أثارت نتائج التقرير النهائي، الذي أعدته «لجنة الحريات الفردية والمساواة»، الذي نُشِرت نتائجه في تونس، ردود فعل متباينة وغضباً وسط الأحزاب الإسلامية، بعد أن دعا إلى المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، وإلغاء عقوبة الإعدام، وهي نقاط خلافية أثارت كثيراً من النقاشات والجدل الاجتماعي والديني والحقوقي، بسبب وجود نصوص قرآنية واضحة لا تحتمل التأويل فيما يتعلق بالميراث، وحكم القصاص بالنسبة لعقوبة الإعدام.
وحاول التقرير الاعتماد على إشكاليات التمييز بين الجنسين لإقرار مبدأ المساواة بين الجنسين، ولجأت اللجنة التي أعدته إلى تعداد مواطن التمييز المختلفة والثغرات القانونية المعتمدة لإقراره، وأدرجت ضمن تلك النقاط قضية الإرث، وعقوبة الإعدام حتى لا تُطرَح هاتان النقطتان الأساسيتان لوحدهما، وتثيرا حفيظة التيارات الإسلامية المحافظة، التي لا توافق على هذه الإصلاحات المناقضة لنصوص دينية لا تقبل التأويل.
ويؤكد التقرير الذي أعدته لجنة من الخبراء من مختلف التوجهات الدينية والاجتماعية والحقوقية، وهي لجنة شكلها الرئيس الباجي قائد السبسي، أنه رغم الإصلاحات التي طرأت على القانون التونسي بعد الاستقلال، خصوصاً إحداث قانون الأحوال الشخصية ومنع تعدد الزوجات، إلا أنه «لم يواكب في بعض جوانبه التحولات العميقة التي طرأت على البنية الاجتماعية للعائلة التونسية»، خصوصاً أن الزوج (الأب) لم يعد بالضرورة هو المسؤول الوحيد عن تسيير مؤسسة العائلة.
واقترح التقرير مشروع قانون ينص على المساواة في الإرث بين الرجال والنساء، الذين تربطهم صلة قرابة أولى، أي الأشقاء والشقيقات والأبناء والبنات، والأب والأم والزوج. أما فيما يتعلق بالمهر، فقد اعتبرت اللجنة أنه أخلَّ بكرامة المرأة، واقترحت إلغاءه تماماً من قانون الأحوال الشخصية، أو «تجريده مما يمكن أن يخل بكرامة المرأة»، أي إمكانية الإبقاء على المهر، لكن شريطة التخلص من كل ما يمكن أن يمس بكرامة المرأة، وهو ما يستوجب حسب التقرير الاستغناء عن المهر كشرط لصحة الزواج، والإبقاء عليه كشرط عادي لا يؤثر في إبرام الزواج.
ودعت بشرى بلحاج حميدة، رئيس «لجنة الحريات الفردية والمساواة» إلى حوار وطني هادئ ومسؤول، إدراكاً منها لما سيخلِّفه هذا التقرير من ردود فعل متضاربة وغاضبة من طرف بعض الجهات. وفي هذا السياق قال زياد كريشان، وهو حقوقي تونسي معروف، إن هذا العمل «يحتاج من النخب الفكرية والسياسية، وسائر المواطنين فتح نقاش معمق، يخرج الجميع من رتابة المعهود، وتكرار نفس الحجج، وتصيُّد مواطن الربح والخسارة السياسية، بدلاً من العمل على التقدم معاً في مجالات الحريات الفردية والمساواة».
وأضاف كريشان أن اللجنة أحصت مواضيع التمييز بين الجنسين في ثمانية مجالات «جلُّها يتعلق بالعائلة، وبموقع الرجل والمرأة فيها، بدءاً بمنح الجنسية للأبناء، وصولاً إلى التمييز في القانون الجبائي بمقتضى مفهوم رئاسة العائلة في التخفيضات الضريبية، كما شمل عمل اللجنة مشروعاً لإلغاء التمييز بين الأطفال، وذلك بإلغاء مفهوم «ابن الزنا»، وتحقيق المساواة في الميراث بين الأبناء الشرعيين والطبيعيين، وبالطبع إلغاء التمييز في المواريث، وهي النقطة الأبرز التي ستسيل بدورها الكثير من الجدل.
وبالنسبة لعقوبة الإعدام، وهي أيضاً من أهم النقاط الخلافية الواردة في التقرير الرئاسي، فقد أكد الحبيب مرسيت، رئيس الائتلاف التونسي لإلغاء عقوبة الإعدام (ائتلاف مدني مستقل)، أن تنفيذ حكم الإعدام «لن يحل مشكلات الإجرام، وقد يُنفَّذ على أشخاص ليسوا بالضرورة مجرمين. ولكن كل الأدلة القانونية تكون ضدهم»، مشيراً إلى أن عقوبة الإعدام لم تُنفَّذ في تونس منذ سنة 1991، وهو ما يعني مبدئياً الاستغناء عنها، على الرغم من استمرار صدور أحكام بالإعدام، خصوصاً بعد تنامي ظاهرة الإرهاب وإدراج حكم الإعدام ضمن قانون مكافحة الإرهاب، وغسل الأموال الذي أقره البرلمان سنة 2015.
واختلفت آراء قيادات «النهضة» حول موضوع المساواة في الإرث، الذي له علاقة مباشرة مع النصوص الدينية، إذ أكد رفيق عبد السلام، وهو قيادي بارز في الحركة أن حزبه «يقف مع حقوق المرأة كاملة وغير منقوصة، لكن لا تنتظروا منا أن نصادق على شيء يتعارض مع ثوابت الدين وروح الدستور، وما استقر عليه المجتمع لقرون متتالية».
وأضاف عبد السلام موضحاً أن «مسألة الإرث أكبر من (النهضة) والسياسيين جميعاً. ومن هنا ويتوجب على علماء تونس الأجلاء أن يقولوا كلمتهم في هذا الشأن بكل علمية وتجرد».
في المقابل، قال لطفي زيتون، المستشار السياسي لرئيس حركة النهضة، إن الإسلام «لا يمنع تطبيق مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث إذا ما اتفق الناس على ذلك»، مبرزاً أن الإسلام «جاء في زمن كانت فيه المرأة لا ترث، لذلك فُرض لها نصيب هو الحد الأدنى من الميراث... والإسلام لم يفرض عدم المساواة بين الرجل والمرأة، ولم يمنع ذلك إذا ما اتفق الناس على هذا الأمر، بل أوجب عدم النزول تحت الحق المفروض لها».
لكن في المقابل، فإن بعض التيارات الدينية لا تتفق مع موقف «النهضة» من مسألة الإرث، وهو ما قد يخلق جدلاً كبيراً حول هذا الموضوع بين التيارات الدينية نفسها وباقي مكونات المجتمع التونسي.
8:9 دقيقة
تونس: «المساواة في الإرث» تثير حفيظة الأحزاب الدينية في تونس
https://aawsat.com/home/article/1301281/%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3-%C2%AB%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A7%D9%88%D8%A7%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B1%D8%AB%C2%BB-%D8%AA%D8%AB%D9%8A%D8%B1-%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D8%B2%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3
تونس: «المساواة في الإرث» تثير حفيظة الأحزاب الدينية في تونس
«النهضة»: لا تنتظروا منا المصادقة على شيء يتعارض مع ثوابت الدين
- تونس: المنجي السعيداني
- تونس: المنجي السعيداني
تونس: «المساواة في الإرث» تثير حفيظة الأحزاب الدينية في تونس
مواضيع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة