الهجمات الانتحارية... ضربات خاطفة لتعويض الهزائم

أدوات «داعش» و«بوكو حرام» و«الشباب» بأقل التكاليف

رجال الشرطة يرتبون الحواجز الحديدة أمام محكمة بروكسل التي نظرت في قضية صلاح عبد السلام الناجي الوحيد من تفجيرات باريس قبل أن تصدر حكماً عليه بالسجن 20 عاما (إ.ب.أ)
رجال الشرطة يرتبون الحواجز الحديدة أمام محكمة بروكسل التي نظرت في قضية صلاح عبد السلام الناجي الوحيد من تفجيرات باريس قبل أن تصدر حكماً عليه بالسجن 20 عاما (إ.ب.أ)
TT

الهجمات الانتحارية... ضربات خاطفة لتعويض الهزائم

رجال الشرطة يرتبون الحواجز الحديدة أمام محكمة بروكسل التي نظرت في قضية صلاح عبد السلام الناجي الوحيد من تفجيرات باريس قبل أن تصدر حكماً عليه بالسجن 20 عاما (إ.ب.أ)
رجال الشرطة يرتبون الحواجز الحديدة أمام محكمة بروكسل التي نظرت في قضية صلاح عبد السلام الناجي الوحيد من تفجيرات باريس قبل أن تصدر حكماً عليه بالسجن 20 عاما (إ.ب.أ)

