تحرير أجزاء من مطار الحديدة... وغريفيث إلى صنعاء لإقناع الميليشيات بتسليم المدينة

مقتل 150 حوثياً... وزعيم التمرد يحض على «الزخم البشري»... وهادي يؤكد اقتراب النصر

عناصر من الجيش اليمني في مواجهات مع المتمردين قرب مطار الحديدة أمس (ا.ف.ب)
عناصر من الجيش اليمني في مواجهات مع المتمردين قرب مطار الحديدة أمس (ا.ف.ب)
TT

تحرير أجزاء من مطار الحديدة... وغريفيث إلى صنعاء لإقناع الميليشيات بتسليم المدينة

عناصر من الجيش اليمني في مواجهات مع المتمردين قرب مطار الحديدة أمس (ا.ف.ب)
عناصر من الجيش اليمني في مواجهات مع المتمردين قرب مطار الحديدة أمس (ا.ف.ب)

وسط معارك عنيفة وضربات مكثفة لطيران تحالف دعم الشرعية، سيطرت القوات اليمنية المشتركة المسنودة أمس على الأجزاء الجنوبية الغربية من مطار الحديدة وساحة العروض بعد أن تجاوزت منطقة الدوار، وأدت المواجهات مع الميليشيات الحوثية إلى مقتل نحو 150 متمردا، بينهم قيادات ميدانية. وفي الوقت الذي تواصل القوات المشتركة تقدمها على أكثر من محور لاستكمال تحرير المطار والتوغل على الخط الساحلي باتجاه الميناء، تسعى وحدات عسكرية للتوجه شرقي المطار والتقدم باتجاه منطقة «كيلو 16» لتطويق المدخل الشرقي لمدينة الحديدة، والسيطرة على معسكر استراتيجي للميليشيات.
وبينما تحدثت مصادر محلية عن قيام الميليشيات بتفخيخ الطرق المؤدية إلى الميناء وتحويل أجزاء كبيرة منه إلى مواقع لتخزين الأسلحة والصواريخ والعربات الثقيلة، أفادت مصادر في مكتب مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث بأنه سيصل اليوم إلى صنعاء، في مسعى لتحذير الحوثيين من ارتكاب أي أعمال عدائية تجاه البنية التحتية للميناء. وذكرت مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط» أن غريفيث يحمل للميليشيات الحوثية آخر طوق للنجاة عبر محاولة إقناع قيادات الجماعة بتسليم الحديدة ومينائها سلميا، مقابل ضمان انسحاب آمن لميليشياته باتجاه صنعاء، قبيل الانخراط في مفاوضات السلام التي يقوم بالتحضير لاستئنافها أملا في تحقيق تسوية سياسية.
وفي الوقت ذاته، أكد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، أنه لا تراجع عن انتزاع مدينة الحديدة ومينائها من قبضة الانقلابيين الحوثيين، لجهة درء المفاسد الناجمة عن استغلال الجماعة للميناء من أجل تهريب السلاح ونهب العائدات المالية والعبث بالمساعدات الإنسانية التي تتدفق عبره، وهو ما قاد إلى تهديد حياة السكان في الحديدة وفي المناطق التي تخضع لسيطرة الجماعة. وأفادت لـ«الشرق الأوسط» مصادر عسكرية ومحلية متطابقة، بأن عناصر الميليشيات يعانون من انهيارات كبيرة ميدانية ومعنوية في ظل الأعداد الكبيرة من القتلى والجرحى في صفوفهم، وفي ظل الأعمال الانتحارية التي يقومون بها في مسعى لإعاقة عملية تحرير الحديدة التي أطلقت عليها القوات المشتركة اسم «النصر الذهبي».
وقالت المصادر إن الحوثيين أقاموا نقاط تفتيش في المداخل الشرقية والشمالية للمدينة مهمتها إعدام العناصر التي تحاول الفرار من المواجهات، في الوقت الذي تتقدم فيه القوات المشتركة عمليا في أحياء المدينة الجنوبية الغربية بعدما سيطرت على الأجزاء الغربية من المطار.
وبحسب مصادر طبية وعسكرية تحدثت لـ«الشرق الأوسط» لقي أكثر من 150 مسلحا حوثيا أمس حتفهم إضافة إلى سقوط عشرات الجرحى، جراء المعارك الضارية، وضربات الطيران، التي استهدفت عددا من الخنادق والأنفاق التي حفرها عناصر الجماعة في محيط المطار وقاموا بتمويهها من أجل عدم لفت الانتباه.
وسيطرت القوات المشتركة - بحسب المصادر - على الأجزاء الغربية الجنوبية من المطار الذي تبلغ مساحته الإجمالية نحو 20 كيلومترا مربعا، بعد أن سيطرت في جنوبه على مناطق المنتجع الريفي وقرية الشجيرة ودير خمسين والشريم والنخيلة والسماحي وقضبة ومنطقة المنظر التي تعد عمليا من الأجزاء الجنوبية للمدينة.
وأكد العقيد ركن صادق دويد المتحدث الرسمي لقوات المقاومة، أن مطار الحديدة الدولي بات تحت السيطرة النارية للقوات المشتركة وسط انهيار كبير لدفاعات الميليشيات. وأوضح دويد أن القوات المشتركة أحكمت سيطرتها على الدوار الكبير وهو المدخل الجنوبي لمدينة الحديدة الذي يبعد مسافة 4 كيلومترات عن مطار الحديدة.
وأكد وليد القديمي وكيل أول محافظة الحديدة لـ«الشرق الأوسط»، أن التقدم الذي أحزرته القوات المشتركة تسبب في انهيار دفاعات الميليشيات ما دفع قياداتهم إلى نصب نقطة أمنية في منطقة الكرد شرق مركز مديرية الدريهمي لضبط أفراد الميليشيات الفارين من المواقع. ووصف القديمي الساعات القادمة بالحاسمة التي ستزف خبر دخول المقاومة المشتركة داخل مدينة الحديدة ومينائها. وعمّا سيحدث بعد تحرير الميناء، ذكر القديمي أن الميناء سيسلم إلى الحكومة الشرعية ومنها إلى السلطة المحلية لإعادة تشغيله بإشراف التحالف، وستكون إيراداته لصالح الدولة وسيصرف منها مرتبات الموظفين ويعاد العمل في المشاريع المتعثرة بالمحافظة.
