قراءة في تاريخ الزركلي وشعره وأعلامه

بعد أربعة عقود من رحيله

خير الدين الزركلي
خير الدين الزركلي
TT
20

قراءة في تاريخ الزركلي وشعره وأعلامه

خير الدين الزركلي
خير الدين الزركلي

من أي نافذة تُطلّ على سيرة الزركلي، تجد طاقة خلّاقة؛ فالمؤرّخون يعُدّونه واحداً منهم، ومتخصّصو السّير والتراجم يصنّفون قاموس «الأعلام» كتاب القرن، ومتذوّقو الشعر يتغنّون بقصائده ورقّة معانيها وجزالة أسلوبها.
فهو الذي صاغ خرائد من عيون الشعر العربي كــ«العين بعد فراقها الوطنا، لا ساكنا أُلِفت ولا سكنا» وقصيدة «صبر العظيم على العظيم، جبار زمزم والحطيم»، لكن هذا الركن الثالث الرائع من مواهبه - وهو الشعر - بقي مظلوماً منزوياً بين التاريخ والأعلام، فما أن يرد اسم الزركلي في ملتقى عام أو خاص، حتى يتذكّره الحاضرون من خلالهما، مع أن إبداعه في الشعر أقدم.
خير الدين الزّرِكلي - بكسر الزاي والراء - بيروتي الولادة 1893 شامي الأبوين والدراسة، سعى مع آخرين في دمشق بين عامي 1912 و1920 على إصدار ثلاث صحف، ثم طارده الفرنسيّون بسبب شعره وقلمه، فنزح إلى القاهرة فالحجاز أيّام الأشراف، ثم أقام عامين في الأردن (1921 - 1923) وعمل رئيساً لديوان رئاسة مجلس الوزراء، وألّف عن ذكرياته في عمّان كتابه «عامان في عمّان 1925».
ترك السياسة ليعاود مع آخرين أيضاً، ممارسة الطباعة والصحافة في القاهرة ثم القدس حتى عام 1934، لكنه أخيراً حطّ في السعودية عصا التطواف واكتسب جنسيّتها، والتحق بالعمل الدبلوماسي ملازماً ليوسف ياسين، الذي لمع نجمه آنذاك في بلاط الملك عبد العزيز إعلاميّاً ومستشاراً سياسياً، فاتّبع خطاه في العمل بين وزارة الخارجيّة والمفوّضيّة بمصر ومندوبيّة جامعة الدول العربيّة بُعيد تأسيسها، لكنه لم يُسمَّ عضواً بين مستشاري الملك عبد العزيز، كما يُظنّ أحياناً.
وفي عهد الملك سعود، عمل لستّ سنوات سفيراً في المغرب، ثم أقام في بيروت والقاهرة، وفي الفترات الأخيرة من حياته قويت صلته بالملك فيصل فشجّعه على إصدار كتابيه «شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز 1970 والوجيز في تاريخ الملك عبد العزيز 1971»، وتوفي مستشفياً في القاهرة عام 1976 بعد عام من استشهاد الملك فيصل.
كتابه في تاريخ الملك عبد العزيز صدر في جزأين، ويُعدّ مصدراً ثريّاً بالمعلومات التاريخيّة، من مصادر تاريخ السعودية منذ تأسيسها، وفيه قدر لا بأس به من التركيز والشفافية التي انفرد بها عن غيره من المؤرّخين العرب المعاصرين.
المَلمَح الأَولَـى بالعناية في سيرته، الذي ربما امتاز به الزركلي عن بعض مجايليه من المؤرّخين، أنه كما رأينا، أدرك في شبابه فترة حكم الهاشميين والسعوديين وعمل معهم، وطاف مملكتي الحجاز وشرق الأردن في أثناء حكم الأشراف، فصدرت كتاباته عن الحكم السعودي في الحجاز، والهاشمي في الأردن عبر تلك الحقبتين عن معرفة وإدراك ومعايشة.
له بالإضافة إلى كتبه المشار إليها، ديوان شعر، ومؤلّفات أخرى مطبوعة منها كتاب «ما رأيت وما سمعت 1923 في 200 صفحة» وله أخرى مخطوطة أو مجهولة المصير، ومنها كتاب عن الملك سعود، وعن مدينة الطائف، وعن الملك حسين، وكتيّبات لا يتّسع المقام للتفصيل فيها.
صدرت عن سيرته بضعة مؤلّفات وأبحاث وأطاريح علميّة وأقيمت عنه ندوات، تناولت مسيرة حياته وجهوده وتراثه، وتلمّس فيها النقّاد بعض الهنات في قاموس الأعلام الشهير ذي الأجزاء الثمانية، ولكن تقريضهم له كان إيجابيّاً بعامة، وحاكاه آخرون ساروا على منواله في استكمال تراجم الأعلام المتوفّين، فدأب الباحث الأردني أحمد العلاونة المقيم في إربد، على إصدار «ذيل الأعلام» ويعكف هذا العام على إصدار الجزء السادس منه، ويُحمد للعلاونة تتبّعه لكل ما ألّـفه الزركلي، وما كُتب عنه.
وسار المصنّف السوري المقيم في الرياض محمد خير رمضان يوسف، في تتبّع منهاج الزركلي فأصدر «تتمّة الأعلام» في ثلاثة أجزاء.
واليوم، وبعد أن تعدّى رحيله أربعين عاماً، فالسعودية وقد أطلقت اسمه على شارعين في الرياض وجدة، مدعوَة مؤسّساتها الثقافيّة لأن تُقيم للزِّرِكلي حلَقة علميّة تتناول تاريخه وتراثه، ومُعجم الأعلام الذي يوصف بكتاب القرن، وأمضى في جمعه ستّين عاماً، واستحقّ به مؤلّفه لقب «عَلَم الأعلام».
* إعلامي وباحث سعودي



حملة موسعة من «الموسيقيين» المصرية ضد «تجاوزات» أغاني المهرجانات

عصام صاصا (حسابه بموقع فيسبوك)
عصام صاصا (حسابه بموقع فيسبوك)
TT
20

حملة موسعة من «الموسيقيين» المصرية ضد «تجاوزات» أغاني المهرجانات

عصام صاصا (حسابه بموقع فيسبوك)
عصام صاصا (حسابه بموقع فيسبوك)

قامت «نقابة الموسيقيين» المصرية خلال الأيام القليلة الماضية بحملة موسعة ضد «تجاوزات» أغنيات المهرجانات بالحفلات والإصدارات الخاصة، خصوصاً بعد رصد ومتابعة عدد منها، وبدأت الحملة بمؤدي المهرجانات حمو بيكا، بعد تداول فيديو منسوب له عبر مواقع «سوشيالية»، وهو يغني كلمات اعتبرها البعض غير لائقة، بل وتسيء لإحدى مؤسسات الدولة.

ووفق بيان لـ«نقابة الموسيقيين»، فإن بيكا الذي يمارس نشاطه الفني كأحد حاملي تصريح شعبة «الأداء الصوتي»، تم إيقاف تصريحه وتحويله للشؤون القانونية للتحقيق العاجل، وذلك على خلفية ظهوره بإحدى الحفلات وغنائه كلمات لا تليق، كما شددت النقابة في بيانها على أنها لن تتهاون تجاه أي تجاوز أو إساءة، لا سيما فيما يتعلق بالثوابت المجتمعية أو مؤسسات الدولة.

ولم يتوقف الأمر عند بيكا، الذي دافع عن نفسه عبر حسابه الرسمي بموقع «فيسبوك»، عقب قرار إيقافه، متذرعاً بأن الأغنية موال قديم، وأنه لم يقصد الإساءة، وأوضح خلال منشوره أن «الكثير من المطربين يقومون بغناء هذه الأغنية في حفلاتهم»، واستشهد بفيديوهات لبعض منهم، من بينهم المطرب الشعبي رضا البحراوي.

بدورها أعلنت النقابة، في بيان رسمي، التحقيق مع المطرب الشعبي رضا البحراوي بعد الاطلاع على الفيديو المنسوب إليه أثناء غنائه الكلمات نفسها التي قدمها بيكا في إحدى حفلاته، حيث أكد الدكتور محمد عبد الله، المتحدث الإعلامي لـ«نقابة الموسيقيين»، بأن النقابة لن تتهاون مع أي تجاوز.

حمو بيكا (حسابه بموقع فيسبوك)
حمو بيكا (حسابه بموقع فيسبوك)

وأوضح عبد الله، في بيان، أن عدم إيقاف البحراوي عن العمل أسوة بإيقاف حمو بيكا، يعود لكون الإيقاف عقوبة في حد ذاته، ولا يجوز توقيع عقوبة من دون تحقيق، طبقاً لنص المادة 12 من اللائحة التنفيذية لقانون النقابات الفنية الثلاث، الذي ينص على أنه يحق لمجلس النقابة إيقاف عضوية المنتسب في أي وقت، بينما لم تنص على إحالته للتحقيق، لكن في حالة العضو العامل فالقانون يشترط إحالته للتحقيق أولاً.

وبجانب بيكا والبحراوي، أعلنت «نقابة الموسيقيين»، مؤخراً التحقيق مع مؤدي المهرجانات عصام صاصا، بعد انتقادات واسعة طالت بعض أعماله الأخيرة، ورصد تجاوزات في كلمات أغنياته، ومن بينها أغنية «محكمة ودخلنا على المفرمة»، التي طرحها صاصا عبر قناته الرسمية بموقع «يوتيوب»، وحققت أكثر من 12 مليون مشاهدة خلال أسبوعين.

من جانبه، قال الناقد الفني المصري طارق الشناوي، تعليقاً على تجاوزات بعض مؤدي المهرجانات: «لا يمكن لأحد الدفاع عن الخطأ بأي شكل من الأشكال، ومن أخطأ فعليه تحمل نتيجة ذلك»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»، أن «التعميم بارتكاب إساءات أو تجاوزات على كل مطربي المهرجانات لا يجوز، خصوصاً أن ثقافة البعض منهم محدودة، ولا يعلمون جيداً خطورة ما يقدمون، وبرغم ذلك فإن الجهل بالشيء لا يمنع من العقوبة».

رضا البحراوي (حسابه بموقع فيسبوك)
رضا البحراوي (حسابه بموقع فيسبوك)

وتطرق الشناوي إلى وقائع قديمة، قائلاً: «إن محمد عبد الوهاب وأم كلثوم تعرضا لاتهامات من إحدى المؤسسات الدينية بسبب كلمات أغنياتهم؛ لذلك فإن الخطأ لا يقتصر على مؤدي المهرجانات أو المطربين الشعبيين فقط، لكن ربما يكون هناك غيرهم؛ لذلك فمن يتجاوز في أعماله يجب محاسبته ومعاقبته، من دون وصم فئة بعينها».

وبعيداً عن الغناء، تحفظت الأجهزة الأمنية بمصر على حمو بيكا قبل أشهر عدة؛ بتهمة «حيازة سلاح أبيض»، و«الهروب من تنفيذ أحكام قضائية»، إلا أنه خرج بعد قضاء العقوبة في فبراير (شباط) الماضي، بينما قضى عصام صاصا فترة حبسه 6 أشهر مع الشغل في واقعة قيادة سيارة تحت تأثير المخدرات.