الهجمات الانتحارية... ضربات خاطفة لتعويض الهزائم

أدوات «داعش» و«بوكو حرام» و«الشباب» بأقل التكاليف

رجال الشرطة يرتبون الحواجز الحديدة أمام محكمة بروكسل التي نظرت في قضية صلاح عبد السلام الناجي الوحيد من تفجيرات باريس قبل أن تصدر حكماً عليه بالسجن 20 عاما (إ.ب.أ)
رجال الشرطة يرتبون الحواجز الحديدة أمام محكمة بروكسل التي نظرت في قضية صلاح عبد السلام الناجي الوحيد من تفجيرات باريس قبل أن تصدر حكماً عليه بالسجن 20 عاما (إ.ب.أ)
TT

الهجمات الانتحارية... ضربات خاطفة لتعويض الهزائم

رجال الشرطة يرتبون الحواجز الحديدة أمام محكمة بروكسل التي نظرت في قضية صلاح عبد السلام الناجي الوحيد من تفجيرات باريس قبل أن تصدر حكماً عليه بالسجن 20 عاما (إ.ب.أ)
رجال الشرطة يرتبون الحواجز الحديدة أمام محكمة بروكسل التي نظرت في قضية صلاح عبد السلام الناجي الوحيد من تفجيرات باريس قبل أن تصدر حكماً عليه بالسجن 20 عاما (إ.ب.أ)