في حين عدَّها مختصون في الحركات الأصولية بمصر بأنها «باتت استراتيجية التنظيمات الإرهابية للرد على هزائمها بضربات خاطفة»، أضحت «الهجمات الانتحارية» لـ«داعش» و«القاعدة» و«بوكو حرام» و«الشباب الصومالية» و«طالبان» نمطاً أساسيّاً في العمليات الإرهابية التي يتم تنفيذها، حيث تؤدي غالباً إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا بأقل التكاليف، فضلاً عن توجيه رسائل إلى حكومات الدول تفيد بقدرة هذه التنظيمات على تنفيذ عمليات في أي وقت رغم الهزائم التي تتعرض لها بفعل العمليات العسكرية التي تشنها الدول عليها.
يؤكد مختصون في شؤون الجماعات المتطرفة لـ«الشرق الأوسط» أن «الجماعات المتشددة تحت وطأة الخسائر المتلاحقة التي مُنيت بها أخيراً، وتراجع سيطرتها في المناطق التي تنتشر فيها، لجأت إلى السلاح الأقل كلفة والأكثر تأثيراً بالنسبة لها، وهو «الهجمات الانتحارية» التي تلحق الضرر بعدد أكبر من الضحايا والممتلكات.
«بوكو حرام}... الأشهر
لم يعد استخدام «الهجمات الانتحارية» قاصراً على تنظيم «داعش» والجماعات الموالية له فحسب، بل امتد أيضاً إلى الجماعات الإرهابية الأخرى، حيث قامت حركات «بوكو حرام» النيجيرية، و«الشباب» الصومالية، و«طالبان» في أفغانستان، فضلاً عن تنظيم «القاعدة»، بتكثيف الهجمات الانتحارية التي نفذتها في الفترة الأخيرة، التي أسفرت عن مقتل المئات، وهو ما ألقى مزيداً من الضوء على اتساع نطاق الاعتماد على هذا النمط من جانب تلك التنظيمات.
أما «بوكو حرام» فمن أكثر التنظيمات الإرهابية التي تلجأ إلى «الهجمات الانتحارية» في عملياتها، خصوصا في ظل اعتمادها على النساء والأطفال في تنفيذ تلك الهجمات... وتشهد نيجيريا دائماً هجمات تحمل بصمات الحركة في مناطق متعددة ومزدحمة مثل «الأسواق ومخيمات اللاجئين» منذ نهاية عام 2016.
وتصاعد نشاط «بوكو حرام» عقب مبايعتها «داعش» الإرهابي في مارس (آذار) 2015، حيث اتخذت الحركة من تنظيم أبو بكر البغدادي وحشيته، لذلك حازت لقب «الجماعة الأكثر دموية في العالم». لكن الانقسام ضرب الحركة بسبب قرار «داعش» تغيير زعيمها أبو بكر شيكاو، وتنصيب أبو مصعب البرناوي خلفاً له... وراهن «داعش» عقب هزائمه المتتالية من قبل قوات التحالف الدولي في العراق وسوريا وهروب مقاتليه، على ذراعه «بوكو حرام» للتوسع في القارة السمراء، بحسب مراقبين.
الدكتور إبراهيم نجم، مدير مرصد الفتاوى التكفيرية بدار الإفتاء المصرية، أشار إلى أن «العمليات الانتحارية» اتخذت خطاً متصاعداً منذ ظهور «داعش» الذي بدأ ارتكاب هذه الجرائم في العراق مستهدفاً المراقد والمساجد، ثم انتقلت إلى سوريا وأفغانستان ودول أوروبا، وهذا النمط من الهجمات انتقل بدوره إلى أفريقيا على يد «بوكو حرام».
وقالت الباحثة دعاء محمود، المتخصصة في شؤون الحركات الأصولية، إن معظم هجمات «بوكو حرام» تستهدف أماكن مكتظة بالسكان كالأسواق والمساجد وغيرها.. وأسلوب الحركة في أغلب عملياتها يميل إلى استخدام الأحزمة الناسفة والتفجيرات الانتحارية مما يزيد من أعداد القتلى والجرحى، في محاولة لإثبات أن لديها القدرة على تحقيق إنجازات خارج حدود بلادها، يجعلها حركة «عابرة للحدود».
«طالبان}... و{الشباب»
من جهته، أكد الدكتور خالد الزعفراني، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «بوكو حرام» تعتمد الآن بشكل كبير على الأطفال صغار السن للقيام بـ«عمليات انتحارية»، حيث يستغل الوجه البريء للطفل للنفاذ إلى الأهداف بسهولة، فلا يحتاج الطفل إلى التدريب، وهو كفيل بتنفيذ عملية لا يعرف مداها ولا خطورتها، وبالتالي لا مجال للفشل، لافتاً إلى أن «الحركة غررت بالأطفال عبر زعم الفوز بالجنة والاستشهاد في تحدٍّ واضح لسنن الكون، رغم الله أعفى الأطفال من أي تكليف قبل سن التعقل».
في السياق ذاته، صعدت حركة «طالبان» الأفغانية من هجماتها الانتحارية في الفترة الماضية قبل قبولها وقف إطلاق النار بمناسبة عيد الفطر الأسبوع الماضي، وكان آخرها الهجوم الانتحاري الذي استهدف مركزاً للشرطة في منطقة سبين بولداك بمقاطعة قندهار مايو (أيار) الماضي... أيضاً يعتمد تنظيم «ولاية خراسان» الذي يتبع «داعش»، على تلك الهجمات التي يركز فيها على استهداف المدنيين، مثل الهجوم الذي وقع في مركز محلي لتسجيل الناخبين في كابل أبريل (نيسان) الماضي.
واتبعت حركة «الشباب» الصومالية هذا النمط أيضاً بشكل ملحوظ خلال الفترة الماضية، بينما صعدت المجموعات «القاعدية» من هجماتها الانتحارية، خصوصاً ضد القوات الأممية والفرنسية، على غرار الهجوم الذي استهدف عناصر من القوات الفرنسية من قوة برخان في يناير (كانون الثاني) الماضي.
