البدء من جديد يتطلب إحراق السفن وراءنا

مسرحية «المواجهة» لفرقة «كومبليستي» على مسرح «باربيكان» اللندني

مشهد من المسرحية
مشهد من المسرحية
TT

البدء من جديد يتطلب إحراق السفن وراءنا

مشهد من المسرحية
مشهد من المسرحية

لا يكفّ الفنان الأبرز في فرقة «كومبليستي» البريطانية سايمون ماكبيرن، عن التجديد وكسر الحواجز التي تفرضها خشبة المسرح، واستثمار الأفكار الأساسية التي طرحها الفرنسي أنطونين أرتو، مؤسس ما عُرف بـ«مسرح القسوة»، حيث يسعى العمل المسرحي إلى الوصول إلى حواس الجمهور وجعل أفراده يشعرون بعواطفهم المخزونة في اللاشعور.
في مسرحيته الجديدة «المواجهة» التي قُدمت على مسرح باربيكان اللندني لا يكتفي ماكبيرن باقتباس قصة المصور الأميركي لورين ماكِنتاير، الذي تقصّى في عام 1969 قبيلة مايورونا «الضائعة» في أعماق غابات الأمازون، بل يقوم بإخراجها وتمثيل الشخصية الوحيدة فيها، فاستناداً إلى كتاب الروائي الروماني الأصل بيترو بوبيسكو الصادر عام 1991 حولَ ماكنتاير وتجربته تلك، تحت عنوان «إشراقة الأمازون»، وخلال ساعتين يصبح الفنان ماكبيرن حكواتياً على خشبة المسرح، وليس أمامه سوى طاولة وزجاجات ماء ومكبِّرَي صوت وأذرع مكنسة. وبفضل تقنية ما يسمى «السماع المزدوج» الذي وفّقه، يصبح الصوت الذي يستلمه المتفرج (المستمع بالدرجة الأولى) ثلاثي الأبعاد، فباستخدام سماعتين يثبتهما المشاهد في أذنيه يصبح بإمكانه سماع الصوت منفصلاً لكل أذن، وهناك صوت يأتي وراءه تماماً. وبفضل هذه التقنية تصبح حاسة السمع هي الأساس وحاسة البصر هي الملحق. فخض زجاجة الماء يتلقاه الجمهور كأنه خرير نهر، كذلك يصبح ضجيج طائرة كأنها تحلق قريباً فوق رؤوسنا. كذلك هناك طبقات متعددة من التسجيلات التي تدخل ضمن نسيج العمل المسرحي، فهي حوارات بين ماكبيرن وطفلته التي كانت تنتظر قدومه ليقص لها حكاية ما قبل النوم، وحوارات أخرى بصوت المصور الشخصية الأميركية التي تسرد المسرحية حكايته وبالطبع بلكنته الخاصة.
نتابع عبر ما نسمعه من ماكبيرن قصة المصور ماكِنتاير الذي ذهب إلى غابة الأمازون لإعداد مادة مصورة عن قبيلة «مايورون» االبعيدة عن الحضارة في أعماق الغابة المطرية الشاسعة، لمجلة «ناشيونال جيوغرافيك»، وحال وصوله إليها وبقائه في قرية صغيرة خاصة بأفرادها يأتي قرار رئيس القبيلة بإحراق البيوت والتحرك إلى الأعماق أبعد. بغياب أي لغة يتفاهم بها المصور ماكنتاير مع أي فرد في قبيلة «مايورونا»، وبعد أن تكسرت كاميرته أمام عينيه، يصبح فجأة هو نفسه جزءاً من سردية أخرى بدلاً من أن يكون في دور السارد لعالم الحضارة عبر مجلة «ناشيونال جيوغرافيك».
ما شد المصور ماكنتاير الذي أصبح يعيش مع أفراد القبيلة المترحلة التي تعيش خارج الزمن، ذلك التقليد العريق: عند انتقالهم من مكان إلى آخر، يقومون بحرق كل ما يملكونه والبدء من جديد، بما فيها أكواخهم، فكأن ذلك نوع من طقوس العبور لحياة جديدة، وهذا ما يدفعه إلى الصراخ عبر صوت الممثل ماكبيرن عن أمنيته بأن يحرق المجتمع الغارق بثقافة الاستهلاك المفرطة الذي يعيش فيه بمدينته الأميركية كل ما يملكه من أشياء والبدء من جديد، كطفل يولد لأول وهلة.