في حين عدَّها مختصون في الحركات الأصولية بمصر بأنها «باتت استراتيجية التنظيمات الإرهابية للرد على هزائمها بضربات خاطفة»، أضحت «الهجمات الانتحارية» لـ«داعش» و«القاعدة» و«بوكو حرام» و«الشباب الصومالية» و«طالبان» نمطاً أساسيّاً في العمليات الإرهابية التي يتم تنفيذها، حيث تؤدي غالباً إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا بأقل التكاليف، فضلاً عن توجيه رسائل إلى حكومات الدول تفيد بقدرة هذه التنظيمات على تنفيذ عمليات في أي وقت رغم الهزائم التي تتعرض لها بفعل العمليات العسكرية التي تشنها الدول عليها.
يؤكد مختصون في شؤون الجماعات المتطرفة لـ«الشرق الأوسط» أن «الجماعات المتشددة تحت وطأة الخسائر المتلاحقة التي مُنيت بها أخيراً، وتراجع سيطرتها في المناطق التي تنتشر فيها، لجأت إلى السلاح الأقل كلفة والأكثر تأثيراً بالنسبة لها، وهو «الهجمات الانتحارية» التي تلحق الضرر بعدد أكبر من الضحايا والممتلكات.
«بوكو حرام}... الأشهر
لم يعد استخدام «الهجمات الانتحارية» قاصراً على تنظيم «داعش» والجماعات الموالية له فحسب، بل امتد أيضاً إلى الجماعات الإرهابية الأخرى، حيث قامت حركات «بوكو حرام» النيجيرية، و«الشباب» الصومالية، و«طالبان» في أفغانستان، فضلاً عن تنظيم «القاعدة»، بتكثيف الهجمات الانتحارية التي نفذتها في الفترة الأخيرة، التي أسفرت عن مقتل المئات، وهو ما ألقى مزيداً من الضوء على اتساع نطاق الاعتماد على هذا النمط من جانب تلك التنظيمات.
أما «بوكو حرام» فمن أكثر التنظيمات الإرهابية التي تلجأ إلى «الهجمات الانتحارية» في عملياتها، خصوصا في ظل اعتمادها على النساء والأطفال في تنفيذ تلك الهجمات... وتشهد نيجيريا دائماً هجمات تحمل بصمات الحركة في مناطق متعددة ومزدحمة مثل «الأسواق ومخيمات اللاجئين» منذ نهاية عام 2016.
وتصاعد نشاط «بوكو حرام» عقب مبايعتها «داعش» الإرهابي في مارس (آذار) 2015، حيث اتخذت الحركة من تنظيم أبو بكر البغدادي وحشيته، لذلك حازت لقب «الجماعة الأكثر دموية في العالم». لكن الانقسام ضرب الحركة بسبب قرار «داعش» تغيير زعيمها أبو بكر شيكاو، وتنصيب أبو مصعب البرناوي خلفاً له... وراهن «داعش» عقب هزائمه المتتالية من قبل قوات التحالف الدولي في العراق وسوريا وهروب مقاتليه، على ذراعه «بوكو حرام» للتوسع في القارة السمراء، بحسب مراقبين.
الدكتور إبراهيم نجم، مدير مرصد الفتاوى التكفيرية بدار الإفتاء المصرية، أشار إلى أن «العمليات الانتحارية» اتخذت خطاً متصاعداً منذ ظهور «داعش» الذي بدأ ارتكاب هذه الجرائم في العراق مستهدفاً المراقد والمساجد، ثم انتقلت إلى سوريا وأفغانستان ودول أوروبا، وهذا النمط من الهجمات انتقل بدوره إلى أفريقيا على يد «بوكو حرام».
وقالت الباحثة دعاء محمود، المتخصصة في شؤون الحركات الأصولية، إن معظم هجمات «بوكو حرام» تستهدف أماكن مكتظة بالسكان كالأسواق والمساجد وغيرها.. وأسلوب الحركة في أغلب عملياتها يميل إلى استخدام الأحزمة الناسفة والتفجيرات الانتحارية مما يزيد من أعداد القتلى والجرحى، في محاولة لإثبات أن لديها القدرة على تحقيق إنجازات خارج حدود بلادها، يجعلها حركة «عابرة للحدود».
«طالبان}... و{الشباب»
من جهته، أكد الدكتور خالد الزعفراني، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «بوكو حرام» تعتمد الآن بشكل كبير على الأطفال صغار السن للقيام بـ«عمليات انتحارية»، حيث يستغل الوجه البريء للطفل للنفاذ إلى الأهداف بسهولة، فلا يحتاج الطفل إلى التدريب، وهو كفيل بتنفيذ عملية لا يعرف مداها ولا خطورتها، وبالتالي لا مجال للفشل، لافتاً إلى أن «الحركة غررت بالأطفال عبر زعم الفوز بالجنة والاستشهاد في تحدٍّ واضح لسنن الكون، رغم الله أعفى الأطفال من أي تكليف قبل سن التعقل».
في السياق ذاته، صعدت حركة «طالبان» الأفغانية من هجماتها الانتحارية في الفترة الماضية قبل قبولها وقف إطلاق النار بمناسبة عيد الفطر الأسبوع الماضي، وكان آخرها الهجوم الانتحاري الذي استهدف مركزاً للشرطة في منطقة سبين بولداك بمقاطعة قندهار مايو (أيار) الماضي... أيضاً يعتمد تنظيم «ولاية خراسان» الذي يتبع «داعش»، على تلك الهجمات التي يركز فيها على استهداف المدنيين، مثل الهجوم الذي وقع في مركز محلي لتسجيل الناخبين في كابل أبريل (نيسان) الماضي.
واتبعت حركة «الشباب» الصومالية هذا النمط أيضاً بشكل ملحوظ خلال الفترة الماضية، بينما صعدت المجموعات «القاعدية» من هجماتها الانتحارية، خصوصاً ضد القوات الأممية والفرنسية، على غرار الهجوم الذي استهدف عناصر من القوات الفرنسية من قوة برخان في يناير (كانون الثاني) الماضي.
