ما هي معايير القوة في العلاقات الدولية المعاصرة؟

العولمة ونهاية عهد ثنائية القطب فرضتا قراءة جديدة لمفهومها

ما هي معايير القوة في العلاقات الدولية المعاصرة؟
TT

ما هي معايير القوة في العلاقات الدولية المعاصرة؟

ما هي معايير القوة في العلاقات الدولية المعاصرة؟

تفرض القوة منطقها على منحنيات الصعود والهبوط في العالم، وتتعدد أشكالها، ما بين النعومة والخشونة، والبطش، لكن مفهوم القوة يبرز بحساسية شديدة في فضاء العلاقات الدولية، وذلك لأهميتها كعلاقات مركبة وحاكمة لإشكاليات كثيرة تؤثر تأثيراً مباشراً على الدول وتمتد بعد ذلك إلى نطاق الأسرة والفرد.
في هذا السياق ظهر حديثا بالمكتبات الفرنسية كتاب جديد بعنوان «نظريات القوة»، صادر عن دار النشر الفرنسية CNRS، وهو من تأليف فابريس أرجونيس الأستاذ بجامعة (رون) الفرنسية والمتخصص في الجغرافيا السياسية والعلاقات الدولية وتاريخ المعارف، وله مؤلفات كثيرة في مجال العلاقات الدولية وهو ما يُكسب كتابه هذا أهمية كبيرة.
يؤكد المؤلف عبر صفحات كتابه التي تربو على 225 صفحة من القطع المتوسط، على أهمية دور عنصر القوة في فهم الخيارات الأساسية للعناصر الفاعلة في المجتمع الدولي مثل الصين والولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال، كما يتطرق إلى أصول عنصر القوة ومكانتها في العلوم الاجتماعية كونها أضحت تمثل تلوناً متنوعاً وأكثر تعقيداً ولغزاً أيضاً في بعض الأحيان أكثر من أي وقت مضى، ويعود ذلك برأيه إلى تعقد وصعوبة فهم ما وراء الدوافع المؤسسة لمواقف الدول تجاه قضايا معينة، حتى أن التعقيد يصل إلى ما هو أبعد من ذلك، فنجد توافقا بين دولتين في ملف معين، بينما نجد نوعاً من التنافر فيما بين ذات الدولتين في ملف آخر، ويعود ذلك إلى عنصر القوة والضعف والمصلحة أيضا لكل دولة في كل ملف بشكل منفصل.
ومن ثم يؤكد الكتاب على أن وضع ترتيب وتصنيف صافي الناتج المحلي لدولة ما، أو نفقاتها العسكرية لم يعد وحده كافيا لفهم توجهات هذه الدولة ما دامت تمثل رقما مهما في معادلة السياسة الدولية. وإذا كانت هناك بعض أشكال ونماذج القوة قد شهدت نجاحا إعلاميا مؤخراً مثل القوة الناعمة والقوة الصلبة، فإن تحليلها التفصيلي وكذلك تفنيد استخداماتها وأوضاعها المختلفة، إنما يعكس ويوضح تطور النظام الدولي، وكذلك علاقات القوة بين الدول ومدى تأثيرها على الساحة الدولية.
- تطور مفهوم القوة
يوضح الكتاب معنى القوة في العلاقات الدولية، مشيراً إلى أنها تعني قدرة أحد العناصر الفاعلة في الساحة السياسية على احتواء العناصر الأخرى وتوجيه أفعالها وتصرفاتها وسلوكياتها في الاتجاه الذي يصب في مصلحته دون أن يستشعر الطرف الآخر (الأقل قوة) أنه يقدم تنازلات ذات قيمة. ويشير الكتاب إلى أنه لعقود طويلة انتهجت الإمبراطوريات والقوى العظمى هذا المفهوم في إطار مختلف خلال الحرب وهو المفهوم التقليدي والمباشر للقوة ونفوذها. إلا أن هذا المفهوم قد شهد بعض التطورات الآن وفقاً للتغيرات التي صاحبت العلاقات الدولية وما ترتب عليها من تعقيدات في ضوء التطور الرقمي والتكنولوجي الذي نجح في فرض نفسه فرضاً على حياتنا اليومية ومن ثم، بشكل أوسع، على العلاقات الدولية.
على ذلك، يؤكد المؤلف أن مفهوم القوة ليس فكرة جديدة في العلاقات الدولية، فهي موضع خلاف وتناقض أحياناً، وتلعب دوراً متغيراً ومتبدلاً كما تخضع لتعريفات وتفسيرات متجددة دائماً بشكل مستمر ودون توقف.
