الهجرة تتصدر أجندة أعمال القمة الأوروبية المقبلة

عادت قضية الهجرة واللجوء بقوة خلال الأيام القليلة الماضية إلى المشهد السياسي الأوروبي، خصوصاً مع وصول حكومة يمينية شعبوية إلى الحكم في إيطاليا، والتي منعت في أول إجراء لها وصول سفينة تقل أكثر من 600 مهاجر إلى سواحلها. إجراء الحكومة الإيطالية أثار غضب بعض الحكومات الأوروبية، خصوصاً الفرنسية التي وصفت العمل بغير الإنساني. الإجراء فرض أجندة الهجرة على جدول أعمال القمة الأوروبية المنتظرة في نهاية الشهر الحالي.
الخلاف بين باريس وروما بشأن مصير السفينة تسبب في تدخل البابا فرنسيس وأثار الشقاق في أوروبا وتوتراً في الائتلاف الألماني الهش الذي تتزعمه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وبات موضوع الهجرة يهدد الحكومة الائتلافية الألمانية، وبدأ الكلام عن انتخابات ألمانية مبكرة إذا تفاقمت الخلافات بين الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، الشقيق الأصغر في التحالف المسيحي الألماني الذي تقوده أنجيلا ميركل، زعيمة الحزب المسيحي الديمقراطي. الحزب البافاري منح ميركل مهلة زمنية لتطبيق مطالبه بخصوص الهجرة واللجوء، معلناً على نحو غير مباشر أن بإمكان وزير الداخلية الألماني ورئيس الحزب البافاري، هورست زيهوفر، اتخاذ إجراءات مخولة له بطرد مهاجرين على الحدود، وهذا ما ترفضه ميركل، التي تطالب بسياسة أوروبية موحدة حول الهجرة، وتتفق فيه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي سيزورها بعد غدٍ (الثلاثاء)، من أجل هذا الهدف، وتنسيق مواقفهما في القمة الأوروبية القادمة. زيهوفر يطالب بمنع اللاجئين، المسجلين في دول أخرى بالاتحاد الأوروبي، من عبور الأراضي الألمانية على الحدود. أما ميركل فقد أعلنت الخميس رفضها إتباع نهج وطني منفرد في رفض مجموعات معينة من المهاجرين أو اللاجئين على الحدود الألمانية.
وحث الرئيس ماكرون رئيس الوزراء الإيطالي الجديد جوزيبي كونتي على العمل مع فرنسا وألمانيا وإسبانيا لحل مشكلات الهجرة بدلاً من الانضمام إلى «محور» مناهض للهجرة.
وفي الأمس، طالب ساسة في حزب ميركل، المسيحي الديمقراطي، شقيقهم الأصغر في التحالف المسيحي، بالاعتدال في الخلاف حول سياسة اللجوء وإبداء استعداد أكبر لقبول حلول وسط.
وقالت ميركل في رسالتها الأسبوعية المتلفزة على الإنترنت أمس (السبت) في إشارة إلى لقائها المرتقب مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد غدٍ، إن موضوع الهجرة «تحدٍ يحتاج إلى رد أوروبي أيضاً. وأنا أعتبر هذا الموضوع من الموضوعات الحاسمة في التضافر الأوروبي».
وقال الرئيس المحلي للحزب المسيحي الديمقراطي في ولاية براندنبورج، إنجو زينفتليبن، في تصريحات لصحف شبكة «دويتشلاند» الألمانية الإعلامية الصادرة أمس، إنه من الضروري للغاية التوصل إلى اتفاق في هذا الخلاف، وأضاف: «الأمر واضح للجميع: من دون اتفاق سيكون السؤال حول مستقبل التحالف المسيحي مطروحاً تلقائياً»، مشيراً إلى أن هذا سيكون بمثابة إنهاء الائتلاف الحكومي، وقال: «سيستتبع ذلك زلزال سياسي».
وطالب خبير شؤون الموازنة في حزب ميركل، إكهارت ريبرج، الحزب البافاري بقبول حلول الوسط، وقال في تصريحات لشبكة «دويتشلاند»: «على الجميع أن يفكر عند التصرف فيما إذا كانت نتيجة تصرفه ستقود إلى انتخابات مبكرة». وقال خبير الشؤون الاقتصادية في الحزب، يواخيم بفايفر، محذراً: «ليس بوسعي سوى المناشدة أن تأخذ الأطراف كافة نفساً عميقاً مطلع هذا الأسبوع. الخلافات في القضية ليست بالغة للدرجة التي تدفع إلى نسف الهيكل بأكمله».