وأعلنت القوات المسلحة اليمنية أن قوات الجيش مسنودة بالمقاومة وقوات التحالف تستكمل تحرير ساحة العروض جنوب الحديدة وتواصل تقدمها باتجاه شارع الخمسين المؤدي إلى مطاحن البحر الأحمر. وذكرت المصادر الميدانية أن القوات المشتركة المدعومة، تقوم بعملية واسعة لنزع الألغام الفردية والمضادة للدروع والآليات الثقيلة، حيث زرعت الميليشيات الآلاف منها.
وكان القيادي الحوثي البارز العميد علي إبراهيم المتوكل، قتل خلال المواجهات الأخيرة في الساحل الغربي، وهو قائد رفيع فيما تسمى بكتائب الموت الحوثية، وهو ممن مكث سنوات يتلقى تدريباته في إيران، كما خسرت الجماعة قائدها في معركة المطار المدعو علي حسين المراني، مع 15 على الأقل من مرافقيه، جراء ضربة لطيران التحالف.
كذلك، أكدت المصادر أن نجل محافظ الجماعة في الحديدة، حسن الهيج، قتل قبل ثلاثة أيام خلال ضربة جوية استهدفته مع آخرين أثناء قيامه بإيصال إمدادات تسليح للجماعة في الخطوط الأمامية، وأن والده الهيج أصيب بصدمة ألزمته الاعتكاف في مكان غير معروف ما جعل الجماعة الحوثية تكلف أحد قياداتها للقيام بمهامه.
واستمرت الميليشيات أمس، في الدفع بالمزيد من المجندين، نحو الساحل الغربي، استجابة لدعوة زعيم الجماعة من أجل «الزخم البشري» وأفادت مصادر أمنية في صنعاء بأن العناصر الحوثية زجوا بالعشرات من أتباعهم في حافلات لنقل الركاب المدنيين باتجاه الحديدة، رفقة شاحنات نقل صغيرة تحمل إمدادات غذائية لمسلحيهم. ويركز كبار قيادات الميليشيات في تصريحاتهم الأخيرة، على إصرارهم على المواجهة المسلحة حتى النهاية، مع توسل مستمر للمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية للتدخل لوقف المعركة، بالتوازي مع محاولة تهويلهم للنتائج الإنسانية والآثار المترتبة على عملية تحرير الحديدة ومينائها.
ويراهن زعيم الجماعة الحوثية عبد الملك الحوثي، كما ظهر من خطابه الأخير عشية العيد، على ما وصفه بـ«الزخم البشري» للمقاتلين، في وقف ما سماها بالاختراقات الحاصلة في الساحل الغربي، وهي دعوة مستميتة منه ويائسة لأتباعه للانتحار في المناطق المكشوفة أمام نيران القوات المشتركة وضربات الطيران.
وأكد عبد الرقيب وزير الإدارة المحلية بالحكومة اليمنية رئيس اللجنة العليا للإغاثة أن الحوثيين يجنون أكثر من 30 مليون دولار شهرياً موارد مالية من ميناء الحديدة، ويستخدمونها لدعم مجهودهم الحربي. وقال الرقيب لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن الحوثيين يعتبرون الحديدة وميناءها مورداً مالياً مهماً، إضافة إلى استخدامهم الميناء قاعدة عسكرية لتوريد الأسلحة والمعدات ما يشكل تهديداً لحركة الملاحة البحرية وتهديدا للأمن الإقليمي. وأضاف أن «كل الموارد الإغاثية والتجارية والصناعية التي تأتي للحديدة تستخدم لخدمة المجهود الحربي للحوثيين». وتابع أن الميليشيات الحوثية تستخدم المواد الإغاثية التي تدخل ميناء الحديدة لخدمة مجهودهم الحربي، دون أن يستفيد منها سكان الحديدة ولا سكان المحافظات الأخرى.
وفي تعليقه على زيارة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى عدن، قال الوزير اليمني إنها تأتي في السياق الطبيعي من أجل إدارة عمليات تحرير الحديدة ومتابعة الملفات الأخرى كافة. وأضاف أن الزيارة جاءت بعد لقاء الرئيس هادي بالقيادة في السعودية والإمارات وجرت مناقشة المشكلات التي تواجه المناطق المحررة كتثبيت الأمن والاستقرار بها، والملفات الاقتصادية والاستثمارية، إذ إن عدن لا تزال مستهدفة من الميليشيات المسلحة.
وفي حين يستبعد المراقبون أن ينجح المبعوث الأممي غريفيث في مسعاه لإقناع قادة الميليشيات بحقن دماء أتباعهم والخروج من الحديدة بأقل الخسائر، أشار الرئيس هادي، في خطابه عشية العيد، إلى أن «النصر الوشيك» في الحديدة، سيكون بمثابة النهاية الحتمية للحوثيين ولانقلابهم على الشرعية. وقال «نتطلع وبكل عزم وثقة وإصرار لصناعة نصر جديد بتحرير مدينة الحديدة، ومينائها الاستراتيجي». وتوعد هادي باستمرار المعارك حتى تحرير كافة الأراضي الواقعة تحت سيطرة الميليشيات، وقال «إننا جميعا في معركة مصيرية هامة ولن تتوقف إن شاء الله حتى نسترد كل شبر في هذا الوطن» داعيا إلى «توحيد الجهود ورص الصفوف وتجاوز الخلافات الصغيرة» وأضاف: «دعوني أقول لكم، بثقة لا يشوبها أي شك، بأن النصر قريب، بل وأقرب مما يتصوره الكثيرون».


