المتضاربة. «أنا شخصياً أعتقد أنه يجب أن تكون هناك اتفاقية على غرار هيلسنكي بين إيران والمملكة العربية السعودية».



تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
TT

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)

أفرجت الجماعة الحوثية عن عدد ممن اختطفتهم، على خلفية احتفالاتهم بعيد الثورة اليمنية في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكنها اختطفت خلال الأيام الماضية المئات من سكان معقلها الرئيسي في صعدة، ووجَّهت اتهامات لهم بالتجسس، بالتزامن مع بث اعترافات خلية مزعومة، واختطاف موظف سابق في السفارة الأميركية.

وذكرت مصادر محلية في محافظة صعدة (242 كيلومتراً شمال صنعاء)، أن الجماعة الحوثية تنفِّذ منذ عدة أيام حملة اختطافات واسعة طالت مئات المدنيين من منازلهم أو مقار أعمالهم وأنشطتهم التجارية، وتقتادهم إلى جهات مجهولة، بتهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل، مع إلزام أقاربهم بالصمت، وعدم التحدُّث عن تلك الإجراءات إلى وسائل الإعلام، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وقدرت المصادر عدد المختطَفين بأكثر من 300 شخص من مديريات مختلفة في المحافظة التي تُعدّ معقل الجماعة، بينهم عشرات النساء، وشملت حملة المداهمات منازل عائلات أقارب وأصدقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عثمان مجلي، الذي ينتمي إلى صعدة.

فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

ورجحت المصادر أن اختطاف النساء يأتي بغرض استخدامهن رهائن لابتزاز أقاربهن الذين لم تتمكن الجماعة من الوصول إليهم، أو لإقامتهم خارج مناطق سيطرتها، ولإجبار من اختُطفنَ من أقاربهم على الاعتراف بما يُطلب منهن. وسبق للجماعة الحوثية اتهام حميد مجلي، شقيق عضو مجلس القيادة الرئاسي، أواخر الشهر الماضي، بتنفيذ أنشطة تجسسية ضدها، منذ نحو عقدين لصالح دول عربية وغربية.

إلى ذلك، اختطفت الجماعة الحوثية، الاثنين الماضي، موظفاً سابقاً في سفارة الولايات المتحدة في صنعاء، من منزله دون إبداء الأسباب.

وبحسب مصادر محلية في صنعاء؛ فإن عدداً من العربات العسكرية التابعة للجماعة الحوثية، وعليها عشرات المسلحين، حاصرت مقر إقامة رياض السعيدي، الموظف الأمني السابق لدى السفارة الأميركية في صنعاء، واقتحمت مجموعة كبيرة منهم، بينها عناصر من الشرطة النسائية للجماعة، المعروفة بـ«الزينبيات»، منزله واقتادته إلى جهة غير معلومة.

مسلحون حوثيون يحاصرون منزل موظف أمني في السفارة الأميركية في صنعاء قبل اختطافه (إكس)

وعبث المسلحون و«الزينبيات» بمحتويات منزل السعيدي خلال تفتيش دقيق له، وتعمدوا تحطيم أثاثه ومقتنياته، وتسببوا بالهلع لعائلته وجيرانه.

إفراج عن مختطَفين

أفرجت الجماعة الحوثية عن الشيخ القبلي (أمين راجح)، من أبناء محافظة إب، بعد 4 أشهر من اختطافه، كما أفرجت عن عدد آخر من المختطفين الذين لم توجه لهم أي اتهامات خلال فترة احتجازهم.

وراجح هو أحد قياديي حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اختطفتهم الجماعة الحوثية إلى جانب عدد كبير من الناشطين السياسيين وطلاب وشباب وعمال وموظفين عمومين، خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، على خلفية احتفالهم بثورة «26 سبتمبر» 1962.

مخاوف متزايدة لدى اليمنيين من توسيع حملات الترهيب الحوثية بحجة مواجهة إسرائيل (أ.ب)

ومن بين المفرَج عنهم صاحب محل تجاري أكَّد لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يعلم التهمة التي اختُطِف بسببها؛ كونه تعرض للاختطاف في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أي بعد شهرين من حملة الاختطافات التي طالت المحتفلين بذكرى الثورة اليمنية.

وذكر أن الوسطاء الذين سعوا لمحاولة الإفراج عنه لم يعرفوا بدورهم سبب اختطافه؛ حيث كان قادة أجهزة أمن الجماعة يخبرونهم في كل مرة بتهمة غير واضحة أو مبرَّرة، حتى جرى الإفراج عنه بعد إلزامه بكتابة تعهُّد بعدم مزاولة أي أنشطة تخدم أجندة خارجية.

خلية تجسس مزعومة

بثَّت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، اعترافات لما زعمت أنها خلية تجسسية جديدة، وربطت تلك الخلية المزعومة بما سمته «معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس»، في مواجهة الغرب وإسرائيل.

وطبقاً لأجهزة أمن الجماعة، فإن الخلية المزعومة كانت تسعى لإنشاء بنك أهداف، ورصد ومراقبة المواقع والمنشآت التابعة للقوة الصاروخية، والطيران المسيَّر، وبعض المواقع العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى رصد ومراقبة أماكن ومنازل وتحركات بعض القيادات.

خلال الأشهر الماضية زعمت الجماعة الحوثية ضبط عدد كبير من خلايا التجسس (إعلام حوثي)

ودأبت الجماعة، خلال الفترة الماضية، على الإعلان عن ضبط خلايا تجسسية لصالح الغرب وإسرائيل، كما بثَّت اعترافات لموظفين محليين في المنظمات الأممية والدولية والسفارات بممارسة أنشطة تجسسية، وهي الاعترافات التي أثارت التهكُّم، لكون ما أُجبر المختطفون على الاعتراف به يندرج ضمن مهامهم الوظيفية المتعارف عليها ضمن أنشطة المنظمات والسفارات.

وسبق للجماعة أن أطلقت تحذيرات خلال الأيام الماضية للسكان من الحديث أو نشر معلومات عن مواقعها والمنشآت التي تسيطر عليها، وعن منازل ومقار سكن ووجود قادتها.

تأتي هذه الإجراءات في ظل مخاوف الجماعة من استهداف كبار قياداتها على غرار ما جرى لقادة «حزب الله» اللبناني، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي إطار المواجهة المستمرة بينها وإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، بعد هجماتها على طرق الملاحة الدولية في البحر الأحمر، والهجمات الصاروخية باتجاه إسرائيل.