إيران والإرهاب توأمان

طهران تسعى لزعزعة الأمن بمنطقة الخليج والشرق الأوسط

أحمد المغسل العقل المدبر للهجوم الإرهابي على جزء من مجمع سكني بمدينة الخبر في يونيو 1996 كان في إيران ثم تم تسليمه للسعودية بعد أن قبض عليه في لبنان عام 2015 (غيتي)
أحمد المغسل العقل المدبر للهجوم الإرهابي على جزء من مجمع سكني بمدينة الخبر في يونيو 1996 كان في إيران ثم تم تسليمه للسعودية بعد أن قبض عليه في لبنان عام 2015 (غيتي)
TT

إيران والإرهاب توأمان

أحمد المغسل العقل المدبر للهجوم الإرهابي على جزء من مجمع سكني بمدينة الخبر في يونيو 1996 كان في إيران ثم تم تسليمه للسعودية بعد أن قبض عليه في لبنان عام 2015 (غيتي)
أحمد المغسل العقل المدبر للهجوم الإرهابي على جزء من مجمع سكني بمدينة الخبر في يونيو 1996 كان في إيران ثم تم تسليمه للسعودية بعد أن قبض عليه في لبنان عام 2015 (غيتي)

بات من الصعب تقصي مدى انتهاك مبدأ سيادة الدولة وعدم التدخل في ظل عالم شائك تمارس فيه بعض الدول حرب الوكالات أو دعم تنظيمات إرهابية في أراضي دول أخرى، مثل ما يحدث من انتهاكات إيران لدول الخليج بتدخلها السافر دون وضع أي اعتبار لمفهوم ظهر جزءاً من نظام الدول القومية ذات السيادة بموجب صلح وستفاليا عام 1948، الذي ينص على أن ما يقع «داخل نطاق الأرض ذات الكيان السياسي، تمثل الدولة فيه القوة المطلقة»، وقد جعلت من مبدأ «ولاية الفقيه» حجة لما تسميها حماية مصالحها الدينية، وإن كان ذلك خارج أراضيها.
تحتضن إيران كثيرا من الجماعات الإرهابية، بعد أن فروا نحو طهران، في أعقاب الهجوم الأميركي على أفغانستان، إبان تفجيرات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، حيث جعلت لهم مقراً لعمليات التنظيمات الإرهابية، لاستهداف الدول في المنطقة، خصوصاً السعودية، وتصدير العناصر الإرهابية إلى اليمن والعراق وسوريا وليبيا، حيث شهدت بعض الدول الأبرز في العالم، هجمات إرهابية متعددة الأدوار، وكذلك جنسيات منفذيها، والمخططون لها، إلا أن إيران لم تتعرض لمثل ذلك، بحيث إن إيران والإرهاب ليسا عدوين.
يتضح ذلك في أعقاب ما حدث مؤخراً من كشف القضاء السعودي عن بدء محاكمة سعوديين متورطين بالتخابر مع إيران، بهدف «إثارة الفتن» بتمويل جهات خارجية مناوئة للسعودية يتضح أنها إيرانية، الأمر الذي يكشف عن سعي إيران الحثيث لزعزعة الأمن في عدة مناطق في الخليج، وطالبت النيابة العامة بالسعودية بتنفيذ حكم الإعدام بهم، وكان هؤلاء الأربعة ضمن سلسلة من القضايا، في التواطؤ مع إيران، ولكن بطرق مختلفة، بعضهم مع دبلوماسيين إيرانيين يعملون في سفارة طهران في الرياض، وكذلك القنصلية في جدة، إضافة إلى المبعوث الإيراني في منظمة التعاون الإسلامي، وآخرون كانوا على تواصل مباشر مع أحمد المغسل، العقل المدبر للهجوم الإرهابي على جزء من مجمع سكني في مدينة الخبر عام 1996، الذي راح ضحيته 19 من الضباط والأفراد الأميركيين الذين كانوا يوجدون في المبنى، خصوصاً أن إيران كانت تحتضن الإرهابي المغسل من ذلك الوقت، ثم تم تسليمه للسعودية بعد أن قبض عليه في لبنان عام 2015.
كذلك أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في العاصمة الرياض حكماً ابتدائياً بإعدام 4 سعوديين تمت إدانتهم بالتواطؤ مع إيران ضد مصالح السعودية، وتأسيس خلية إرهابية برئاسة أحمد المغسل المدبر لتفجيرات أبراج الخبر عام 1996؛ ومما كشف عن التدخل الإيراني في مثل هذه القضايا، اعتراف موقوف سعودي في السابق ببقائه مع كل من المغسل وإبراهيم اليعقوب وعبد الكريم الناصر ومحمد الحسين تحت حماية المخابرات الإيرانية خلال الفترة ما بين 1996 و2010. إضافة إلى الاعتراف بمد أسر المتورطين في التفجير ممن تم تجنيدهم من قبل طهران بالأموال، إلى جانب عدد من السعوديين ممن تم تجنيدهم ودعمهم بأموال من أجل التجسس على السعودية بالتعاون مع عناصر إيرانية بسفارة طهران في الرياض وقنصليتها في جدة، إضافة إلى موظف كان يعمل في مندوبية منظمة التعاون الإسلامي.
هذا الأمر ليس بجديد؛ إذ يأتي امتداداً لحالات أخرى تم فيها الكشف عن سعوديين آخرين تم تجنيدهم من قبل السلطات الإيرانية، وقد أعلنت السلطات السعودية في مارس (آذار) 2013 القبض على 15 سعودياً وآخر يمني الجنسية في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة والرياض والمنطقة الشرقية ممن انضموا إلى خلية للتجسس وتعاونوا مع إيران، وعقدوا عدة لقاءات بتمويل من قبل المخابرات الإيرانية.