لعل تجربة ماكنتاير بغياب اللغة جعلته يعيش في اللازمن على الرغم من أن المسافة الفاصلة ما بين حافة الحضارة في البرازيل وقلب الغابة الأمازونية لا يزيد على عدة كيلومترات، وهذه التجربة التي عاشها ماكنتاير دفعت الممثل والمخرج سايمون ماكبيرن إلى استقصاء مفهوم الزمن من وجهة نظر بعض الأكاديميين الكبار ويقحم تلك الحوارات القصيرة ضمن النسيج الصوتي الذي يصل إلينا عبر سماعاتنا. يقول ماركوس دو ساوتوي، بروفسور العلوم والرياضيات في جامعة أكسفورد: إن «حسنا بالزمن هو أنه سهم، يسير في حركة قاسية، لا رجعة فيه وأفقي صوب المجهول، لكننا في الحقيقة لا نعرف ما الزمن».
وسط هذه العزلة التي كان المصور يعيشها والمستكشف الشهير لورين ماكِنتاير مع أبناء قبيلة «مايورونا»، الهاربة من «نعمة» الحضارة، ومن مخاطر الإبادة على يد الباحثين عن البترول، تقع المعجزة: فجأة يبدأ بالتواصل مع رئيس القبيلة عبر التخاطر، فكأنه ينتقل عبر هذه الوسيلة إلى زمن آخر مغرق في القدم كان الإنسان فيه قادراً على التواصل مع الآخر القريب إلى أسلافه القدامى خارج اللغة. إنها الرحلة في الزمن باتجاه معاكس.
ما جعل مسرحية «المواجهة» شديدة التميز هي قدرتها على تذويب الزمن المعيش بالمكان، وهذا عبر التسلل إلى أعماق المتلقي عبر حاسة السمع وجعل حاسة البصر تطيعها وتستغرق في وهمها. كأن الصور التي كانت تصل إلينا عبر الأصوات تتحول عبر مخيلتنا إلى صور بصرية تعكس الغابة الأمازونية وإيقاع حياتها الداخلي الذي تتداخل فيه أصوات الطيور والقردة والنمور والحشرات جنباً إلى جنب مع هسيس الأوراق وخرير السواقي، وهنا نجح المخرج والممثل وكاتب النص المسرحي سايمون ماكبيرن في سرد حكاية متحررة من قيود المكان والزمان، ومن خلالها منح المتلقي فرصة للتحرر من ثقل الحضارة ومستلزماتها لساعتين بدتا أقصر بكثير مما شعر الجمهور المتلقي فيها.
غير أن هذا العمل المسرحي المبهر أسهم فيه العديد من الخبراء في استخدام تكنولوجيا المعلومات الجديدة واستخدام الزمن المحسوب حتى بأجزاء الثانية في إطلاق الأحاديث والأصوات المسجلة بشكل تزامني شديد الدقة والانضباط.
كأن سايمون ماكبيرن تقمص روح شهرزاد بعد أن زوّدها بكل المستلزمات الصوتية لجعل حكايتها ملموسة عبر حاسة السمع والبصر.
كذلك هناك دعوة خفية تطالبنا بالحفاظ على هذه الغابة الهائلة التي تختزن أكثر من نصف احتياطي الماء الموجود على كوكبنا.
فليست قبيلة «مايورونا» إلا واحدة من عدة قبائل تقطن غابة الأمازون وهي أشبه بحارس الغابة خومبابا في ملحمة «جلجامش»، حين قتله البطل السومري مع صديقه أنكيدو فحلت لعنة الآلهة عليهما.
* روائي عراقي



