ليبيا... ماذا وراء مبادرة ماكرون؟

شكوك حول الانتخابات... وتحذير من «الصوملة»

ليبيا... ماذا وراء مبادرة ماكرون؟
TT

ليبيا... ماذا وراء مبادرة ماكرون؟

ليبيا... ماذا وراء مبادرة ماكرون؟

استضاف الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أول مؤتمر الثلاثاء الماضي، من نوعه لقيادات تمثل جانباً من سُلطاتٍ رئيسية في ليبيا، بحثاً عن حل في البلد الذي يعاني من الفوضى منذ مقتل معمّر القذافي. إلا أن عمق الخلافات بين الأفرقاء الليبيين حال دون التوقيع على وثيقة ملزمة. ومع ذلك، حركت المبادرة الفرنسية المياه الراكدة في الملف الليبي، داخلياً وخارجياً. وتمكَّن الرئيس الشاب، من جمع الخصوم الأربعة في غرفة واحدة، لأول مرة، وهم: فائز السراج رئيس «المجلس الرئاسي»، وخالد المشري رئيس «مجلس الدولة»، وعقيلة صالح رئيس البرلمان، وخليفة حفتر قائد «الجيش الوطني».
وتسعى باريس للتوصل لاتفاق تدعمه الأمم المتحدة، ويفضي لإجراء انتخابات، قبل نهاية هذا العام، بيد أن هذه الخطوة من شأنها أن تثير مزيداً من الاحتقان داخل هذا البلد الأفريقي الغني بالنفط، وقد تثير كذلك غيرة أكثر من دولة أوروبية، وبخاصة إيطاليا التي تعتمد على نحو 35 في المائة من إمدادات النفط ونحو 20 في المائة من الغاز من ليبيا، مستعمرتها السابقة.

حضر مؤتمر باريس حول ليبيا ممثلون لحكومات بلدان عدة معنية بالوضع الليبي، ومنظمات إقليمية ودولية. ويرى المحلل الأمني والسياسي النمساوي ولفغانغ بوشتاي، أن معظم الأطراف الليبية التي دعيت إلى العاصمة الفرنسية باريس، ليس لديها سلطة أو نفوذ، باستثناء الجنرال حفتر في شمال إقليم برقة.
بوشتاي عمل في مجالات مختلفة منها الاستخبارات، والشؤون الاستراتيجية والسياسية، وإدارة الأزمات. وهو يقول إن «لا أحدا من (القادة الليبيين) الأربعة، الذين التقوا في العاصمة الفرنسية، يتمتع بالسلطة والنفوذ في داخل البلاد، لإقرار قانون انتخابي مناسب، ولا يمكن لأي منهم - باستثناء حفتر في شمال برقة - أن يكون له تأثير إيجابي حقيقي على الأمن... فالميليشيات في طرابلس، وفي أجزاء أخرى من البلاد، لن تضع أسلحتها فقط؛ لأن هناك لقاء جرى في باريس».

- خلافات عميقة
ورغم ما بدا من تفاؤل أمام كاميرات التصوير، فإن مراقبين محليين وغربيين يرون أن الحل في ليبيا، ربما لن يكون بتلك السهولة. إذ يقول عبد الله ناكر، رئيس حزب «القمة» الليبي ورئيس «مجلس ثوار طرابلس»: «لم تكن هناك ثقة بين الليبيين الذين اجتمعوا في باريس. لقد كان كل منهم يعبّر عن الجهة التي تقف وراءه. نحن في أزمة كبيرة». ويضيف، إنه رغم كل شيء يظل الحل بيد الليبيين عن طريق اللجوء لصناديق الاقتراع... متابعاً «أؤمن بأن الانتخابات ستقول من يحكم ليبيا، وحينها سنلتف حوله».
في الواقع، أظهر مؤتمر باريس عمق المشكلة، وذلك لدى وضع الأمور على طاولة الرئيس إيمانويل ماكرون. فموقف السراج من كل من حفتر وصالح، وحربهما في مدينة درنة، يعد الأقرب لموقف المشري التابع لجماعة الإخوان المسلمين. والمشري لا ينظر إلى مسلحي درنة باعتبارهم «إرهابيين»، بل باعتبارهم «ثواراً». ثم إنه يصف حفتر - المعيّن من قبل البرلمان الذي يرأسه صالح - بأنه «انقلابي ومطلوب للعدالة».
وفي المقابل، تصنف جبهة حفتر، جماعة الإخوان «تنظيماً إرهابياً». وهناك خلافات أخرى بين سلطات مجلس الدولة، وسلطات البرلمان. ولا يوجد أي تفاهم حول مَن يحق له أن يكون القائد الأعلى للقوات المسلحة. وللعلم، يتنازع على هذه الصفة في الوقت الراهن كل من السراج وصالح.
وعلى الأرض، ما زالت طرابلس ممزّقة الأوصال بين ميليشيات متنافسة ومدجّجة بالمدفعية والدبابات. في حين تغذي بعض الأطراف حرباً قبلية في جنوب البلاد. وأما في الشرق، فما زال الجيش يحارب مجموعات ارهابية، في درنة ومناطق صحراوية أخرى.
على خلفية هذه الأجواء، حدّد ماكرون يوم العاشر من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، لإجراء الانتخابات. وبينما شنّت وسائل إعلام إيطالية حملة انتقادات ضد نشاط الفرنسيين في ليبيا، يبدو الموقف الأوروبي ضبابياً من هذا الملف، في حين ابتعدت الولايات المتحدة، إلى حد ملحوظ، عن الخوض في مستقبل الليبيين، وهي تكتفي بين وقت وآخر بتوجيه ضربات لقواعد تخصّ متطرفين في الصحراء الشاسعة.

