أفلام المرأة العربية... ليست غائبة ولا غالبة في السينما

من «زهرة الصبار» لهالة القوصي
من «زهرة الصبار» لهالة القوصي
TT

أفلام المرأة العربية... ليست غائبة ولا غالبة في السينما

من «زهرة الصبار» لهالة القوصي
من «زهرة الصبار» لهالة القوصي

عددياً، ما زالت السينما العربية (كسواها) تعتمد حكايات أبطالها رجال أكثر مما توفر أفلاماً من بطولات نسائية. الفارق بين كم كل فئة ملحوظ وإن كان في الوقت نفسه يوفر قاعدة لا بأس بها من الأعمال التي تضطلع ببطولتها شخصيات نسائية.
وعلى سبيل المثال، فإن معظم ما تم تحقيقه من أفلام حول الحربين السورية والعراقية يحفل بشخصيات ذكورية وليست إنثوية. وهذا على امتداد الصنفين التسجيلي والروائي. الأفلام المنتجة التي تتحدث عن مهاجرين يعانون شظف الحياة وآلام الهجرة تتمحور حول الفرد الرجل أو العائلة برمّـتها. تلك التي تقع في رحى الحرب ذاتها غالباً ما تروي تجارب رجالية. المرأة غائبة على نحو شبه كامل.
ربما ذلك طبيعي. الحرب يخوضها الرجال أما النساء والأطفال فهم، غالباً، ضحايا أو يجلسون في الملاجئ اتقاء لشر القتال. بالتالي أفلام الميادين والوقائع الحربية هي عن هؤلاء المحاربين كما عن المدن المدمّرة كما الحال في «مطر حمص» و«آخر رجال حلب» من بين أخرى. «حول الآباء والأبناء» لطارق دركي الذي يدور حول الجماعات المتشددة يدور، كما يشي عنوانه، بالرجال والأولاد الذكور أساساً. باقي العائلة في الخلفية.
- رجال ونساء
ليس أن قضايا المرأة غائبة، بل هي ما زالت غير غالبة. فمن بين 229 فيلماً عربياً شوهد خلال الأعوام الثلاثة الماضية أحصيت 183 فيلماً رجالياً وعائلياً عامّـاً مقابل 46 فيلماً تدور حول المرأة أو حول مجموعة من النساء في الأساس.
هنا يجب التأكيد على أن الجنس البشري ليس ضرورياً لجعل أفلام المرأة أفضل من أفلام الرجل أو العكس. كذلك من الضروري الإيضاح أن ما يمكن اعتباره فيلماً من بطولة المرأة عليه أن يتعامل مع خصوصياتها وملامحها الأنثوية بحيث إن الدور الذي تؤديه على الشاشة لا يمكن لرجل تأديته إلا من خلال تغيير شامل لكل عناصر الفيلم الدرامية الأخرى.
في حالات، فإن المرأة موجودة، لكن من خلال حركة جماعية لشخصيات رجالية ونسائية مختلفة كما الحال في «يوم الستات» لكاملة أبو ذكري (مصر) مثلاً. هذا الفيلم حمل عنواناً نسائياً ومشاهد كثيرة لبطلاته (إلهام شاهين، هالة صدقي، نيللي كريم من بين أخريات) لكن حديثه كان جماعياً بوجود شخصيات رجالية أمامية أيضاً (مثل محمود حميدة وفاروق الفيشاوي وأحمد الفيشاوي).
هذا المنحى يسير في مواجهة منحى آخر قاده، في مصر، في السنوات الأخيرة عدد كبير من الأفلام التي أحسنت التوجه صوب مشكلات المرأة الاجتماعية والعاطفية. تلك المتصلة بالمحيط كما بالداخل النفسي. أفلام مثل «فتاة المصنع»، الذي هو الفيلم ما قبل الأخير للراحل محمد خان لجانب «باب الوداع» لكريم حنفي و«أخضر يابس» لمحمد حمّـاد و«زهرة الصبّـار» لهالة القوصي وفرت ذلك التناول الفعلي لما يعنيه أن تكون المرأة أنثى مصرية في هذا الحين من التاريخ.
«أخضر بابس»، على سبيل المثال، دراما رائعة التنفيذ حول الشقيقة الكبرى (من بين اثنين) التي ترعى مصالح شقيقتها وقد اقترب موعد عرسها وتعمل في محل حلويات وتمضي الوقت في الانتقال من مشكلات البيت لمشكلات الحياة خارجه. في كل هذا تمضي الأيام وتدرك البطلة أنها ضحت بسعادتها لأجل سعادة سواها، وأن القطار الموعود قد فاتها.
في فيلم محمد خان هي فتاة تتمنى أن يحبها أحد، لكنها لن تعرف طعم الحب بينما هي منغمسة في إشكالاته وعزوف من اعتقدت أنه سيبادلها الحب وتعاني من وضع أسري جانح.
ولعل «باب الوداع» لكريم حنفي ما زال منذ تاريخ عروضه (2015) من أكثر الأفلام شاعرية في تناوله. من مشهد لآخر، يدلف المخرج كريم حنفي حكايته غير المسرودة حكائياً حول ثلاث شخصيات، هي الابن والأم والجدة. هو فيلم بلا حوار. هناك أصوات تأتي من الراديو القديم (قرآن كريم وأغانٍ من الخمسينات) وتعليق مسموع، ومؤثرات خافتة. لكن هذه الأصوات ليست بدورها مهيمنة. الفيلم يتّـخذها للمساعدة على ردم الفواصل أو ما تيسر له منها. البطولة هي للبصريات. لتلك المشاهد المشكّـلة جيّـداً. للكاميرا، محمولة حيناً وثابتة في أحيان أكثر، وهي تؤطّـر الجميع وتضفي ظلالها المستنتج من التصوير بالأبيض والأسود. حكاية ثلاثة أجيال، كل بمعزل عن الآخر (غالباً) ولكل مساحته الزمنية لكي يعيش على الشاشة مجبولاً بحب الآخر وذكراه. يميل السرد إلى البطء، خصوصاً في ثلثيه، ثم يتسارع الإيقاع قليلاً بسبب تقصير مدى عرض اللقطات الطويلة على الشاشة. عوض مشهد يأخذ خمس دقائق أو أكثر، يكتفي المشهد الوارد في النهايات بدقيقة أو دقيقتين.
