فاسكيز: الطريقة الوحيدة لكشف أكاذيب السياسيين هي رواية قصصنا

الروائي الكولومبي قال لـ «الشرق الأوسط» إن هناك فجوة بين الثقافة العربية والثقافات الأخرى

الكولومبي خوان غابرييل فاسكيز
الكولومبي خوان غابرييل فاسكيز
TT

فاسكيز: الطريقة الوحيدة لكشف أكاذيب السياسيين هي رواية قصصنا

الكولومبي خوان غابرييل فاسكيز
الكولومبي خوان غابرييل فاسكيز

القصة وراء «شكل الأطلال»، أحدث روايات الكاتب الكولومبي خوان غابرييل فاسكيز (1973)، غير قابلة للتصديق إلى حد يجعل من الصعب اعتبارها حقيقية حتى لحظة قراءتها؛ وفي تلك الرواية يلعب المؤلف شخصية رئيسية في الحبكة الدرامية.
حقق الكولومبي خوان غابرييل فاسكيز (1973)، الذي يجمع أسلوبه النثري بين الفلسفة والتأملات والتاريخ والجماليات، حضوراً ملحوظاً في العالم الأدبي بفضل أعماله الإبداعية التي سيستعيد معظمها الأيام المعقدة والعنيفة التي عاشتها كولومبيا بسبب تهريب المخدرات، وما ارتبط بها من عنف سياسي في ثمانينات القرن العشرين. وانتشر فاسكيز عالمياً بعد صدور روايته «صوت الأشياء المتساقطة». وقد صدرت له أخيراً رواية «شكل الأطلال».
هنا حوار معه حول أعماله، وروايته الأخيرة، وتجربته الروائية عموماً:
> أولاً، هل أنت مطلع على السرد العربي العربي؟
- نعم، وإن كان اطلاعاً ضعيفاً. الـ«ثلاثية» لنجيب محفوظ من الأعمال الأدبية التي لطالما كانت مهمة بالنسبة لي دوماً. وعموما، أعتقد أن هناك فجوة تثير الأسى في التواصل بين الثقافة العربية وثقافات البلدان الأوروبية وغيرها، وبخاصة في مجال الرواية. أعتقد أنه على الروائيين البدء في قراءة المزيد عن بعضهم بعضاً.
> هل تعتقد أن للأدب العربي تأثيراً على الأدب اللاتيني؟
- أعتقد أن النسخة الشهيرة من كتاب «ألف ليلة وليلة» كان لها تأثير كبير على غارسيا ماركيز بوجه خاص، وأيضاً على فكرة محددة في الأدب الروائي لأميركا اللاتينية بوصفه نوعاً من الأعمال التي تتسع لكل شيء. ونظراً لأن الرواية التقاء لقصص مختلفة، أعتقد أنه يمكن قراءة «ألف ليلة وليلة» كرواية تصويرية عظيمة مكونة من أحداث مختلفة، وتتضمن بعض الشعر الصوفي، لكن ليس أكثر من ذلك. ربما يكون لها وجود خفي سري لا أعرفه في نفوس المؤلفين، لكن ذلك بسبب جهلي أكثر منه لأي سبب أخر.
> لقد جعلت من تهريب المخدرات والاغتيالات السياسية خلفية لعرض القصص. هل تعتقد أن هذا يثير اهتمام الجمهور؟
- أعتقد أن الموضوعات التي تتناولها رواياتي تستكشف ما وراء الحكايا السياسية والاجتماعية والتاريخية التي تذكرها. نعم، تسلط الروايات الضوء على شكل الحياة في بوغوتا في زمن الإرهاب المرتبط بتهريب المخدرات، وذلك في رواية «صوت الأشياء المتساقطة»، كذلك تعالج الروايات موضوعات مثل جرائم قتل شكّلت القرن العشرين في كولومبيا كما جاء في «شكل الأطلال». لكنها في الحقيقة، تيمات كونية؛ فهو الخوف في «صوت الأشياء المتساقطة»، حيث يتم تصوير الخوف من العنف غير المتوقع، وعدم القدرة على تحمل فقدان الأشخاص الذين نحبهم. إنها أمور تثير قلق الشخصيات كما في رواية «شكل الأطلال». أعتقد أن هذه الأفكار قد تثير اهتمام القراء، ومن العرب بالطبع؛ لأن كل الشعوب لديها هذه القواسم المشتركة.
> إذن، نستطيع أن نقول إنك تنطلق غالباً في روايتك من أحداث واقعية؟
- لطالما كانت رواياتي متجذرة في الواقع، ولها نقطة بداية توثيقية للغاية، فقد ولدت رواية «صوت الأشياء المتساقطة» من لقاءات بيني وبين طيارين هرّبوا مخدرات إلى الولايات المتحدة في السبعينات. وأنطلق أيضاً من ذكرياتي المباشرة لشكل الحياة في كولومبيا خلال السنوات الممتدة من مقتل لارا بونيلا حتى وفاة بابلو إسكوبار.
