الهجمات الانتحارية... ضربات خاطفة لتعويض الهزائم

أدوات «داعش» و«بوكو حرام» و«الشباب» بأقل التكاليف

رجال الشرطة يرتبون الحواجز الحديدة أمام محكمة بروكسل التي نظرت في قضية صلاح عبد السلام الناجي الوحيد من تفجيرات باريس قبل أن تصدر حكماً عليه بالسجن 20 عاما (إ.ب.أ)
رجال الشرطة يرتبون الحواجز الحديدة أمام محكمة بروكسل التي نظرت في قضية صلاح عبد السلام الناجي الوحيد من تفجيرات باريس قبل أن تصدر حكماً عليه بالسجن 20 عاما (إ.ب.أ)
TT

الهجمات الانتحارية... ضربات خاطفة لتعويض الهزائم

رجال الشرطة يرتبون الحواجز الحديدة أمام محكمة بروكسل التي نظرت في قضية صلاح عبد السلام الناجي الوحيد من تفجيرات باريس قبل أن تصدر حكماً عليه بالسجن 20 عاما (إ.ب.أ)
رجال الشرطة يرتبون الحواجز الحديدة أمام محكمة بروكسل التي نظرت في قضية صلاح عبد السلام الناجي الوحيد من تفجيرات باريس قبل أن تصدر حكماً عليه بالسجن 20 عاما (إ.ب.أ)

