إيران والإرهاب توأمان

طهران تسعى لزعزعة الأمن بمنطقة الخليج والشرق الأوسط

أحمد المغسل العقل المدبر للهجوم الإرهابي على جزء من مجمع سكني بمدينة الخبر في يونيو 1996 كان في إيران ثم تم تسليمه للسعودية بعد أن قبض عليه في لبنان عام 2015 (غيتي)
أحمد المغسل العقل المدبر للهجوم الإرهابي على جزء من مجمع سكني بمدينة الخبر في يونيو 1996 كان في إيران ثم تم تسليمه للسعودية بعد أن قبض عليه في لبنان عام 2015 (غيتي)
TT

إيران والإرهاب توأمان

أحمد المغسل العقل المدبر للهجوم الإرهابي على جزء من مجمع سكني بمدينة الخبر في يونيو 1996 كان في إيران ثم تم تسليمه للسعودية بعد أن قبض عليه في لبنان عام 2015 (غيتي)
أحمد المغسل العقل المدبر للهجوم الإرهابي على جزء من مجمع سكني بمدينة الخبر في يونيو 1996 كان في إيران ثم تم تسليمه للسعودية بعد أن قبض عليه في لبنان عام 2015 (غيتي)

بات من الصعب تقصي مدى انتهاك مبدأ سيادة الدولة وعدم التدخل في ظل عالم شائك تمارس فيه بعض الدول حرب الوكالات أو دعم تنظيمات إرهابية في أراضي دول أخرى، مثل ما يحدث من انتهاكات إيران لدول الخليج بتدخلها السافر دون وضع أي اعتبار لمفهوم ظهر جزءاً من نظام الدول القومية ذات السيادة بموجب صلح وستفاليا عام 1948، الذي ينص على أن ما يقع «داخل نطاق الأرض ذات الكيان السياسي، تمثل الدولة فيه القوة المطلقة»، وقد جعلت من مبدأ «ولاية الفقيه» حجة لما تسميها حماية مصالحها الدينية، وإن كان ذلك خارج أراضيها.
تحتضن إيران كثيرا من الجماعات الإرهابية، بعد أن فروا نحو طهران، في أعقاب الهجوم الأميركي على أفغانستان، إبان تفجيرات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، حيث جعلت لهم مقراً لعمليات التنظيمات الإرهابية، لاستهداف الدول في المنطقة، خصوصاً السعودية، وتصدير العناصر الإرهابية إلى اليمن والعراق وسوريا وليبيا، حيث شهدت بعض الدول الأبرز في العالم، هجمات إرهابية متعددة الأدوار، وكذلك جنسيات منفذيها، والمخططون لها، إلا أن إيران لم تتعرض لمثل ذلك، بحيث إن إيران والإرهاب ليسا عدوين.
يتضح ذلك في أعقاب ما حدث مؤخراً من كشف القضاء السعودي عن بدء محاكمة سعوديين متورطين بالتخابر مع إيران، بهدف «إثارة الفتن» بتمويل جهات خارجية مناوئة للسعودية يتضح أنها إيرانية، الأمر الذي يكشف عن سعي إيران الحثيث لزعزعة الأمن في عدة مناطق في الخليج، وطالبت النيابة العامة بالسعودية بتنفيذ حكم الإعدام بهم، وكان هؤلاء الأربعة ضمن سلسلة من القضايا، في التواطؤ مع إيران، ولكن بطرق مختلفة، بعضهم مع دبلوماسيين إيرانيين يعملون في سفارة طهران في الرياض، وكذلك القنصلية في جدة، إضافة إلى المبعوث الإيراني في منظمة التعاون الإسلامي، وآخرون كانوا على تواصل مباشر مع أحمد المغسل، العقل المدبر للهجوم الإرهابي على جزء من مجمع سكني في مدينة الخبر عام 1996، الذي راح ضحيته 19 من الضباط والأفراد الأميركيين الذين كانوا يوجدون في المبنى، خصوصاً أن إيران كانت تحتضن الإرهابي المغسل من ذلك الوقت، ثم تم تسليمه للسعودية بعد أن قبض عليه في لبنان عام 2015.
كذلك أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في العاصمة الرياض حكماً ابتدائياً بإعدام 4 سعوديين تمت إدانتهم بالتواطؤ مع إيران ضد مصالح السعودية، وتأسيس خلية إرهابية برئاسة أحمد المغسل المدبر لتفجيرات أبراج الخبر عام 1996؛ ومما كشف عن التدخل الإيراني في مثل هذه القضايا، اعتراف موقوف سعودي في السابق ببقائه مع كل من المغسل وإبراهيم اليعقوب وعبد الكريم الناصر ومحمد الحسين تحت حماية المخابرات الإيرانية خلال الفترة ما بين 1996 و2010. إضافة إلى الاعتراف بمد أسر المتورطين في التفجير ممن تم تجنيدهم من قبل طهران بالأموال، إلى جانب عدد من السعوديين ممن تم تجنيدهم ودعمهم بأموال من أجل التجسس على السعودية بالتعاون مع عناصر إيرانية بسفارة طهران في الرياض وقنصليتها في جدة، إضافة إلى موظف كان يعمل في مندوبية منظمة التعاون الإسلامي.
هذا الأمر ليس بجديد؛ إذ يأتي امتداداً لحالات أخرى تم فيها الكشف عن سعوديين آخرين تم تجنيدهم من قبل السلطات الإيرانية، وقد أعلنت السلطات السعودية في مارس (آذار) 2013 القبض على 15 سعودياً وآخر يمني الجنسية في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة والرياض والمنطقة الشرقية ممن انضموا إلى خلية للتجسس وتعاونوا مع إيران، وعقدوا عدة لقاءات بتمويل من قبل المخابرات الإيرانية.

