فرحة وصول 630 مهاجراً إلى إسبانيا لا تحسم النقاش في أوروبا

المستشارة الألمانية تخطط لعقد اجتماع استثنائي حول الهجرة قبل قمة بروكسل

انبعثت الصيحات وأصوات الغناء من السفينة لدى وصولها إلى ميناء بلنسية (إ.ب.أ)
انبعثت الصيحات وأصوات الغناء من السفينة لدى وصولها إلى ميناء بلنسية (إ.ب.أ)
TT

فرحة وصول 630 مهاجراً إلى إسبانيا لا تحسم النقاش في أوروبا

انبعثت الصيحات وأصوات الغناء من السفينة لدى وصولها إلى ميناء بلنسية (إ.ب.أ)
انبعثت الصيحات وأصوات الغناء من السفينة لدى وصولها إلى ميناء بلنسية (إ.ب.أ)

وأخيرا وبعد رحلة شاقة لمئات المهاجرين الذين انتشلتهم سفينة إنقاذ من عرض البحر المتوسط حطت «أكواريوس» في ميناء بلنسية الإسباني أمس الأحد، الأمر الذي يضع نهاية لمحنة إنسانية استمرت تسعة أيام، لكنه لا يحسم النقاش المحتدم في أوروبا بشأن التعامل مع قضية الهجرة.
وصلت المجموعة الأولى من المهاجرين على متن سفينة تابعة لخفر السواحل الإيطالي، نُقل إليها 274 من مجموع 630 راكبا كانوا على متن أكواريوس لضمان سلامة الرحلة. ووصلوا بعد الفجر مباشرة إلى الميناء الواقع في شرق إسبانيا حيث كان فريق من 2320 شخصا يضم متطوعين ومترجمين ورجال شرطة ومسؤولين في قطاع الصحة في الانتظار. ونشرت منظمة أطباء بلا حدود التي تدير أكواريوس مع منظمة (إس أو إس ميديتيران) الألمانية الفرنسية الخيرية صورة على «تويتر» لأعضاء فريقها وهم يشرحون للركاب الخطوات المقبلة. وذكرت المنظمة «الناس يشعرون بالسكينة والسعادة لوصولهم إلى إسبانيا».
ورحب مسؤولون يرتدون ملابس وأقنعة واقية بالمهاجرين واصطحبوهم إلى خيمة حيث بدأت الشرطة في التعرف على هوياتهم وتسجيل بياناتهم. وانبعثت الصيحات وأصوات الغناء من السفينة حينما رأي 106 مهاجرين على م تنها بلنسية تلوح في الأفق. وبعد أن منحت أزمة السفينة الحكومة الإيطالية الجديدة الفرصة لتأكيد سياستها المناهضة للهجرة، استغل رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، الذي تولى منصبه قبل أكثر من أسبوع، الأزمة للتأكيد على موقف أكثر إنسانية.
ووافقت باريس على استقبال جزء من المهاجرين. وأوضح المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين لوكالة الصحافة الفرنسية أنه مستعدّ «لأن يرسل في بداية الأسبوع (إلى فالنسيا) فرقا يمكنها أن تتأكد من أن الأشخاص يستحقون (الحصول على) حق اللجوء».
ورحّب رئيس الحكومة الإسبانية بعرض باريس استقبال جزء من المهاجرين على متن «أكواريوس» واعتبر أنها خطوة «تظهر إطار التنسيق الذي يجب أن تتجاوب أوروبا عبره، في روح تضامن أوروبي فعلي».
محنة السفينة أكواريوس سلطت الضوء على فشل الاتحاد الأوروبي في الاتفاق على كيفية التعامل مع أعداد هائلة من الأشخاص الفارين من شظف العيش والصراع. وقال الحاج آمادو سي (آس) الأمين العام للصليب الأحمر في مؤتمر صحافي في بلنسية أمس السبت، كما نقلت عنه «رويترز»: «الناس تأتي إلى أوروبا بحثا عن القيم الأوروبية والتضامن والدعم». وأضاف: «أي شيء أقل من ذلك هو خيانة لأوروبا نفسها». وأغرق رفض إيطاليا ووزير الداخلية ماتيو سالفيني (زعيم حزب رابطة الشمال اليميني) استقبال السفينة، أوروبا في أزمة جديدة حول مسألة الهجرة وأثار توترا دبلوماسيا بين باريس وروما. وندد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بـ«الموقف المعيب وغير المسؤول للحكومة الإيطالية» التي ردّت بالقول إنها ترفض «تلقي دروس منافقة من بلد فضل غض النظر عن مشكلة الهجرة».