- قوى خارج التفاوض
من جهة ثانية، تغيب عن لقاء باريس ممثلون لقوى محلية ليبية لا يستهان بها، من بينها تحالف أنصار النظام السابق. ويقول أحد القيادات التي كانت تعمل بالقرب من القذافي: «لم توجه لنا دعوة... ولقاء باريس اقتصر على ممثلي مجموعات عملت في 2011 مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) لإسقاط القذافي». لكن مع هذا، يبدي قادة من النظام السابق حماسة لإجراء الانتخابات، ولا سيما أنهم يعدّون أنفسهم الغالبية.
أيضاً، تغيّب عن المؤتمر الفريق المحسوب على «حكومة الإنقاذ» برئاسة خليفة الغويل، وهي آخر حكومة موحدة حتى 2014، وما زال لها موالون في طرابلس ومصراتة، وتعد نفسها «الحكومة الشرعية» إلى الآن. ويقول المحلل السياسي والاقتصادي الأميركي شريف الحلوة، الذي التقى أطرافاً في هذه الحكومة، إنها «لا تعترف بالسراج، ولا تعترف بحفتر».
ولم يحضر المؤتمر، كذلك، أي من القادة العسكريين من مصراتة، وهي مدينة تمتلك قوات كبيرة، ولعبت دوراً مهماً في طرد تنظيم داعش من سرت في 2016، وهي ليست على وفاق مع حفتر. ويوضح أحد ضباط المدينة إن عسكريي مصراتة تلقوا دعوة للمشاركة في مؤتمر باريس قبل انعقاده بيوم واحد فقط، وهو ما حال دون اتخاذ قرار بشأنه مع باقي الضباط بسبب ضيق الوقت.
في هذه الأثناء، تضاربت عشرات البيانات في الداخل الليبي بخصوص المؤتمر. وأعلنت تشكيلات مسلحة في مناطق بغرب البلاد رفضها له، بينما حظي الاقتراح بإجراء انتخابات على رضا قطاعات قبلية وسياسية أخرى.
ويقول الحلوة، الذي زار مصراتة مرات عدة: «يجب أن نتأكد من أن أي اجتماع بخصوص ليبيا، دون دعوة القوى الثورية، سيواجه بكمية من الاعتراضات في الداخل؛ ما سيفقد فرنسا مصداقيتها على المدى الطويل مع قطاع من القوى الليبية، وهذا من شأنه أن يعطل أي وجود فرنسي في هذا البلد مستقبلاً».

