لماذا يبقي المركزي الكويتي مجدداً على أسعار الفائدة؟

حالة استثنائية تتضمن ثباتاً في نمو الائتمان... والسيولة فائضة جداً

بنك الكويت المركزي
بنك الكويت المركزي
TT

لماذا يبقي المركزي الكويتي مجدداً على أسعار الفائدة؟

بنك الكويت المركزي
بنك الكويت المركزي

للمرة الثالثة منذ يونيو (حزيران) 2017، يخالف بنك الكويت المركزي توجهات رفع الفائدة ولا يلحق بالمجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، إذ أعلن محافظ بنك الكويت المركزي، رئيس مجلس إدارة البنك، الدكتور محمد الهاشل أمس، أن مجلس إدارة المركزي قرر الإبقاء على سعر الخصم لديه من دون تغيير عند مستواه الحالي البالغ 3 في المائة.
في المقابل، سمح المركزي الكويتي بزيادة سعر الفائدة على الودائع المصرفية، الأمر الذي قد يضغط نسبيا على أرباح البنوك في ظل عدم زيادة سعر الفائدة على الإقراض.
ويعيش القطاع المصرفي الكويتي منذ بداية العام حالة استثنائية مع نمو صفري لرصيد الإقراض مقابل ارتفاع في الودائع بالدينار نسبته 1.5 في المائة ونمو في ودائع العملات الأجنبية نسبته 10 في المائة... وفي المقابل، لم ترتفع القروض ديناراً واحداً.
أكثر من ذلك، وبفعل عدم نمو القروض ارتفعت السيولة، إذ زاد بند ودائع لأجل لدى البنك المركزي كما زادت مطالب البنوك على البنك المركزي، في مقابل تراجع رصيد أدوات الدين العام بسندات تكتتب فيها البنوك من 4.7 مليار إلى 4.3 مليار، بعدما عطل البرلمان طلب الحكومة إقرار قانون للاستدانة الحكومية، ما انعكس زيادة إضافية في سيولة القطاع المصرفي التي لا تجد فرصاً لتوظيفها.
وكان معدل نمو الائتمان في القطاع المصرفي الكويتي قد بلغ نحو 3.2 في المائة في عام 2017، و3 في المائة في 2016. علما بأن القطاع سجل نمواً ائتمانياً عاليا بنسبة 8.4 في المائة في عام 2015. ونحو 6.2 و7.8 في المائة خلال عامي 2104 و2013 على التوالي.
على صعيد متصل، قالت مصادر مصرفية إن انكماش نمو الائتمان يعكس حالة الوضع الاقتصادي في الكويت، وعدم وجود فرص استثمارية، ما انعكس على شكل زيادة في ودائع القطاع الخاص، وتراجع في الإقراض لدى البنوك.
وقالت المصادر البنكية إنه في ظل ضيق فرص الاستثمار غالباً ما ترتفع ودائع القطاع الخاص وتزداد السيولة لدى البنوك التي باتت تقرض وفقاً لضوابط ومعايير مشددة ومقيدة جداً منذ الأزمة المالية. وذكرت أن غالبية المصارف تدرك محدودية السوق الكويتية ومشكلات الاقتصاد المزمنة، لا سيما لجهة عدم التنوع فيه، لذا تحوطت منذ سنوات طويلة بالتوسع خارج الكويت لزيادة حصة الإيرادات من الأسواق الأخرى وتقليص اعتمادها على الداخل.
وقال الهاشل في بيان لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) أمس، إن القرار بإبقاء سعر الخصم جاء لترسيخ الأجواء المعززة لدعامات تعافي معدلات النمو الاقتصادي ومواصلة التحرك باستخدام أدوات وإجراءات السياسة النقدية المتاحة لديه لتكريس جاذبية وتنافسية العملة الوطنية كوعاء مجز وموثوق للمدخرات المحلية.
وأوضح أنه في إطار المتابعة المتواصلة لتطورات الأوضاع الاقتصادية والنقدية والمصرفية واتجاهاتها المتوقعة والمراجعة الدورية لمستجدات اتجاهات أسعار الفائدة على العملات العالمية وفي مقدمتها الدولار الأميركي إلى جانب قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في اجتماعه أول من أمس برفع أسعار الفائدة على الأموال الفيدرالية، قرر المركزي الإبقاء على سعر الخصم لديه دون تغيير.
وأضاف الهاشل أن قرار مواصلة استخدام أدوات وإجراءات السياسة النقدية المتاحة التي تشمل سندات المركزي ونظام قبول الودائع لأجل من البنوك المحلية وعمليات التورق والتدخل المباشر، إنما «يعكس حرص البنك على تعزيز أجواء تعافي معدلات النمو الاقتصادي غير التضخمي للقطاعات غير النفطية وتكريس تنافسية وجاذبية العملة الوطنية كوعاء للمدخرات المحلية باعتبارهما ثوابت راسخة للتوجهات الأساسية للسياسة النقدية».
وأفاد بأن قرار الإبقاء على سعر الخصم دون تغيير في المرحلة الحالية جاء مستندا إلى ما تشير إليه البيانات المتوافرة في شأن قدرة البنوك المحلية على استيعاب جهود المركزي لتعزيز أسعار الفائدة على الودائع بالدينار لديها في ظل الحدود القصوى القائمة حاليا لأسعار الفائدة على القروض بموجب سعر الخصم الحالي. كما أشار إلى أن قوى المنافسة بين البنوك المحلية تعمل لاستقطاب المقترضين في ضوء تواضع معدلات نمو الائتمان المصرفي المحلي المرتبط أساسا بتواضع معدلات النشاط الاقتصادي في القطاعات غير النفطية.
وذكر الهاشل أنه يستدل من البيانات المتوافرة حتى تاريخه على تمكن البنك المركزي من المحافظة على استقرار الهامش بين أسعار الفائدة على الودائع بالدينار الكويتي وأسعار الفائدة على الودائع بالدولار الأميركي مع بقاء ذلك الهامش لصالح الودائع بالدينار.
ولفت إلى تعزيز تنافسية وجاذبية العملة الوطنية واستقرار الهامش بين أسعار الفائدة على القروض بالدينار وأسعار الفائدة على الودائع بالدينار لدى البنوك المحلية عند معدلات مناسبة تتسق مع إحدى الدعامات الأساسية للاستقرار المالي في ظل ظروف المنافسة في سوق الاقتراض المحلي وتواضع معدلات نمو الإقراض مع نمو أرصدة كل من القروض والودائع بالدينار لدى البنوك المحلية.
وأوضح أن قرارات البنك المركزي في مجال السياسة النقدية بما في ذلك القرارات والإجراءات ذات الصلة بأسعار الفائدة المحلية ترتكز في أساسها على القراءة الفاحصة لأحدث البيانات والمعلومات الاقتصادية والنقدية والمصرفية المتوافرة، بما في ذلك معدلات الأداء الاقتصادي العام.
وأشار الهاشل إلى أن القرارات تستند كذلك إلى مؤشرات السيولة المحلية وحركة الودائع والائتمان المصرفي وأسعار الفائدة على الدينار الكويتي وعلى العملات الرئيسية، وفي مقدمتها الدولار الأميركي كما تشكل تلك البيانات أحد أهم الاعتبارات لتحديد مدى الحاجة لتحريك أسعار الفائدة المحلية واتجاهات حركة هذه الأسعار ومقدارها والأدوات المناسبة لتحقيقها. وأكد مواصلة نهج المتابعة اليقظة لتطورات ومستجدات الأوضاع الاقتصادية والنقدية والمصرفية طبقا لآخر البيانات المتوافرة والاستعداد للتحرك عند الحاجة لتعزيز جاذبية العملة الوطنية وتنافسيتها وتكريس الأجواء الداعمة للنمو الاقتصادي على أسس مستدامة.



