طقوس «الزار» لم تندثر في الأقصر وأسوان

أفادت دراسة مصرية، بأن فنون الزار وطقوسه الأسطورية، لم تندثر بعد، وتجري ممارستها بمعرفة النساء حتى اليوم في مدن مثل الأقصر وأسوان.
وقالت دراسة حديثة أجراها مركز الأقصر للدراسات والحوار والتنمية، إن «الزار سيبقى في صعيد مصر ما بقيت النساء».
ويعد الزار أحد أبرز الموروثات الثقافية والشعبية الضاربة بجذورها في الذاكرة المصرية، وهو فن يأبى الأفول رغم كل مظاهر الحداثة التي انتشرت في الريف والقرى والنجوع، لكنه ربما قد توارى عن الأعين.
وبحسب الدراسة، التي أشرفت عليها الباحثة المصرية أسماء مناع، فإن الذهاب إلى جلسات الزار، باتت تتم في سرية، وبعيداً عن أعين عائلات النساء اللاتي يتسللن إلى منازل يمارس فيها الزار، في مناطق معروفة في مدينة مثل الأقصر، وقرب معابد الفراعنة، كما يمارس في مدن وقرى محافظة أسوان.
وتقول الدراسة، إن النساء اللاتي يتعرضن لأمراض غامضة، وبخاصة النساء كبيرات السن، يضطررن إلى الرقص على أنغام موسيقى وأغنيات لا وجود لها سوى في طقوس الزار، وذلك في ظل بحثهن عن علاج لما أصابهن من مرض لم يتمكن الأطباء من علاجهن منه.
وسجلت الدراسة شهادات لسيدات روين مشاهداتهن حول الزار، مثل السيدة فاطمة، التي تنتمي إلى إحدى قرى غرب الأقصر، في صعيد مصر، التي قالت إنها كانت تذهب مرافقةً لجارة لها إلى منزل في شرق المدينة، تقف أمامه العشرات من النساء، اللاتي أتين خصيصاً للمشاركة في حفلات الزار.
وتضيف، إنها تذكر تفاصيل الكثير من الحفلات التي كانت تقام في القرى، حيث كان يجري الإعداد والدعوة لها مبكراً. وكانت تتجمع النساء، في منزل صاحبة الدعوة لإقامة حفل الزار؛ انتظاراً لقدوم إحدى فرق الزار، حيث كان هناك فرقتان تتمتعان بشهرة واسعة بين محبي ورواد حفلات الزار، وهما فرقة «الست أم جاد»، وفرقة «الست فتحية»، لكن أم جاد كانت الأكثر قبولاً.
وأشارت الدراسة إلى أن حفلات الزار التي كانت تقام في القرى، بعيداً عن المقر الدائم لفرق الزار، كانت تستمر ليل نهار، وكانت بمثابة فرح كبير، ويتوافد عليها النساء من القرى المجاورة كافة.
وتقول الدراسة، إن الإقبال على حفلات الزار لا يزال مستمراً حتى اليوم، لكن لم تعد تقام تلك الحفلات إلا في منزلين فقط في شرق مدينة الأقصر، وكذلك في منازل تخصصت النساء فيها على إقامة حفلات الزار لمن يرغب من النساء الأسوانيات.
وبحسب الدراسة، فإن النساء يرتدين في حفلات الزار، ثياباً بيضاء، ويطلقن شعورهن، ويتخلصن من الكثير من القيود المجتمعية، داخل الحفل الذي يقتصر على النساء فقط.
وطبقاً للدراسة، فإن بعض النساء ينتظرن دورهن في الرقص، ويخترن أغنية معينة للرقص عليها، وبعض النساء يجدن أنفسهن قد اندمجن في الرقص بشكل عفوي، ما أن تستمتع لأغنية بعينها.
ويتم ترتيب دور النساء بحسب أسبقية الوصول والحجز، ومن طقوس الزار ذبح دجاجة بيضاء لكل سيدة تقوم بالرقص للتخلص ربما من الروح الشريرة، أو التقرب لـ«الأسياد»، بحسب قول بعض النساء، اللاتي يعتقدن في السحر وأعمال الدجل والشعوذة.
ومن الأدوار أو الأغنيات التي ترددها النساء على وقع ضربات الدفوف، في حفلات الزار حتى اليوم، أغنية «خلينا صابرين يا قلبي»، وأغنية «يا حمام الأحباب يا حمام الأحباب.. فاتونا وسكنوا التراب»، وأغنية «اسم الله عليكي يا مخلوعة».
كما تأتي بعض النساء بوجبات من الطعام، يجري توزيعها على الحضور، على سبيل التبرك، مثل «المخروط المسقي باللبن» (وهو يصنع من فطائر رقيقة يجري تقطيعها بشكل معين)، ويطلق على حفلات الزار بعض الأسماء التي تختلف من مدينة لأخرى، مثل «الدقة» و«الميدان» بجانب كلمة الزار.
وبحسب الدراسة، فإن بعض طقوس الزار، تقترب في تفاصيلها الأسطورية، من الحفلات الطقسية التي كانت تقام بالمعابد المصرية القديمة.
يذكر أن الزار كان طقساً شبه يومي في حياة كثير من النساء المصريات، وبخاصة في المناطق الشعبية، وقد بات الزار فناً يقوم باحثون متخصصون بدراسة عوالمه وطقوسه وأساطيره، وجذوره، والأداء الحركي لرقصاته.
وقد شغل الزار الكثير من أطياف الفنانين والأدباء والباحثين في شؤون التراث والفلكلور الشعبي، وتم تناوله في الأعمال السينمائية، واستوحى كثير من الفنانين التشكيليين، بعض أعمالهم ولوحاتهم من عوالمه الغامضة، مثل الفنان الدكتور عادل ثروت الذي أقام في عام 2014، معرضاً تحت عنوان «الزار»، كما ظهرت بعض الفرق المصرية الحديثة، التي تخصصت في إحياء فنون الزار وأغانيه، مثل فرقة مزاهر.
كما لفت الزار أنظار الكثير من المؤرخين والرحالة الأجانب، مثل الكاتبة البريطانية لوسي داف جوردون، التي عاشت في مصر خلال القرن التاسع عشر، ودوّنت في كتابها «رسائل من مصر» مشاهداتها عن الزار في الأقصر وأسوان.
وأوضحت وكالة الأنباء الألمانية، أن الباحثين يرجعون بتاريخ الزار إلى عصور الفراعنة، منذ أن حلّت روح خبيثة بجسد الأميرة «بختن»، وأن محاولات جرت لإخراج الروح الشريرة من جسد الأميرة، لكن الروح الشريرة لم تخرج؛ مما جعل الإله «خنسو»، أحد آلهة ثالوث طيبة المقدس، يذهب إلى جسد الأميرة الأسيرة لطرد الروح الخبيثة منها باستخدام السحر، وخرجت الروح الشريرة بعد أن لبى الإله خنسو مطلبها بإقامة حفل صاخب لها وتقديم الهدايا والقرابين بين يديها.