في حين عدَّها مختصون في الحركات الأصولية بمصر بأنها «باتت استراتيجية التنظيمات الإرهابية للرد على هزائمها بضربات خاطفة»، أضحت «الهجمات الانتحارية» لـ«داعش» و«القاعدة» و«بوكو حرام» و«الشباب الصومالية» و«طالبان» نمطاً أساسيّاً في العمليات الإرهابية التي يتم تنفيذها، حيث تؤدي غالباً إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا بأقل التكاليف، فضلاً عن توجيه رسائل إلى حكومات الدول تفيد بقدرة هذه التنظيمات على تنفيذ عمليات في أي وقت رغم الهزائم التي تتعرض لها بفعل العمليات العسكرية التي تشنها الدول عليها.
يؤكد مختصون في شؤون الجماعات المتطرفة لـ«الشرق الأوسط» أن «الجماعات المتشددة تحت وطأة الخسائر المتلاحقة التي مُنيت بها أخيراً، وتراجع سيطرتها في المناطق التي تنتشر فيها، لجأت إلى السلاح الأقل كلفة والأكثر تأثيراً بالنسبة لها، وهو «الهجمات الانتحارية» التي تلحق الضرر بعدد أكبر من الضحايا والممتلكات.
«بوكو حرام}... الأشهر
لم يعد استخدام «الهجمات الانتحارية» قاصراً على تنظيم «داعش» والجماعات الموالية له فحسب، بل امتد أيضاً إلى الجماعات الإرهابية الأخرى، حيث قامت حركات «بوكو حرام» النيجيرية، و«الشباب» الصومالية، و«طالبان» في أفغانستان، فضلاً عن تنظيم «القاعدة»، بتكثيف الهجمات الانتحارية التي نفذتها في الفترة الأخيرة، التي أسفرت عن مقتل المئات، وهو ما ألقى مزيداً من الضوء على اتساع نطاق الاعتماد على هذا النمط من جانب تلك التنظيمات.
أما «بوكو حرام» فمن أكثر التنظيمات الإرهابية التي تلجأ إلى «الهجمات الانتحارية» في عملياتها، خصوصا في ظل اعتمادها على النساء والأطفال في تنفيذ تلك الهجمات... وتشهد نيجيريا دائماً هجمات تحمل بصمات الحركة في مناطق متعددة ومزدحمة مثل «الأسواق ومخيمات اللاجئين» منذ نهاية عام 2016.
وتصاعد نشاط «بوكو حرام» عقب مبايعتها «داعش» الإرهابي في مارس (آذار) 2015، حيث اتخذت الحركة من تنظيم أبو بكر البغدادي وحشيته، لذلك حازت لقب «الجماعة الأكثر دموية في العالم». لكن الانقسام ضرب الحركة بسبب قرار «داعش» تغيير زعيمها أبو بكر شيكاو، وتنصيب أبو مصعب البرناوي خلفاً له... وراهن «داعش» عقب هزائمه المتتالية من قبل قوات التحالف الدولي في العراق وسوريا وهروب مقاتليه، على ذراعه «بوكو حرام» للتوسع في القارة السمراء، بحسب مراقبين.
الدكتور إبراهيم نجم، مدير مرصد الفتاوى التكفيرية بدار الإفتاء المصرية، أشار إلى أن «العمليات الانتحارية» اتخذت خطاً متصاعداً منذ ظهور «داعش» الذي بدأ ارتكاب هذه الجرائم في العراق مستهدفاً المراقد والمساجد، ثم انتقلت إلى سوريا وأفغانستان ودول أوروبا، وهذا النمط من الهجمات انتقل بدوره إلى أفريقيا على يد «بوكو حرام».
وقالت الباحثة دعاء محمود، المتخصصة في شؤون الحركات الأصولية، إن معظم هجمات «بوكو حرام» تستهدف أماكن مكتظة بالسكان كالأسواق والمساجد وغيرها.. وأسلوب الحركة في أغلب عملياتها يميل إلى استخدام الأحزمة الناسفة والتفجيرات الانتحارية مما يزيد من أعداد القتلى والجرحى، في محاولة لإثبات أن لديها القدرة على تحقيق إنجازات خارج حدود بلادها، يجعلها حركة «عابرة للحدود».
«طالبان}... و{الشباب»
من جهته، أكد الدكتور خالد الزعفراني، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «بوكو حرام» تعتمد الآن بشكل كبير على الأطفال صغار السن للقيام بـ«عمليات انتحارية»، حيث يستغل الوجه البريء للطفل للنفاذ إلى الأهداف بسهولة، فلا يحتاج الطفل إلى التدريب، وهو كفيل بتنفيذ عملية لا يعرف مداها ولا خطورتها، وبالتالي لا مجال للفشل، لافتاً إلى أن «الحركة غررت بالأطفال عبر زعم الفوز بالجنة والاستشهاد في تحدٍّ واضح لسنن الكون، رغم الله أعفى الأطفال من أي تكليف قبل سن التعقل».
في السياق ذاته، صعدت حركة «طالبان» الأفغانية من هجماتها الانتحارية في الفترة الماضية قبل قبولها وقف إطلاق النار بمناسبة عيد الفطر الأسبوع الماضي، وكان آخرها الهجوم الانتحاري الذي استهدف مركزاً للشرطة في منطقة سبين بولداك بمقاطعة قندهار مايو (أيار) الماضي... أيضاً يعتمد تنظيم «ولاية خراسان» الذي يتبع «داعش»، على تلك الهجمات التي يركز فيها على استهداف المدنيين، مثل الهجوم الذي وقع في مركز محلي لتسجيل الناخبين في كابل أبريل (نيسان) الماضي.
واتبعت حركة «الشباب» الصومالية هذا النمط أيضاً بشكل ملحوظ خلال الفترة الماضية، بينما صعدت المجموعات «القاعدية» من هجماتها الانتحارية، خصوصاً ضد القوات الأممية والفرنسية، على غرار الهجوم الذي استهدف عناصر من القوات الفرنسية من قوة برخان في يناير (كانون الثاني) الماضي.