تدور أحداث روايتي «شكل الأطلال»، وهي الأحدث، حول مقتل الزعيمين السياسيين الكولومبيين خورخي إلييثير غايتان، ورافائيل أوريب، لكن الرواية بالنسبة لي ولدت حين دعاني طبيب، له شخصية فضولية جداً ومقيم في العاصمة الكولومبية بوغوتا، إلى بيته وأراني فقرة عظمية لغايتان كانت في وعاء مملوء بالفورمالدهيد، وجزءاً من جمجمة رافائيل أوريب محفوظتين في منزله. لماذا كان يحتفظ بتلك الأشياء في منزله، وكيف وصلت إليه؟ لماذا يمكن لشخص مدني عادي أن يمتلك تلك الأشياء؟ هذا هو أصل الرواية. لذا؛ دائماً ما تستند الروايات إلى حقائق مادية واضحة، عادة ما تكون مرتبطة بتجربتي الشخصية. إنها روايات تتحدث عن التاريخ والماضي، لكنها دائماً ما تولد من رحم التجربة المباشرة.
> حيث إنك تتحدث عن أحدث رواياتك، لقد اخترت أن يكون المؤلف شخصية من شخصيات الرواية. لماذا استخدمت هذه التقنية، وكيف يختلف الكاتب لديك في الرواية عن الكاتب الحقيقي؟
- كان هذا بسبب القصة التي أخبرتك بها، التي تمثل أصل الرواية، وهي أن رجلاً اقترب مني في عيادة ودعاني إلى منزله ليريني عظاماً لموتى كولومبيين. كان هذا قوياً ومؤثراً للغاية، وأعتقد أن غريزة الرواية وجهتني نحو تقديم شخصية راوٍ يكون على سبيل المثال صحافياً، ومنحه اسماً آخر وإخباره بأن لديه عظاماً لموتى كولومبيين. لقد أردت إخبار القارئ بما حدث بالفعل، لكن تزامنت تلك اللحظة في حياتي مع مولد ابنتَي التوأم، وكان هذا مهماً لأنها كانت ولادة مبكرة، وقضيتا وقتاً طويلاً في الحضّانة. لقد حضرت إلى العيادة لأحملهما وكنت أقول إني لمست بتلك اليدين أيضاً فقرة عظمية لغايتان. ما الذي يعنيه هذا؟ لقد بدا لي أن هناك سؤالاً، هو: هل سترث الفتاتان عنف ماضي كولومبيا؟ لقد ولدت بعد 25 عاماً من موت غايتان، لكني شعرت طوال حياتي بأن مقتل غايتان قد شكّل حياتي. كان هذا السؤال شخصي للغاية إلى حد دفعني إلى أن أجعل الراوي أنا شخصياً.
> بعد اتفاق السلام حدث استقطاب في كولومبيا، ما الدور الذي يمكن للمفكرين الاضطلاع به خلال فترة ما بعد الصراع؟
- يرتبط جزء مهم جداً من الصحة النفسية للبلاد باستعادة الحوار المجتمعي الذي تقوّض بالكامل لأنه فسد وتلوث بشكل غير قابل للإصلاح نتيجة العنف اللفظي، والخطاب، وتدهور النقاش المجتمعي بسبب إساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. للأسف، لقد أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة لنشر الأكاذيب والمعلومات المضللة، ويقودني هذا إلى مسألة أخرى مهمة هي هوسي حالياً بالسياسة الكولومبية: السيطرة على ما نسميه القصة. إنها تلك القصة التي نرويها عن حياتنا وتجربتنا، والتي نحاول من خلالها فهم أنفسنا، وموقعنا في العالم.
خلال السنوات القليلة الماضية تمحورت القصة في كولومبيا حول السلام. السلام بعد نهاية نصف قرن من الحرب. لذا؛ أثار ذلك عدداً لا يحصى من النقاشات؛ لأن القصة التي تصف الحرب من منظور ضحية للجماعات شبه العسكرية، ليست هي نفسها التي يرويها ضحية حروب الشوارع، ولا تشبه القصة التي يرويها أحد سكان بوغوتا، تلك التي يرويها أحد سكان المناطق المنسية. نروي جميعاً الكثير من القصص المتباينة. ويحاول السياسيون أن يقنعونا بأن هناك طرفاً هو الكاذب، وأن قصتهم هي الحقيقية. في تلك النقطة نتدخل كصحافيين ومؤرخين وروائيين. أعتقد أن علينا مسؤولية محاولة إتاحة مساحة تتسع لجميع القصص وذلك باستخدام كلماتنا. علينا العثور على قصة مشتركة، أو إتاحة مساحة يمكننا فيها التعرف على الحقيقة الموجودة في قصص الآخر، والقصص التي يرويها لنا الآخرون. هذه هي الطريقة الوحيدة للتصدي إلى الأكاذيب التي حاول السياسيون من خلالها تشويه إدراكنا للعالم والواقع.