الحمادي: الكاتب مسكون بهواجس لا تُخرِسها الكتابة

الحمادي: الكاتب مسكون بهواجس لا تُخرِسها الكتابة
TT

الحمادي: الكاتب مسكون بهواجس لا تُخرِسها الكتابة

الحمادي: الكاتب مسكون بهواجس لا تُخرِسها الكتابة

يُولي الكاتب والروائي الكويتي عبد الوهاب الحمادي التاريخ اهتماماً كبيراً فيُعيد تشكيل أسئلته وغرائبه في عالمه الأدبي، منقباً داخله عن الحكايات الناقصة وأصوات الهامش الغائبة، وهو ما يمكن استجلاؤه بوضوح في روايته الأحدث «سنة القطط السمان»، الصادرة أخيراً عن دار «الشروق» بالقاهرة. وكان قد صدر له من قبل عدد من الأعمال منها «دروب أندلسية»، و«الطير الأبابيل»، ورواية «لا تقصص رؤياك»، التي وصلت للقائمة الطويلة لجائزة «البوكر» العربية عام 2015.

هنا حوار معه حول روايته الجديدة واهتمامه بالتاريخ وأدب الرحلة:

> تُلازم بطل «سنة القطط السمان» نبرة تأنيب ومراجعة ذاتية مُتصلة، هل وجدت أن استخدام ضمير المخاطب يُعزز تلك النبرة النقدية في صوت البطل؟

- اعتماد الراوي المخاطب للتعبير عن البطل، كان خياراً صعباً، ترددت كثيراً قبل اعتماده لمعرفتي أن القارئ قد لا يستسيغه، لكن بعد أن جرى نهر الكتابة وتشكلت الشخصيات والمواقف وتعقّدت الحبكة، وجدت أن ضمير المخاطب استطاع تكوين شخصية خاصة بالبطل، وأكسبه حضوراً خاصاً، ذلك، بالإضافة إلى الراوي العليم وكل الأدوات السردية التي استخدمتها محاولاً إيصال ما أريده. ثم عاد الخوف من انطباعات القراء بعد صدور الرواية، وسرعان ما تبدد الخوف بعد ظهور المقالات المتعددة من القراء والنقاد التي أكرموني بها.

> بطل الرواية (مساعد) دائماً ما يصطحب معه «القاموس»... تبدو علاقته باللغة مهجوسة بالمراجعة بالتصويب فهو «يصحح كلمات أصحابه»، فلا تبدو اللغة مجرد أداة عمله مترجماً، ولكنها أوسع من هذا. حدثنا عن تلك الآصرة اللغوية.

- اللغة بطبيعتها انتماء وهُوية وانسجام مع محيط واسع، هل كان البطل يبحث عن انتماء عبر تصحيح كلمات أصحابه؟ أو إرجاعه كلمات إلى أصولها؟ ربما والإجابة الأكيدة عند القارئ لا شك. لكنها التقاطة جميلة منكِ، ومُعبرة، عن مساعد، بطل العمل الذي صرّح في أحد الفصول بأن الزمان لو كان هانئاً لألَّف قاموساً يتتبع فيه أصول الكلمات. القاموس قصة غرام بين الشخصية الرئيسة والكلمات ويحمله أغلب الرواية، قاموس يتوسّط لغتين، العربية والإنجليزية، كأنما هو نقطة تلاقي الشرق بالغرب.

> أود الاقتراب من تشريح العمل لخريطة المجتمع الكويتي والمعتمد البريطاني والوافدين، ما بين مسرح «سوق الخبازين» وساحة المسجد ومكتب المعتمد البريطاني. حدثنا عن عنايتك بالترسيم المكاني في الرواية لرصد الحالة الكويتية في ثلاثينات القرن الماضي.

- لن أقول جديداً إن قلت إن صورة الخليج في الذهنية العربية أقرب لصورة نمطية، قد تتفوق في أحيان كثيرة على الصورة النمطية الغربية تجاه العرب. وأسباب هذه النظرة طويلة ومتجذرة ولن أخوض فيها حفاظاً على الوقت والمساحة، لكن أجدني دونما وعي أصف ما كان آنذاك من مكان وأناس وأحداث، لتثبيت صورة مُغايرة عمّا يرد لأذهان من عنيت في أوّل الإجابة... هل أكتبها لهم ولهذا الغرض؟ بالطبع لا، ففي المقام الأول وصف المكان أداة من أدوات الكتابة تُغني العمل عبر التفاعلات مع شخصياته، ولولا خصوصية المكان لن تكون الشخصيات نفسها والعكس قد يكون صحيحاً، إذ كما أسلفت العلاقة تبادلية، وهو ما يصنع خصوصية مكان ما وخصوصية شخصياته، ومما ساعدني في ذلك، انغماسي في قراءة كتب تاريخ المنطقة بشكل عام والكويت بشكل خاص، وأفادتني كتب مثل: «معالم مدينة الكويت القديمة» الذي صدر حديثاً عن مركز البحوث والدراسات، وإصدار آخر هو «الأسواق القديمة في الكويت»، بالإضافة إلى مراسلات المعتمد البريطاني آنذاك. وفي النهاية مشاورة الأصدقاء الضليعين في تاريخ المنطقة وتفاصيله.