- هجرة من باريس وإليها
خارج السينما المصرية هناك عدد كبير آخر من الأفلام العربية التي تناولت مثل هذه القضايا على نحو أو آخر. «زهرة حلب» للتونسي رضا الباهي عن الأم التي تهرع وراء ابنها الذي انضم إلى المقاتلين المتشددين في سوريا. «على كف عفريت» لكوثر بنت هنية (تونس) حكاية واقعية حول فتاة قام رجلا بوليس باغتصابها ولم تنصفها العدالة. هذا أفضل من فيلمها التسجيلي «زينب تكره الثلج» الذي صوّر تأقلم فتاة تونسية هاجرت وأمها (بعد ممانعة شديدة) إلى كندا التي كرهت ثلوجها ثم باتت الآن تكره أن تفارقها.
عندما عاد الناصر خمير إلى تحقيق أفلام طويلة اختار حكاية امرأة تبحث عن تاريخ والدتها في صحارى تونس. «همس الرمال» أريد له أن يكون استشرافاً آخر من استشرافات المخرج حول الماضي وحكاياته وأساطيره، لكنه حقق من النجاح في ذلك أقل مما حققته أفلامه السابقة.
السينما اللبنانية انغمست في هذا المضمار بدورها. في «إنها الحرب في سوريا التي قتلتها» لكارين وهبة بحث عن فتاة سورية مختفية. «يا عمري» مقابلة يقوم بها مخرج الفيلم هادي زكاك مع جدته. وفي بحث مستجد يقوم به مخرجو ومخرجات السينما اللبنانية عن الهويّة الوطنية والإنسانية والفردية الضائعة، نجد فيلمين مهمين في هذا النحو يتشابهان بعض الشيء من حيث علاقة بطلتيهما بالهجرة. إلى باريس في أحد هذين الفيلمين ومن باريس في الفيلم الآخر.
في «باريسية» لدانيال عربيد هو أفضل أفلامها الطويلة (وآخرها حتى الآن) حكاية فتاة لبنانية اسمها لينا كرم (منال عيسى) كانت غادرت لبنان والتحقت بعمّـتها (دارينا الجندي) التي تعيش في باريس، سنة 1993، زوج عمّـتها سيمون (وليد زعيتر) يتحرّش بها فتترك البيت باحثة عن مأوى. مشكلاتها الأخرى تشمل اضطرارها للعمل من دون رخصة والتعرف على رجلين تركاها بعد حين ورفض السلطات طلبها لإقامة دائمة. لينا، تريد أن تعيش وتنتمي إلى فرنسا وليس إلى لبنانها الذي، عندما تعود إليه في مشاهد قليلة، تدرك كم كانت على حق بالابتعاد عنه. في تلك المشاهد يموت والدها. لا تظهر المخرجة وجه الأب، لكنها تظهر حب لينا له. موته هو موت الوطن بأسره، وها هي ستترك والدتها وأقربائها وتعود إلى البلد الذي سيمنحها عيشاً عاطفياً واجتماعياً أفضل.
الثاني أفضل منه إخراجاً فيلم حققته جيهان شعيب بعنوان «روحي» (حمل تسويقياً عنوان Go Home). تضع المخرجة في فيلمها الأول هذا بطلتها في محوره وتجعل الجميع بمن فيهم المشاهدون، يدورون حولها. لقد عادت بعد غربة طويلة. تركت لبنان صغيرة وعادت شابة تجر تلك الحقيبة الصغيرة لتجد بيت الأهل في قرية قرب مدينة عاليه خاو ومهجور. تدخله كما لو كانت تدخل أتون متحف عابق ومهجور.
الأفلام النسائية تمتد لتشمل أعمالاً من المغرب والإمارات العربية المتحدة (غالبها من إخراج نجوم الغانم) وسوريا والعراق (ولو على نحو محدود). لكن ما لم يطرح بعد هو أكثر مما تناولته الشاشة في هذا النطاق.

- عروض جديدة
Hereditary
• تشويق من المفارقات التي تجمع بين الكشف عن الأسرار القديمة والشخصيات الحالية المشدودة، رغماً عنها، إليها. غبريال بيرن أفضل ممثلي هذا الفيلم.
Ocean‪’‬s 8
• نسخة نسائية من حكايات سلسلة «أوشن» من بطولة ساندرا بولوك وكايت بلانشيت وآن هاذاواي وأخريات يقمن بسرقة متجر مجوهرات بنجاح لا بد منه.
Fort Maria
• دراما جادة حول أربع شخصيات نسائية تتشاركن الحياة في منزل صغير ومتواضع في إحدى بلدات ولاية كنتاكي. تم تصويره بالأبيض والأسود جيداً.
Cameron‪:‬ Flamenco and Revolution
• تسجيلي يتابع حياة المغني الإسباني أليكسس مورانتي الذي برز كاسم لامع بين أترابه في السبعينات والذي وُصف بأنه «أعظم مغني الفلامنكو».


مقالات ذات صلة

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز