«الغربان»... تحولات المجتمع التونسي بعد «ثورة الياسمين»

رحيل الروائي الساخر حسين الواد عن 85 عاماً

حسين الواد وغلاف روايته الأخيرة
حسين الواد وغلاف روايته الأخيرة
TT

«الغربان»... تحولات المجتمع التونسي بعد «ثورة الياسمين»

حسين الواد وغلاف روايته الأخيرة
حسين الواد وغلاف روايته الأخيرة

رحل أخيراً في السعودية الروائي والباحث حسين الواد عن 70 سنة بعد معاناته من وعكة صحية. والراحل من مواليد مدينة المكنين في تونس حائز على شهادة دكتوراه في الآداب من جامعة تونس. عميد لكلية الآداب والعلوم الإنسانية في القيروان وأمين عام للجنة الوطنية التونسية لدى اليونسكو والألكسو والإيسيسكو. له عدة مؤلفات في الأدب العربي، ونشر مجموعة روايات، آخرها ثلاثية «روائح المدينة». حائز على جائزة الكومار الذهبي للرواية العربية، ونال جائزة توفيق بكار عن مجمل أعماله في آخر معرض للكتاب في تونس هذا العام.
هذه قراءة في روايته الأخيرة:
يواصل الأكاديمي والروائي التونسي حسين الواد في أعماله كتابة تاريخ تونس عبر «روائح مدينته»، فبعد «روائح المدينة» في جزئها الأول الذي تناول فيه أجواء وحيثيات وأحداث تونس في الفترة الاستعمارية الفرنسية عبر الروائح المختلفة المنبعثة من المدينة، من روائح الياسمين إلى روائح المزابل مروراً بروائح لأطباق طعام شعبية وسواها.
في الجزء الثاني المكمل للأول انتقل الواد إلى مرحلة الاستقلال وركز اهتمامه على مرحلة ما بعد البورقيبية وما أصاب تونس من حالة متردية من الفساد والتسلط والمحسوبيات وانعدام القانون والمحاسبة، وخصوصاً لأعوان السلطة والمقربين والأقرباء من العائلتين الحاكمتين اللتين قام أفرادهما بالنهب المنظم للدولة ولبعض أملاك الشعب، دون ذكرهما بالاسم.
في «الغربان» التي ظهرت أخيراً عن «دار الجنوب»، وتم نشرها في معرض كتاب تونس الأخير، يرسم الكاتب صورة قاتمة لتونس التي فجرت شرارة الربيع العربي ثورة لم تكن بالحسبان أشعلها بائع الخضار محمد البوعزيزي بإحراق نفسه في سيدي بوزيد.
الراوي في هذه الرواية الطويلة (400 صفحة)، التي هي أقرب إلى سيرة ذاتية، هو «سي حميدة» المتقمص شخصية الكاتب، فهو عاش طفولة بائسة مع والدين متخاصمين انتهيا بالطلاق والزواج سريعاً كل من جانبه، فاضطر الطفل إلى العيش مع جده «في قرية على بعد بضعة كيلومترات من مدينته» يذرعها ذهاباً وإياباً يومياً للالتحاق بمدرسته. يقول: «جدي شحيح، فاسد الطوية، قبيح الوجه... ما تزوج امرأة إلا سارع عزرائيل إلى قبض روحها... عشت محروماً من معظم ما يسعد أترابي فكنت دائم الكدر». في مرحلة الإعدادي يحصل الطفل على إقامة في «مبيت التضامن الاجتماعي» وعمل في المعتمدية يدون فيها بيانات مختلفة في وقت كان فيه المتعلمون في البلد يعدون على الأصابع. كان يتردد على مكتبة عامة للتزود بالكتب فتعرف على «فيلسوف الشراسة» - كما كان يسميه الذي كان خير معين له في التعرف على الكتب القيمة، ثم جاء من يدعوه للانخراط في «التعاضدية» (تجربة اقتصادية اشتراكية قادها أحمد بن صالح خلال الستينات)، واضطر فيما بعد للهرب إلى الجزائر ومنها إلى باريس بعد فشل السياسة التعاضدية وانقلاب السلطة على بن صالح.
في باريس «هذه المدينة العجيبة»، يتقلب حميدة الشاب في الأعمال الوضيعة طلباً للعيش، ثم يتعرف على فتاة فرنسية يقطن معها في منزلها ويرزق منها مولودة - غير شرعية - ويفترقا بعد سنوات قضياها في تصادم مستمر بسبب الاختلاف الديني والثقافي والطبقي.