مقالات ذات صلة

سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

خاص الرئيس اليمني رشاد العليمي خلال استقبال سابق للسفيرة عبدة شريف (سبأ)

سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

تكشف السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبدة شريف، عن تحضيرات لعقد «مؤتمر دولي في نيويورك مطلع العام الحالي لحشد الدعم سياسياً واقتصادياً للحكومة اليمنية ومؤسساتها».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

أظهرت بيانات حديثة، وزَّعتها الأمم المتحدة، تراجعَ مستوى دخل الأسر في اليمن خلال الشهر الأخير مقارنة بسابقه، لكنه كان أكثر شدة في مناطق سيطرة الحوثيين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

ضاعفت الجماعة الحوثية من استهدافها الأكاديميين اليمنيين، وإخضاعهم لأنشطتها التعبوية، في حين تكشف تقارير عن انتهاكات خطيرة طالتهم وأجبرتهم على طلب الهجرة.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ومحافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان خلال زيارة سابقة للجبهات في مأرب (سبأ)

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

أكدت القوات المسلحة اليمنية قدرة هذه القوات على مواجهة جماعة الحوثي وتأمين البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية وفي مقدمتها مضيق باب المندب الاستراتيجي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي العام الماضي كان قاسياً على اليمنيين وتضاعفت معاناتهم خلاله (أ.ف.ب)

اليمنيون يودّعون عاماً حافلاً بالانتهاكات والمعاناة الإنسانية

شهد اليمن خلال العام الماضي انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، وتسببت مواجهات البحر الأحمر والممارسات الحوثية في المزيد من المعاناة للسكان والإضرار بمعيشتهم وأمنهم.

وضاح الجليل (عدن)

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.