> كيف هو حال أدب أميركا اللاتينية اليوم مقارنة بفترة الازدهار؟ هل هناك فترة ازدهار أخرى؟
- لا، لا يمكن أن تحدث فترة ازدهار أخرى، مثلما لا يمكن أن تكون هناك ساعة «بيغ بين» أخرى. مع ذلك؛ هناك جيل من الكتّاب اليوم يستفيد بشكل كبير مما حدث في فترة ازدهار أميركا اللاتينية. إنهم يضعون أدب أميركا اللاتينية في المركز بشكل يتميز عن الأدب المكتوب باللغة الإسبانية الذي بات يمثل مركز عالم الأعمال الأدبية منذ نشر رواية «دون كيخوته» عام 1605.
فجأة نجد غارسيا ماركيز، وخوليو بورغيس، وخوان رولفو، وفارغاس يوسا، يؤلفون أعمالاً أدبية تحدث تأثيراً مباشراً، ليس فقط على القرّاء، بل على الأدب المكتوب في أفريقيا، وآسيا، وأوروبا، والشرق الأوسط. أعرف مؤلفين يقولون إنهم لم يكونوا ليستطيعوا كتابة رواياتهم لولا قراءتهم لرواية «مائة عام من العزلة». اللغة الإسبانية، والنوع الأدبي الذي ورثته مصدره هو «مائة عام من العزلة»، و«محادثة في الكاتدرائية» ليوسا، وهذا الأمر يقدم ثراءً كبيراً. أعتقد أن هناك مجموعة من المؤلفين، وأنا منهم، لا يحتاجون إلى فترة ازدهار للعثور على أميركا اللاتينية في الكلمات، بل يصنعون الازدهار بأنفسهم، ويستكشف بعضنا الماضي طريقةً لفهم الحاضر، مثلما استكشف من قبلنا تاريخ بلادنا. يمكن للورثة التركيز على القصص الخاصة جداً، لكننا جزء من تقاليد ثرية للغاية. لطالما أقول إن ما أتميز به عن غارسيا ماركيز هو أني عندما بدأت تأليف كتبي كان غارسيا ماركيز قد انتهى من تأليف أعماله، إنه لم يكن يعرف ماركيز، بل كان عليه أن يصبح ماركيز. لذا؛ اللغة التي وصلتني كانت أكثر ثراءً، وهذه ميزة، وحظ موفق.
> ما الذي تعكف على كتابته حالياً؟
- أنا أيضاً أتساءل عن هذا الأمر. تظل رواياتي داخلي لسنوات كثيرة قبل أن أبدأ في كتابتها. ظلت رواية «صوت الأشياء المتساقطة» تتكون لمدة عشر سنوات. في هذه اللحظة بداخلي رواية قابعة منذ خمس سنوات، وأخرى منذ ثلاث سنوات، وأحتاج إلى واحدة منهما لتكون الرواية التالية. هناك أمر غير عقلاني؛ هوس يملي عليّ الرواية التالية. كل ما يسعني قوله الآن هو أن هناك قصة عن الجنود الكولومبيين الذين شاركوا في الحرب الكورية. ربما تكون تلك هي الرواية القادمة.
> ما هي كلمتك المفضلة في اللغة الإسبانية؟
- «أزول» (أزرق)، التي لها جذور في اللغة العربية. هناك كلمة أخرى تشبهني حقاً هي كلمة «هيستوريا» (التاريخ)؛ لأنه في اللغة الإسبانية، على عكس اللغة الإنجليزية، تشير هذه الكلمة إلى قصة نرويها أو مجال دراسة الماضي وأنا أحب هذا الأمر. أحب الخلط بين الأمرين في اللغة الإسبانية.
> هل لك أن توصينا بقراءة أعمال لمؤلف من أميركا اللاتينية؟ أعلم بدراستك الرصينة لفارغاس يوسا.
- عندما كنت في العشرين من عمري أردت أن أصبح يوسا حين أكبر. هناك جيل جديد من كتّاب القصة القصيرة مثل سامنثا شويبلين من الأرجنتين، وفاليريا لويزيلي من المكسيك، له قصص قصيرة رائعة. إنهم ورثة مذهلون لما تركه كل من كارلوس فوينتس، وخوليو كورتاثر وبورخيس.
> هل يمكنك التوصية بكتاب نقرأه من كتبك؟
- «صوت الأشياء المتساقطة» من الكتب التي يتزايد عدد قرائها في العالم؛ لأنه يتناول قضايا ومسائل ذات طابع عالمي، وفي الوقت نفسه تمثل جزءاً من تاريخ كولومبيا، وهي في المجال العام أيضاً.