- فرص إجراء الانتخابات
أما بوشتاي، ومع أنه يؤكد على أن لقاء باريس في حد ذاته «شيء إيجابي»، فهو يعتبر أن أي اتفاق بينهم لن يضمن ما هو مطلوب... «حتى لو كانت هناك جولة أخرى لتسجيل الناخبين، فلا يوجد سبب لافتراض أن الكثير من الليبيين الآخرين سيكونون على استعداد للتسجيل والتصويت بالفعل، بنهاية العام».
ويضيف المحلل النمساوي: «علاوة على ذلك، والأكثر أهمية، لا يمكن لأي من هؤلاء (القادة) الأربعة أن يضمن أن نتائج الانتخابات، في ظل هذه الظروف، ستكون مقبولة في جميع أنحاء ليبيا... «الدفع من أجل إجراء انتخابات، أمر سابق لأوانه، وأياً كان السبب، فهذه الخطوة لعبة خطرة للغاية». وحقاً، لا يوجد رئيس لليبيا منذ 2011 حتى الآن. كما أن البلاد تدار بواسطة إعلان دستوري. وهنا يقول ناكر: «الانتخابات ممكنة... فالوضع بهذه الطريقة لم يعد يحتمل». وترتفع أصوات ليبية بإجراء استفتاء على الدستور الجديد أولاً، أي قبل إجراء الانتخابات، بينما توجد إشارات دولية وإقليمية بأنه يمكن إجراء الانتخابات بقانون وفقاً للإعلان الدستوري.
بوشتاي، من جديد، يصف الدعوة لإجراء استفتاء على مسوّدة الدستور، بـ«الأمر الخطير»، موضحاً أنها تركت الكثير من الأسئلة الحاسمة مفتوحة... و«من المستبعد للغاية أن تحصل على أغلبية الثلثين المطلوبة عند التصويت عليها. وحتى لو حصلت على النسبة المطلوبة فإنها، بالتأكيد، لن توفر أساساً مناسباً لتحقيق الاستقرار». ويضيف بوشتاي، إنه يمكن لليبيا «استخدام صيغة معدلة من الدستور القديم (الدستور الملكي، ويعود لمطلع الخمسينات) كأداة مؤقتة لتحقيق الاستقرار في البلاد من القاعدة إلى القمة، على أن يوضع دستور نهائي، فيما بعد، ويُتخَّذ قرار بشأن الشكل المستقبلي لنظام الدولة الذي يريده الليبيون لأنفسهم».
وعن فرص إجراء الانتخابات في ظل الأوضاع الراهنة، يقول المحلل النمساوي: «ليبيا ليست مستعدة، بأي حال من الأحوال، للانتخابات البرلمانية أو الرئاسية، لا على المستوى السياسي، ولا التنظيمي، ولا الأمني». بيد أنه يرى أن «مساهمة الانتخابات في استقرار ليبيا أمر ممكن، في حالة واحدة فقط، هي أن يكون هناك إقبال كبير من جانب الناخبين، وأن يكون هناك فوز ساحق (لمرشح رئاسي بعينه، أو لكتلة برلمانية بعينها).. وكلاهما غير مرجح، وفقا لآخر انتخابات (برلمانية) جرت في 2014».
ولا يخفي بوشتاي مخاوفه من أن تأتي الانتخابات - إذا أجريت - بنتائج كارثية أيضاً. ويشرح: «من المرجح جداً أن يتم الطعن في شرعية النتيجة.. فلنأخذ التطورات في الانتخابات السابقة في الاعتبار، وبالتالي يمكن أن يؤدي ذلك بسهولة إلى تفاقم الوضع. ويمكن أن تتفكك ليبيا بطريقة خارجة عن السيطرة، تسمح لمختلف الإسلاميين الراديكاليين باستخدام أجزاء من البلاد لاستراتيجيتهم التوسعية خارج حدود ليبيا».

- رأي أميركي بالوضع
من جانبه، يرى باراك بارفي، الباحث في «مؤسسة أميركا الجديدة»، بالعاصمة الأميركية واشنطن – وهو يعمل في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما فيها ليبيا التي زارها مرات عدة – أنه «في حال استمرار انقسام البلاد إلى إقطاعيات، سيكون من الصعب إجراء هكذا انتخابات، وبخاصة في الأجزاء الوسطى والجنوبية البعيدة عن المناطق الساحلية». كذلك، يرى شريف الحلوة أن الأجواء في ليبيا لا تساعد راهناً على خوض اقتراع محايد.. فـ«الليبيون في حاجة إلى الشعور بالأمان قبل إجراء الاقتراع»، مشيراً إلى استهداف تنظيم داعش لمقر مفوضية الانتخابات في طرابلس قبل عدة أسابيع.

