الجزائر تدافع عن إجراءاتها لحماية رموز الدولة من «الاستفزازات»

رداً على الملاحظات السلبية للمجلس الحقوقي الأممي

TT

الجزائر تدافع عن إجراءاتها لحماية رموز الدولة من «الاستفزازات»

ردت الحكومة الجزائرية على ملاحظات توصلت بها من «مجلس حقوق الإنسان» بالأمم المتحدة، حول «الإفراط في المتابعة القضائية» ضد ناشطين وصحافيين، وحتى مواطنين عاديين تعرضوا لتهمة «إهانة هيئة نظامية».
وبحسب مصادر إعلامية، فقد جاء في ردود الحكومة، أن المتابعات، التي تعد بالآلاف، «تمت لحماية رموز الدولة من الاستفزازات والتهجمات المجانية»، وعدت الأمر «بعيداً عن حرية التعبير».
وجاءت ملاحظات «مجلس حقوق الإنسان» الأممي، الخاصة بهذا الموضوع، بعد التوصل بتقارير رفعها محامون وناشطون حقوقيون إلى الهيئات الدولية، تتحدث عن «تساهل كبير في سجن أشخاص بسبب التعبير عن آرائهم بخصوص أداء مسؤولين حكوميين». علماً بأن علاقة الجزائر بتنظيمات حقوق الإنسان الدولية علاقة متوترة.
وتقول تقارير، إنه جرت إدانة آلاف الأشخاص بالسجن لمدة عامين خلال السنوات الأخيرة بسبب أفعال، كيّفها القضاء على أنها «جريمة بحق الموظفين العموميين». وبحسب القانون الجنائي الجزائري، فإن «الموظف العمومي» هو القاضي والموظف، والضابط العمومي (رئيس بلدية)، والقائد أو أحد رجال القوة العمومية (شرطة). وهذه الفئة تكون في نظر القانون «ضحية» في حال التعدي عليها بـ«القول أو الإشارة أو التهديد، أو بإرسال أو تسليم أي شيء إليهم، أو بالكتابة أو الرسم غير العلنيين أثناء تأدية وظائفهم، أو بمناسبة تأديتها؛ وذلك بقصد المساس بشرفهم، أو باعتبارهم، أو بالاحترام الواجب لسلطتهم».
ويتناول القانون أيضاً ردعاً بحق «من أساء إلى رئيس الجمهورية بعبارات تتضمن إهانة، أو سباً أو قذفاً، سواء كان ذلك عن طريق الكتابة، أو الرسم أو التصريح، أو بأي آلية لبث الصوت أو الصورة، أو بأي وسيلة إلكترونية أو معلوماتية أو إعلامية أخرى». ولا يشترط القانون جهة شاكية؛ إذ تُعهد المتابعة الجزائية «تلقائياً» للنيابة. وتتراوح العقوبة في هذه الحالة بين عام وعامين سجناً. وقد كان أشهر من وقع تحت طائلتها محمد تامالت، وهو صحافي ومدون أدانته محكمة بالعاصمة بعامين سجناً، إثر نشر قصيدة شعرية اعتبرت مسيئة لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، إضافة إلى كتابات بمدونته هاجم فيها رئيس أركان الجيش ونائب وزير الدفاع الفريق أحمد قايد صالح، ورئيس الوزراء (السابق) عبد المالك سلال وزوجته. وتوفي تامالتفي ظروف غامضة بعد ثلاثة أشهر من الإضراب عن الطعام، احتجاجاً على سجنه. كما تم سجن ناشطة حقوقية تدعى زوليخة بلعربي، بعد أن نشرت صورة ساخرة عن الرئيس بصفحتها في «فيسبوك».
ومن أحدث القضايا بهذا الخصوص متابعة المحامي المعروف نور الدين أحمين بـ«تهمة إهانة هيئة نظامية»، على إثر شكوى رفعها ضد رجال الشرطة بغرداية (600 كلم جنوب العاصمة)، تتحدث عن «تعذيب مواطن» بالمركز الأمني المحلي. وحكم عليه بالسجن بالمحكمة الابتدائية، وبعد الطعن حصل على البراءة بالدرجة الثانية من التقاضي. ولم يكن ذلك ممكناً لولا احتجاج المئات من زملائه، الذين مارسوا ضغوطاً كبيرة على جهاز القضاء لإيقاف المتابعة.
وقبل فترة، أعلنت النيابة العامة متابعة القيادي الإسلامي علي بن حاج، بحجة أنه «أهان قاضياً أثناء جلسة محاكمة». وهي حادثة شهيرة تتمثل في تدخل بن حاج خلال جلسة محاكمة أحد الإسلاميين، وصراخه في وجه القاضي مدافعاً عن الإسلاميين. وقضى بن حاج 12 سنة سجناً (1991 - 2003) لاتهامه بـ«تهديد أمن الدولة».
وشددت الحكومة من إجراءات «حماية رموز الدولة من تهجم الأشخاص»؛ وذلك في تعديل أدخلته على القانون الجنائي عام 2001، حيث استحدثت تدابير كان الصحافيون أكثر المستهدفين بها؛ لأنها جاءت في سياق نشر فضائح مدوية تورط فيها كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين في البلاد. وعلى إثرها تعرض صحافيون عدة للمتابعة، وتم إغلاق صحف عدة.



