«الفن والسياسة»... إيطاليا تحت الفاشية بين 1918 و1943

في معرض كبير بمدينة ميلانو

جانب من المعرض
جانب من المعرض
TT

«الفن والسياسة»... إيطاليا تحت الفاشية بين 1918 و1943

جانب من المعرض
جانب من المعرض

ليس من العجب أن تبدو الصور والأخبار الوافدة من إيطاليا في تلك السنوات التي هيمنت فيها الفاشية على البلاد مرضية؛ إمكانات العمل في ورشات الفن العمومي كانت مفرحة، كما كان توظيف المال العام لخدمة الصناعة الثقافية مغرياً. وعلى الرغم من هذا الظاهر، فإن الحياة الإيطالية كانت غالباً مفلسفة بفعل تدخل الدولة في المجال الفني، ذاك التدخل الموسوم بتخصيص أموال يصرفها الدوق موسوليني نفسه لكسب مودة الفنانين ولإرضاء المتصارعين داخلياً من الذين كانوا في المستويات السياسية العليا التي أوكلت إليها مهمة تجديد الفنون الموروثة عن إيطاليا الليبرالية.
وبما أن الفاشية كانت عديمة الإرادة، الدقيقة والمحددة، في تفضيل فصيل من الفصائل التي كانت تؤدي دورا في النظام المتمفصل للعروض الفنية الذي وضعته النقابة الوطنية الفاشية للفنانين، فإنها لم تميز نزعة فنية خاصة على حساب أخرى، ولذلك سعت إلى مساندة ضرب من «التعدد الاستاطيقي» الذي كان التحديد السعيد للتعبير عن علاقة الفنون بالنظام الفاشي. وصيغة أخرى ذات سمة تاريخية معروفة وهي الصيغة السياسية المجمّلة لصورة موسوليني ولصورته الخاصة، وللفاشية عموماً، موظفا ذلكم الضرب من الاستعمار البصري النسقي المتمثل في العروض الكبيرة التي انطلقت بالمعرض الذي أقيم احتفالا بعشرية الثورة الفاشية سنة 1932. وفي تلك المناسبة ظهرت في كامل قوتها الخاصية التجريبية لماريو سيروني، وهو الفنان الذي كان أفضل ممثل لطموحات النظام الفاشي كما كان أفضل معبر عن تناقضاته الداخلية.
لوحات فنية، ومنحوتات، ورسومات، وصور، وبيانات، ومشروعات ونماذج معمارية. يوجد كل شيء ومن كل شيء في الأعمال الـ700 المنتقاة لتملأ صالات من بين أعمال أكثر من مائة فنان في المعرض الذي أقيم بمركز الفنون لمؤسسة «برادا»، وهو المعرض الذي يكشف نسق الفن والثقافة في إيطاليا في ما بين الحربين العالميتين، منطلقا من البحث ومن دراسة وثائق وصور تاريخية تكشف عن الإطار المكاني والزماني والاجتماعي والسياسي التي ابتدعت فيه الأعمال الفنية المعروضة للمشاهد.
الفترة التاريخية ما بين 1918 و1943 اتسمت في إيطاليا بأزمة الدولة الليبرالية وتثبّت الفاشية على سدة الحكم، ما كان من خصائصها التبعية المتبادلة بين البحث الفني والدينامية الاجتماعية والنشاط السياسي. والشهادات التي تقدمها لنا الصور الفوتوغرافية والنصية الحاضرة بالمعرض توثق لنا الإنتاج الفني والثقافي للفترة، مع الأخذ بعين الاعتبار تعدد المظاهر والبيئات والأوساط التي أنجزت وعرضت فيها: من استوديو الفنان إلى تجميعات الخواص، ومن التظاهرات العامة إلى المعارض العامة التي استعرضت الفن الإيطالي في إطار قومي وعالمي، ومن المعماريات إلى المخططات الحفرية الغرافيكية.
كل هذه الموضوعات قدمت بصور تاريخية عبر منشورات ورسائل، ومجلات وعروض صحافية وصور شخصية... وهكذا. إن إعادة بناء الشروط المادية والفيزيائية لحضورها الأصيل لا تسمح فقط بالبحث عن النسق المعقد للعلاقات بين أصحابها وأصحاب الغاليريهات ونقاد الفن والآيديولوجيين والسياسيين والجامعين لأعمال الفن وحماة الأدب والفنون والمشاهدين؛ بل أيضا تسمح باكتشاف المعرض في مختلف تصريفاته عنصرا أساسيا للعالم الرمزي للزمن. وهي أخيرا قراءة تؤكد كيف أن عرض صور ومنتجات قومية (محلية) حتى في سياقات عالمية، استعمل من قبل الفاشية أداة لينة، وقابلة للتطويع؛ أداة وظيفية لمشروع إعادة تخليق الإيطاليين ونفث الحياة في تجربتهم للعالم. في المعرض نجد أن المصنوع اليدوي الذي قد أدمج من جديد في السيلان الفوضوي للعرض، يعود ليكون مادة حية، وبناء متراتباً للمعاني ولإمكانات تأويلها.