«داعش}... والعائدات
يشار إلى أن «داعش» يستخدم الغربيات العائدات من أرض «الخلافة المزعومة» بسوريا والعراق في التخطيط للعمليات الإرهابية، واستخدامهن منسقاتٍ لها من خلال الإنترنت، حيث يقمن بدور المنسق بين قيادة «داعش» والأفراد المقاتلين أو الخلايا الصغيرة القتالية لشنِّ الهجمات وكيفية القيام بها.
والعالم ما زال يتذكر مشهد أفزع الجميع لـ«داعش» قبل نهاية فبراير (شباط) 2016، حيث ظهر طفل لا يتعدى الأحد عشر عاماً من عمره يحتضن أباه في ريف حلب بالشمال السوري، ثم تسلق سيارة محملة بالمتفجرات بعد أن علمه كيف يقودها؟ ثم قبَّل يد أبيه قبل الرحيل ليمضي الطفل بعيداً في مهمة انتحارية ويفجِّر نفسه فيها.
وقالت دراسة مصرية في هذا الصدد، إن «حب التقليد لدى الصغار قد يكون من بين الأسباب التي ساعدت الدواعش في إقحامهم للقيام بالعمليات الانتحارية، عقب القيام بتجنيد هؤلاء القصَّر، الذين يرون في حمل السلاح واستعماله بطولة وفدائية يطمحون إلى تحقيقهما... وأن التنظيم لجأ للأطفال في العمليات الانتحارية لإنتاج انتحاريين جُدد عقب هروب مُقاتليه بعد هزائم التنظيم في سوريا والعراق واكتشاف زيف مزاعمه، فضلاً عن بُعد احتمالية الاشتباه بهم من قبل سلطات الدول خلال قيامهم بأي عمليات غير متوقعة.
سجل عنف
خلال الفترة الماضية، وقعت عدة تفجيرات انتحارية في مناطق متفرقة من أنحاء العالم، وتبنتها تنظيمات متعددة، على سبيل المثال لا الحصر نفّذ «داعش» تفجيرين متتاليين بالعاصمة الأفغانية كابل، مما أسفر عن مقتل 25 شخصاً وإصابة 45 آخرين.
وفي إندونيسيا وقعت تفجيرات انتحارية على مقر للشرطة وعلى ثلاث كنائس في مدينة سورابايا ثاني أكبر المدن. وفي ليبيا شن مسلحون بينهم انتحاري هجوماً إرهابياً على مقر اللجنة العليا الانتخابية مما أدى لسقوط قتلى ومصابين.
المراقبون فسروا اعتماد التنظيمات الإرهابية بشكل أكبر على «الهجمات الانتحارية»، بسبب تراجع الأنماط الأخرى في القتل نتيجة الإجراءات الأمنية المشددة التي اتبعتها كثير من الدول للتعامل مع التهديدات التي يفرضها تصاعد نشاط تلك التنظيمات، فضلاً عن تعدد وسائل تنفيذ «الهجمات الانتحارية».
وقال الزعفراني: «تُعد (الهجمات الانتحارية)، رغم تداعياتها، أقل تكلفة من الناحية البشرية مقارنة بالأنماط الأخرى من العمليات الإرهابية، التي تحتاج وفقاً لاتجاهات كثيرة، إلى عدد أكبر من العناصر الإرهابية لتنفيذها، على نحو قد يزيد من احتمالات إجهاضها من جانب أجهزة الأمن... إلى جانب أن هذه الأنماط تحتاج إلى دعم لوجيستي مثل (التخطيط والرصد والمتابعة وتوفير بدائل للهروب) بعد تنفيذ العملية الإرهابية».
رد على الضربات
بينما أكد نجم، أن «الهجمات الانتحارية» تتعدد وسائل تنفيذها بأقل التكاليف، لأنها تعتمد على انتحاري واحد - من تطلق عليه تلك الجماعات «انغماسياً» - يرتدي حزاماً ناسفاً أو يقود مركبة مفخخة... كما تعتمد أيضاً على صعوبة المواجهة الأمنية لهذه الهجمات، لسهولة تخفي ذلك الانتحاري بين المواطنين العاديين.
وأضاف أن «هذه الهجمات أصبحت نمطاً أساسياً في العمليات الإرهابية التخريبية التي ترتكبها تلك الجماعات والتنظيمات، وذلك في إطار المواجهات المستمرة بينها وبين الأجهزة الأمنية في الدول التي تتركز فيها تلك الجماعات والتي تتسع شرقاً وغرباً في آسيا وأفريقيا وطالت الكثير من دول أوروبا أيضاً».
وأكد المراقبون أن «التنظيمات الإرهابية تسعى من خلال العمليات الانتحارية الردّ على الضربات التي تتعرض لها وأدت إلى تراجع قدراتها البشرية والتسليحية، لا سيما في ظل الاهتمام المتصاعد الذي تبديه كثير من القوى الدولية والإقليمية بمحاربتها وتقليص نفوذها».
حالة ضعف
من جانبه، أكد اللواء كمال مغربي، الخبير الأمني والاستراتيجي، أن «الهجمات الانتحارية» مؤشراً على حالة الضعف التي تمر بها التنظيمات الكبرى، ولأحدث أكبر كم من الضرر ووفقاً للإمكانيات المتوفرة لديها، وذلك بعد إقناع أفرادها بأنهم سيكونون على موعد في الجنة عندما يقدمون على هذا التصرف.
وأضافً أن «حوادث الدهس بالسيارات والطعن بسكين المطبخ تُصنف على أنها ضمن العمليات الانتحارية، لأن مُنفذها لا يكون أمامه فرصة للهروب والنجاة، إما أن يتم تصفيته أو القبض عليه من قبل قوات الأمن».
لافتاً إلى أن «الهجمات الانتحارية» تكون في إطار إنهاك الدول، وتعتبر الوسيلة الأكثر نجاحاً من وجهة نظر «الإرهابيين» لإلحاق الأذى والضرر على أوسع نطاق ممكن، حيث يتم تنفيذها عبر شخص أو سيارة مفخخة بالمتفجرات، وفى أحيان كثيرة تكون فرص كشفها صعبة من قبل الأجهزة الأمنية في الدول.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.