الحوثيون والرد الإسرائيلي المرتقب... حذر وترتيبات وتمسك بالتصعيد

لهب ودخان في ميناء الحديدة الخاضع للحوثيين عقب غارات إسرائيلية (رويترز)
لهب ودخان في ميناء الحديدة الخاضع للحوثيين عقب غارات إسرائيلية (رويترز)
TT

الحوثيون والرد الإسرائيلي المرتقب... حذر وترتيبات وتمسك بالتصعيد

لهب ودخان في ميناء الحديدة الخاضع للحوثيين عقب غارات إسرائيلية (رويترز)
لهب ودخان في ميناء الحديدة الخاضع للحوثيين عقب غارات إسرائيلية (رويترز)

تتمسك الجماعة الحوثية بالتصعيد ضد إسرائيل على الرغم من الضربات العنيفة التي وجهتها الأخيرة لـ«حزب الله» اللبناني، إلا أن الكثير من المؤشرات يوحي بأن الجماعة لجأت إلى المزيد من الحذر خوفاً من مواجهة المصير نفسه، مع استمرار طموحها للحصول على مكاسب من جولة الصراع الحالية في المنطقة.

وشهد الأسبوعان الماضيان؛ أي بعد مقتل أمين عام «حزب الله» اللبناني حسن نصر الله، استمرار الجماعة في إطلاق صواريخها ومسيراتها باتجاه إسرائيل، لكن على فترات متقطعة، بالتزامن مع هجماتها ضد السفن التجارية في البحر الأحمر والمحيط الهندي، في حين اكتفت إسرائيل بعملية هجومية وحيدة ضد الحوثيين.

حريق قرب تل أبيب تسبب به صاروخ تبنى الحوثيون إطلاقه منتصف سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)

وتعود آخر عملية حوثية ضد إسرائيل إلى السابع من الشهر الحالي، حين أعلنت الجماعة عن «تنفيذ عمليتين عسكريتين؛ الأولى استهدفت منطقة يافا بصاروخين باليستيين، والأخرى استهدفت منطقتي يافا وأم الرشراش بعدة طائرات مسيرة نوع (يافا) و(صماد4)»، وهو الهجوم الذي اعترفت إسرائيل بحدوثه بالتزامن مع هجمات أخرى من غزة ولبنان.