ويذكر في هذه الصدد أن المدرسة الكلاسيكية أو الواقعية للعلاقات الدولية تؤكد أن القوة هي قدرة أحد العناصر عل فرض رغبته وإرادته على الآخرين في النظام الدولي الذي تهيمن عليه الدول. ويشير إلى أنه، في مطلع تسعينات القرن الماضي، كان التمييز واضحاً بين القوة الناعمة والقوة الصلبة، مؤكداً أن القوة أو القدرة العسكرية كانت تمثل المعيار الأول للقوة المستخدمة في تحليل العلاقات الدولية، هذا إلى جانب معايير أخرى مثل الأرض والموارد الطبيعية والسكان، وهي عناصر تمثل أهمية وأولوية كبرى الآن على حساب القدرة العسكرية التي توضع اليوم في موضع اتهام ومساءلة. فعلى سبيل المثال، قد شهد الاتحاد السوفياتي انهيارا وتفكيكا، في ثمانينات القرن الماضي، على الرغم من أنه كان يمثل قدرة عسكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية، أي أنه يمكن أن نخلص إلى أنه إذا كانت القدرة العسكرية تمثل أهمية في رسم خارطة العلاقات الدولية، إلا أنها أصبحت اليوم لا تمثل الأولوية الأولى، فهناك معايير وقوى أخرى تأتي قبلها، مثل القوة الاقتصادية والقوة التكنولوجية، أي أننا أمام تراجع واضح للمعايير التقليدية لمفهوم وموضع القوة.
وفى الواقع، فإن العولمة ونهاية عهد ثنائية القطب حفزتا على قراءة جديدة لمفهوم القوة، خاصة في ظل تعدد العناصر الفاعلة على الساحة الدولية، الأمر الذي ترتب عليه ظهور معايير جديدة للقوة مثل حجم ونطاق المعرفة، وكذلك حجم المعلومات ومستوى التعليم والإشعاع الثقافي واللغوي، وهي معايير تتمتع بأهمية أكبر وأهم من المعايير الكلاسيكية أو التقليدية المتعارف عليها.
- محددات ومصادر القوة
على ضوء ذلك يسوق المؤلف ثلاثة محددات أو مصادر للقوة، يكمن المحدد الأول في عنصر الأرض أو الدولة وحدودها ومدى نجاحها في السيطرة على حدودها، وبسط سيطرتها عليها بشكل تام وكامل. وهو وضع يترتب عليه وجود غطاء اجتماعي واقتصادي لما على الأرض من سكان. هذا بالإضافة إلى ما تتمتع به الدولة من بنى تحتية وموارد طبيعية. فروسيا على سبيل المثال، تتمتع بأراض واسعة النطاق ولكن لا تسيطر على جزء ليس بقليل منها جراء غياب البنية التحتية القوية، وهو ما يؤدي إلى وجود قوة محددة للدولة على هذه الأراضي.
ويتابع المؤلف لافتا إلى أن انفتاح أراضي الدولة على المحيطات إنما يعد رهاناً كبيراً لقوة الدولة، يسمح من شأنه لهذه الدولة بعدم التبعية لدولة أخرى من خلال الطرق البحرية.
ويتعلق المحدد الثاني بالسكان المقيمين على هذه الأرض. فعنصر السكان يمثل أهمية خاصة لقوة الدولة كونه يضمن وجود أيدٍ عاملة ومن ثم سوق عمل. فسنغافورة على سبيل المثال تعاني من نقص واضح في سكانها، ولذلك تلجأ إلى تعويض هذا النقص بعناصر ومحددات أخرى. وإذا كان وجود السكان يمثل عنصرا هاما ومحددا رئيسيا لقوة الدولة إلا أن تصنيف السكان بين كبار سن وشباب وأطفال إنما يمثل أهمية لا تقل أبدا عن أهمية محدد السكان في المجمل.
ويكمن المحدد الثالث، في الرغبة، أي رغبة الدولة وطموحها في التمتع بقوة فاعلة وهو محدد هام، فهناك دول لا ترغب في التمتع بقوة على الرغم من تمتعها بعناصر هذه القوة، ومن ثم يجازف هذا النموذج من الدول بأن تتم السيطرة عليه من قبل الدول الأخرى التي تعلن رغبتها في التزود بالقوة، فالرغبة في القوة يجب أن تكون لدى مؤسسات الدولة ومدعومة برغبة أكيدة وواضحة من قبل الشعب، أي أن الرغبة في القوة توجد أساسا في ثقافة البلد ذاتها.


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت
TT

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت

سوزانا كلارك... توّجوها واحدةً من أعظم روائيي جيلها ثم اختفت

قبل عشرين عاماً، خاض محرر في دار «بلومزبري للنشر» مخاطرة كبيرة إزاء كتاب غير عادي للغاية. فهي رواية خيالية أولى لسوزانا كلارك، تدور أحداثها في إنجلترا بالقرن التاسع عشر، وتحكي قصة ساحرين متنازعين يحاولان إحياء فنون السحر الإنجليزي المفقود. كانت المخطوطة غير المكتملة مليئة بالهوامش المعقدة التي تشبه في بعض الحالات أطروحةً أكاديميةً حول تاريخ ونظرية السحر. وكانت مؤلفة الكتاب سوزانا كلارك محررة كتب طهي وتكتب الروايات الخيالية في وقت فراغها.

أطلقت «جوناتان سترينج والسيد نوريل»، على الفور، سوزانا كلارك واحدةً من أعظم كُتاب الروايات في جيلها. ووضعها النقاد في مصاف موازٍ لكل من سي. إس. لويس وجيه. أر. أر. تولكين، وقارن البعض ذكاءها الماكر وملاحظاتها الاجتماعية الحادة بتلك التي لدى تشارلز ديكنز وجين أوستن. التهم القراء الرواية التي بِيع منها أكثر من أربعة ملايين نسخة.

تقول ألكساندرا برينغل، المحررة السابقة في «دار بلومزبري»، التي كُلفت بطباعة أولى بلغت 250 ألف نسخة: «لم أقرأ شيئاً مثل رواية (جوناتان سترينج والسيد نوريل) في حياتي. الطريقة التي خلقت بها عالماً منفصلاً عن عالمنا ولكنه متجذر فيه تماماً كانت مقنعة تماماً ومُرسومة بدقة وحساسية شديدتين».

أعادت الرواية تشكيل مشاهد طمست الحدود مع الخيال، مما جعلها في القائمة الطويلة لجائزة «بوكر» وفازت بـ«جائزة هوغو»، وهي جائزة رئيسية للخيال العلمي والفانتازيا. وبسبب نجاح الرواية، نظمت جولات لها عبر الولايات المتحدة وأوروبا، ومنحتها «دار بلومزبري» لاحقاً عقداً ضخماً لرواية ثانية.

ثم اختفت كلارك فجأة كما ظهرت. بعد فترة قصيرة من إصدار الرواية، كانت كلارك وزوجها يتناولان العشاء مع أصدقاء بالقرب من منزلهما في ديربيشاير بإنجلترا. وفي منتصف الأمسية، شعرت كلارك بالغثيان والترنح، ونهضت من الطاولة، وانهارت.

في السنوات التالية، كافحت كلارك لكي تكتب. كانت الأعراض التي تعاني منها؛ الصداع النصفي، والإرهاق، والحساسية للضوء، والضبابية، قد جعلت العمل لفترات طويلة مستحيلاً. كتبت شذرات متناثرة غير متماسكة أبداً؛ في بعض الأحيان لم تستطع إنهاء عبارة واحدة. وفي أدنى حالاتها، كانت طريحة الفراش وغارقة في الاكتئاب.

توقفت كلارك عن اعتبار نفسها كاتبة.

نقول: «تم تشخيص إصابتي لاحقاً بمتلازمة التعب المزمن. وصار عدم تصديقي أنني لا أستطيع الكتابة بعد الآن مشكلة حقيقية. لم أعتقد أن ذلك ممكن. لقد تصورت نفسي امرأة مريضة فحسب».

الآن، بعد عقدين من ظهورها الأول، تعود كلارك إلى العالم السحري لـ«سترينج ونوريل». عملها الأخير، رواية «الغابة في منتصف الشتاء»، يُركز على امرأة شابة غامضة يمكنها التحدث إلى الحيوانات والأشجار وتختفي في الغابة. تمتد الرواية إلى 60 صفحة مصورة فقط، وتبدو مقتصدة وبسيطة بشكل مخادع، وكأنها أقصوصة من أقاصيص للأطفال. لكنها أيضاً لمحة عن عالم خيالي غني لم تتوقف كلارك عن التفكير فيه منذ كتبت رواية «سترينج ونوريل».