> تتكشف ملامح شخصيات الرواية وأصواتها من المسافة التي تفصلهم من «الهندستاني»، ورغم أن الحدث المركزي في الرواية كان دائراً حول اللغط بشأن مطعمه، فإن حضوره ظلّ على مسافة، لماذا لم تمنحه صوتاً في الرواية؟

- في بداية كتابتي للرواية كان صوت الهندستاني حاضراً في الذهن والكتابة، ثم تقلّص ليكون مبثوثاً بصوته بين الفصول يتحدّث إلى (مساعد)، إلى أن اتخذت قراراً بحجبه كشخصية إلا على لسان الجميع، هل كنت أريده أن يكون أرضية للقصة تحرك الشخصيات والأحداث وفقاً لتفاعلاتها؟ ربما، لكنني فعلت ما أحسست أنه سيفيد الرواية ويجعل الحدث مركّزاً والأفكار متضافرة.

> استخدمت التقويم الزمني المحلي الكويتي «سنة الطفحة»، «سنة الهدامة»... كيف شكّلت تلك السنوات المتراوحة بين القحط والثروة لديك محطات تحريك لأحداث الرواية؟

- من المعروف أن العرب مثل كثير من الأمم تحفظ تاريخها بتسمية الأيام والأعوام، وأشهرها عام الفيل في التاريخ الإسلامي، الذي سبق زمن البعثة النبوية بقليل. واستطاع ذلك النهج عند المؤرخين والعامة أن يستمر وصولاً للعصر الحالي، عندما نقول عام أو سنة الاحتلال العراقي أو الغزو، سنة النكبة، سنة النكسة، سنة الكورونا إلى آخره. لذلك كنت محظوظاً عندما كانت لحظة الحدث الأساس في الرواية، حادثة المطعم، سنة مفصلية في تاريخ الكويت الحديث، لحظة بين بوار تجارة اللؤلؤ وإرهاصة اكتشاف النفط، وما لحقه من تبدّل نمط التجارة الكويتية تبدّلاً جذرياً، مما انعكس على طموحات الشباب المتعلم آنذاك، وما صاحبه من ثورة في وسائل المواصلات كالسيارة والطائرة والسفن الحديثة وهبوب رياح انتشار الطباعة في المنطقة، وبالتالي توفّر المجلات والكتب وارتفاع سقف الطموحات مما يجر الطموح والرغبة في التوسع، وبالتالي قد يجر الطمع. وهذا هو سياق فهم «مساعد» خلال أحداث الرواية، وربما ينطبق ذلك على أغلب الشخصيات التي وصفتها إحدى المقالات بمصطلح «الداروينية الاجتماعية».

> في «لا تقصص رؤياك» رسمت ملامح عنصرية داخل المجتمع الكويتي، ولكنها كانت تدور في زمن أحدث من «سنة القطط السمان». هل برأيك يظل الكاتب مسكوناً بأسئلة دائماً يبحث عنها عبر مشروعه حتى لو تنقّل بين الأزمنة الروائية؟

- سؤال رائع، بالفعل، يظل الكاتب في ظني مسكوناً بهواجس لا تُخرسها الكتابة، قد تخفف منها قليلاً، لكنها ما تلبث أن تتوهّج وتندلع في حريق وتبدأ كتابة جديدة. الأزمنة والأمكنة والشخصيات مجرد أعذار لكتابة الأسئلة المؤرقة والهموم الشخصية والعامة وأنصاف الإجابات على هيئة رواية.

