«حرائق داخليّة»... صراعات الهوية عند مسلمي الغرب... و«التطرف»

كاملة شمسي فازت بـ«جائزة الكتابة النسائيّة» 2018

كاملة شمسي  -  غلاف الرواية
كاملة شمسي - غلاف الرواية
TT

«حرائق داخليّة»... صراعات الهوية عند مسلمي الغرب... و«التطرف»

كاملة شمسي  -  غلاف الرواية
كاملة شمسي - غلاف الرواية

عندما شرعت سارة ساند في تعليل قرار لجنة تحكيم جائزة الكتابة النسائيّة للرّواية منح جائزتها العام 2018 للبريطانيّة الباكستانيّة الأصل كاملة شمسي عن آخر أعمالها «حرائق داخليّة Home Fire» لم تجد بُداً من القول بأن اللجنة اختارت في النهاية «رواية تصف الأزمنة التي نعيشها» حيث قضايا الهويّة، وتعارُض الولاءات، والعلاقة بالآخر تكاد تحتكر فضاء النقاش العام في المجتمعات الغربيّة. فالرّواية الفائزة التي تستوحي ثيمة مسرحيّة «أنتيغون» للإغريقي سوفوكليس تطرح جدليّات المشاعر المتناقضة التي يجد الأوروبيّون المسلمون المعاصرون أنفسهم داخلها عندما تدفعهم الأحداث السياسيّة في صراع بين هوياتهم الموروثة عن أسرهم وتلك التي اكتسبوها بحكم عيشهم في أجواء ثقافة الغرب.
الذين يعرفون شمسي يدركون أنها ربما كتبت رواية خياليّة عن هذه الأجواء الملتبسة، لكنّها بالتأكيد حاكت قماشة «حرائق داخليّة» من ذاتها الفرديّة وتجربتها الشخصيّة ومناخات مجتمعها الإنجليزي، وهي التي نشأت كباكستانيّة مسلمة تكتب وتفكّر باللغة الإنجليزيّة في كراتشي، وتنحدر من أسرة كانت لها علاقات وثيقة بالثقافة الغربيّة عبر عدة أجيال، بينما حصّلت دراستها الجامعيّة وصنعت خبرتها الروائيّة في الغرب (بين الولايات المتحدة وبريطانيا)، واكتسبت الجنسيّة البريطانيّة عام 2007. وللحقيقة فإن البعض وصفها بـ«شمسي المتنبئة»، إذ إن إحدى الشخصيات الخمس الرئيسة في روايتها الفائزة، هو ابن مسلم بريطاني من أصل باكستاني صنع نفسه في عالم الأعمال قبل أن يتولى منصب وزير الداخليّة عن حزب المحافظين، وهو الأمر الذي تحقق حرفيّاً بعد أشهر قليلة بتولي البريطاني الباكستاني الأصل ساجد جافيد حقيبة داخليّة حكومة تيريزا ماي.
رئيسة لجنة التحكيم أكّدت أن رواية «حرائق داخليّة» لم تُمنح الجائزة لقوّة ثيمتها المرتبطة بهموم معاصرة في زمن صعود الشعبويات وانفلات موجات العداء للآخر فحسب، وإنما أيضاً لمتانة شكلها الأدبي ونجاحها في تقديم نص روائي نسوي متماسك عن تداخل الحبّ في السياسة، والتاريخ في الواقع، والفرد في المنظومة. وهي نجحت بالفعل في استلهام المعضلة التي تطرحها مسرحيّة سوفوكليس المعروفة من دون السقوط في فخ العبوديّة التامة للنص الكلاسيكي أو الارتطام بفخ الميلودراما والإثارة، ولذلك لا يستبعد كثيرون أن تنتهي الرواية الفائزة كمسلسل درامي تلفزيوني سيحظى بالتأكيد بمتابعة جمهور واسع.
وجاءت ولادة «حرائق داخليّة» كمسرحيّة بناءً على طلب أحد منتجي المسرح اللندني من شمسي استيحاء أنتيغون –النموذج الأدبي الكلاسيكي لتعارُض الولاءات– بهدف خلق عمل معاصر عن صراع الهويّة عند مسلمي أوروبا. لكنها انتهت بالنص إلى مساحة الرواية، معتبرة أنها في داخلها «روائيّة وإن كانت لديها القدرة على الاستمتاع بمشاهدة تحليق الممثلين على الخشبة». وبالفعل فإنها نشرت من قبل ست روايات ناجحة أولاها «مدينة بجوار البحر» قبل أن تتجاوز الـ25 من عمرها، ورُشِّح بعضها لجوائز أدبيّة مرموقة وحصلت على أرفع التكريمات الأدبيّة في بلدها الأم باكستان، وقد باعت أعمالها -بالإنجليزية وترجماتها إلى لغات عدّة- ملايين من النسخ حول العالم (تُرجمت إحداها إلى العربيّة وصدرت بعنوان «ظلال محترقة»).
