تعديل جديد ينتظر الحكومة المغربية بعد استقالة وزير

الداودي أول ضحايا حملة المقاطعة مع دخولها شهرها الثالث

TT

تعديل جديد ينتظر الحكومة المغربية بعد استقالة وزير

طلب لحسن الداودي، وزير الشؤون العامة والحكامة المغربي، إعفاءه من منصبه، وذلك على خلفية الضجة التي أثارتها مشاركته، مساء الثلاثاء، في وقفة احتجاجية، نظمها عمال شركة إنتاج الحليب المشمولة بالمقاطعة أمام مقر البرلمان بالرباط.
وأعلن حزب العدالة والتنمية، متزعم الائتلاف الحكومي، في بيان عقب اجتماع استثنائي عقدته أمانته العامة برئاسة سعد الدين العثماني، الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة، لمناقشة تداعيات خروج الداودي في تلك المظاهرة، أن مشاركته في وقفة احتجاجية أمام البرلمان «تقدير مجانب للصواب وتصرُّف غير مناسب».
وأعربت الأمانة العامة للحزب عن «تقديرها لتحمل الداودي المسؤولية بطلب الإعفاء من مهمته الوزارية»، مشددة في الوقت ذاته على «رفضها لبعض التصريحات والتدوينات غير المنضبطة لقواعد وأخلاقيات حرية التعبير، الصادرة عن بعض مناضلي الحزب والمسيئة له».
وقال سليمان العمراني، نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، أمس، إن طلب الداودي إعفاءه من مهامه الوزارية «يحمل رسالة تخليقية عالية، جدير بالفاعلين السياسيين أن يلتقطوها، وهي أن يتحمل المرء المسؤولية نتيجة تصرفاته. لكن أن ينتبه أيضاً إلى حسن تقدير أي خطوات يقدم عليها»، معتبرا أن «السياسة لا تستقيم بالتلقائية أو العفوية، التي قد تكون مكلفة أحيانا ليس للشخص ذاته فحسب، ولكن أيضاً لعائلته السياسية».
كما أكد العمراني أن «تفاعل الأمانة العامة مع طلب الداودي كان إيجابيا، وقد تلقيناه بتقدير».
وعن الأجواء التي مر فيها اجتماع الأمانة العامة الاستثنائي للحزب، أكد نائب الأمين العام، أن اللقاء «مر في أجواء إيجابية وأخوية عالية، رغم طبيعة الموضوع المطروح»، مشيرا إلى أن «الأمانة العامة أحاطت بمختلف جوانب الموضوع، وتوقفت عند السياق السياسي والاجتماعي الذي تعرفه بلادنا، ومن ثم كانت مواقفها التي عبرت عنها في البيان بكل مسؤولية وتجرد».
وخلافا لما ذهب إليه بعض المحللين من أن الداودي لم يحترم الإجراءات التي ينص عليها الدستور في حالات طلب الإعفاء من المهام الوزارية، قال العمراني إن «الأمر الآن بيد رئيس الحكومة ليقوم بالإجراءات المتعينة، وفقا لما نص عليه الدستور». في إشارة إلى أن العثماني سيطلب من الملك إعفاء الداودي.
وينص الدستور المغربي في الفصل 47 على أن «للملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضواً، أو أكثر، من أعضاء الحكومة من مهامهم، ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم الفردية أو الجماعية».
في السياق ذاته، قال عبد العالي حامي الدين، القيادي في حزب العدالة والتنمية، تعليقاً على طلب الداودي إعفاءه من منصبه الحكومي، إن الداودي «لا يؤدي ثمن مشاركته مجموعة من العمال وقفة احتجاجية أمام البرلمان، وإنما يؤدي ثمن اختيارات سياسية معينة، أسهمت في خلق أجواء سياسية مطبوعة بالقلق والتوتر».
وأوضح حامي الدين في تدوينة أن اختيارات حزب العدالة والتنمية «ينبغي تقييمها بما يلزم من شجاعة ومسؤولية، وقدرة على النقد الذاتي»، معتبراً أن «طريقة إدارة موضوع المقاطعة من طرف الداودي، وخطابه حولها، لم تكن موفقة... ومن باب الإنصاف ينبغي القول إنها امتداد للطريقة التي أدارت بها الحكومة هذا الموضوع منذ اليوم الأول، وقد كانت هناك تصريحات أخرى لأعضاء الحكومة تنقصها اللياقة، وحسن التعبير»، في إشارة إلى محمد بوسعيد، وزير الاقتصاد والمالية، الذي كان قد وصف المقاطعين بـ«المداويخ».
يذكر أنه في حالة جرت الموافقة على استقالة الداودي ستكون أول استقالة لوزير في حكومة العثماني تحت ضغط الرأي العام. وهو ما يذكر بحالات مماثلة جرت في عهد حكومة عبد الإله ابن كيران السابقة، حيث اضطر أربعة وزراء للاستقالة نتيجة الضجة التي أثيرت حولهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وهم عبد العظيم الكروج وزير الوظيفة العمومية السابق، الذي ارتبط اسمه بـ«فضيحة الشوكولاته»، بعدما كشفت صحيفة مغربية أنه اشترى كمية كبيرة من الشوكولاته لحفل عائلي على حساب الوزارة، ثم محمد أوزين وزير الشباب والرياضة السابق، الذي طلب إعفاءه من منصبه بعد أن تعرض إلى وابل من الانتقادات إثر غرق ملعب الأمير مولاي عبد الله في الرباط بمياه الأمطار خلال تنظيم كأس العالم للأندية نهاية سنة 2014.
والوزيران ينتميان إلى حزب الحركة الشعبية. أما الحالة الرابعة فهي مختلفة ولا تتعلق بتقصير في الأداء، بل بقصة حب جمعت بينهما دفعا ثمنها بالتخلي عن منصبهما الحكومي، ويتعلق الأمر بالحبيب الشوباني وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني السابق، وسمية بنخلدون الوزيرة السابقة المنتدبة في التعليم العالي والبحث العلمي، المنتميين لحزب العدالة والتنمية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.