المحكمة الأوروبية: حظر البرقع «لا ينتهك حقوق الإنسان»

حكمت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، بأن حظر البرقع لا يعد انتهاكا لحقوق الإنسان، على الرغم من اعتراض جمعية "ليبرتي" البريطانية لحقوق الإنسان.
وقد جاءت القضية، التي تحمل الكثير من الزخم بالنسبة لبريطانيا، عقب شكوى تقدمت بها امرأة فرنسية مسلمة منعت من ارتداء البرقع، نظرا لفرض قانون فرنسي يقضي بحظر إخفاء الوجه في الأماكن العامة بفرنسا.
وأعلنت الدائرة الكبرى بالمحكمة الأوروبية المذكورة، بأغلبية الأصوات، أن حكمها لا يشكل انتهاكا للمادة الثامنة المعنية بالحق في احترام الخصوصية والعائلة. كما أعلنت كذلك أن الحكم لا يشكل انتهاكا للمادة التاسعة والمعنية بالحق في احترام حرية الفكر والضمير والدين، وأن القانون لا يتسم بالتمييز وفقا للمادة الرابعة عشرة.
الى ذلك، تدخلت جمعية الضغط "ليبرتي" البريطانية لحقوق الإنسان في القضية، مدعية أن الحظر المعلن، الذي بات قيد النفاذ في فرنسا منذ شهر أبريل (نسيان) عام 2011، ينتهك كافة تلك المواد المذكورة من الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان.
وتقول الجمعية إن الحكم الصادر اليوم له تداعيات محتملة على حرية التدين وحرية التعبير – ليس فقط في فرنسا، بل في المملكة المتحدة وفي جميع أنحاء القارة الأوروبية.
ومن جهته، دان شامي تشاكرابارتي، مدير جمعية ليبرتي، "تجريم الملابس النسائية" وربطه بما وصفه: "تصاعد العنصرية في أوروبا الغربية".
وصرح تشاكرابارتي قائلا: "كيف يمكنك تحرير المرأة في الوقت الذي تجرم فيه طريقة ملبسها؟" وأضاف: "إذا كنت تشك في وجود كدمات تحت البرقع، فلماذا تعاقب الضحية، وإذا كنت ترفض خيارات المرتدي لما يرتديه، فكيف يعزز إقصاؤها عن المشاركة العامة من التوجهات الليبرالية؟"، ثم استطرد: "إن حظر البرقع لا علاقة له بالمساواة بين الجنسين، بينما يحمل كل تنامي العنصرية في أوروبا الغربية".
وفي تصريح صحافي، قال أمين السجل في المحكمة الأوروبية، إن المحكمة أكدت على أن "الدولة، لديها مساحة واسعة للمناورة" فيما يتعلق بـ"قضية السياسة العامة، والتي تتبنى الكثير من الاختلافات الواسعة في الرأي"، وأنه لم يكن هناك خرق للميثاق.
وقد أثير التحدي القانوني من قبل امرأة مسلمة ومعروفة باسم (س. أ. س.)، التي قدمت طلبا إلى المحكمة الأوروبية لمعارضة الحكم في اليوم الذي صدر.
وقال السيدة (س. أ. س.) في المحكمة بصفتها مواطنة فرنسية من مواليد عام 1990 وهي مسلمة متدينة. إنها كانت ترتدي العباءة وكذلك البرقع، طبقا لعقيدتها الدينية، ولثقافتها وقناعاتها الشخصية. ولم يمارس زوجها أو أي فرد من أفراد عائلتها الضغط عليها لارتداء الملابس بالطريقة التي اختارتها، وأنها ترتدي البرقع في الأماكن العامة والخاصة. وذكرت كذلك أنها لم ترتديه في ظروف خاصة، ولكنها رغبت في أن تكون قادرة على ارتدائه حينما ترغب في ذلك. كما لم يكن هدفها من وراء ذلك مضايقة الآخرين، ولكن لكي تشعر بسلام ذاتي مع نفسها. ثمّ اشتكت أن القانون الجديد ينتهك حقوقها بصفتها إنسانة نظرا لعدم قدرتها على ارتداء البرقع في الأماكن العامة.
بني الحظر على التمييز على أساس النوع والدين والأصل الإثني، وأوتي على حساب النساء اللواتي كن مثلها، يرتدين البرقع.
وقالت المحكمة الأوروبية في حكمها الصادر اليوم، إنها لاحظت أن المشرّع الفرنسي كان يسعى لتلبية الحاجة إلى "تحديد الهوية الفردية"، ويسعى كذلك إلى منع وقوع الأضرار على الناس والممتلكات ولمكافحة تزوير الهوية الشخصية.
ومع ذلك لم يكن الحظر "من ضرورات المجتمع الديمقراطي" حتى يتسنى تحقيق ذلك الهدف، ويمكن أن يكون متسقا فقط مع ذلك الغرض إذا ما كان هناك "تهديد عام للسلامة العامة".
غير أن المحكمة تقبلت أن تعزيز احترام "التعايش سويا" كان يعتبر مسوغا مشروعا لفرض الحظر – وأن إخفاء الوجه بالبرقع في الأماكن العامة من شأنه تقويض مفهوم "احترام الحد الأدنى من متطلبات التعايش سويا في المجتمع الواحد".
وصرح بيان أمين سجل المحكمة، أن القضاة أخذوا بعين الاعتبار الطرح الفرنسي القائل بأن الوجه "يلعب دورا مهما في التفاعل الاجتماعي".
وكانت المحكمة أيضا قادرة على تفهم وجهة نظر الأفراد الذين لا يرغبون في رؤية الممارسات أو التوجهات في الأماكن المفتوحة التي تدعو في الأساس إلى التشكيك بإمكانية العلاقات الإنسانية المفتوحة، التي من واقع الإجماع المعمول به، شكلت عنصرا لا غنى عنه في الحياة المجتمعية داخل المجتمع محل القضية. وكانت المحكمة، بناء عليه، قادرة على تقبل أن الجدار المرفوع في وجه الآخرين من خلال البرقع الذي يغطي الوجه يمكن إدراكه من قبل الدولة المعنية بأنه خرق لحقوق الآخرين في العيش بسعة من التنشئة الاجتماعية التي جعلت من التعايش سويا أمر يسيرا".
وعلى الرغم من أن القانون وباعتراف الجميع ينطوي على "آثار سلبية معينة" على النساء المسلمات، "إلا أنه يستند إلى مبررات موضوعية ومعقولة"، على نحو ما حكمت به المحكمة المعنية.
وقد صدر القرار العام بأغلبية الأصوات، مع اثنين من القضاة الذين قدموا رأيا مخالفا.