يعود سي حميدة وحيداً إلى تونس بعد أن احتفظت صديقته بابنتهما. وبدأ يعيش أجواء ما قبل الثورة؛ روائح الفساد، والتسلط، والتمرد تحت الرماد، وظاهرة التدين تتفشى كالحبر في الماء: «أعرف جيداً أهل هذه المدينة وأعرف جيداً أنهم كانوا، دائماً، يسرحون، في المنكر والمكروه والمحظور حتى إذا ما أدركوا الأربعين شرعوا في التردد على المساجد ليغسلوا، حسبهم، أنفسهم مما كانوا قد لوثوها به. أما هذه اللهفة على التظاهر بالتدين والتلويح بما يحملونه عنه من أفكار فشيء جديد، طال بي الاستغراب من (روائح الجنة) كيف هبت على مدينتنا عاصفة بالجميع بما في ذلك الشبان... أصبح المار بالطرقات... يشم ألواناً من الروائح لم تعهد أو تعرف بمدينتنا». تونس لم تعد كما كانت، الشباب الصاعد يطالب بالشغل والحرية والكرامة، حتى إذا اندلعت الشرارة الأولى هدرت الجموع في «دوار الجرة» بصوت واحد: «ارحل».
ينتقل سي حميدة يومياً من مكان إلى آخر يخالط الحلاق، وصاحب المكتبة، والعطار، وبائع الإطارات، والجزار، والمهندس المعماري، وعالم الاجتماع... عينة من المجتمع تعكس الجو العام في البلد عبر الحوارات ونشر الشائعات والأخبار. يعود «سي حميدة» إلى منزله منهكاً ليجد زوجته التونسية، التي يأسف أنها لا تجاريه ثقافة ولا علماً، قد طردت من عملها ليحل محلها أحد مقربي المتنفذين الجدد، الذين يصفهم الكاتب بـ«الملتحين» أو بصفة منحوتة من الإخوان «المتخونجين»، وكل من ركب موجة الإسلام السياسي.
كانت الأحزاب السياسية قد انتشرت كالفطريات بعد المطر: «انتشر فيروس تكوين الأحزاب في بلادنا رامياً بروائح غاية في العفن... الروائح هي هي زفرة... كثير من الأسماء، حتى باتت البلاد ترزح تحت أكثر من مائتي حزب تتهيأ جميعها للانتخابات: التعبئة للانتخابات بدأت ترسل روائح شبيهة بروائح البصل الخامج والكراث العفن»... «عمت النتونة كل شيء، تسربت إلى الأرواح، حتى العصافير التي كانت ببعض الأشجار سارعت بالفرار». التحولات التي طرأت على المجتمع التونسي تدعو للعجب، وتسبب صداعاً فكرياً في رأس سي حميدة؛ صعود العمليات الإرهابية والتطرف، وركوب موجة «التخونج»، وعمليات التهريب بكل أشكاله، وفتاوى غريبة كفتوى جهاد النكاح، وحرق مقامات بعض الأولياء، وفرض محرمات جديدة، وفصل الإناث عن الذكور، وتدمير البنوك الربوية، وإبطال العمل بقانون الأحوال الشخصية: «ما هذا الدين الجديد الذي خرج به علينا هؤلاء؟ كل شيء حرام أو مكروه».
ولم يصدق سي حميدة عينيه عندما حضر رجل ملتحٍ وشابة محجبة إلى منزله واكتشف أنها ابنته «غير الشرعية» كلارا التي أبلغته أن اسمها بات أم إسلام، وزوجها أبو أيوب، باتريك سابقاً: «شعرتُ كمن صب علي سطل ماء بارد».
ومع موجة الاغتيالات السياسية التي أقامت الدنيا في تونس، تم اغتيال السسولج صديق سي حميدة الحميم الذي لمواقفه المناهضة للملتحين، فيصاب في حالة من الهلوسات تعود به إلى ماضيه القديم عبر كوابيس لا تنتهي.
ونعرف من الزوجة فيما بعد أنه انتهى في مستشفى الرازي للأمراض العقلية.
هذه الرواية الطويلة (يشعر القارئ في بعض سردها الطويل كأنه يقرأ خبراً صحافياً بتفصيل ممل) قسمها حسين الواد إلى 3 أجزاء، وكل جزء مقسم إلى مقاطع وكل مقطع تتخلله عناوين فرعية تذكر بمقالات مطولة في صحافة الستينات والسبعينات.
رواية رغم متانة أسلوب الكاتب اللغوي وسرده للوقائع بتسلسل زمني ككتابة تحقيق، فإنها تفتقر لعنصر التشويق، فالقارئ المتابع لما جرى في تونس يعرف سلفاً عما سيتحدث الكاتب عنه في صفحات لاحقة حسب التسلسل الزمني للأحداث. ويتخلل النص بعض الكلمات المألوفة في تونس، لكن يصعب فهمها من قبل قارئ عربي عادي غير ملم خصوصاً باللغة الفرنسية.



انطلاق المؤتمر العالمي لـ«موهبة» لتعزيز التعاون الإبداعي لـ«جودة الحياة»

المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)
المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)
TT

انطلاق المؤتمر العالمي لـ«موهبة» لتعزيز التعاون الإبداعي لـ«جودة الحياة»

المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)
المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)

انطلقت فعاليات النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع بعنوان «عقول مبدعة بلا حدود» في العاصمة السعودية الرياض، الأحد، الذي يجمع نخبةً من الخبراء والموهوبين في مجالات العلوم والتقنية والابتكار، ويشارك فيه أكثر من 300 موهوب ومتحدثون محليون ودوليون من أكثر من 50 دولةً، وذلك برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز. ونيابة عنه، افتتح الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، فعاليات المؤتمر العالمي والمعرض المصاحب للمؤتمر الذي تنظمه مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع «موهبة»، في مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية «كابسارك» بالعاصمة السعودية، وشهد توقيع عدد من الاتفاقيات بين «موهبة» وعدد من الجهات.

أمير الرياض خلال افتتاحه فعاليات المؤتمر العالمي والمعرض المصاحب للمؤتمر (واس)

ورفع أمين عام «موهبة» المكلف الدكتور خالد الشريف، كلمة رفع فيها الشكر لخادم الحرمين الشريفين على رعايته للمؤتمر، ودعمه المستمر لكل ما يُعزز ريادة السعودية في إطلاق المبادرات النوعية التي تمثل قيمة مضافة لمستقبل الإنسانية، مثمناً حضور وتشريف أمير منطقة الرياض لحفل الافتتاح.

وقال الدكتور الشريف: «إن قيادة السعودية تؤمن بأهمية الاستثمار برعاية الموهوبين والمبدعين باعتبارهم الركيزة الأساسية لازدهار الأوطان والطاقة الكامنة التي تصنع آفاقاً مستقبلية لخدمة البشرية»، مشيراً إلى أن العالم شاهد على الحراك الشامل لمنظومة تنمية القدرات البشرية في المملكة لبناء قدرات الإنسان والاستثمار في إمكاناته، في ظل «رؤية السعودية 2030»، بقيادة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي رئيس لجنة برنامج تنمية القدرات البشرية.

وأكد الدكتور الشريف أن هذا الحراك يواكب ما يزخر به وطننا من طاقات بشرية شابة موهوبة ومبدعة في شتى المجالات، يتجاوز إبداعها حدود بلادنا ليصل إلى العالمية، وهو ما مكن المملكة من أن تصبح حاضنة لألمع العقول العالمية الموهوبة والمبدعة، وحاضرة إنسانية واقتصادية واعدة بمستقبل زاهر ينعكس على العالم أجمع.

وأوضح أن المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع بنسخته الثالثة يشكّل منصةً ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم، لتستلهم معاً حلولاً مبتكرة تعزز جودة الحياة في مجتمعاتنا، وتبرز الفرص، وتعزز التعاون الإبداعي بين الشعوب.

انعقاد هذا المؤتمر يتزامن مع احتفالية مؤسسة «موهبة» بيوبيلها الفضي (واس)

ولفت النظر إلى أن انعقاد هذا المؤتمر يتزامن مع احتفالية مؤسسة «موهبة» بيوبيلها الفضي؛ حيث أمضت 25 عاماً في دعم الرؤى بعيدة المدى للموهبة والإبداع، وباتت مشاركاً رئيسياً في المنظومة الداعمة لاكتشاف ورعاية الطاقات الشابة الموهوبة والمبدعة، بمنهجية تُعد الأكثر شمولاً على مستوى العالم لرعاية الأداء العالي والإبداع.

عقب ذلك شاهد أمير منطقة الرياض والحضور عرضاً مرئياً بمناسبة اليوبيل الفضي لإنشائها، وإنجازاتها الوطنية خلال الـ25 عاماً الماضية، ثم دشن «استراتيجية موهبة 2030» وهويتها المؤسسية الجديدة، كما دشن منصة «موهبة ميتا مايندز» (M3)، وهي منصة عالمية مصممة لربط ودعم وتمكين الأفراد الموهوبين في البيئات الأكاديمية أو قطاعات الأعمال، إلى جانب تدشين الموقع الإلكتروني الجديد لـ«موهبة»، الذي تواصل المؤسسة من خلاله تقديم خدماتها لجميع مستفيديها من الموهوبين وأولياء الأمور.

ويهدف المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع إلى إظهار إمكانات الموهوبين، وتطوير نظام رعاية شامل ومتكامل للموهوبين، وتعزيز التكامل والشراكات الاستراتيجية، وتحسين وتعزيز فرص التبادل والتعاون الدولي، ويشتمل المؤتمر على 6 جلساتٍ حوارية، و8 ورش عمل، وكرياثون الإبداع بمساراته الـ4، ومتحدثين رئيسيين؛ حيث يسعى المشاركون فيها إلى إيجاد الحلول الإبداعية المبتكرة للتحديات المعاصرة، إلى جانب فعاليات مصاحبة، تشمل معرضاً وزياراتٍ ثقافيةً متنوعةً على هامش المؤتمر.