الشخصيات الخمس الرئيسة في «حرائق داخليّة» مسلمة بحكم النشأة لكنّ كلاً منها تتشرب الدين بطريقة متفاوتة رغم أن ثلاثاً منها تنتمي إلى ذات العائلة. وتتمحور مناخات الرواية حول شاب مسلم بريطاني اكتشف أن والده، الذي تطوع في ما يسمى «الجهاد» في الشيشان وأفغانستان، توفي في أثناء نقله بين سجن باغرام وسجن غوانتانامو فيستجيب منصاعاً كردّة فعل للانتماء إلى تنظيم داعش والخدمة في ذراعه الإعلامية. وتتنازع انفعالات شقيقتيه على قراره بين اللامبالاة والتعاطف الإنساني لدرجة أن الأخت الصغرى تدخل في علاقة عاطفيّة مع ابن وزير الداخليّة المسلم لإحساسها بأنه ربما يكون الفرصة الوحيدة لاستعادة أخيها من براثن التطرف.
وتتوالى الأحداث من خلال سرديات خمس مختلفة لذات الوقائع وفق رؤية الشخصيات، وتتوزع على فضاء جغرافي معادل لخبرة شمسي بالعيش المتناثر بين الولايات المتحدة وبريطانيا وباكستان.
تأتي «حرائق داخلية» كابنة شرعيّة لزمن لم يعد فيه المهاجرون إلى أوروبا يعامَلون كأتراك في ألمانيا أو باكستانيين في بريطانيا أو مغاربة في إسبانيا، بل هم اليوم في نظر كثير من الأوروبيين مجرد مسلمين لا فرق بينهم –حتى ولو كانوا مسيحيين أو من أتباع ديانات أخرى– وأنهم يسرقون لقمة عيش أصحاب البلاد الأصليين، ويريدون كسر قيم المجتمع الغربي واستبدال حكم الشريعة بها. وهذه الهويّة الجديدة، النقيض لكل ما يراه الأوروبي هويته الذاتيّة، والمفروضة على اللاجئين من الشرق الأوسط دون تفريق -وما ينشأ عنها من جدل وحروب ثقافيّة صارت في السنوات الأخيرة موضوع الانقسام المجتمعي على حساب المسائل الاقتصاديّة والطبقيّة والاجتماعيّة، وتسببت في صعود تيارات يمينيّة شعبوية داخل عديدِ دول أوروبيّة أمسكت بتلابيب السلطة وكانت وراء تصويت البريطانيين على الخروج من الاتحاد الأوروبي.
ربما لا تقّدم شمسي في روايتها إجابات محددة لطرفي مجتمعها –البريطاني الغربي والباكستاني المسلم– عمّا ينبغي عمله للتعامل مع صدام الهويات هذا، وليست تلك بالتأكيد غاية الأدب، لكنّها تتحدى أنماط التفكير البليدة المسيطرة على كثير من الأفراد وتسهّل مهمة تقبلهم للأفكار الشعبوية المسمومة. مع ذلك فإنها لا توافق على تصنيف روايتها بالعمل المسيّس وإنما تراها نصاً حميماً حول ما يمكن أن تفعله السياسة بمشاعر البشر وفهمهم لمكانهم في العالم وحتى أقدارهم ومآلاتهم.
تفوقت شمسي في «حرائق داخليّة» على أكثر من 200 عمل رُشِّح لنيل جائزة الكتابة النسائيّة التي تُمنح سنوياً منذ عام 1996 من قبل لجنة تحكيم مختارة لأفضل رواية صدرت حديثاً في العالم كتبتها امرأة باللغة الإنجليزيّة، وتعد أهم الجوائز الأدبيّة المخصصة للمبدعات النساء في العالم الأنغلوفوني. وقد وصلت روايات ست منهن إلى قائمة قصيرة تنافست في ما بينها على الفوز باللقب إضافة إلى تمثال برونزي تكريمي وثلاثين ألف جنيه إسترليني نقداً. وكانت الروائيّة البريطانيّة المعروفة كاتي موس قد أطلقت الجائزة المقتصرة على الروائيات النساء قبل عقدين تقريباً رداً على ما اعتبرته وقتها تحيّزاً ضدهن في جائزة «مان بوكر» البريطانيّة للرّوايات التي تغلب عليها عادةً أسماء ذكورّية. وللإشارة فإن الجائزة -التي عُرفت سابقاً باسم «أورانج» وكذلك «بيليز» على أسماء مموليها- ساهمت على نحو ملموس في تحسين أرقام مبيع روايات خَطَّتْها أنامل نسوية، وصعّدت أسماء مغمورة إلى سماوات الألق الأدبيّ، وتحوّل كثير من الروايات الفائزة إلى أعمال تلفزيونيّة وسينمائيّة. وقد توافق الإعلان عن فوز شمسي -صاحبة الصوت العالي في دعم قضايا المرأة- مع أسبوع شهد جدلاً واسعاً في الأجواء الأدبيّة البريطانيّة بعدما اتهمت مؤلفةٌ معروفة جائزة «وودهاوس» لروايات الكوميكس المصورة، بالانحياز ضد الكاتبات ومنحها قيمة أعلى لما تخطه أقلام زملائهن الرجال، الأمر الذي سهّل مهمة رئيسة لجنة التحكيم -في مؤتمرها الصحافي للإعلان عن رواية العام الفائزة- الدّفاع عن استمرار الحاجة إلى منح جوائز أدبيّة تقتصر على جنس دون الآخر.