وبينما يذهب الكثير من المراقبين الغربيين، ومنهم مايك نايتس، وهو باحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إلى أن الجماعة الحوثية تبدو وكأن لا شيء قد أوقفها، يزعم الكثير من المتابعين والمراقبين لصراع المنطقة أن إيران تخلت عن أذرعها في المنطقة ضمن صفقة لتحقيق مكاسب في الملف النووي والعقوبات الاقتصادية.

وينفي الباحث الاقتصادي اليمني يوسف شمسان المقطري أن تكون هناك صفقة غربية مع إيران تلزمها بالتخلي عن أذرعها في المنطقة، ويرجح أن يكون ما يحدث لـ«حزب الله» اللبناني من ضربات عنيفة ناتجاً عن سوء تقدير إيران للموقف منذ البداية، وأن ما يجري حالياً هو مقدمة لانهيار منظومتها في المنطقة مجاناً.

وستخسر إيران بعد ذلك حتى التفاوض على ملفاتها الاقتصادية والأمنية والسياسية والنووية، بما فيها رفع العقوبات، وفقاً لما قاله المقطري لـ«الشرق الأوسط»، وبسبب خسائرها في محور المواجهة المباشرة مع إسرائيل في فلسطين ولبنان، فإنها ستبحث عن الربح في الملف اليمني الذي سيبقى عالقاً بين مطامع أميركا وتهديدات إيران، لتكون شروط التهدئة صفقة مع إسرائيل، وأخرى مع المجتمع الدولي.

عناصر من الشرطة الإسرائيلية في موقع انفجار طائرة مسيرة حوثية في يوليو الماضي (إ.ب.أ)

ويُبدي العديد من اليمنيين خشيتهم من أن تستغل الجماعة الحوثية مواجهتها مع تل أبيب لتحقيق المزيد من النفوذ، وفرض المزيد من الجبايات على السكان الذي يعيشون إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العصر الحديث، إضافة إلى انتهازها الفرصة لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين، خصوصاً من الأطفال، وفق ما دأبت عليه.

تعويض في اليمن

يرى المقطري، وهو باحث يمني متخصص في اقتصاد الحرب، أن هذه الصفقة ستسمح ببقاء الجماعة الحوثية عامل ابتزاز لدول الجوار في هذا الملف، ليدفع اليمنيون ثمن انهيار الوجود الإيراني في لبنان وسوريا، وبحث إيران عن تعويض خسائرها، والذي لن يكون متاحاً مع الانهيار الدراماتيكي المتسارع لـ«حزب الله»، والذي أفقدها قوة التفاوض في الوقت الحالي في ظل نشوة الانتصارات الإسرائيلية المتلاحقة.

ويعدّ الكثير من المتابعين الأراضي اليمنية الواقعة تحت سيطرة الجماعة الحوثية ساحة أثيرة لإيران لإعادة ترتيب وموضعة صفوف أذرعها في المنطقة، في حال استمرت مساعي إسرائيل نحو تصفية «حزب الله» وإنهاء نفوذه في لبنان.

لهب ودخان في ميناء الحديدة الخاضع للحوثيين عقب غارات إسرائيلية (رويترز)

وينبه الأكاديمي اليمني محمد الحميري، الباحث في العلاقات الدولية، إلى أن الفترات الزمنية المتباعدة بين الهجمات التي تنفذها الجماعة الحوثية ضد إسرائيل، لا تعني أنها تخلت عن المعركة؛ إذ إنها أعلنت عن مراحل متعددة ومتصاعدة من الهجمات، وتهديدها بالمزيد من المفاجآت والتصعيد.

وبحسب إجابات الحميري عن تساؤلات «الشرق الأوسط»، فإن مواجهة الجماعة الحوثية مع إسرائيل لا تقتصر على استغلال الموقف لصالحها دعائياً وإعلامياً، بل يتجاوز ذلك إلى إثبات وجودها وتعزيز نفوذها، خصوصاً أن الجماعة تثبت مع الوقت امتلاكها الكثير من القدرات التي لم تتمكن التحالفات الدولية من القضاء عليها، ما سيعزز من رغبتها في تحقيق المزيد من المكاسب.