ونقلت مصادر مشاركة في جلسة خاصة لنواب الحزب المسيحي الديمقراطي عن المستشارة قولها، إنها تعتزم الاستفادة من الأسبوعين المقبلين حتى موعد انعقاد القمة الأوروبية في بروكسل يومي 29 و30 من شهر يونيو (حزيران) الحالي لإبرام اتفاقيات ثنائية مع الدول الأكثر تضرراً من ضغط الهجرة.
وارتفع عدد طلبات اللجوء الجديدة في ألمانيا في مايو (أيار) الماضي على نحو ملحوظ مقارنة بالأشهر الماضية. وذكرت صحيفة «باساور نويه بريسه» الألمانية الصادرة أمس، استناداً إلى بيانات وزارة الداخلية الألمانية، أن نحو 78 ألف شخص تقدموا بطلبات لجوء حتى نهاية مايو الماضي. وبحسب التقرير، استقبلت ألمانيا خلال هذا العام حتى منتصف يونيو الحالي 18 ألف لاجئ مسجلة بياناتهم لدى سجل بصمات الأصابع الأوروبي «يوروداك». وبحسب قواعد اتفاقية دابلن، يتعين على هؤلاء اللاجئين التقدم بطلبات لجوئهم في أول دولة في الاتحاد سجلوا فيها أنفسهم لاجئين. ويحث وزير الداخلية الألماني، هورست زيهوفر، على رفض هؤلاء اللاجئين في المستقبل على الحدود الألمانية.
وفي آخر إجراء إيطالي بعد منع سفينة «أكواريوس» من الوصول إلى الشواطئ الإيطالية، تعهد وزير الداخلية ونائب رئيس الوزراء الإيطالي المتشدد، ماتيو سالفيني، أمس، بمنع سفن تابعة لجمعيتين خيريتين أخريين لإنقاذ المهاجرين من الرسو في موانئ بلاده.
وكتب سالفيني، زعيم حزب «رابطة الشمال» اليميني المتطرف المناهض للهجرة، في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، كما نقلت عنه الوكالة الألمانية، إن الحظر ينطبق على جمعيتي «سي - آي» و«ميشن لايفلاين» الخيريتين الألمانيتين. وأضاف: «يتعين أن يعرف هؤلاء الأشخاص أن إيطاليا لم تعد تريد التشجيع على عمليات الهجرة غير الشرعية؛ لذلك سيتعين عليهم إيجاد موانئ أخرى (غير إيطالية) للتوجه إليها».
وتابع سالفيني: إن المنظمتين غير الحكوميتين كانتا قد نشرتا سفنهما، قبالة الساحل الليبي، لانتشال «مجموعة من البشر، تخلى عنهم مهربون (في البحر)». وقبل ستة أيام، رفضت إيطاليا منح سفينة «أكواريوس» حقوق الرسو في موانئها، وتلك السفينة تشغلها المنظمتان الخيريتان «إس أو إس ميديتيراني» الفرنسية الألمانية الإيطالية، و«أطباء بلا حدود». وبعد أن طردت مالطا أيضاً السفينة، تم السماح للسفينة بالرسو في إسبانيا، واضطرت إلى أن تقطع رحلة طويلة ومحفوفة بالمخاطر إلى مدينة فالينسيا، حيث من المتوقع أن ترسو اليوم (الأحد).
وغردت جمعية «ميشن لايفلاين» على تصريح الوزير الإيطالي، بتعليق ساخر، قائلة: «عندما يمنحنا الفاشيون دعاية». وكانت المنظمة غير الحكومية قد أشارت الجمعة في تغريدة لها على موقع «تويتر» إلى أن قاربها يتمركز قبالة الساحل الليبي وشارك في إنقاذ 118 شخصاً.
وثمة قلق في باريس بشأن ما ستتخذه الحكومة الإيطالية المناهضة للمؤسسات بشأن عدد من القضايا الأوروبية، ومنها الاندماج في منطقة اليورو وقضية اللاجئين. حث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رئيس الوزراء الإيطالي الجديد جوزيبي كونتي على العمل مع فرنسا وألمانيا وإسبانيا لحل مشكلات الهجرة بدلاً من الانضمام إلى «محور» مناهض للهجرة. وقال ماكرون في مؤتمر صحافي مع كونتي «آمل بقوة أن تعمل فرنسا وإيطاليا معاً لطرح مقترحات والمساهمة بحلول أوروبية، وبخاصة مع شركاء مثل إسبانيا وألمانيا».