مشروع المصفوفات المعروضة، الذي خطط له «استوديو 2x4 » في نيويورك، في حوار مع القيّم عليه، جرمانو شيلانت، قُدّم بوصفه مسارا تاريخيا متسلسلا وفق نغم عشرين إعادة بناء جزئية لقاعات عرض عمومية وخاصة. في هذه البيئات، التي شكلت بتكبير وفق السلم الحقيقي والواقعي للصور التاريخية، نجد أعمالا فنية أصيلة قد أعيدت موضعتها؛ أعمال فنانين مثل جاكومو بالا، وكارلو كرّى، وفليتشى كازوراتي، وجورجو دي كيريكو، وفرتوناتو دابرو، وفليبو دي بيزس، وآرتور مارتيني، وفاوستو ميلُتّي، وجورجو موراندي، وشيبيونى، وجينو سفريني، وماريو سيروني، وآرتورو توزي، وأدولفو فيلدت. وهكذا نشهد تجددا للتشاجن بين التعبير الفني وبين مظاهر السياقات، مثل الأثاث، وعناصر من الهندسة المعمارية، وجزئيات النمنمة والزخرفة وحلول مصفوفات العرض. وكل ذلك يسمح بمعرفة أكبر بالأعمال المعروضة وبالفنانين، كما يمكّن من تأويل أكثر عمقا لتاريخ الفن في إيطاليا في تلك الحقبة التاريخية الحساسة من مسيرة هذا البلد الذي تحوي أرضه أكثر من 40 في المائة من تراث الفن في العالم، حسب تصنيف منظمة اليونيسكو.
وهكذا نجد أنفسنا قد أدخلنا في مجرى ومسلك الجدلية بين فنانين فرادى وبين أصحاب الحركات؛ مجموعات واتجاهات مثل النزعة المستقبلية، والقيم التشكيلية، والقرن العشرين، والمدرسة الرومانية، ومدارس التجديد، ومجموعة التجريديين... وتيارات أخرى لا تعد ولا تحصى، وجميعها قد نفخ الحياة في مشهد فني وثقافي اتسم بالتعدد في التعبير، يتعايش فيه كل الرياديين، وكل من يتمسكون بالعودة إلى النظام، كما يتعايش فيه التجريب الفني والواقعية، والحميمية والدعاية الفاشية في أبشع صورها.
الاهتمام بالسياق الاجتماعي والسياسي والحيوي، ترجم في المعرض أيضا بتقديم مشروعات معمارية، ومخططات حضرية، وتنظيمات لأحداث كبيرة مثل «معرض الثورة الفاشية»، (سنة 1932)، ومعرض القوتين الجوية والبحرية الإيطاليتين (1934)، والمعرض الوطني للرياضة (1935). ومن بين الثمرات الأكثر تجديدا للتصور المعماري والمشهدي لتلك الفترة، نجد المساهمات الأساسية لـ«مجموعة السبعة (7)» الشهيرة عالميا، التي من بين رجالها جوفاني موسيو، ومارشيلو بياتشنتيني، وبيارو بورتالوبّي، وجوزيب ترّانيي... إسهامات وجدت تجسيدا لها في المعرض عبر إسقاطات ذات أبعاد كبيرة تمكن من الاستعادة النقدية لكبر السلم الحقيقي ولكل من الأثر التواصلي والإشهاري الإعلاني والاحتفالي لتنظيمات المعارض في تلك الفترة، كما تمكن من الكشف عن عملية إضفاء الطابع الاستاطيقي على السياسة، وعلى الكتلة الذي مجدته وهي الحزب الفاشي الحاكم.
مجرى العرض كله يتمفصل بين الغاليريهات في الجنوب الإيطالي؛ جنبا إلى جنب غاليريهات الفن الشمالية والقاعدة الأساسية بالتساوي التي يقوم عليها المبنى، ويجمعه تركيز على محاور خصصت لسياسيين، ومثقفين، وكتاب، ومفكرين، مثل جوزيبى بوتاي، وبييرو غوباتي، وأنطونيو غرامشي، وكارلو ليفي، وألبرتو مورافيا، ولويجي بيراندالو، ومارغريتا سارفاتي، وليونالو فانتوري؛ وعشرات غيرهم. وفي هذا المجرى تحلل مختلف أعمالهم في لحظة تجذر قوي للأفكار، للتبادل بين الفنون وللحوار أو للصدام المفتوح بين الأشخاص. في هذا المناخ الفكري تنعكس بكل وضوح قدرة الفنان في تلك المرحلة في سعيه لتطوير ذاتيته التعبيرية مشاركا بفاعلية، أو باقياً في حالة من اللامبالاة لتوجيهات النظام، أو أن يكون موضوعا للتجاذب والتنافر. إلى جانب هذه المقاربات، فإن تأطيراً أتم وأكمل للفنون في الثلاثينات في إيطاليا يجب أن يوفر مشهدا عاما للقوى الأخرى التي كانت مؤثرة في النتاج الفني، والتي لم تكن بالضرورة ذات نزعة صراعية مع الفاشية على الرغم من أنها لم تكن أيضا مندمجة تمام الاندماج في الدولة؛ مثل الغاليريهات الخاصة، وظاهرة الجمع للأعمال الفنية، ومجموعات من الشباب التي كانت ممارساتها الفنية غالبا في مأمن من رقابة وإكراهات السياسة وإعضالها.