> في روايتِك «ولا غالِب» تعرضت لحدث احتلال العراق للكويت عبر مدّ خيوط سردية مُتخيّلة تتواشج مع زمن سقوط الأندلس، هل كنت تبحث في عمق تلك الهزيمة التاريخية عن مرتكز لفهم فجيعة احتلال بلادك التي شهدتها في سنواتك المبكرة؟

- صحيح، كنت أفعل ما يمكّنني من فهم فجيعة هي الأقوى ليست في حياتي أو في تاريخ بلدي، بل هي الأكبر - برأيي - في المنطقة العربية، وتفوق برأيي النكسة، إذ إن حرب الأيام الستة كما تسمى في الغرب، كانت بين عدو واضح المعالم، ونظام عربي واضح، ولم تكن حرباً عربية - عربية، بل لا أجازف كثيراً إن سميتها: الحرب الأهلية العربية، حرب تبارت فيها الأنظمة والشعوب في الاستقطاب (مع أو ضد) والتعبير عن كل مخزونات المشاعر المتراكمة تجاه الآخر. في «ولا غالب» حاولت عبر الشخصيات الكويتية والمرشد الفلسطيني، واستغلال الحشد الأميركي لغزو العراق في عام القصة أواخر 2002. واختيار غرناطة الأندلس لتكون مكان الحدث، غرناطة الحاضر والماضي عبر التاريخ البديل، أن تشتعل المقارنة الفكرية بين القناعات، وجعل القارئ يناظرها عبر مفاهيمه ويجادل أفكاره كما فعلت أنا قبله أثناء الكتابة.

> تحتفظ كتب عبد الله عنان وشكيب أرسلان بمكانة خاصة لديك، حتى أنك أشرت لهما في مقدمة كتابك «دروب أندلسية». ما ملامح هذا «الهوى» الخاص الذي تتنسمه في تلك الكتابة المتراوحة بين الرحلة والتاريخ؟

- عندي هوى وهوس بالتاريخ القديم والحديث، وشغفت بالكتب التاريخية وأدين لها بالكثير، إذ لا يجاري مكانتها في نفسي شيء، وبالتالي إن جئنا للتاريخ الأندلسي سيكون لعنان تحديداً عامل فكري كبير مؤثر في نفسي، إذ، كيف استطاع ذلك المحامي غير المتخصص في التاريخ أن يراكم مجلدات تلك الموسوعة التي لم يجاوزها أحد منذ سبعين عاماً؟ كيف ترجم ونقل وقارن وحلل بذكاء نادر؟ وذلك انعكس في ذائقتي على صعيد الرواية قراءة وكتابة، ولا أخفي بالطبع تأثري بمسار وكتابات أمين معلوف بالدرجة الأولى ومن ثم غازي القصيبي، والطيب صالح، وفواز حداد، وبالطبع التجلي الروائي الأكبر عربياً وحتى عالمياً وهو نجيب محفوظ، صاحب الأثر الأهم في قناعاتي تجاه الحياة والكتابة.

> أنت مُحِب للسفر، هل ترافقك بين مشاهد المدن ومرافئها قصيدة «المدينة» لكفافيس، التي صدّرت بها روايتك الأخيرة، وما تعريفك الخاص لـ«المدينة التي تُلاحقك» بتعبير الشاعر اليوناني الراحل؟

- تطور السفر بالنسبة لي من خلال القراءة والكتابة، وتبعها تحويل كتابي الأول «دروب أندلسية» إلى رحلة تطوف إسبانيا، كان انبثاق تدشين مرحلة الرحلات الجماعية المهتمة باكتشاف العالم، عبر التعرف على تاريخه ومجتمعاته وحضاراته، وكنت محظوظاً مرّة أخرى لأن هذه الرحلات زادت معرفتي بالناس في البلدان المختلفة، بالإضافة لخبرات التعامل مع المشتركين المتحدرين من بلدان عدّة، كل ذلك منحني معرفة لا تشترى بمال ولا تعلّم في المدارس. وعندما واجهت قصيدة كفافيس وعدت إليها، وجدت أنها معبرة عن بطل رواية «سنة القطط السمان»، لكنها، ولأعترف، معبّرة عني في أحد معانيها، كما هي الحال في قصيدة محمود درويش «لا شيء يعجبني»، التي كانت تنافس كفافيس في تصدير الرواية حتى تفوقت قصيدة شاعر الإسكندرية وتصدّرت أولى عتبات النص الروائي. وسؤالي لكِ وللقراء: ألسنا كلنا ذلك الموجوع بمدينته؟ عندما وصفنا كفافيس: وما دمت قد خربت حياتك هنا، في هذا الركن الصغير، فهي خراب أينما كنت في الوجود!