غلاف روايته «شكل الأطلال» بالإنجليزية



فيلمان سعوديان يحصدان جوائز في «الفيوم السينمائي» بمصر

خالد ربيع خلال تسلّمه جائزة الفيلم السعودي (إدارة المهرجان)
خالد ربيع خلال تسلّمه جائزة الفيلم السعودي (إدارة المهرجان)
TT

فيلمان سعوديان يحصدان جوائز في «الفيوم السينمائي» بمصر

خالد ربيع خلال تسلّمه جائزة الفيلم السعودي (إدارة المهرجان)
خالد ربيع خلال تسلّمه جائزة الفيلم السعودي (إدارة المهرجان)

اختُتمت، مساء الجمعة، فعاليات الدورة الأولى لمهرجان الفيوم السينمائي الدولي لأفلام البيئة والفنون المعاصرة الذي أُقيم بمحافظة الفيوم (100 كيلو جنوب القاهرة)، بحفل بسيط على بحيرة قارون، بحضور عدد من صنّاع الأفلام وأعضاء لجان التحكيم؛ حيث جرى إعلان جوائز مسابقات المهرجان الثلاث.

ومنحت لجنة تحكيم «المسابقة الدولية للفيلم الطويل» تنويهاً خاصاً للفيلم السعودي «طريق الوادي» للمخرج خالد فهد الذي تدور أحداثه حول شخصية الطفل «علي» الذي يعاني من متلازمة الصمت، فبعد أن ضلّ طريقه في أثناء توجهه لرؤية طبيب في قرية مجاورة، ينتهي به المطاف وحيداً في مكان ناءٍ، إلا أن سلسلة العقبات والتحديات لم تمنعه من اكتشاف العالم الذي ينتظره؛ حينها فقط أدركت عائلته أن ما يعانيه «علي» ليس عائقاً وإنما ميزة، منحته سيلاً من الخيال والتخيل.

ونال الفيلم المغربي «الثلث الخالي» للمخرج فوزي بنسعيدي جائزة أفضل فيلم بالمسابقة، وهو الفيلم الذي حصد جائزة أفضل إخراج بجانب حصول بطلَيه فهد بنشمسي، وعبد الهادي الطالبي، على جائزة أفضل تمثيل، في حين نال الفيلم الإيراني «كارون الأهواز» جائزة لجنة التحكيم الخاصة.

وحصد الفيلم السعودي «ترياق» للمخرج حسن سعيد جائزة «لجنة التحكيم الخاصة للفيلم الروائي القصير»، في حين حصل الزميل عبد الفتاح فرج، الصحافي بـ«الشرق الأوسط»، على جائزة أفضل فيلم تسجيلي قصير، عن فيلمه «العشرين»، الذي صوّره في شارع العشرين بحي «فيصل» في القاهرة الكبرى، وتدور أحداثه في 20 دقيقة.

الزميل عبد الفتاح فرج خلال تسلّم الجائزة (إدارة المهرجان)

ويتضمّن فيلم «العشرين» بشكل غير مباشر القضايا البيئية المختلفة، وجرى تصويره على مدار 5 سنوات، رصد خلالها فترة مهمة بعيون أحد قاطني الشارع، متناولاً الفترة من 2018 وحتى عام 2023، واحتضن المهرجان عرضه الأول في مصر.

وتسلّم عضو لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة بالمهرجان الناقد السعودي خالد ربيع جوائز الفيلمين السعوديين نيابة عن صناع العملين الفائزين، في حين عبّر لـ«الشرق الأوسط» عن سعادته بالتعاون مع باقي أعضاء اللجنة خلال مشاهدة الأفلام، مشيداً بالأنشطة والفعاليات المتنوعة التي تضمّنها المهرجان.

وشهد المهرجان مشاركة 55 فيلماً من 16 دولة، من أصل أكثر من 150 فيلماً تقدّمت للمشاركة في الدورة الأولى، في حين شهد الاحتفاء بفلسطين بصفتها ضيف شرف، عبر إقامة عدة أنشطة وعروض فنية وسينمائية فلسطينية، من بينها أفلام «من المسافة صفر».