خطة منبج تختبر علاقات أميركا مع تركيا... وأكراد سوريا

قيادي في «الوحدات» يقول لـ«الشرق الأوسط» إن 30 مستشاراً سينسحبون بعد تمكن المجلس العسكري للمدينة

عربة أميركية في الرميلان  في ريف الحسكة شمال شرقي سوريا أمس (أ.ف.ب)
عربة أميركية في الرميلان في ريف الحسكة شمال شرقي سوريا أمس (أ.ف.ب)
TT

خطة منبج تختبر علاقات أميركا مع تركيا... وأكراد سوريا

عربة أميركية في الرميلان  في ريف الحسكة شمال شرقي سوريا أمس (أ.ف.ب)
عربة أميركية في الرميلان في ريف الحسكة شمال شرقي سوريا أمس (أ.ف.ب)

يشكل تنفيذ خريطة طريق معقدة لمدينة منبج شمال سوريا اختباراً لاستعادة الثقة بين أميركا وتركيا، بعد فترة من البرود وتراكم ملفات شائكة بين البلدين، ما سمح لموسكو بالتوغل عبر شقوق فقدان الثقة بين شريكين في «حلف شمال الأطلسي» (ناتو).
كما أن المضي قدما في «الخريطة»، قد يشكل إشارة إلى احتمال تعرض «وحدات حماية الشعب» الكردية لـ«خيانة» جديدة من الأميركيين الذي يوفرون الحماية للأكراد شرق نهر الفرات، بعدما تعرضوا لشيء مماثل، لدى موافقة روسيا بداية العام على دخول الجيش التركي وفصائل سورية معارضة إلى عفرين، وإخراج «الوحدات». أو على الأقل، خفض سقف توقعات قيادات كردية.
بحسب المعلومات المتوفرة لـ«الشرق الأوسط»، فإن خريطة الطريق بين واشنطن وأنقرة تنص على العناصر الآتية: تشكيل دوريات أميركية - تركية في أطراف منبج، وخروج «الوحدات» من المدينة إلى شرق نهر الفرات، وتعزيز دور مجلس منبج العسكري، وتشكيل مجلس مدني للمدينة، وعودة النازحين العرب والأكراد إلى أماكنهم الأصلية.
وكانت هذه الخريطة خلاصة رغبة من وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيلرسون، ومستشار الأمن القومي السابق هاربر ماكماستر، للبحث عن قواعد مشتركة مع حليف أميركا في «حلف شمال الأطلسي» (ناتو)، لكن خروجهما من الإدارة الأميركية في مارس (آذار) الماضي أدى إلى بطء التنفيذ، إضافة إلى خلاف أميركي - تركي حول تسلسل تنفيذ الخريطة، بين تركيز واشنطن على ضرورة بناء الثقة وتشكيل الدوريات، مقابل تركيز أنقرة على البدء بإخراج «الوحدات» من منبج ونزع سلاحها الثقيل.
وبعد جلسات مكثفة من المفاوضات، صاغ كبار المسؤولين العسكريين والدبلوماسيين في البلدين مسودة خريطة منبج، التي أقر خطوطها العامة الوزيران مايك بومبيو ومولود جاويش أوغلو، في واشنطن مساء أول من أمس.
لكن بمجرد الإعلان عنها، بدأ يطفو إلى السطح اختلاف القراءتين الأميركية والتركية. إذ إن أنقرة تريد بدء تنفيذ الخطة خلال عشرة أيام وفق برنامج زمني صارم يتضمن مواعيد خروج «الوحدات»، وتسليم سلاحها، وتسلم مجلس منبج العسكري، وتشكيل المجلس المدني، مقابل قول واشنطن إن البرنامج الزمني «إرشادي»، ويتوقف تنفيذ كل مرحلة على مدى نجاح المرحلة السابقة، أي رهن عودة الثقة الأميركية – التركية، وبرود السخونة بين «الوحدات» وأنقرة؛ خصوصاً بعد تعرض «الوحدات» لمفاجأة روسية بالتخلي عن عفرين.
وقال قيادي في «الوحدات» الكردية لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن «الوحدات» لم يكن لديها هدف السيطرة منذ دحر تنظيم داعش منها في نهاية 2016، وإن «قوات سوريا الديمقراطية» التي تضم «الوحدات» ويدعمها التحالف الدولي، دعمت مجلس منبج العسكري وتشكيل مجلس مدني فيها.
وعقد في الساعات الماضية اجتماع بين التحالف ومجلس منبج العسكري؛ لكن «الوحدات» تبلغت من الأميركيين الأسبوع الماضي نتائج المحادثات الأميركية - التركية في أنقرة، وصوغ مسودة الاتفاق. وأوضح القيادي أمس: «كان لدينا نحو 300 مقاتل من الوحدات، لكن العدد خفض تدريجيا، ولم يبق سوى مستشارين، وعددهم نحو 30 مستشاراً، وهم عملوا على تدريب مجلس منبج العسكري الذي يضم بين 5 و6 آلاف مقاتل. بالتالي، فإن المستشارين سينسحبون إلى شرق الفرات للمشاركة في معارك إنهاء (داعش) بمجرد انتهاء الحاجة إليهم في منبج».
وتوقع القيادي أن تكون المرحلة الأولى من تنفيذ الخطة (الخريطة)، تشكيل دوريات أميركية - تركية للسير في خطوط التماس بين «مجلس منبج العسكري» في ريف المدينة وفصائل «درع الفرات» التي يدعمها الجيش التركي بين حلب وجرابلس على حدود تركيا. وأضاف: «لا بد من الهدوء واستعادة التوازن ونوع من الثقة، للمضي في تنفيذ المرحلة الثانية من الخطة»، ما يعني سحب المستشارين من «الوحدات» الكردية.
بعدها، ينتقل التركيز لصالح «مجلس منبج العسكري» ونقل الإدارة إلى المجلس المدني الذي يضم أهالي المدينة وبعض الشخصيات من أصول كردية، إضافة إلى عودة النازحين العرب والأكراد إلى أرضهم. وقال القيادي في «الوحدات»: «لا نريد السيطرة على أي منطقة. بالعكس برنامجنا هو القضاء على (داعش) ومساعدة الأهالي المحليين في تسلم القيادة بأنفسهم ضمن مشروعنا لسوريا اللامركزية، وهذا ما سيحصل في منبج».
وتزامن إعلان الاتفاق مع زيارة رئيس «حركة التجديد الوطني» عبيدة النحاس، ورئيس «حزب سوريا المستقبل» إبراهيم القفطان إلى منبج بعد الرقة. ولاحظ مشاركون في الزيارة تراجع دور «الوحدات» خلال الأشهر الثمانية الماضية، مقابل تمكين الأهالي ومجلس منبج العسكري و«هذا يعزز مشروع اللامركزية على حساب الفيدرالية» التي كان أكراد اقترحوها نموذجا لسوريا قبل سنتين.
بالنسبة إلى أنقرة، وفاء واشنطن بتنفيذ هذا الاتفاق يكون بداية لاستعادة ثقة مفقودة بسبب موقفها من محاولة الانقلاب في أنقرة، واستضافة فتح الله غولن، واستمرار واشنطن في دعم وتسليح «الوحدات» شمال شرقي سوريا. وقال مصدر تركي: «واشنطن لم تلتزم وعودها مرات عدة في السنوات الماضية. وعدت بتسليم الرقة لأهلها بعد تحريرها من (داعش)، ولم تفعل، بل شاهدنا صور عبد الله أوجلان (زعيم حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة إرهابيا). وعدت بسحب السلاح الثقيل من الوحدات بعد دحر (داعش) ولم تفعل، بل أقامت نحو 20 قاعدة عسكرية».
وبحسب المصادر الدبلوماسية، فإن تنفيذ خطة منبج سيكون اختبارا لإمكانية عودة الثقة بين حليفين في «ناتو» ومدى إمكانية ابتعاد الرئيس رجب طيب إردوغان عن الرئيس فلاديمير بوتين، الذي يراهن على تعزيز الشرخ داخل «ناتو» والمضي في بيع منظومة صواريخ «إس - 400» إلى الجيش التركي، الذي يجري اتصالات مع واشنطن للحصول على تكنولوجية عسكرية عالية.



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».