- مصالح إيطاليا وفرنسا
على صعيد ثانٍ، كلما زاد التنافس الخارجي حول ليبيا، تعقد الموقف داخلها. ويقول المحلل النمساوي بوشتاي، إن المصالح الاستراتيجية المتداخلة جزئياً، هي فقط التي تقود سياسة اللاعبين الأوروبيين الرئيسيين في ليبيا... «ففي حين لدى إيطاليا مصالح اقتصادية وأمنية حيوية، تتعلق في الغالب بغرب ليبيا، بما في ذلك الرغبة في احتواء الهجرة غير الشرعية، تركز فرنسا أكثر على مكافحة الإرهاب، فيما يتعلق باستقرار منطقة الساحل».
ويردف أن «إيطاليا تشعر بالغيرة إزاء أي مبادرة سياسية فرنسية في ليبيا... فإيطاليا تعتبر ليبيا مثل (حكر دبلوماسي) خاص بها... وبعض الإيطاليين يتشك من أي نشاط اقتصادي فرنسي كبير. كما يعتقد بعض الإيطاليين أن الفرنسيين يريدون أن يحلوا محلهم بضفتهم شريكاً اقتصادياً رئيسياً في ليبيا، رغم أن هذا الموضوع، ولأسباب مختلفة، ليس هو القضية الأساسية الآن».
ومما يجدر ذكره هنا، أن هذه ليست المرة الأولى التي يمد فيها الرئيس الفرنسي ماكرون يده إلى الملف الليبي. إذ سبق له استضافة قمة بين السراج وحفتر في يوليو (تموز) الماضي. وجرى حينذاك الاتفاق على إجراء الانتخابات في أوائل 2018، وهو ما لم يحدث. إلا أن تلك الخطوة يبدو أنها شجعت الفرنسيين على تكرار التجربة بشكل أوسع، في مؤتمر الثلاثاء الماضي، وبخاصة أن منافسيه في روما مشغولون هذه الأيام في جدل سياسي – حزبي داخلي بين كتل حزبية في البرلمان لاختيار حكومة جديدة.
ويقول بارفي، إن الإيطاليين «يريدون استقرار ليبيا بأي ثمن، كي يضمنوا تدفق الغاز الليبي إلى إيطاليا، ويريدون استقراراً كافياً، حتى تعود شركة النفط (إيني) إلى ضخ النفط». ويشير إلى أن إيطاليا تنظر إلى ليبيا باعتبارها «رصيفاً استعمارياً سابقاً، بالإضافة إلى أن إيطاليا تتمتع بالكثير من الاستثمارات في ليبيا».

- رؤية البرلمان الأوروبي
أوروبياً، شارك الاتحاد الأوروبي في مساعٍ لإيجاد حلّ للأزمة في ليبيا، كان آخرها اجتماعات مع الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، بالقاهرة. ولدى البرلمان الأوروبي تقرير متكامل أعده أخيرا عن فرص إنقاذ ليبيا.
ويبدو بوشتاي متحمساً لعمل أوروبي جماعي، اعتماداً على التقرير نفسه. ويضيف موضحاً إنه «بإلقاء نظرة على هذا التقرير، يجب أن أقول إنه يتضمن رؤية واقعية بشكل متزايد للحالة على الأرض؛ لأنه يحتوي على بعض الأفكار الجيدة. ومن الأمثلة على ذلك، التأكيد على الحاجة إلى تضمين صيغة للتوزيع العادل للثروة النفطية، وتقسيم واضح للمهام والواجبات، بين المناطق الليبية التاريخية، من جانب، وأي حكومة وطنية، من الجانب الآخر... وأن الدستور الليبي القديم يمكن أن يلعب دوراً (لتحقيق هذا الأمر)».
ويستطرد قائلاً إن ما يوحّد الأوروبيين تجاه ليبيا هو «العمل على ألا تصبح دولة فاشلة». بيد أنه يشير كذلك إلى أن معظم دول الاتحاد الأوروبي الأخرى «تريد فقط احتواء الهجرة غير الشرعية من البحر المتوسط، مع وجود بعض المصالح الاقتصادية المحدودة (نسبياً) لكل منها في ليبيا»؛ ولهذا «تترك معظم الدول الأوروبية قضية حل المشكلة الليبية لإيطاليا، وفرنسا».
ومن جانبه، يرى الحلوة أنه لا بد لأي دولة أوروبية تريد أن تتدخل في الملف الليبي أن تعود إلى الاتحاد الأوروبي، أولاً، مشيراً إلى أن «تعامل فرنسا بمفردها يضعف موقفها كدولة ضمن هذا الاتحاد الذي تعتمد عليه اقتصادياً وسياسياً. بينما يرى بارفي أن الممثلين الأوروبيين الرئيسيين في ليبيا، منذ انتفاضة 2011 هم الإيطاليون والفرنسيون والبريطانيون، بينما لم تشارك ألمانيا في التدخل، أو المشاركة، في تلك الحملة (التي قادها حلف الناتو)، مؤكداً أن «فرنسا وإيطاليا لديهما أهداف متباينة». ومن جانبه يصف بوشتاي رؤية الاتحاد الأوروبي الحالية حول ليبيا، بأنها «ضبابية للغاية»، قائلاً: إن مَن يحرّكها هي دول مثل إيطاليا وفرنسا، ويصف بوشتاي الاتفاق السياسي الليبي الذي أعد في 2015، وتوسّطت فيه الأمم المتحدة، وبمشاركة هذين البلدين، بأنه «اتفاق فاشل».

