الجزائر... مخاوف من اختراق مذهبي إيراني

وسط تضارب الاعتبارات الأمنية والمصالح السياسية

متطرفون نيجيريون يحملون صوراً للخميني وخامنئي ونصر الله في كانو (أ.ف.ب)
متطرفون نيجيريون يحملون صوراً للخميني وخامنئي ونصر الله في كانو (أ.ف.ب)
TT

الجزائر... مخاوف من اختراق مذهبي إيراني

متطرفون نيجيريون يحملون صوراً للخميني وخامنئي ونصر الله في كانو (أ.ف.ب)
متطرفون نيجيريون يحملون صوراً للخميني وخامنئي ونصر الله في كانو (أ.ف.ب)

تزداد المخاوف الشعبية والرسمية بشمال أفريقيا من السياسة الدينية الإيرانية بالمنطقة؛ ففي يوم 4 مايو (أيار) 2018 دعا المستشار السابق لوزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري عدة فلاحي، صديقه أمير موسوي المستشار الثقافي للسفارة الإيرانية بالجزائر «أن يبادر شخصياً ويطلب إعفاءه من مهامه ومنصبه حفاظا على المصلحة العليا والعامة».
وتوضيحا لأسباب هذه الدعوة، أضاف فلاحي: «أعتقد أنه - حفاظا على المصلحة العليا والعامة - أصبح ضروريا للملحق الثقافي بالسفارة الإيرانية... أن يبادر شخصيا ويطلب إعفاءه من مهامه ومنصبه... نشاطاته وتحركاته عبر التراب الوطني واتصالاته المكثفة والمتشعبة بفعاليات المجتمع المدني، والتي ذهب إلى استعراضها وبشكل مفرط عبر الفضاء الأزرق من خلال صفحته بفيسبوك، أضحت تثير القلق، وتطرح الكثير من الأسئلة الحرجة والمحرجة حتى بالنسبة للمصالح الأمنية».

غضب شعبي
تأتي هذه المخاوف من شبكات التشيع، بعد غضب شعبي ورصد رسمي لتحركاتها المهددة للأمن بالمنطقة؛ في الوقت الذي يشهد المسرح الإقليمي لشمال أفريقيا والشرق الأوسط مزيدا من الاختراقات، والصراعات الآيديولوجية الدينية، عبر إثارة نزعات مذهبية وبناء أنوية طائفية شيعية في بلدان شمال أفريقيا السنية المالكية المذهب. ويبدو أن مسار التحالفات بين القوى الدولية والإقليمية، جعلت من الجزائر من الناحية السياسية والاقتصادية في صف المحور الإيراني؛ مما ساهم بشكل حاسم في «تفجير» موجة جديدة من التشيع في البلاد منذ 2012.
ومن المؤشرات الدالة على خطورة شبكة التشيع التي انتشرت في السنوات الأخيرة بالجزائر؛ مشاركة الشيعة الجزائريين باحتفالات كربلاء ورفعهم علم بلادهم لأول مرة عام 2016 أما في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017 فقد كان مؤشرا صادما، يكشف خطورة التغلغل الشعبي للتشيع بالجزائر؛ حين تمكنت السلطات الأمنية في مطار هواري بومدين، من ضبط أكثر من 400 فرد جزائري متشيع، عائدين من كربلاء بعد حضورهم احتفالات عاشوراء، وما يسمى أربعينية الحسين؛ وبحوزتهم كتب ومنشورات، ورايات، تستعمل في التبشير الشيعي. ولقد علق وزير الشؤون الدينية الجزائري في تصريحات لوسائل الإعلام المحلية، عن هذا الحدث بالقول إن «توقيف مروّجي التشيع دليل قاطع على قدرة السلطات على مراقبة كل الفرق الدينية التي تعمل على اختراق المرجعية الدينية الموحدة للجزائريين، وهي المذهب المالكي السني».

تهديد النسيج الاجتماعي
وتذهب عدة تقارير رسمية وغير رسمية، إلى أن تحركات المتشيعين، أصبحت تهدد معها النسيج الاجتماعي والديني للمنطقة المغاربية عامة، وقد تفتح عليها أبواب الفتن الدينية المسلحة مستقبلا، خصوصا بعد تشبيك إيران لعلاقات المتشيعين بكل من الجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا عام 2016، وربط هذه الشبكة بالمشيعين بكل من ألمانيا وبلجيكا.
ورغم أن السلطات الجزائرية تحركت في نفس السنة، ضد هذه الموجة من التبشير الذي تقوده السفارة الإيرانية، وبدعم من نظيرتها العراقية؛ إلا أن الأوساط الدينية الرسمية والمدنية بالبلاد، ما زالت تعتبر أن هذه الخطوات الجزائرية جاءت متأخرة، وغير كافية للحد من التغلغل الشيعي في البلاد، والذي وصل إلى حدود سنة 2017 وفقا لتقارير متعددة ما بين 3 آلاف و5 آلاف شيعي جزائري.

حشد ايديولوجي
ورغم أن الدراسات المتوفرة اليوم بالجزائر، تؤكد على أن هناك تضخيما متعمدا من بعض المؤسسات الشيعية العراقية والإيرانية لعدد المتشيعين الجزائريين؛ إذ تزعم بعض الإحصاءات أن العدد بلغ لحدود 2017 نحو 20 ألف متشيع جزائري. إلا أن هذه الادعاءات الكاذبة تهدف إلى الحشد الآيديولوجي الطائفي، وإلى محاولة خلق حالة تطبيعية شعبية، مع التمزيق المذهبي للشعب الجزائري الذي تمارسه إيران بالبلاد. كما أن هذه المزاعم، تتوخى إخراج القلة المتشيعة من السرية، ودفعها للعمل العلني والمطالبة بحقوق الأقليات الدينية، في المجالين المدني والسياسي.

بؤر ومناطق بعينها
من الناحية الواقعية، تركز التشيع في مناطق بعينها، مثل الجزائر العاصمة، ومدن باتنة، وتبسة، وسيدي بلعباس، وتيارت، وخنشلة؛ إلا أن الأبحاث الميدانية، تؤكد أن مدينة سيدي خالد بجنوب الجزائر، هي المركز الروحي للمتشيعين بالبلاد. أما فيما يتصل بالأنشطة والممارسات الطقوسية، تشير هذه الدراسات، إلى نحو 150 نشاطا علنيا، يمارس سنويا، في بعض الأضرحة والبيوتات، في مختلف المدن الجزائرية.
كما أن المتشيعين الجزائريين استطاعوا تشبيك عملهم الديني مع الشيعة التونسيين والمغاربة منذ عام 2016؛ ويبدو أن هذا التنسيق سيتطور، بشكل يمس من الأمن الروحي للمنطقة المغاربية، خاصة مع غياب التنسيق الأمني بين الدول الثلاث فيما يتعلق بتحركات الشيعة الأوروبيين من أصول مغاربية، ودورهم في زرع خلايا نائمة داخل شمال أفريقيا.
وفي هذا السياق نشير إلى ما كشفه البرلماني عن «حركة مجتمع السلم» ونائب رئيسها، عبد الرحمن سعيدي لـ«الشرق الأوسط» عن تكوين تنظيم جديد يدعى «حزب الله المغاربي»، ويتزعمه أحد الشيعة المغاربة المقيمين بألمانيا. وقال إن «جماعة فكرية خارج الجزائر، تتحرك لإرساء قواعد حزب مغاربي بمنطقة المغرب العربي»، كما أضاف أنه يتزعمه: «شخص يقيم بشرق الجزائر متزوج من لبنانية، وله نفوذ في الأوساط الشيعية خارج الجزائر ويدعي أنه من كبار الشيعة في المنطقة المغاربية». كما أوضح البرلماني الجزائري، عبد الرحمن سعيدي، أنه «يتم التحضير في بلاد غربية وفي بلاد الشام لمشروع حزب الله المغاربي».

اختراق نوعي
عمدت السلطات الجزائرية إلى حدود 2016 إلى التقليل من خطر التشيع، وكانت تعتبر الجماعات السنية المتشددة الخطر الحقيقي المحدق بالبلاد؛ وهذا الأمر جعلها تتبنى نفس الموقف الآيديولوجي للدعاية الشيعية بالجزائر. غير أن الضغط الشعبي والمدني، الذي استعمل وسائل التواصل الاجتماعي؛ ووصل للحقل الديني والسياسي، حيث دخل على خط التنديد بالتهديد الشيعي للجزائر، شخصيات دينية وسياسية وطنية، أرغم السلطات على إثارة الموضوع رسميا مع الطرف الإيراني.
غير أنه ولأسباب سياسية، فإن الجزائر لا تبدي مقاومة كبيرة للاختراق المذهبي الإيراني. فالنشاط الديني الطائفي، تحول في البلاد إلى مرحلة الهيكلة، والتشبيك مع الخارج، وفتح بيوتات وأماكن للعبادة الشيعية داخليا؛ ووصل الأمر إلى غرس خلايا التبشير الشيعي في مناطق شعبية مختلفة من البلاد. ويلاحظ لحدود 2018م، أن اختراقه للنسيج الاجتماعي الجزائري، مس بشكل أساسي رجال التعليم، والإعلام؛ مما يطرح إشكالية حصانة النخبة الجزائرية، وقدرتها على الدفاع عن الوحدة المذهبية المالكية للبلاد.