«داعش}... والعائدات
يشار إلى أن «داعش» يستخدم الغربيات العائدات من أرض «الخلافة المزعومة» بسوريا والعراق في التخطيط للعمليات الإرهابية، واستخدامهن منسقاتٍ لها من خلال الإنترنت، حيث يقمن بدور المنسق بين قيادة «داعش» والأفراد المقاتلين أو الخلايا الصغيرة القتالية لشنِّ الهجمات وكيفية القيام بها.
والعالم ما زال يتذكر مشهد أفزع الجميع لـ«داعش» قبل نهاية فبراير (شباط) 2016، حيث ظهر طفل لا يتعدى الأحد عشر عاماً من عمره يحتضن أباه في ريف حلب بالشمال السوري، ثم تسلق سيارة محملة بالمتفجرات بعد أن علمه كيف يقودها؟ ثم قبَّل يد أبيه قبل الرحيل ليمضي الطفل بعيداً في مهمة انتحارية ويفجِّر نفسه فيها.
وقالت دراسة مصرية في هذا الصدد، إن «حب التقليد لدى الصغار قد يكون من بين الأسباب التي ساعدت الدواعش في إقحامهم للقيام بالعمليات الانتحارية، عقب القيام بتجنيد هؤلاء القصَّر، الذين يرون في حمل السلاح واستعماله بطولة وفدائية يطمحون إلى تحقيقهما... وأن التنظيم لجأ للأطفال في العمليات الانتحارية لإنتاج انتحاريين جُدد عقب هروب مُقاتليه بعد هزائم التنظيم في سوريا والعراق واكتشاف زيف مزاعمه، فضلاً عن بُعد احتمالية الاشتباه بهم من قبل سلطات الدول خلال قيامهم بأي عمليات غير متوقعة.
سجل عنف
خلال الفترة الماضية، وقعت عدة تفجيرات انتحارية في مناطق متفرقة من أنحاء العالم، وتبنتها تنظيمات متعددة، على سبيل المثال لا الحصر نفّذ «داعش» تفجيرين متتاليين بالعاصمة الأفغانية كابل، مما أسفر عن مقتل 25 شخصاً وإصابة 45 آخرين.
وفي إندونيسيا وقعت تفجيرات انتحارية على مقر للشرطة وعلى ثلاث كنائس في مدينة سورابايا ثاني أكبر المدن. وفي ليبيا شن مسلحون بينهم انتحاري هجوماً إرهابياً على مقر اللجنة العليا الانتخابية مما أدى لسقوط قتلى ومصابين.
المراقبون فسروا اعتماد التنظيمات الإرهابية بشكل أكبر على «الهجمات الانتحارية»، بسبب تراجع الأنماط الأخرى في القتل نتيجة الإجراءات الأمنية المشددة التي اتبعتها كثير من الدول للتعامل مع التهديدات التي يفرضها تصاعد نشاط تلك التنظيمات، فضلاً عن تعدد وسائل تنفيذ «الهجمات الانتحارية».
وقال الزعفراني: «تُعد (الهجمات الانتحارية)، رغم تداعياتها، أقل تكلفة من الناحية البشرية مقارنة بالأنماط الأخرى من العمليات الإرهابية، التي تحتاج وفقاً لاتجاهات كثيرة، إلى عدد أكبر من العناصر الإرهابية لتنفيذها، على نحو قد يزيد من احتمالات إجهاضها من جانب أجهزة الأمن... إلى جانب أن هذه الأنماط تحتاج إلى دعم لوجيستي مثل (التخطيط والرصد والمتابعة وتوفير بدائل للهروب) بعد تنفيذ العملية الإرهابية».
رد على الضربات
بينما أكد نجم، أن «الهجمات الانتحارية» تتعدد وسائل تنفيذها بأقل التكاليف، لأنها تعتمد على انتحاري واحد - من تطلق عليه تلك الجماعات «انغماسياً» - يرتدي حزاماً ناسفاً أو يقود مركبة مفخخة... كما تعتمد أيضاً على صعوبة المواجهة الأمنية لهذه الهجمات، لسهولة تخفي ذلك الانتحاري بين المواطنين العاديين.
وأضاف أن «هذه الهجمات أصبحت نمطاً أساسياً في العمليات الإرهابية التخريبية التي ترتكبها تلك الجماعات والتنظيمات، وذلك في إطار المواجهات المستمرة بينها وبين الأجهزة الأمنية في الدول التي تتركز فيها تلك الجماعات والتي تتسع شرقاً وغرباً في آسيا وأفريقيا وطالت الكثير من دول أوروبا أيضاً».
وأكد المراقبون أن «التنظيمات الإرهابية تسعى من خلال العمليات الانتحارية الردّ على الضربات التي تتعرض لها وأدت إلى تراجع قدراتها البشرية والتسليحية، لا سيما في ظل الاهتمام المتصاعد الذي تبديه كثير من القوى الدولية والإقليمية بمحاربتها وتقليص نفوذها».
حالة ضعف
من جانبه، أكد اللواء كمال مغربي، الخبير الأمني والاستراتيجي، أن «الهجمات الانتحارية» مؤشراً على حالة الضعف التي تمر بها التنظيمات الكبرى، ولأحدث أكبر كم من الضرر ووفقاً للإمكانيات المتوفرة لديها، وذلك بعد إقناع أفرادها بأنهم سيكونون على موعد في الجنة عندما يقدمون على هذا التصرف.
وأضافً أن «حوادث الدهس بالسيارات والطعن بسكين المطبخ تُصنف على أنها ضمن العمليات الانتحارية، لأن مُنفذها لا يكون أمامه فرصة للهروب والنجاة، إما أن يتم تصفيته أو القبض عليه من قبل قوات الأمن».
لافتاً إلى أن «الهجمات الانتحارية» تكون في إطار إنهاك الدول، وتعتبر الوسيلة الأكثر نجاحاً من وجهة نظر «الإرهابيين» لإلحاق الأذى والضرر على أوسع نطاق ممكن، حيث يتم تنفيذها عبر شخص أو سيارة مفخخة بالمتفجرات، وفى أحيان كثيرة تكون فرص كشفها صعبة من قبل الأجهزة الأمنية في الدول.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».