«داعش}... والعائدات
يشار إلى أن «داعش» يستخدم الغربيات العائدات من أرض «الخلافة المزعومة» بسوريا والعراق في التخطيط للعمليات الإرهابية، واستخدامهن منسقاتٍ لها من خلال الإنترنت، حيث يقمن بدور المنسق بين قيادة «داعش» والأفراد المقاتلين أو الخلايا الصغيرة القتالية لشنِّ الهجمات وكيفية القيام بها.
والعالم ما زال يتذكر مشهد أفزع الجميع لـ«داعش» قبل نهاية فبراير (شباط) 2016، حيث ظهر طفل لا يتعدى الأحد عشر عاماً من عمره يحتضن أباه في ريف حلب بالشمال السوري، ثم تسلق سيارة محملة بالمتفجرات بعد أن علمه كيف يقودها؟ ثم قبَّل يد أبيه قبل الرحيل ليمضي الطفل بعيداً في مهمة انتحارية ويفجِّر نفسه فيها.
وقالت دراسة مصرية في هذا الصدد، إن «حب التقليد لدى الصغار قد يكون من بين الأسباب التي ساعدت الدواعش في إقحامهم للقيام بالعمليات الانتحارية، عقب القيام بتجنيد هؤلاء القصَّر، الذين يرون في حمل السلاح واستعماله بطولة وفدائية يطمحون إلى تحقيقهما... وأن التنظيم لجأ للأطفال في العمليات الانتحارية لإنتاج انتحاريين جُدد عقب هروب مُقاتليه بعد هزائم التنظيم في سوريا والعراق واكتشاف زيف مزاعمه، فضلاً عن بُعد احتمالية الاشتباه بهم من قبل سلطات الدول خلال قيامهم بأي عمليات غير متوقعة.
سجل عنف
خلال الفترة الماضية، وقعت عدة تفجيرات انتحارية في مناطق متفرقة من أنحاء العالم، وتبنتها تنظيمات متعددة، على سبيل المثال لا الحصر نفّذ «داعش» تفجيرين متتاليين بالعاصمة الأفغانية كابل، مما أسفر عن مقتل 25 شخصاً وإصابة 45 آخرين.
وفي إندونيسيا وقعت تفجيرات انتحارية على مقر للشرطة وعلى ثلاث كنائس في مدينة سورابايا ثاني أكبر المدن. وفي ليبيا شن مسلحون بينهم انتحاري هجوماً إرهابياً على مقر اللجنة العليا الانتخابية مما أدى لسقوط قتلى ومصابين.
المراقبون فسروا اعتماد التنظيمات الإرهابية بشكل أكبر على «الهجمات الانتحارية»، بسبب تراجع الأنماط الأخرى في القتل نتيجة الإجراءات الأمنية المشددة التي اتبعتها كثير من الدول للتعامل مع التهديدات التي يفرضها تصاعد نشاط تلك التنظيمات، فضلاً عن تعدد وسائل تنفيذ «الهجمات الانتحارية».
وقال الزعفراني: «تُعد (الهجمات الانتحارية)، رغم تداعياتها، أقل تكلفة من الناحية البشرية مقارنة بالأنماط الأخرى من العمليات الإرهابية، التي تحتاج وفقاً لاتجاهات كثيرة، إلى عدد أكبر من العناصر الإرهابية لتنفيذها، على نحو قد يزيد من احتمالات إجهاضها من جانب أجهزة الأمن... إلى جانب أن هذه الأنماط تحتاج إلى دعم لوجيستي مثل (التخطيط والرصد والمتابعة وتوفير بدائل للهروب) بعد تنفيذ العملية الإرهابية».
رد على الضربات
بينما أكد نجم، أن «الهجمات الانتحارية» تتعدد وسائل تنفيذها بأقل التكاليف، لأنها تعتمد على انتحاري واحد - من تطلق عليه تلك الجماعات «انغماسياً» - يرتدي حزاماً ناسفاً أو يقود مركبة مفخخة... كما تعتمد أيضاً على صعوبة المواجهة الأمنية لهذه الهجمات، لسهولة تخفي ذلك الانتحاري بين المواطنين العاديين.
وأضاف أن «هذه الهجمات أصبحت نمطاً أساسياً في العمليات الإرهابية التخريبية التي ترتكبها تلك الجماعات والتنظيمات، وذلك في إطار المواجهات المستمرة بينها وبين الأجهزة الأمنية في الدول التي تتركز فيها تلك الجماعات والتي تتسع شرقاً وغرباً في آسيا وأفريقيا وطالت الكثير من دول أوروبا أيضاً».
وأكد المراقبون أن «التنظيمات الإرهابية تسعى من خلال العمليات الانتحارية الردّ على الضربات التي تتعرض لها وأدت إلى تراجع قدراتها البشرية والتسليحية، لا سيما في ظل الاهتمام المتصاعد الذي تبديه كثير من القوى الدولية والإقليمية بمحاربتها وتقليص نفوذها».
حالة ضعف
من جانبه، أكد اللواء كمال مغربي، الخبير الأمني والاستراتيجي، أن «الهجمات الانتحارية» مؤشراً على حالة الضعف التي تمر بها التنظيمات الكبرى، ولأحدث أكبر كم من الضرر ووفقاً للإمكانيات المتوفرة لديها، وذلك بعد إقناع أفرادها بأنهم سيكونون على موعد في الجنة عندما يقدمون على هذا التصرف.
وأضافً أن «حوادث الدهس بالسيارات والطعن بسكين المطبخ تُصنف على أنها ضمن العمليات الانتحارية، لأن مُنفذها لا يكون أمامه فرصة للهروب والنجاة، إما أن يتم تصفيته أو القبض عليه من قبل قوات الأمن».
لافتاً إلى أن «الهجمات الانتحارية» تكون في إطار إنهاك الدول، وتعتبر الوسيلة الأكثر نجاحاً من وجهة نظر «الإرهابيين» لإلحاق الأذى والضرر على أوسع نطاق ممكن، حيث يتم تنفيذها عبر شخص أو سيارة مفخخة بالمتفجرات، وفى أحيان كثيرة تكون فرص كشفها صعبة من قبل الأجهزة الأمنية في الدول.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.