طرق الانتشار
وإذا رجعنا للدراسات الميدانية، فنجد أن نشر التشيع، يعتمد على طرق مختلفة؛ منها القنوات الإعلامية التي تبث من العراق، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. كما أن الاختراق الشيعي للجزائر، يستغل وجود بعض الشركات الإيرانية في جهات معينة من البلاد، لبناء حاضنة اجتماعية، للطائفة الشيعية؛ ومثال ذلك مدينة الشريعة على الحدود الشرقية مع تونس، والتي ظهرت فيها بعض المقرات غير القانونية للتشيع منذ 2015.
ورغم أن هذه الأنشطة والأماكن المعلنة وشبه المعلنة، لا تحوز الصفة القانونية، فإن السلطات الجزائرية، تترك للمتشيعين الجزائريين حرية الاجتماعات وممارسة الطقوس المذهبية؛ أكثر من ذلك، توفر الأجهزة الأمنية نوعا من الحماية، لبعض الأنشطة ومقراتها غير الرسمية، وتمنع وسائل الإعلام من تصويرها، مما يعتبر تضييقا لحرية الصحافة في تناول هذه القضية.
ومع أن هذا التوجه الرسمي، يمكن تفسيره بالثقة المفرطة للدولة في حصانة أمنها الروحي؛ فإن الواقع العملي فند «حصانة» الجزائر، وصمودها ضد الاختراقات الطائفية الإيرانية. وفي هذا السياق، كشف وزير الشؤون الدينية الجزائري في منتصف مايو 2016 على أن البلاد تتعرض لهجمة خارجية تستهدف تقسيم الجزائر؛ وأن هناك «مخططات طائفية لزرع الفتنة في المجتمع الجزائري». وأنها تنشط، في الثانويات والجامعات. وأضاف أن هذا الخطر بمثابة استعمار حديث، وجب على الدولة الجزائرية مواجهته بصرامة. وفي هذا الصدد، أكد محمد عيسى وزير الشؤون الدينية، أن حكومة بلاده عاكفة على إخراج قانون جديد يتضمن مواد تجرم الفكر الطائفي. ورغم مرور سنتين على هذا التصريح للوزير محمد عيسى، فإن هذا القانون لم يصدره؛ غير أن ذلك لا يعني عدم اتخاذ، بعض الإجراءات العملية للحد من الاختراق الشيعي للبلاد.
فقد أقدمت الدولة على إنشاء هيئة مكافحة التشيع، للحد من انتشار الطائفية؛ وتجدر الإشارة إلى أن هذه المبادرة جاءت سنة 2016، بعد تقارير أمنية رسمية، تؤكد أن الأساتذة بالجامعات والمثقفين بالجزائر، هم في صدارة المتشيعين، وتليهم فئات الطلبة بالجامعات، ورجال الإعلام. ويبدو أن هذا الوضع الخطر، دفع الوزير الأول الجزائري الحال، أحمد أويحيى، للحديث عن هذا الموضوع في حملته الانتخابية عام 2017، حيث أكد أن «الشعب الجزائري سني مالكي ونرفض الشيعة والأحمدية في الجزائر».
عموما، يمكن القول إن التشيع بالجزائر حقق اختراقا مهما للنسيج الاجتماعي للبلاد، وخاصة في صفوف النخب الجزائرية. وقد ساهمت عدة عوامل متداخلة في هذا الاختراق، أهمها وجود بنية ثقافية منذ الثمانينات من القرن العشرين مناصرة سياسيا لإيران وحزب الله، وما يطلق عليه «محور المقاومة». أما من الناحية الشعبية، فإن المواجهة الشرسة للدولة مع تيارات السلفية والسلفية الجهادية، والتضييق على المؤسسات الدينية غير الرسمية، مكن التشيع من النفاذ واختراق المجتمع الحضري والقروي الجزائري.

بين التخوف والتحالف
وتدرك الدولة الجزائرية اليوم، أنها تواجه خطر التعدد المذهبي، وتحويل البلاد من سنية مالكية إلى دولة ممزقة بين السنة والشيعة والأحمدية والإباضية. غير أنها في الوقت نفسه، تعمل جاهدة على الإبقاء على التحالف السياسي مع إيران؛ خصوصا أن العلاقات بين البلدين تطورت بشكل لافت منذ 2011 وأصبحت الجزائر مساندة بشكل قوي لبرنامج إيران النووي، ولتدخل طهران في سوريا، كما تتحفظ على «عاصفة الحزم» باليمن؛ وهناك تنسيق أمني وتعاون بين الطرفين في المجالين: العسكري، الطاقة.
ويبدو، أن تنامي التعاون السياسي والاقتصادي بين الجزائر وطهران، دفع الجزائر لرفض بعض القرارات العربية، خاصة تلك التي تعتبر «حزب الله» اللبناني منظمة إرهابية؛ حيث دعا عبد القادر مساهل وزير خارجية الجزائر جامعة الدول العربية سنة 2016 إلى ضرورة «الالتزام بقواعد الشرعية الدولية... واللوائح والقوائم الأممية في تصنيف الجماعات الإرهابية، لا تشمل الأحزاب المعترف بها، والمساهمة في المشهد السياسي والاجتماعي الوطني».
* أستاذ زائر العلوم السياسية جامعة محمد الخامس - الرباط



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».