«الليلة الكبيرة» تحافظ على بريقها في ليالي رمضان بدار الأوبرا المصرية

بعيون يملأها الشغف يجلس الأطفال أمام منصة صغيرة أشبه بالمسرح، منتظرين أن تخرج عليهم عرائسهم المفضلة لتمتعهم بعروضها، هذا يفضل الأراجوز، والآخر يهوى «شجيع السيما»، وثالث يوجه أنظاره نحو «معلن السيرك» وتتمايل الدمى فتتمايل معها قلوب المشاهدين... غناء ورقصا وتصفيقا، ربما تصعب بعض كلماتها على الفهم لاختلاف الأجيال، لكنها تزداد بريقا كلما مر عليها الزمن، هكذا يصف الممثل والمخرج في مسرح القاهرة للعرائس، وأحد المشاركين في «الليلة الكبيرة» بدار الأوبرا المصرية، محمد فوزي، لـ«الشرق الأوسط»، استقبال الجمهور للأوبريت الذي قارب على عامه الستين منذ عرضه الأول في 1961.
ما جذب فوزي للعمل في فن العرائس بشكل عام، الذي يضم الدمى، وخيال الظل، وغيرهما، هو أنه أسرع وسيلة يمكن من خلالها مخاطبة براءة الطفل، واستحضار عبقريته، بل بات وسيلة لعلاجه النفسي بربطه بشخصيات من صنع الخيال يعيش معها كأنها موجودة بيننا، فمن منا لم يكن لديه كائن يحاكيه، سواء كان دمية أو حتى عصا أو ورقة شجر.
أحد أصدقاء تامر سيد، الذي يمتهن العمل الحر، دعاه لحضور أحد عروض الليلة الكبيرة بدار الأوبرا المصرية، فتحمس للفكرة وقرر إحضار طفله لمشاهدة الأوبريت الذي يعشقه منذ الصغر، حيث يحمل لديه ذكريات جميلة من التراث نفتقدها كثيرا في الوقت الحالي، حسب ما يؤكد لـ«الشرق الأوسط».
يقول سيد، حاملا طفله الصغير فوق كتفيه ليتمكن من مشاهدة العرض: «جيلي مختلف كثيرا عن جيله، فبينما ارتبطت كثيرا بهذه العرائس، يفضل هو مشاهدة أفلام الكرتون الحديثة، لذا أحرص دائما على تثقيفه بالفن الجميل بحثه على الاستماع لأغاني عبد الحليم وأم كلثوم وأحيانا عمرو دياب، هذه الأجيال مظلومة، لذا نسعى إلى تذكيرها بتراثها قدر ما نستطيع».
شهرة «الليلة الكبيرة»، من وجهة نظر فوزي، ترجع إلى أنها أخذت حظا كبيرا من الظهور في فترتها، كما كان العرض يتميز بالذكاء الشديد، حيث استلهم الطقوس التراثية في الفلكلور الشعبي، لدى الشعب وجلبها لهم على المسرح للاستمتاع بها، بالإضافة إلى عبقرية القائمين على العمل ذاته، من مؤلف الأوبريت صلاح جاهين، والملحن الكبير سيد مكاوي، وإخراج صلاح السقا، والعرائس لناجى شاكر.
هذا الشغف، دفع «فوزي» للتفكير خارج الصندوق، ليشرع في 2011 في تأسيس «كيان ماريونيت مصر»، الذي ساهم في تأسيس أكثر من 10 فرق متخصصة على مستوى الجمهورية، وأخرج فنانين جددا على الساحة، ومن المنتظر أن تشارك الفرقة في مونديال العرائس بروسيا في أغسطس (آب) المقبل، كممثل وحيد لقارة أفريقيا، حيث تقدم عرضا تقنيا حديثا، يمزج بين فن العرائس والمسرح الأسود، وعرض خيالات بعنوان «puppet got talent».
ويضيف مخرج مسرح القاهرة: «فن العرائس ليس مندثرا كما يظن البعض، فنحن قدمنا عرضا بعنوان «مهمة رسمية» حصل على جائزة أفضل عمل جماعي على مستوى العالم في مونديال الصين في 2012. كما أقام كيان مارونيت في العام الماضي أول مهرجان لمسرح العرائس في العالم، أونلاين على شبكة الإنترنت، لمدة 30 يوما، شاركت فيه أكثر من 300 فرقة على مستوى العالم، بعروض حية ومباشرة».
من جانبه قال محسن عمر، أحد المسؤولين عن العرض لـ«الشرق الأوسط»: «إن الدافع وراء إعادة إحياء (الليلة الكبيرة)، هو رغبتهم في تقديم عمل مواكب للبيئة المصرية، ومتقابل مع محبي البيئة الشعبية المصرية، ولفت: «جميع العرائس الإلكترونية دخلت عليها موضة التحديث، بخلاف الدمية اليدوية والأراجوز، اللذان يزالان يحتفظان بهوية وطبيعة خاصة، وهو ما يفسر عدم قدرة الجمهور على نسيان (بوجي) و(طمطم) وحكايات الظل حتى الآن، رغم مرور سنوات عليها».
يؤكد عمر لـ«الشرق الأوسط» أن «متابعة هذا الفن مرتبط في الأساس بجودة الفكرة ذاتها، والفن الحركي الذي تقدمه، فالطفل الآن بات يشعر بالملل من العرائس، التي تقدم له نصائح شرب اللبن وكتابة الواجب المنزلي الدراسي، حيث يفضل الاستمتاع بمشاهدة قصة تجذب أنظاره، هذا الأمر دفع مسرح القاهرة إلى تقديم استعراض «العقلاء» الكوميدي للفنان إسماعيل ياسين» في عرض مماثل، لأنه اعتمد على تقديم شخصيات حركية غير نمطية.
يشار إلى أن مسرح العرائس قدم عروضا مجانية في أكثر من منطقة حتى وصل إلى محافظات الصعيد والدلتا، وحتى في أكثر من دولة خارج مصر، ورغم ذلك لم يأخذ حقه في الظهور إعلاميا، لكن هذا الفن بات وسيلة للترويج والدعاية تتحدى الاندثار، فبعض المقاهي الحديثة باتت تركز على وضع صور لشخصيات «الليلة الكبيرة» في سبيلها لجذب زبائنها إلى «نوستالجيا الفن الجميل».