- الولايات المتحدة.... تراقب
في عام 2011 ظهر تناغم «أوروبي - أميركي»، في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، لإسقاط نظام معمّر القذافي. وفي الوقت الراهن لا يبدو أن الرئيس دونالد ترمب متحمس لمد يده في خضم الفوضى الليبية. ويقول باراك بارفي، إن الولايات المتحدة، لم يكن لديها مشكلة مع ليبيا وقتها، خلافاً لما كان عليه الوضع في السابق مع دولة كالعراق. ثم يوضح قائلاً إن ما حدث في منطقة الشرق الأوسط قبل سبع سنوات، هو أن ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا السابق، ونيكولا ساركوزي الرئيس الفرنسي السابق: «قاما بجر أوباما إلى التدخل في ليبيا... والآن ترمب غير مهتم».
ومن جانبه، يضيف ولفغانغ بوشتاي موضحاً، إن تحرّك الأميركيين يرتبط بمصالحهم الاستراتيجية... «الأميركيون ليس لديهم مصالح استراتيجية حيوية في ليبيا، فيما عدا ما تقوم به حكوماتهم، منذ عام 2012، من عمليات لمكافحة الإرهاب». بيد أنه يقول إن ضعف هذه الاستراتيجية الأميركية، يمكن أن يكون أمراً خطيراً، في حال أصيبت الانتخابات المبكرة في ليبيا بانتكاسة... و«هنا يمكن أن تتحوّل ليبيا إلى صومال جديد، وتندلع فيها حرب أهلية مستمرة. ويمكن للإرهابيين استغلال هذا الوضع بطرق مختلفة. وهذا من شأنه أن يجعل ليبيا نفسها مُهدِّدة لمصالح استراتيجية أميركية حيوية على نطاق واسع».
ويحذر بوشتاي من تنامي وجود المتطرفين في ليبيا، في ظل استمرار غياب رؤية موحدة بين دول أوروبية فاعلة، وغياب استراتيجية أميركية قوية، لإبعاد «شبح الصوملة» عن هذا البلد.



الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
TT

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر والمؤامرات» و«المتآمرين» على أمن الدولة. كما كثف سعيّد لقاءاته بمسؤولي وزارتي الدفاع والداخلية وأعضاء مجلس الأمن القومي الذي يضم كذلك أكبر قيادات القوات المسلحة العسكرية والمدنية إلى جانب رئيسَي الحكومة والبرلمان ووزراء السيادة وكبار مستشاري القصر الرئاسي. وزاد الاهتمام بزيادة تفعيل دور القوات المسلحة و«تصدرها المشهد السياسي» بمناسبة مناقشة مشروع ميزانية الدولة للعام الجديد أمام البرلمان بعد تصريحات غير مسبوقة لوزير الدفاع الوطني السفير السابق خالد السهيلي عن «مخاطر» تهدد أمن البلاد الداخلي والخارجي.

تصريحات وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي تزامنت مع تصريحات أخرى صدرت عن وزير الداخلية خالد النوري وعن وزير الدولة للأمن القاضي سفيان بالصادق وعن الرئيس قيس سعيّد شخصياً. وهي كلها حذّرت من مخاطر الإرهاب والتهريب والمتفجرات والهجرة غير النظامية، ونبّهت إلى وجود «محاولات للنيل من سيادة تونس على كامل ترابها الوطني ومياهها الإقليمية» وعن «خلافات» لم تُحسم بعد و«غموض» نسبي في العلاقات مع بعض دول المنطقة.