أنشطة منزلية تزيد من تعرضك للجزيئات البلاستيكية الضارة... تعرف عليها

عرض جزيئات بلاستيكية دقيقة تم جمعها من البحر باستخدام مجهر بجامعة برشلونة (أرشيفية - رويترز)
عرض جزيئات بلاستيكية دقيقة تم جمعها من البحر باستخدام مجهر بجامعة برشلونة (أرشيفية - رويترز)
TT

أنشطة منزلية تزيد من تعرضك للجزيئات البلاستيكية الضارة... تعرف عليها

عرض جزيئات بلاستيكية دقيقة تم جمعها من البحر باستخدام مجهر بجامعة برشلونة (أرشيفية - رويترز)
عرض جزيئات بلاستيكية دقيقة تم جمعها من البحر باستخدام مجهر بجامعة برشلونة (أرشيفية - رويترز)

أفاد بحث جديد بأن الأنشطة المنزلية الروتينية قد تعرّض الناس لسحابة من جزيئات البلاستيك الصغيرة جداً، بحيث يمكن استنشاقها عميقاً في الرئتين.

ووجدت الدراسة التي أجريت في جامعة «بورتسموث» أن التمرين الرياضي على سجادة صناعية قد يؤدي إلى استنشاق ما يصل إلى 110 ألياف أو شظايا بلاستيكية كل دقيقة، وفق شبكة «سكاي نيوز» البريطانية.

وأظهرت الدراسة أن طي الملابس المصنوعة من أقمشة مثل البوليستر، وحتى مجرد الجلوس على أريكة، ينتج عموداً من الجزيئات المجهرية في الهواء المحيط.

ويقول الباحثون إن النتائج تؤكد على أهمية المحادثات التي تجريها الأمم المتحدة هذا الأسبوع للاتفاق على معاهدة عالمية للحد من التلوث البلاستيكي.

وفي هذا السياق، قالت فاي كوسيرو، أستاذة التلوث البيئي في الجامعة، التي قادت الدراسة، إن العواقب الصحية للجسيمات البلاستيكية الدقيقة في الجسم لا تزال غير معروفة، لكنها تتخذ بالفعل خطوات للحد من تعرضها، بما في ذلك التحول حيثما أمكن إلى الأرضيات الخشبية والأقمشة المصنوعة من الألياف الطبيعية.