إيران وتنظيم «القاعدة»
عكست أدلة كثيرة تورط إيران بدعمها تنظيمات وميليشيات متطرفة، ومما يعد الأكثر تعقيداً تلك العلاقة مع تنظيم «القاعدة»؛ بالأخص لتناقض الرؤى فيما بينهما؛ بل ورفض كل منهما مبادئ الآخر. وقد ظهرت العلاقة ما بين التنظيم وإيران من خلال رسالة زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري التي تعود إلى عام 2005، حين وجه لأبي مصعب الزرقاوي ما شدد فيه على ضرورة تجنب مواجهة إيران والشيعة بشكل عام؛ بالأخص في العراق، إذ كثف الزرقاوي في تلك الفترة هجماته على الشيعة فيه، وتبعه أبو بكر البغدادي الذي جعل من الشيعة هدفاً لتنظيم «داعش» إلى جانب كل من يعدّهم مخالفين لنهجه، الأمر الذي شكل سبباً محورياً لتكوين تنظيم جديد منشق عن تنظيم «القاعدة» متمثلاً في تنظيم داعش.
وقد كشفت الوثائق التي أفصحت عنها القوات الأميركية في آبوت آباد بعد الحصول عليها من مخبأ زعيم «القاعدة» السابق أسامة بن لادن بعد مقتله في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، عن مدى علاقة تنظيم «القاعدة» بإيران، وقد تضمن ذلك أن عضواً بارزاً في التنظيم أكد في رسالة له أن إيران مستعدة لتوفير كل ما تحتاجه «القاعدة»، وتضمن ذلك أسلحة وأموالا ومعسكرات لتدريب «حزب الله» في لبنان، مقابل أن يقوم التنظيم بالهجوم على مصالح أميركا في السعودية ودول الخليج.
وقد آوت إيران عدداً كبيراً من أعضاء تنظيم «القاعدة»؛ إذ احتضنت عدداً من أبرز قيادييه مثل حمزة بن لادن الذي أقيم حفل زفافه وابنة الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة» المكنى أبو محمد المصري، في إيران مطلع عام 2005، وذلك في مقر إقامته بالمجمع الذي خصصه الحرس الثوري الإيراني سكنا لقياديي «القاعدة»، بعد أن فر عدد منهم إلى إيران. من جهة أخرى؛ اتضح وجود سيف العدل المصري في إيران منذ عام 2011 ولمدة 9 أعوام؛ وتوجه فيما بعد إلى المنطقة الحدودية ما بين أفغانستان وباكستان.
ويعرف سيف العدل بأنه ضابط سابق في الجيش المصري انضم إلى تنظيم «القاعدة»، وأشرف على معسكرات التدريب فيه في كل من السودان وأفغانستان في التسعينات، وقد ساهم في عمليتي تفجير السفارتين الأميركيتين في كل من نيروبي ودار السلام في عام 1998، إضافة إلى تدبيره تفجيرات الرياض في عام 2003.
دعم إيران لتنظيم «القاعدة» تمثل أيضا في التنسيق لاستقبال مقاتلين قادمين من السعودية أو تمويلهم من أجل تمكينهم من السفر إلى مناطق قتال أخرى، إضافة لعدد آخر من قياديي التنظيمات، وذلك على الرغم من وجود معرفة مسبقة من قبل السلطات الإيرانية بهم، مثل ما حدث مع أولمزون أحمدوفيتش صادقين المعروف بكنيته «جعفر الأوزبكي» وعز الدين عبد العزيز خليل المعروف بـ«زين العابدين السوري»، وهو المنسق لتنظيم «القاعدة» في إيران... وقد التقى آنذاك به السعودي صالح القرعاوي الملقب بـ«نجم الخير» والذي قام باستقطاب عدد من السعوديين وإرسالهم إلى إيران على أن يكون بحوزتهم ما لا يقل عن 50 ألف ريال يتم تسليمها إلى زين العابدين السوري، وقد عرف القرعاوي بأنه زعيم لكتائب عبد الله عزام قبل أن يتم استبداله السعودي «الماجد» به نتيجة إصابة القرعاوي جراء انفجار، وقد كان القرعاوي من أخطر عناصر كتائب عبد الله عزام، وقد كان يتحرك مع عناصر أخرى لـ«القاعدة» بين إيران ووزيرستان.
مثل هذه الأدلّة لم تقتصر على وثائق كشفتها السلطات الأميركية، وإنما اتضحت من خلال تصريحات لمسؤولين إيرانيين، وقد صرّح مؤخراً معاون السلطة القضائية الإيراني محمد جواد لاريجاني في مقابلة حصرية مع التلفزيون الإيراني الرسمي بأن «إيران سهلت مرور عناصر (القاعدة) الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر 2001 في نيويورك»، وأكد في لقاء مع التلفزيون الرسمي الإيراني أن الحكومة الإيرانية وافقت على «عدم ختم جوازات بعضهم لأنهم عبروا بشكل رحلات (ترانزيت) لمدة ساعتين وكانوا يواصلون رحلتهم دون ختم جوازاتهم، لكن كل تحركاتهم كانت تحت إشراف المخابرات الإيرانية بشكل كامل».

