اليمن: الميليشيات تكلف معمميها بإقناع عناصرها بعدم الفرار

وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني يزور جبهة ميدي بمحافظة حجة أمس الثلاثاء (وكالة الأنباء اليمنية)
وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني يزور جبهة ميدي بمحافظة حجة أمس الثلاثاء (وكالة الأنباء اليمنية)
TT

اليمن: الميليشيات تكلف معمميها بإقناع عناصرها بعدم الفرار

وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني يزور جبهة ميدي بمحافظة حجة أمس الثلاثاء (وكالة الأنباء اليمنية)
وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني يزور جبهة ميدي بمحافظة حجة أمس الثلاثاء (وكالة الأنباء اليمنية)

على وقع حالة الهلع المستمرة لدى الميليشيات الحوثية في صنعاء والمحافظات الخاضعة لها، بسبب الانحسار المتواصل لنفوذها الجغرافي، لجأت إلى تكثيف الخطاب الطائفي وحشد معمميها لإلقاء الفتاوى على عناصرها في جبهات الساحل الغربي، من أجل حضهم على الاستماتة في القتال وإقناعهم بأن الانسحاب أو الهرب من المعارك يعد خروجاً عن الدين.
وفي الوقت الذي استمرت فيه حملات الاعتقال في أوساط الناشطين والرافضين للوجود الحوثي الانقلابي، صعّدت الميليشيات من تحركاتها الميدانية لدى زعماء القبائل في صنعاء وعمران وذمار وحجة لإجبارهم على الزج بأتباعهم نحو المعارك المشتعلة في الساحل الغربي وعلى أبواب الحديدة؛ تنفيذاً لأوامر زعيمها الحوثي.
وأفادت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» بأن الجماعة الحوثية حشدت العشرات من معمميها الطائفيين، خلال الأيام الماضية نحو الساحل الغربي، من أجل إلقاء الفتاوى على عناصر الجماعة وحضهم على الثبات وعدم الانهيار، وتحذيرهم من العقوبة الإلهية في حال قرروا الانسحاب أو الفرار.
ويرجّح مراقبون أن هذه الإجراء الحوثي بخصوص توظيف الخطاب الطائفي،، هدفه الحد من حالات الفرار الجماعي في أوساط المجندين الذين كانت دفعت بهم الجماعة إلى جبهات القتال بعد أن أغرتهم بالمال ووعدتهم بالانتصار المحتوم. كما استمرت الجماعة الحوثية في إحياء عشرات الأمسيات الطائفية في المدن والقرى الخاضعة لها، تحت عناوين متعددة هدفها التأثير على المواطنين ودفعهم إلى الالتحاق بصفوفها في جبهات القتال.
وأرغمت الميليشيات في محافظة عمران (شمال غربي صنعاء) عدداً من زعماء القبائل الخاضعين لها تحت وطأة الوعيد والتهديد على حشد أتباعهم للتوجه نحو الساحل الغربي، في حين رفض أغلب زعماء القبائل مساندة الجماعة في مسعاها رغم التهديدات. وبحسب مصادر قبلية تحدثت إلى «الشرق الأوسط» نجحت الميليشيات في الاستعانة بعدد من القيادات التي بدّلت ولاءها السابق لحزب «المؤتمر الشعبي» وأصبحت تدور في فلك المشروع الحوثي، على حشد 150 مسلحاً من مديرية عيال سريح في محافظة عمران، كما نجح القيادي الحوثي فارس الحباري، الذي عينته الميليشيات محافظاً لريمة، في حشد عدد مماثل من قبيلة أرحب التي ينتمي إليها. كما أفادت مصادر في حزب «المؤتمر» أن عدداً من زعماء القبائل في عمران من أمثال علي حميد جليدان، ومبخوت المشرقي، رفضوا الانصياع لتوجيهات الجماعة، وأبلغوها أن باستطاعتها أن تحشد في مناطقهم، لكن دون الاستعانة بهم في الضغط على أتباعهم من أجل الذهاب إلى الجبهات.