وقالت كوسيرو: «لا أعتقد بأنك بحاجة إلى الذهاب وتمزيق كل قطعة من البلاستيك في منزلك. هذا غير قابل للتطبيق، ولكنني أعتقد بأنه أمر مثير للقلق. إذا تعرضنا كل يوم طوال حياتنا وعشنا حتى سن 80 أو 90 عاماً، فماذا يعني ذلك؟».

وتابعت أنه «ليس مجرد حدث واحد، حيث نتعرض لمدة يوم أو يومين. هذه هي حياتنا بأكملها التي نستنشقها. إذن ماذا يحدث عندما تتراكم؟».

واستخدم الباحثون آلات لتصفية الهواء في غرفة بينما كان المتطوعون يقومون بأنشطة منزلية عادية. ثم حسبوا تركيز البلاستيك الدقيق في الهواء وعدد القطع التي من المحتمل استنشاقها.

أظهرت النتائج أن طي الملابس المصنوعة من الأقمشة الاصطناعية يمكن أن يؤدي إلى استنشاق سبع قطع من البلاستيك الدقيق في الدقيقة. والجلوس على الأريكة يمكن أن يؤدي إلى استنشاق 10 جزيئات كل دقيقة.

ولكن من المرجح أن يكون الحمل البلاستيكي الناتج عن التمرين أعلى بأكثر من 10 مرات، ويرجع ذلك جزئياً إلى التأثير على السجادة، وأيضاً بسبب معدل التنفس الأعلى.

وقالت كوسيرو إن بعض البلاستيك الدقيق سيتم إزالته من الرئتين عن طريق المخاط والسعال. لكن دراسات متعددة أكدت الآن وجود بلاستيك دقيق داخل الجسم، بما في ذلك الأوعية الدموية والمفاصل والأعضاء والدماغ.

ووفق الشبكة البريطانية، فإنه حتى الآن لا يوجد دليل مباشر على أن البلاستيك يسبب اعتلال الصحة، ولكن ثبت أنه يتلف الخلايا ويؤدي إلى الالتهابات، وتقول كوسيرو: «لا أستطيع أن أتخيل أي سيناريو نكتشف فيه أن استنشاق البلاستيك مفيد لنا. نحن نعلم أنه يمكن أن تكون له آثار سلبية عند تركيزات عالية جداً. ما لا نعرفه هو التركيز الذي سيكون عليه في بيئة منزلية، وإذا أردنا أن نتقدم على هذا المنحنى، ونتأكد من بقائنا تحت عتبات (المخاطر)، فنحن بحاجة إلى معرفة ماهيتها في أقرب وقت ممكن».

والبلاستيك الدقيق هو إما ألياف أو شظايا انكسرت من أجسام أكبر. ويقدر العلماء أن هناك ما بين 12.5 تريليون و125 تريليون جسيم أقل من 5 ملم في الحجم تم غسلها في محيطات العالم، حيث تستهلكها الكائنات البحرية وتنتقل إلى سلسلة الغذاء.

وتظهر أحدث الأرقام أن 400 مليون طن من البلاستيك يتم إنتاجها كل عام. ومن المقرر أن يتضاعف هذا الرقم ثلاث مرات بحلول عام 2050، ومع ذلك يتم استخدام نصف البلاستيك مرة واحدة ثم يتم التخلص منه.

ويقول برنامج الأمم المتحدة للبيئة إن الاستخدام الحالي للبلاستيك غير مستدام. وتريد الأمم المتحدة التوصل إلى اتفاق دولي بشأن معاهدة للحد من تلوث البلاستيك. وقد بدأت الجولة الأخيرة من خمس جولات من المحادثات بين البلدان في بوسان بكوريا الجنوبية.

ومن المرجح أن تتضمن المعاهدة خطوات لتشجيع الاستخدام الأكثر حكمة للبلاستيك، والجهود المبذولة لإعادة استخدامه أو إعادة تدويره. لكن المملكة المتحدة من بين أكثر من 40 دولة تريد أيضاً فرض قيود على الإنتاج.