إيران والمجتمع الدولي
وضعت الولايات المتحدة الأميركية إيران في قائمة الدول الداعمة للإرهاب منذ 19 يناير (كانون الثاني) 1984، وذلك نتيجة دعمها «حزب الله» وتنظيمات أخرى، أو الحرس الثوري من جهة أخرى، بما في ذلك في سوريا التي يتجلى دعمها من قبل الحكومة الإيرانية مالياً، إضافة إلى وجود جماعة «حزب الله» في سوريا من أجل حماية النظام السوري.
وقد نشرت منظمة الأمم المتحدة عدة تقارير لانتهاكات إيران للمواثيق الدولية وقرارات مجلس الأمن نتيجة دعمها الحوثيين بتسليحهم في اليمن، وقد ظهر دورها من خلال توفيرهم الصواريخ الباليستية الإيرانية التي وصلت إلى الرياض في عدّة مرّات مما شكل ضرراً مباشراً على المملكة؛ الأمر الذي يعيد إلى الأذهان دور الحرس الثوري في التدخل في كثير من الدول الأخرى بما يناقض مبدأ السيادة الوطنية للدول، والذي يضمن للمجتمع الدولي حدود كل عضو من أعضائه من خلال المواثيق والمعاهدات الدولية من أجل درء حل النزاعات الدولية بالقوة، مثلما ظهر من تدخل إيران السافر في شؤون البحرين والشعب لزعزعة أمنها بدعمها عددا من الأعمال الإرهابية فيها. وقد أشار وزير الداخلية البحريني إلى وجود اعترافات لعدد ممن تم القبض عليهم بخصوص تلقيهم تدريباً في معسكرات تابعة للحرس الثوري الإيراني على استخدام السلاح وتصنيع المتفجرات.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».