القصة التي ترويها كلارك في رواية «الغابة في منتصف الشتاء» هي جزء من روايتها الجديدة قيد التأليف، التي تدور أحداثها في نيوكاسل المعاصرة، التي تقوم مقام عاصمة للملك الغراب، الساحر القوي والغامض الذي وصفته كلارك بأنه «جزء من عقلي الباطن». كانت مترددة في قول المزيد عن الرواية التي تعمل عليها، وحذرة من رفع التوقعات. وقالت: «لا أعرف ما إذا كنت سوف أتمكن من الوفاء بكل هذه الوعود الضمنية. أكبر شيء أكابده الآن هو مقدار الطاقة التي سأحصل عليها للكتابة اليوم».

تكتب كلارك على طريقة «الغراب» الذي يجمع الأشياء اللامعة. وتصل الصور والمشاهد من دون سابق إنذار. تدون كلارك الشذرات المتناثرة، ثم تجمعها سوياً في سردية، أو عدة سرديات. يقول كولين غرينلاند، كاتب الخيال العلمي والفانتازيا، وزوج كلارك: «إنها دائماً ما تكتب عشرات الكتب في رأسها».

غالباً ما يشعر القارئ عند قراءة رواياتها وكأنه يرى جزءاً صغيراً من عالم أكبر بكثير. حتى كلارك نفسها غير متأكدة أحياناً من القصص التي كتبتها والتي لا توجد فقط إلا في خيالها.

تقول بصوت تعلوه علامات الحيرة: «لا أتذكر ما وضعته في رواية (سترينج ونوريل) وما لم أضعه أحب القصص التي تبدو وكأنها خلفية لقصة أخرى، وكأن هناك قصة مختلفة وراء هذه القصة، ونحن نرى مجرد لمحات من تلك القصة. بطريقة ما تعتبر رواية (جوناتان سترينج والسيد نوريل) كخلفية لقصة أخرى، لكنني لا أستطيع أن أقول إنني أعرف بالضبط ما هي تلك القصة الأخرى».

في الحوار معها، كانت كلارك، التي تبلغ من العمر 64 عاماً ولديها شعر أبيض لامع قصير، تجلس في غرفة المعيشة في كوخها الحجري الدافئ، حيث عاشت هي والسيد غرينلاند منذ ما يقرب من 20 عاماً.

ويقع منزلهما على الامتداد الرئيسي لقرية صغيرة في منطقة بيك ديستريكت في دربيشاير، على بعد خطوات قليلة من كنيسة صغيرة مبنية بالحجر، وعلى مسافة قصيرة سيراً على الأقدام من حانة القرية التي يزورونها أحياناً. ويساعد هدوء الريف - حيث لا يكسر الصمت في يوم خريفي سوى زقزقة الطيور وثغاء الأغنام بين الحين والآخر - كلارك على توجيه أي طاقة تستطيع حشدها للكتابة.

في يوم رمادي رطب قليلاً في سبتمبر (أيلول)، كانت كلارك تشعر بأنها على ما يرام إلى حد ما، وكانت قد رفعت قدميها على أريكة جلدية بنية اللون؛ المكان الذي تكتب فيه أغلب أوقات الصباح. كانت تحمل في حضنها خنزيراً محشواً، مع ثعلب محشو يجاورها؛ ويلعب كل كائن من هذه المخلوقات دوراً في رواية «الغابة في منتصف الشتاء». تحب أن تمسك حيواناتها المحشوة أثناء العمل، لمساعدتها على التفكير، وكتعويذة «لدرء شيء ما لا أعرف ما هو. يفعل بعض الناس أشياء كالأطفال، ثم مع التقدم في العمر، يتخلون عن الأشياء الطفولية. أنا لست جيدة للغاية في ذلك».

نظرت إلى الخنزير وأضافت: «لا أرى حقاً جدوى في التقدم بالعمر».

ثم استطردت: «أكبر شيء يقلقني هو كم من الطاقة سأحتاج للكتابة اليوم؟».

وُلدت سوزانا كلارك في نوتنغهام عام 1959، وكانت طفولتها غير مستقرة، إذ كان والدها، وهو قس مسيحي، يغير الكنائس كل بضع سنوات، وانتقلت عائلتها ما بين شمال إنجلترا وأسكوتلندا. في منزلهم البروتستانتي، كان إظهار العواطف غير مرغوب فيه؛ ولذلك نشأت كلارك، الكبرى من بين ثلاثة أبناء، على الاعتقاد بأن التقوى تعني أنه «ليس من المفترض أن تفعل في حياتك ما يجعل منك إنساناً مميزاً»، كما تقول.

*خدمة: «نيويورك تايمز»