فور وصولها إلى الحكم، عرضت حكومة بيدرو سانشيز الاشتراكية الاثنين استقبال المهاجرين الذين أنقذتهم «أكواريوس» ليل التاسع إلى العاشر من يونيو (حزيران) قبالة السواحل الليبية، بعد أن رفضت إيطاليا ومالطا استقبالهم. ويشكل موقف مدريد مبادرة «إنسانية» لكنها أيضا «سياسية» هدفها الدفع من أجل التوصل إلى حلّ أوروبي مشترك تجاه أزمة الهجرة.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن معظم الإسبان يؤيدون فكرة استقبال المهاجرين ودمجهم في المجتمع مما يسمح لسانشيز، بطرح سياسات ترحب بالمهاجرين للناخبين الذين يشعرون أن الحكومات السابقة لم تفعل ما يكفي. وفي الوقت الذي يصل فيه مهاجرو «أكواريوس» إلى إسبانيا، بوابة الدخول الثالثة إلى الاتحاد الأوروبي عبر البحر، وصل قرابة الألف مهاجر آخر إلى جنوب البلاد على متن قوارب تهريب الجمعة والسبت بينهم أربعة قتلى.
تخطط المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لعقد اجتماع استثنائي عاجل مع الكثير من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى التي تأثرت بشكل مماثل من أزمة الهجرة الإقليمية، وفقا لتقرير صدر في عدد أمس الأحد من صحيفة «بيلد» الألمانية واسعة الانتشار. وتأتي هذه الخطوة وسط خلاف بين ميركل ووزير الداخلية هورست زيهوفر حول خططه لتشديد موقف ألمانيا بشأن الهجرة وتشديد الرقابة على الحدود. وذكرت الصحيفة نقلا عن مصادر حكومية من عدة دول في الاتحاد الأوروبي أن الاجتماع يمكن أن يتم قبل قمة الاتحاد الأوروبي العادية المقررة في 28 و29 يونيو الجاري. وتعتزم ميركل مناقشة حلول للأزمة مع دول تشمل اليونان وإيطاليا والنمسا. وقال مصدر حكومي إيطالي للصحيفة: «حتى الآن لم يتقرر شيء... نحن في مرحلة التخطيط. ومن غير الواضح أيضا متى يمكن أن تعقد القمة الاستثنائية».
ويتمثل موقف ميركل الحالي في البحث عن حل على مستوى الاتحاد الأوروبي للهجرة غير الشرعية في قمة بروكسل نهاية الشهر الجاري، وكانت قد طالبت بالتحلي بالصبر. وكان زيهوفر، القيادي في الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، الشقيق الأصغر للحزب المسيحي الديمقراطي الذي تتزعمه ميركل، قد هدد بتجاوز المستشارة من أجل التعجيل بتنفيذ خططه المتعلقة بترحيل المهاجرين غير الشرعيين على الحدود الألمانية. في تقرير منفصل من صحيفة «بيلد»، نفى زيهوفر أنه كان يحاول تقسيم التكتل المحافظ. وقال: «لا أحد في الحزب المسيحي الاجتماعي يهتم بإسقاط المستشارة أو حل الشراكة أو نسف التحالف (بين الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب المسيحي الاجتماعي والحزب الاشتراكي الديمقراطي)». وأضاف: «نريد أن نجد حلاً مستداماً لرفض المهاجرين من حدودنا».
كشف استطلاع ألماني حديث عن تراجع تأييد المواطنين الألمان للائتلاف الحاكم الذي تتزعمه ميركل بنسبة نقطتين مئويتين تقريبا مقارنة بما كان عليه خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي تم إجراؤها في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي. وأوضح الاستطلاع الذي أجراه معهد «إمنيد» لقياس مؤشرات الرأي بتكليف من صحيفة «بيلد أم زونتاغ» الألمانية الأسبوعية في عددها الصادر أمس الأحد أن تأييد المواطنين للائتلاف الحاكم المكون من الاتحاد المسيحي بزعامة ميركل والحزب الاشتراكي الديمقراطي بلغ 51 في المائة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