إيران وتنظيم «القاعدة»
عكست أدلة كثيرة تورط إيران بدعمها تنظيمات وميليشيات متطرفة، ومما يعد الأكثر تعقيداً تلك العلاقة مع تنظيم «القاعدة»؛ بالأخص لتناقض الرؤى فيما بينهما؛ بل ورفض كل منهما مبادئ الآخر. وقد ظهرت العلاقة ما بين التنظيم وإيران من خلال رسالة زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري التي تعود إلى عام 2005، حين وجه لأبي مصعب الزرقاوي ما شدد فيه على ضرورة تجنب مواجهة إيران والشيعة بشكل عام؛ بالأخص في العراق، إذ كثف الزرقاوي في تلك الفترة هجماته على الشيعة فيه، وتبعه أبو بكر البغدادي الذي جعل من الشيعة هدفاً لتنظيم «داعش» إلى جانب كل من يعدّهم مخالفين لنهجه، الأمر الذي شكل سبباً محورياً لتكوين تنظيم جديد منشق عن تنظيم «القاعدة» متمثلاً في تنظيم داعش.
وقد كشفت الوثائق التي أفصحت عنها القوات الأميركية في آبوت آباد بعد الحصول عليها من مخبأ زعيم «القاعدة» السابق أسامة بن لادن بعد مقتله في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، عن مدى علاقة تنظيم «القاعدة» بإيران، وقد تضمن ذلك أن عضواً بارزاً في التنظيم أكد في رسالة له أن إيران مستعدة لتوفير كل ما تحتاجه «القاعدة»، وتضمن ذلك أسلحة وأموالا ومعسكرات لتدريب «حزب الله» في لبنان، مقابل أن يقوم التنظيم بالهجوم على مصالح أميركا في السعودية ودول الخليج.
وقد آوت إيران عدداً كبيراً من أعضاء تنظيم «القاعدة»؛ إذ احتضنت عدداً من أبرز قيادييه مثل حمزة بن لادن الذي أقيم حفل زفافه وابنة الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة» المكنى أبو محمد المصري، في إيران مطلع عام 2005، وذلك في مقر إقامته بالمجمع الذي خصصه الحرس الثوري الإيراني سكنا لقياديي «القاعدة»، بعد أن فر عدد منهم إلى إيران. من جهة أخرى؛ اتضح وجود سيف العدل المصري في إيران منذ عام 2011 ولمدة 9 أعوام؛ وتوجه فيما بعد إلى المنطقة الحدودية ما بين أفغانستان وباكستان.
ويعرف سيف العدل بأنه ضابط سابق في الجيش المصري انضم إلى تنظيم «القاعدة»، وأشرف على معسكرات التدريب فيه في كل من السودان وأفغانستان في التسعينات، وقد ساهم في عمليتي تفجير السفارتين الأميركيتين في كل من نيروبي ودار السلام في عام 1998، إضافة إلى تدبيره تفجيرات الرياض في عام 2003.
دعم إيران لتنظيم «القاعدة» تمثل أيضا في التنسيق لاستقبال مقاتلين قادمين من السعودية أو تمويلهم من أجل تمكينهم من السفر إلى مناطق قتال أخرى، إضافة لعدد آخر من قياديي التنظيمات، وذلك على الرغم من وجود معرفة مسبقة من قبل السلطات الإيرانية بهم، مثل ما حدث مع أولمزون أحمدوفيتش صادقين المعروف بكنيته «جعفر الأوزبكي» وعز الدين عبد العزيز خليل المعروف بـ«زين العابدين السوري»، وهو المنسق لتنظيم «القاعدة» في إيران... وقد التقى آنذاك به السعودي صالح القرعاوي الملقب بـ«نجم الخير» والذي قام باستقطاب عدد من السعوديين وإرسالهم إلى إيران على أن يكون بحوزتهم ما لا يقل عن 50 ألف ريال يتم تسليمها إلى زين العابدين السوري، وقد عرف القرعاوي بأنه زعيم لكتائب عبد الله عزام قبل أن يتم استبداله السعودي «الماجد» به نتيجة إصابة القرعاوي جراء انفجار، وقد كان القرعاوي من أخطر عناصر كتائب عبد الله عزام، وقد كان يتحرك مع عناصر أخرى لـ«القاعدة» بين إيران ووزيرستان.
مثل هذه الأدلّة لم تقتصر على وثائق كشفتها السلطات الأميركية، وإنما اتضحت من خلال تصريحات لمسؤولين إيرانيين، وقد صرّح مؤخراً معاون السلطة القضائية الإيراني محمد جواد لاريجاني في مقابلة حصرية مع التلفزيون الإيراني الرسمي بأن «إيران سهلت مرور عناصر (القاعدة) الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر 2001 في نيويورك»، وأكد في لقاء مع التلفزيون الرسمي الإيراني أن الحكومة الإيرانية وافقت على «عدم ختم جوازات بعضهم لأنهم عبروا بشكل رحلات (ترانزيت) لمدة ساعتين وكانوا يواصلون رحلتهم دون ختم جوازاتهم، لكن كل تحركاتهم كانت تحت إشراف المخابرات الإيرانية بشكل كامل».

إيران والمجتمع الدولي
وضعت الولايات المتحدة الأميركية إيران في قائمة الدول الداعمة للإرهاب منذ 19 يناير (كانون الثاني) 1984، وذلك نتيجة دعمها «حزب الله» وتنظيمات أخرى، أو الحرس الثوري من جهة أخرى، بما في ذلك في سوريا التي يتجلى دعمها من قبل الحكومة الإيرانية مالياً، إضافة إلى وجود جماعة «حزب الله» في سوريا من أجل حماية النظام السوري.
وقد نشرت منظمة الأمم المتحدة عدة تقارير لانتهاكات إيران للمواثيق الدولية وقرارات مجلس الأمن نتيجة دعمها الحوثيين بتسليحهم في اليمن، وقد ظهر دورها من خلال توفيرهم الصواريخ الباليستية الإيرانية التي وصلت إلى الرياض في عدّة مرّات مما شكل ضرراً مباشراً على المملكة؛ الأمر الذي يعيد إلى الأذهان دور الحرس الثوري في التدخل في كثير من الدول الأخرى بما يناقض مبدأ السيادة الوطنية للدول، والذي يضمن للمجتمع الدولي حدود كل عضو من أعضائه من خلال المواثيق والمعاهدات الدولية من أجل درء حل النزاعات الدولية بالقوة، مثلما ظهر من تدخل إيران السافر في شؤون البحرين والشعب لزعزعة أمنها بدعمها عددا من الأعمال الإرهابية فيها. وقد أشار وزير الداخلية البحريني إلى وجود اعترافات لعدد ممن تم القبض عليهم بخصوص تلقيهم تدريباً في معسكرات تابعة للحرس الثوري الإيراني على استخدام السلاح وتصنيع المتفجرات.



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.