وفي حين كانت الميليشيات الحوثية لجأت إلى محاولة استقطاب زعماء القبائل، عبر تعيينهم أعضاء في النسخة الحوثية من مجلس الشورى في صنعاء، استدعى رئيس مجلس حكمها الانقلابي مهدي المشاط، عدداً من زعماء القبائل وأبلغهم بأن زعيم الجماعة أمر بالتنكيل بكل من يرفض المشاركة في رفد الجبهات بالمال والمقاتلين.
وزعمت المصادر الرسمية للجماعة أن المشاط «التقى الزعيم القبلي يحيى عائض الذي وصفته بأنه أحد كبار مشايخ همدان بمحافظة صنعاء»، وأنه ناقش معه «الجوانب المتعلقة بالتحشيد والتعبئة لدعم الجبهات بالرجال والمال والعتاد».
وواكبت عمليات التحشيد، إقدام الجماعة على إرسال وفود من عناصرها الطائفيين، إلى عدد من مديريات محافظة إب، من أجل الضغط على أقارب المغتربين في الخارج لإقناع ذويهم في بلدان الاغتراب بإرسال تبرعات مالية لصالح دعم الجبهات الحوثية.
إلى ذلك، ذكرت لـ«الشرق الأوسط» مصادر مطلعة في أروقة حكم الميليشيات في صنعاء، أن المشاط، استدعى وزير عدله الطائفي، أحمد عقبات، وأمره بتفعيل المحاكم والنيابات الخاضعة للجماعة في صنعاء وبقية المحافظات، من أجل التسريع بإصدار أحكام إعدام باطلة بحق المئات من المعتقلين في سجون الجماعة. ونسبت الميليشيات إلى العشرات ممن اختطفتهم في الأيام الأخيرة تهماً بمساندة الحكومة الشرعية والتحالف الداعم لها، ومحاولة التمرد على حكم الجماعة، وبث الإشاعات المناهضة لها، وتقديم معلومات ترصد تحركات قادتها، إلى جانب، اتهامهم بالتحريض في مناطقهم على الانضمام لقوات الجيش الوطني، والتخطيط لانتفاضات شعبية.
وبحسب تقارير حقوقية وحزبية، كثفت الميليشيات في الأسابيع الأخيرة حملات الاعتقال في صفوف عناصر حزب «المؤتمر الشعبي» على خلفية اتهامهم بالتنسيق مع القوات التي يقودها طارق صالح في الساحل الغربي، من أجل رصد الميليشيات ومواقعها وتحركات قياداتها في صنعاء. وأقدمت الجماعة الحوثية، بحسب شهادات محلية لمواطنين في محافظة الحديدة على اقتياد العشرات من المعتقلين في المحافظة إلى صنعاء، للتنكيل بهم في السجون السرية للميليشيات التي وجهت لهم تهماً بالتواصل مع قوات الشرعية والمقاومة والتنسيق مع تحالف دعم الشرعية.
وفي سياق أعمال القمع وجباية الإتاوات والأموال من المواطنين، كشف موظفون عاملون في القطاع المالي، تحت سلطة الجماعة الحوثية، أنهم تلقوا تعليمات من قادة الميليشيات بإعداد لوائح مستقلة بأسماء السكان الذين يرفضون دفع زكاة الفطر، التي حددتها بمبلغ 300 ريال (ثلاثة أرباع الدولار) على كل مواطن، في مسعى يرجح أنه لاتخاذ إجراءات عقابية بحقهم.
ولا يملك أغلب السكان في مناطق سيطرة الميليشيات أي مصدر للدخل بعد أن فقدوا وظائفهم، وامتنعت الجماعة عن صرف رواتب العاملين منهم في القطاع الحكومي، منذ أكثر من 19 شهراً، إلا أن عناصر الجماعة يحاولون أن يجمعوا منهم تحت مسمى «زكاة الفطر» عشرات المليارات، إلى جانب الأموال الضخمة التي تحاول الميليشيات جبايتها تحت مسمى «زكاة التجارة والزراعة والمواشي والمدخرات المالية».
وتراهن الميليشيات الحوثية على منطق القوة والبطش والترويع من أجل فرض إجراءاتها القمعية، كما تراهن على خضوع السكان الذين انصرفوا أخيراً إلى مطاردة لقمة العيش وانشغلوا عن مجابهة تغول الجماعة الذي تتعاظم قسوته في وجوههم كل يوم دون أن يجدوا حيلة للقضاء عليه.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
TT

الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)

تعليقاً على الخطبة الأخيرة لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، والتي حاول فيها ترهيب اليمنيين من الانتفاضة ضد انقلاب جماعته على غرار ما حدث في سوريا، بشّر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني باقتراب ساعة الخلاص من طغيان الانقلابيين في بلاده، وقال إن تلك الخطبة تؤكد أن الرجل «يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، ولا يرى ما يحدث حوله».

وكان الحوثي حاول في أحدث خطبه، الخميس الماضي، أن يطمئن جماعته بأن الوضع في اليمن يختلف عن الوضع السوري، مراهناً على التسليح الإيراني، وعلى عدد المجندين الذين استقطبتهم جماعته خلال الأشهر الماضية تحت مزاعم محاربة أميركا وإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

وقال الإرياني في تصريح رسمي: «إن المدعو عبد الملك الحوثي خرج من كهفه بخطاب باهت، مرتبك ومتشنج، في محاولة بائسة لترهيب اليمنيين، وتصوير ميليشياته الإيرانية كقوة لا تُقهر».

وأضاف أن تلك الخطبة «تؤكد مرة أخرى أن زعيم الميليشيا الحوثية يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، لا يرى ما يحدث من حوله، ولا يدرك حجم الزلزال الذي ضرب المنطقة وأدى إلى سقوط المشروع التوسعي الإيراني، الذي سُخرت له على مدار أربعة عقود الإمكانات البشرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية والدينية، وارتداداته القادمة على اليمن بكل تأكيد».

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى أن الحوثي بدلاً من الاعتراف بأخطائه وخطاياه، والاعتذار والبحث عن مخرج له ولعصاباته، خرج ليهدد اليمنيين مجدداً بسفك دمائهم، مُكرراً مفردات التهديد والتخويف التي سبق أن استخدمها حسن نصر الله زعيم «حزب الله» ضد اللبنانيين والقوى السياسية اللبنانية.

وتساءل الإرياني بالقول: «ألم يردد حسن نصر الله، زعيم ميليشيا (حزب الله)، نفس الكلمات والوعيد؟ أين هو اليوم؟ وأين تلك (القوة العظيمة) التي وعد بها؟».

خطاب بائس

تحدث وزير الإعلام اليمني عن اقتراب ساعة الخلاص من الانقلاب، ووصف الخطاب الحوثي بـ«البائس»، وقال إنه يعكس واقعاً متجذراً في عقلية التطرف والعنف التي يُروج لها محور طهران، ويُظهر مدى تماهي الحوثي مع المشروع الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة، وأضاف: «إن ما يمر به الحوثي اليوم هو مجرد صدى لما مر به نصر الله وغيره من زعماء الميليشيات المدعومة من إيران».

مسلح حوثي خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

ونوّه الإرياني إلى أن البعض كان ينتظر من زعيم الميليشيا الحوثية، بعد سقوط المحور الفارسي والهزيمة المُذلة لإيران في سوريا، التي كانت تمثل العمود الفقري لمشروعها التوسعي في المنطقة، و«حزب الله» خط دفاعها الأول، أن يخرج بخطاب عقلاني يعتذر فيه لليمنيين عن الانقلاب الذي أشعل نار الحرب، وعن نهر الدماء والدمار والخراب الذي خلّفه، وعن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحقهم على مدى السنوات الماضية.

وتابع الوزير اليمني بالقول: «على عبد الملك الحوثي أن يعلم أن ساعة الخلاص قد اقتربت، فقد بات اليمنيون الذين عانوا الويلات منذ عقد من الزمان، وسُفكت دماؤهم ونهبت أموالهم، وهُتكت أعراضهم، وشهدوا بأم أعينهم أسوأ أنواع التعذيب والانتهاكات في المعتقلات السرية، أكثر إصراراً من أي وقت مضى على تحرير وطنهم من قبضة ميليشياته الفاشية، ولن يفوتوا هذه اللحظة التاريخية، وسيبذلون الغالي والنفيس لتحرير وطنهم والحفاظ على هويتهم الوطنية والعربية».

مفاجآت سارة

أكد الإرياني أن المستقبل يحمل النصر لليمنيين، وأن الأيام «حبلى بالمفاجآت السارة» - وفق تعبيره - وأن مصير الميليشيات الحوثية لن يكون مختلفاً عن باقي الميليشيات الإيرانية في المنطقة. وشدد الوزير على أن اليمن لن يكون إلا جزءاً من محيطه العربي، وسيظل يقاوم ويواجه الظلم والطغيان والتسلط حتى يستعيد حريته وسيادته، مهما كلف ذلك من تضحيات.

اليمنيون يأملون سقوطاً قريباً لانقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران (إ.ب.أ)

وأضاف الوزير بالقول: «الشعب اليمني، الذي دفع ولا يزال أثماناً باهظة في معركة البقاء، لن يتوانى عن دفع المزيد من التضحيات لإعادة وطنه حراً مستقلاً خالياً من النفوذ الإيراني التخريبي، وتحقيق النصر والتحرر والكرامة».

يشار إلى أن الأحداث المتسارعة في سوريا التي قادت إلى سقوط نظام بشار الأسد فتحت باب التطلّعات في اليمن نحو سيناريو مشابه يقود إلى إنهاء انقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران بأقل التكاليف، خصوصاً بعد الضربات التي تلقتها طهران في لبنان، وصولاً إلى طي صفحة هيمنتها على دمشق.