«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)
الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)
TT

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)
الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية»، التي تمنحها القناة التابعة للمجموعة السعودية للأبحاث والإعلام «SRMG»، بالتعاون مع «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي 2024»، وذلك خلال حفل أُقيم بمنطقة «البلد» في جدة.

وتدور أحداث الفيلم حول 4 صحافيّين مكسيكيّين، يخاطرون بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» العنيفة في بلادهم. وتأتي الجائزة ضمن التزام القناة بدعم صناعة الأفلام، وتعزيز المواهب الناشئة في الوثائقيات، وتسليط الضوء على الجهود المستمرة لتوفير منصّة تفاعلية لعرض القصص.

وشهدت هذه النسخة مشاركة واسعة ومتنوعة شملت أفلام «يلّا باركور» للمخرجة عريب زعيتر (الأردن)، و«مركب فرسان: 128 كيلو عن بر الأمان» لموفق العبيد (السعودية)، و«ماي واي» لليزا أزويلوس وتيري تيستون (فرنسا - أميركا)، و«حالة من الصمت» لسانتياغو مازا (المكسيك)، و«لوميير السينما (تستمر المغامرة)» لتيري فريمو (فرنسا)، و«توليف وحكايات على ضفاف البوسفور» لزينة صفير (مصر - لبنان - تركيا)، و«عندما يشع الضوء» لريان البشري (السعودية) ، ضمن فئة الأفلام القصيرة.

محمد اليوسي يُتوّج المخرج سانتياغو مازا بالجائزة (الشرق الأوسط)

من جانبه، قال محمد اليوسي، المدير العام لقناتي «الشرق الوثائقية» و«الشرق ديسكفري»، إن الجائزة «تعكس التزامنا الراسخ بدعم المواهب، وتقديم محتوى أصلي وحصري لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، مهنّئاً المخرج سانتياغو مازا على فيلمه الوثائقي المميز.

بدورها، ثمّنت شيفاني باندايا مالهوترا، المديرة الإدارية للمهرجان، الشراكة الاستراتيجية مع «الشرق الوثائقية» لتقديم جائزتها للعام الثاني على التوالي، مبيّنة أن هذه المبادرة «تجسّد التزامنا الراسخ بدعم صُنّاع الأفلام الموهوبين، وتوفير منصّة رائدة لعرض أعمالهم وإبداعاتهم للعالم أجمع».

وتقدم «الشرق الوثائقية» أفلاماً تتناول مواضيع عدة، تتنوّع بين السياسة والاقتصاد والأعمال والتاريخ، وتستعرض رؤًى فريدة وتحليلات ثاقبة حول آخر التوجهات والأحداث والشخصيات المؤثرة التي تشكل عالم اليوم.

وبفضل قدراتها الإنتاجية الداخلية، تبثّ القناة مجموعة برامج تتسلل إلى عمق الأخبار وعناوين الصحف، وتوفّر تحليلات جريئة وشاملة. ويُمكن مشاهدة محتواها من خلال البثّ التلفزيوني، والمباشر عبر الإنترنت، وخدمة الفيديو عند الطلب عبر «الشرق NOW»، وحساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي.