مونديال البرازيل يعيد العراقيين إلى المقاهي رغم حظر التجوال

يدخن رائد عبد الحسين الشيشة بلا توقف من دون أن يزيح نظره عن شاشة التلفزيون في مقهى في وسط بغداد وهو يتابع بقلق مزدوج أحداث مباراة ضمن بطولة كأس العالم، حسرة على فريقه المتأخر بهدف وخوفا من تفجير انتحاري.
وإلى جانب رائد يجلس ثلاثة من أصدقائه بهدوء في مقهى {فيسبوك} في منطقة الكرادة ووجوههم تعكس قلقا متواصلا لا تقطعه سوى صرخة من هنا أو تصفيق من هناك عندما يقترب لاعبو منتخب هولندا من مرمى منتخب المكسيك.
ويقول رائد، 30 عاما، الذي يعمل سائق تاكسي لوكالة الصحافة الفرنسية {كرة القدم تجمعنا. الجلسة جميلة هنا ونحن نأتي يوميا لمتابعة مباريات المونديال، فكرة القدم تسليتنا الوحيدة}.
ويضيف أن الرياضة الأكثر شعبية في العراق {منفذنا الوحيد للخروج من أجواء القلق والتوتر والخوف من المجهول. نحن في العاصمة بغداد ونخاف من المجهول. ممكن في أي لحظة أن تنفجر سيارة، أو عبوة، أو أن يدخل شخص إلى المقهى ويفجر نفسه}.
وتأتي بطولة كأس العالم لكرة القدم في البرازيل هذا العام في وقت يشهد فيه العراق تدهورا أمنيا غير مسبوق منذ اجتياحه في عام 2003 بات يضع وحدة البلاد في مواجهة أصعب وأخطر تحدياتها.
ويشن مسلحو تنظيم {الدولة الإسلامية} الجهادي المتطرف إلى جانب مسلحي تنظيمات متطرفة أخرى هجوما منذ نحو ثلاثة أسابيع تمكنوا خلاله من السيطرة على مناطق واسعة في شمال العراق وغربه وشرقه تشمل مدنا رئيسة بينها الموصل (350 كلم شمال بغداد).
وأكد تنظيم {الدولة الإسلامية} الذي أعلن الأحد قيام {الخلافة الإسلامية} ومبايعة زعيمه أبو بكر البغدادي {خليفة للمسلمين}، نيته الزحف نحو العاصمة بغداد ومحافظتي كربلاء والنجف اللتين تضمان مراقد شيعية.
ولا يمثل هذا الهجوم الحدث الأمني الوحيد الذي يقلق العراقيين، حيث يعيش هؤلاء منذ 2003 على وقع هجمات وتفجيرات يومية قضت على معظم أوجه الترفيه العادية، كالسينما والمسرح، وباتت المقاهي الشعبية تشكل ملتقى للعراقيين ومقصدا يوميا للشبان خصوصا بعد موعد الإفطار في رمضان.
إلا أن هذه المقاهي أضيفت في رمضان الماضي على لائحة الأهداف اليومية للأحزمة الناسفة والعبوات ما جعل كثيرين من روادها يفضلون ملازمة منازلهم بعد الإفطار في شهر الصوم.
ودفع المونديال الذي ينظم مرة كل أربع سنوات ويتزامن هذه السنة مع شهر رمضان العراقيين إلى التوجه من جديد للمقاهي رغم المخاطر الأمنية، خصوصا أن معظم المنازل في العراق تفتقد للكهرباء.
ويقول أسامة سالم (31 عاما) الذي يعمل مندوب مبيعات {أجواء المونديال خارج المنزل أجمل. هنا الأصدقاء والتشجيع. نحن نشجع منتخب هولندا منذ سنوات وهولندا تتخلف حاليا بهدف، ولذا نفسيتنا متعبة، كما هو واضح على وجوهنا}.
ويتابع وهو يحاول أن يركز في الوقت ذاته على أحداث مباراة هولندا والمكسيك التي انتهت بفوز هولندا بهدفين مقابل هدف واحد {كأس العالم تنظم كل أربع سنوات مرة، فهل نجلس في منازلنا ونستسلم للخوف؟}.
ويوضح سالم {نحن جالسون وخائفون لكن ماذا بيدنا أن نفعل؟ الحمد لله وإن شاء الله تنتهي هذه المحنة، ولو كتب لك أن تموت فستموت أينما كنت}.
وشهد العراق العام الماضي سلسلة من الهجمات التي استهدفت ملاعب كرة القدم الشعبية وقتل فيها عشرات الشبان في مناطق متفرقة، في بلاد تعشق هذه الرياضة وتعدها الجامع الأكبر لمجتمع منقسم طائفيا وسياسيا وحزبيا.
وحقق العراق إنجازات كبرى في هذه اللعبة، بينها فوز المنتخب الأول بكأس آسيا عام 2007 في خضم الحرب الأهلية الطائفية التي كانت تشهدها البلاد بين 2006 و2008، ووصول منتخب الشباب إلى المربع الذهبي لبطولة كأس العالم في تركيا.
ويقول علي حسين (21 سنة) الذي يعمل في مقهى {فيسبوك} الخاضع لإجراءات أمنية مشددة تبدأ بتفتيش دقيق للداخلين إليه {المونديال أجمل شيء. العالم كله يتفرج عليه، والناس هنا تفرح به وتأتي لمتابعته حتى ساعة متأخرة من الليل} رغم حظر التجوال المفروض على بغداد.
ويتابع {كرة القدم حياة بالنسبة للعراقيين، وكلنا نتذكر عام 2007 حين خرج الناس كلهم إلى الشارع، لا سنة ولا شيعة ولا أكراد، الجميع وراء المنتخب. لو تأهل العراق لكأس العالم ربما لتوحدنا من جديد. كنا نتمنى ذلك}.