الدردري لـ«الشرق الأوسط»: الاقتصاد السوري خسر 24 عاماً من التنمية البشرية إلى اليوم

TT

الدردري لـ«الشرق الأوسط»: الاقتصاد السوري خسر 24 عاماً من التنمية البشرية إلى اليوم

الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)
الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)

كشف الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية الدكتور عبد الله الدردري، أن الأمم المتحدة أعطت البرنامج الضوء الأخضر لبدء التواصل مع الحكومة المؤقتة السورية الجديدة تعزيزاً للعمل الإنساني وبدء مسار التعافي لإعادة تفعيل الاقتصاد السوري.

وقال الدردري في حديث إلى «الشرق الأوسط» بمناسبة وجوده في الرياض للمشاركة في فعاليات مؤتمر «كوب 16»، إنه وجّه مكتب البرنامج في دمشق اعتباراً من (الخميس) للتواصل مع الجهات الحكومية وبدء عملية التقييم التي تحتاج إليها البلاد.

كان نظام بشار الأسد قد ترك خلفه تحديات اقتصادية كبيرة مع انهيار شبه كامل للبنية التحتية الاقتصادية وتدمير آلاف المنازل وتشريد الملايين.

رجل سوري يتحدث عبر هاتفه المحمول وهو يقف على درج مبنى مدمَّر في مدينة حرستا شرق دمشق (أ.ب)

واستعرض الدردري الوضع الراهن في سوريا، فقال «إن تقديراتنا الأولية أن الاقتصاد السوري خسر حتى الآن 24 عاماً من التنمية البشرية، فيما سجل الناتج المحلي الإجمالي تراجعاً كبيراً من 62 مليار دولار في عام 2010 إلى 8 مليارات فقط في 2023. أما معدل الفقر، فارتفع من نحو 12 في المائة عام 2010 إلى أكثر من 90 في المائة. وبات معدل الفقر الغذائي يتجاوز 65 في المائة من السكان».

وإذ أوضح أن أمام سوريا مرحلة صعبة، قال إن تقديرات البرنامج تشير إلى أنه من أصل 5 ملايين و500 ألف وحدة سكنية، فإن نحو مليوني وحدة سكنية دمِّرت بالكامل أو جزئياً.