وكان زعيم الجماعة الحوثية أعلن أن الهجوم الصاروخي الذي نفذته جماعته، منتصف الشهر الماضي، بصاروخ على تل أبيب، يأتي في إطار المرحلة الخامسة من التصعيد، متوعداً بالمزيد.

وأعلنت إسرائيل حينها عن إسقاط الصاروخ في منطقة بعيدة عن الأحياء السكنية، لكنها اعترفت بتسببه في حرائق واسعة، وتوعدت حينها على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو الجماعة بدفع «ثمن باهظ»، مذكّراً إياها بالضربات على ميناء الحديدة في 20 يوليو (تموز) الماضي.

أولويات إسرائيل

توعدت إسرائيل الجماعة الحوثية أكثر من مرة، آخرها كان بعد مقتل نصر الله والهجوم الحوثي بصاروخ باليستي استهدف عاصمتها تل أبيب، وحينها أعلن الجيش الإسرائيلي أن وقت الجماعة سيأتي، واستهدف عقب ذلك التهديد بأقل من يوم منشآت عدة تحت سيطرة الجماعة، غالبيتها ذات طابع اقتصادي مدني، مثل محطات الوقود والكهرباء.

ويتوقع المحلل السياسي اليمني فارس البيل لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية تسعى، من خلال هجماتها على إسرائيل، إلى إثبات استمرارها في معركتها المزعومة معها، بعد أن شعرت بضغوط من أنصارها نتيجة تراجع هجماتها ضد إسرائيل بعد استهداف الطيران الإسرائيلي ميناء الحديدة في يوليو الماضي، إلى جانب محاولة رد الدَّيْن لـ«حزب الله» الذي قدم لها الكثير من المساعدات والخبرات.

وينفي البيل أن تكون الجماعة الحوثية بصدد الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، لكنها في موازاة ذلك تسعى لحفظ ماء وجه محور المقاومة أمام الضربات الإسرائيلية المتواصلة.

أنصار الحوثيين في حشد بصنعاء يندد بمقتل حسن نصر الله زعيم «حزب الله» اللبناني (أ.ف.ب)

وينوه الباحث اليمني صلاح علي صلاح، إلى أن هناك فرقاً بين إعلان الجماعة عن هجماتها، واعترافات إسرائيل بهذه الهجمات؛ فالأولى تتحدث عن امتلاكها صواريخ فرط صوتية، بينما تنفي الثانية وجود هذه الصواريخ مع الجماعة الحوثية، وهو ما يوحي بدخول المواجهة مرحلة الحرب التكنولوجية.

ويرجح صلاح في إفادته لـ«الشرق الأوسط» أن يتأخر الرد الإسرائيلي على الجماعة الحوثية إلى مرحلة ما من المواجهة مع أذرع إيران في المنطقة، بحسب أولويات إسرائيل التي لن تدع هجمات الجماعة عليها تمر دون انتقام.

فبحسب صلاح، لدى إسرائيل مهام منظورة في فلسطين وغزة ولبنان، قبل الانتقال إلى تصفية الجماعات الموالية لإيران والتابعة لها في سوريا، ثم الانتقال بعد ذلك للتعامل مع مثيلاتها في العراق، قبل أن تتجه فعلياً نحو اليمن، وذلك بحسب القرب الجغرافي، ما لم يحدث ما يستدعي تغيراً في هذا النهج.

واستبعد أن تكون العمليات الحوثية مجرد استعراض فقط، بل إن الجماعة تسعى فعلاً لمساندة «حزب الله» الذي قدم لها الكثير من الخدمات على المستوى اللوجيستي والخبرات التدريبية، إلى جانب الخدمات السياسية والإعلامية، فضلاً عن إدراكها أن إضعاف «حزب الله» سيؤثر عليها بالتبعية، وأن إسرائيل ستتفرغ للانتقام منها لاحقاً.