مصر تحيي مسرح الريف لتوعية الصعيد بالتغيرات المناخية

يقدم أعمالاً كوميدية أبطالها من المزارعين

احد عروض مسرح الريف
احد عروض مسرح الريف
TT

مصر تحيي مسرح الريف لتوعية الصعيد بالتغيرات المناخية

احد عروض مسرح الريف
احد عروض مسرح الريف

ابتكر الفنان المصري الشهير أحمد آدم، شخصية «القرموطي» قبل نحو 24 عاماً من خلال المسلسل الشهير «سر الأرض»، ليقوم من خلالها بتوعية المزارعين بالرسائل التي كانت وزارة الزراعة المصرية تريد توصيلها إليهم.
ورغم النجاح الكبير الذي حققه المسلسل، الذي كان يحظى بمتابعة كل فئات المجتمع، وليس المزارعين فقط، فإنه بقيت مشكلة، وهي أن الرسالة التي كانت شخصية القرموطي تقوم بتوصيلها، كانت تحتاج إلى وجود مرشد زراعي على الأرض يدعمها، وأدى غياب الدور الحقيقي له، إلى فقدان الهدف من المسلسل، ليتحول إلى مادة للضحك، وليس للتوعية.
وتجاوز هذه المشكلة مشروع بناء مرونة نظم الأمن الغذائي بصعيد مصر، الذي يتم تنفيذه حالياً لمواجهة آثار التغيرات المناخية، وذلك بتنفيذ عروض (مسرح الريف)، التي يتم إقامتها في القرى بإمكانات بسيطة جدا، بالتعاون مع هيئة قصور الثقافة، ويقوم بدور البطولة فيها مزارعون تم اختيارهم لهذه المهمة، ليتحول هؤلاء المزارعون أنفسهم إلى مرشدين يؤكدون على رسالة المسرحية من خلال تنفيذ مضمونها في أراضيهم.
وفكرة مسرح الريف ليست جديدة؛ إذ نفذت التجربة الأولى لها إدارة الثقافة الجماهيرية بوزارة الثقافة المصرية في عام 1969، عندما ذهب المخرج المصري الراحل هناء عبد الفتاح لإحدى القرى، وأقام في مبنى الإصلاح الزراعي لمدة ثلاثة أشهر، كوّن خلالها فريقاً مسرحياً من شباب الفلاحين، ليعرض مسرحية «ملك القطن» للكاتب الكبير يوسف إدريس بممثلين من المزارعين.
وانطلقت التجربة القديمة من مفهوم أن الثقافة حق لكل فئات المجتمع، لكن التجربة الجديدة تنطلق بمفهوم آخر، وهو استخدام المسرح وسيلةً للتوعية بظاهرة التغيرات المناخية التي تهدد الأمن الغذائي، كما يؤكد عثمان عبد الرحمن الشيخ، مدير المشروع.
ويقول الشيخ لـ«الشرق الأوسط»: «الاعتقاد السائد لدى المزارعين أن التغيرات المناخية أمر إلهي، ليس لنا حيلة في التعامل معه، وما نحاول أن نؤكده لهم من خلال مسرح الريف، هو أن تلك التغيرات صحيح أنها أمر إلهي، لكن يمكن تلافي تداعياتها باستخدام بعض التدابير، تماماً مثل المرض الذي يصيب الإنسان، ويختبر به الله صبره، لكنه في الوقت نفسه أمره بالأخذ بالأسباب والذهاب للطبيب».
والأخذ بالأسباب في ظاهرة التغيرات المناخية، هو تغيير موعد الزراعة أو زراعة سلالات جديدة من النبات تتحمل درجات الحرارة، أو تعديل في مواعيد الري، وهي رسائل تختلف من حالة إلى أخرى ومن نبات لآخر، ويتم توصيلها من خلال أعمال كوميدية يقدمها مسرح القرية، كما يؤكد الشيخ. يضيف: إن هناك تأثيراً ملحوظاً لمسرح الريف بدأوا يلمسونه في تجاوب المزارعين في الصعيد مع الخدمات التي ينفذها المشروع، مثل خدمة الإنذار المناخي المبكر، التي يتم إتاحتها عبر تطبيق على هواتف الأندوريد.
وتقدم تلك الخدمة ربطاً بين توقعات الطقس والزراعة؛ إذ يتم إخبار المزارع بشكل يومي بما يجب أن يفعله طبقاً لنوع زراعته، وحالة الطقس في ذلك اليوم.
ويقول الشيخ: «يعني مثلاً من خلال التطبيق يتم إخبار المزارع بأن درجة الحرارة سترتفع غداً؛ لذلك وجب عليه ري القمح في هذا اليوم».
وعن السبب في استهداف الصعيد من خلال مشروع بناء مرونة نظم الأمن الغذائي المنفذ بالتعاون بين وزارة الزراعة المصرية وبرنامج الغذاء العالمي ومشروع الأقلمة المناخية، يقول الشيخ: «التغيرات المناخية ستؤثر بشكل مباشر على الأمن الغذائي، وبما أن الصعيد من أفقر المناطق في مصر، كان يجب تركيز الانتباه عليه من خلال مسرح الريف، وغيره من الخدمات».
وحول ما يتردد عن غرق الدلتا بفعل التغيرات المناخية، يضيف: «حتى الآن هذا الكلام غير مؤكد، وسنفترض أن ذلك حدث، فعندها سيتجه أهل الدلتا للصعيد، وهو ما يعطي أهمية إضافية لتلك المنطقة، تجعل من الضروري إعطاءها أولوية في قضية التغيرات المناخية».



مسرحية «5 دقايق» تختصر زمن الوفاء للأهل بـ50 دقيقة

مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)
مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)
TT

مسرحية «5 دقايق» تختصر زمن الوفاء للأهل بـ50 دقيقة

مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)
مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)

تختصر المخرجة مايا سعيد زمن الوفاء للوالدين بمسرحية «5 دقايق». اختارت عرضها في موسم عيد الميلاد، الموعد نفسه الذي خسرت فيه والدها. فكرّمته على طريقتها ضمن نص بسيط ومعبّر، يترك أثره عند متابعه ويتسلل إلى مشاعره من دون أن تفرض عليه ذلك. لا مبالغة في الوقت ولا في الحوارات.

رسالة إنسانية بامتياز تمرّ أمامك بـ50 دقيقة لتستوعب هدفها في الدقائق الخمس الأخيرة منها. على مسرح «ديستركت 7» في بيروت يقام العرض. ومع بطلي المسرحية طارق تميم وسولانج تراك وضعت مايا سعيد الشخصيتين اللتين يؤديانهما بتصرفهما، فأدركا دقّة معانيهما بحيث جسّداهما بعفوية تليق بخطوطهما.

مسرحية «5 دقايق» تحية تكريمية في ذكرى من نحبّهم (مايا سعيد)

بحوارات تميل إلى الكوميديا رغبت مايا سعيد في إيصال رسالتها المؤثرة. لم تشأ أن تحمّل المشاهد همّاً جديداً. ولا أن تُغرقه بمشاعر الأسى والحزن. فموسم الأعياد يجب أن يطبعه الفرح، ولكن لا بأس إذا ما تحررنا من أحاسيس حبّ مكبوتة في أعماقنا، وتكمن أهميتها بمنبعها فهي آتية من ذكرى الأهل.

تحكي المسرحية عن ليلة ميلادية تقتحم خلالها سيدة غريبة منزل «الأستاذ حرب»، فتقلبه رأساً على عقب بالشكلين الخارجي والداخلي. وتجري أحداث العمل في مساحة ضيقة على خشبة تتزين بديكورات بسيطة. وتتألّف من شجرة عيد الميلاد وكنبة وطاولة. وإذا ما تفرّجنا على هذا المكان بنظرة ثلاثية الأبعاد، سنكتشف أن الخشبة تُشبه شاشة تلفزيونية. فحلاوتها بعمقها وليس بسطحها العريض. مربّعة الشكل يتحرّك فيها البطلان براحة رغم ضيق المكان. يشعر المشاهد بأنه يعيش معهما في المكان والزمان نفسيهما.

وتعلّق مايا سعيد، كاتبة ومخرجة العمل، لـ«الشرق الأوسط»: «ينبع الموضوع من تجربة شخصية عشتها مع والدي الذي رحل في زمن الميلاد. وعندما تدهورت حالته الصحية عاش أيامه الخمسة الأخيرة فاقداً الذاكرة. ومثله مثل أي مريض مصاب بألزهايمر لم يكن في استطاعته التعرّف إليّ. وهو أمر أحزنني جداً».

من هذا المنطلق تروي مايا سعيد قصة «5 دقايق». وضمن أحداث سريعة وحوارات تترك غموضاً عند مشاهدها، يعيش هذا الأخير تجربة مسرحية جديدة. فيحاول حلّ لغز حبكة نصّ محيّرة. ويخيّل له بأنها مجرّد مقتطفات من قصص مصوّرة عدّة، ليكتشف في النهاية سبب هذا التشرذم الذي شرّحته المخرجة برؤية مبدعة.

طارق تميم يجسّد شخصية مصاب بألزهايمر ببراعة (مايا سعيد)

وتوضح مايا سعيد: «رغبت في أن يدخل المشاهد في ذهن الشخصيتين وأفكارهما. وفي الدقائق الخمس الأخيرة وضعته في مكان الشخص الذي يعاني من مرض الطرف الآخر. أنا شخصياً لم أتحمّل 5 أيام ضاع فيها توازن والدي العقلي. فكيف لهؤلاء الذين يمضون سنوات يساعدون أشخاصاً مصابون بمرض ألزهايمر».

وعن الصعوبة التي واجهتها في إيصال رسالتها ضمن هذا العمل تردّ: «كان همّي إيصال الرسالة من دون سكب الحزن والألم على مشاهدها. فنحن خرجنا للتو من حرب قاسية. وكان ذلك يفوق قدرة اللبناني على التحمّل. من هنا قرّرت أن تطبع الكوميديا العمل، ولكن من دون مبالغة. وفي الوقت نفسه أوصل الرسالة التي أريدها بسلاسة».

يلاحظ مشاهد العمل طيلة فترة العرض أن نوعاً من الشرود الذهني يسكن بطله. وعرف طارق تميم كيف يقولبه بحبكة مثيرة من خلال خبرته الطويلة في العمل المسرحي. وبالتالي كانت سولانج تراك حرفيّة بردّ الكرة له بالأسلوب نفسه. فصار المشاهد في حيرة من أمره. وتُعلّق مايا سعيد في سياق حديثها: «طارق وسولانج ساعداني كثيراً في تلقف صميم الرسالة. فتقمصا الشخصيتين بامتياز بحيث قدماهما أجمل مما كُتب على الورق».

ضمن نص معبّر تدور«5 دقايق» (مايا سعيد)

طيلة عرض المسرحية لن يتوصّل مشاهدها إلى معرفة اسمي الشخصيتين. فيختلط عليه الأمر في كل مرة اعتقد بأنه حفظ اسم أحدهما. وكانت بمثابة حبكة نص متقنة كي يشعر المشاهد بهذه اللخبطة. وتستطرد مايا: «لا شك أن المسرحية تتضمن مفاتيح صغيرة تدلّنا على فحوى الرسالة. والتشابك بالأسماء كان واحداً منها».

حاولت مايا سعيد إيصال معاني عيد الميلاد على طريقتها. وتختم: «لهذا العيد معانٍ كثيرة. وأردتها أن تحمل أبعاداً مختلفة تخصّ الأشخاص الذين نحبّهم حتى لو رحلوا عنّا. فغيابهم يحضر عندنا في مناسبات الفرح. وبهذا الأسلوب قد ننجح في التعبير لهم عن ذكراهم في قلوبنا».