وعن تكلفة عملية إعادة الإعمار، أوضح الدردري أن احتساب تكلفة إعادة بناء الوحدات السكنية يحتاج إلى تحديث، كون أسعار البناء تختلف اليوم. لكنه شدد على أن أخطر ما جرى في سوريا هو الضعف المؤسساتي مقارنةً بما كان عليه الوضع قبل عام 2011، «حيث كانت هناك مؤسسات دولة قوية، فيما تراجعت بشكل كبير اليوم». من هنا، فإن تركيز برنامج الأمم المتحدة اليوم هو على الدعم المؤسساتي، «لأنه من دون مؤسسات قادرة على التخطيط والتنفيذ والمتابعة، لا توجد تنمية ولا إعادة إعمار»، كما يركز على القطاع الخاص الذي استطاع أن يصمد رغم كل الهزات، والجاهز اليوم لتلقف أي حالة من الأمن والانفتاح للعمل.

وقال: «خلال الساعات الـ48 الأخيرة، ولمجرد أن الحكومة المؤقتة أعلنت أن الاقتصاد السوري هو اقتصاد سوق حر مع بعض الإجراءات السريعة لتسيير عمل التجارة وغيرها، تحسن سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار من 30 ألف ليرة إلى 14 ألف ليرة، مما يعني تحسناً بأكثر من 50 في المائة».

رجل يعد النقود بمحطة بنزين في مدينة حلب شمال سوريا (أ.ف.ب)

ولكن كيف يرى نائب الوزراء السوري السابق للشؤون الاقتصادية بين سنوات 2006 و2011، خريطة طريق إعادة النهوض بالاقتصاد السوري؟ أجاب: «في الحقيقة، لا أرى فرقاً بين دوري في الأمم المتحدة وبين عملي سابقاً. فسوريا تحتاج إلى إصلاح حوكمي سريع وفعال، بمعنى أنها تحتاج إلى إصلاح القضاء، وتطوير المؤسسات وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات، وترسيخ القانون. كما أنها بحاجة إلى رؤية للمستقبل، وإلى حوار وطني. تحتاج إلى تحديد الوضع الراهن في المجال الاقتصادي وأين هو موقع البلاد في هذا الإطار. هي تحتاج إلى رسم سيناريوهات التعافي والنمو... وهو ما تراه الأمم المتحدة أيضاً لإعادة إحياء البلاد».

وأضاف: «سندعم كل ما من شأنه أن يجعل سوريا جاذبة للاستثمار، وإرساء منظومة لحماية اجتماعية فاعلة... فنمو اقتصادي يقوده القطاع الخاص وعدالة اجتماعية من خلال منظومات حماية اجتماعية متكاملة هما ما تحتاج إليه سوريا، وهما ما سنعمل عليه».

وعود بمساعدة غزة

وفي ما يتعلق بالوضع في غزة، قال الدردري إن التقديرات الأولية جداً تشير إلى أنها تحتاج إلى 50 مليار دولار، موضحاً أن إعادة تعويم الاقتصاد الفلسطيني إلى ما كان عليه في عام 2022، إنما يحتاج إلى معونات إنسانية تقدَّر بـ600 مليون دولار سنوياً على مدى السنوات العشر المقبلة.

فلسطينيون يتفقدون الدمار في منطقة استهدفتها غارة جوية إسرائيلية قرب مخيم النصيرات للاجئين (أ.ف.ب)

وعن الجهات المستعدة لتأمين هذه المبالغ، قال: «هناك وعود بأن المجتمع الدولي مستعد للمساعدة، ولكن إلى الآن لا شيء ملموساً».

وأضاف: «هناك حاجة ماسة إلى رفع القيود عن عمل الفلسطينيين، وعن أموال المقاصة التي يجب أن تذهب إلى السلطة الفلسطينية، وأن يُسمح للاقتصاد الفلسطيني بالاندماج».

خسائر لبنان من الحرب

وشرح الدردري أن لبنان خسر 10 في المائة من ناتجه المحلي الإجمالي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بسبب الحرب مع إسرائيل، تضاف إلى ما نسبته 35 في المائة خسارة في الناتج المحلي منذ 2019. في حين دُمر نحو 62 ألف منزل وأكثر من 5 آلاف منشأة اقتصادية.

شخصان يتعانقان على أنقاض المباني المتضررة في قرية جون بقضاء الشوف بلبنان (رويترز)

ووُضع برنامج للتعافي الاقتصادي في لبنان يعتمد بشكل أساسي على تعزيز المجتمعات المحلية والشركات الصغيرة وإعادة إحياء التمويل في لبنان، وعلى دعم البلديات التي تأثرت بشكل كبير، وعلى الجمعيات الأهلية. وتوقع أن يستعيد لبنان تعافيه مع استمرار حالة الهدوء، وذلك بفعل أهمية الدور الذي يلعبه قطاعه الخاص.