وهنا نشير إلى أن اللافت في هذه التصريحات والمواقف كونها تأتي مع بدء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس قيس سعيّد، ومع مصادقة البرلمان على مشروع الحكومة لموازنة عام 2025... وسط تحذيرات من خطر أن تشهد تونس خلال العام أزمات أمنية وسياسية واقتصادية اجتماعية خطيرة.

أكثر من هذا، يتساءل البعض عن مبرّر إثارة القضايا الخلافية مع ليبيا، والمخاطر الأمنية من قِبل كبار المسؤولين عن القوات المسلحة، في مرحلة تعذّر فيها مجدداً عقد «القمة المغاربية المصغرة التونسية - الليبية - الجزائرية»... التي سبق أن تأجلت مرات عدة منذ شهر يوليو (تموز) الماضي.

كلام السهيلي... وزيارة سعيّد للجزائركلام السهيلي، وزير الدفاع، جاء أمام البرلمان بعد نحو أسبوع من زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى الجزائر، وحضوره هناك الاستعراض العسكري الضخم الذي نُظّم بمناسبة الذكرى السبعين لانفجار الثورة الجزائرية المسلحة. وما قاله الوزير التونسي أن «الوضع الأمني في البلاد يستدعي البقاء على درجة من اليقظة والحذر»، وقوله أيضاً إن «المجهودات العسكرية الأمنية متضافرة للتصدّي للتهديدات الإرهابية وتعقّب العناصر المشبوهة في المناطق المعزولة». إلى جانب إشارته إلى أن تونس «لن تتنازل عن أي شبر من أرضها» مذكراً - في هذا الإطار - بملف الخلافات الحدودية مع ليبيا.

من جهة ثانية، مع أن الوزير السهيلي ذكر أن الوضع الأمني بالبلاد خلال هذا العام يتسم بـ«الهدوء الحذر»، فإنه أفاد في المقابل بأنه جرى تنفيذ 990 عملية في «المناطق المشبوهة» - على حد تعبيره - شارك فيها أكثر من 19 ألفاً و500 عسكري. وأنجز هؤلاء خلال العمليات تفكيك 62 لغماً يدوي الصنع، وأوقفوا آلاف المهرّبين والمهاجرين غير النظاميين قرب الحدود مع ليبيا والجزائر، وحجزوا أكبر من 365 ألف قرص من المخدرات.

بالتوازي، كشف وزير الدفاع لأول مرة عن تسخير الدولة ألفي عسكري لتأمين مواقع إنتاج المحروقات بعد سنوات من الاضطرابات وتعطيل الإنتاج والتصدير في المحافظات الصحراوية المتاخمة لليبيا والجزائر.

مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه اوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

تفعيل دور «القوات المسلحة»

تصريحات الوزير السهيلي لقيت أصداء كبيرة، محلياً وخارجياً، في حين اعترض على جانب منها سياسيون وإعلاميون ليبيون بارزون.

بيد أن الأمر الأهم، وفق البشير الجويني، الخبير التونسي في العلاقات بين الدول المغاربية والدبلوماسي السابق لدى ليبيا، أنها تزامنت مع «تأجيل» انعقاد القمة المغاربية التونسية - الليبية - الجزائرية التي سبق الإعلان أنه تقرر تنظيمها في النصف الأول من الشهر الأول في ليبيا، وذلك في أعقاب تأخير موعدها غير مرة بسبب انشغال كل من الجزائر وتونس بالانتخابات الرئاسية، واستفحال الأزمات السياسية الأمنية والاقتصادية البنكية في ليبيا من جديد.

والحال، أن الجويني يربط بين هذه العوامل والخطوات الجديدة التي قام بها الرئيس سعيّد وفريقه في اتجاه «مزيد من تفعيل دور القوات المسلحة العسكرية والمدنية» وسلسلة اجتماعاته مع وزيري الداخلية والدفاع ومع وزير الدولة للأمن الوطني، فضلاً عن زياراته المتعاقبة لمقر وزارة الداخلية والإشراف على جلسات عمل مع كبار كوادرها ومع أعضاء «مجلس الأمن القومي» في قصر الرئاسة بقرطاج. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذ يسند الدستور إلى رئيس الدولة صفة «القائد العام للقوات المسلحة»، فإن الرئيس سعيّد حمّل مراراً المؤسستين العسكرية والأمنية مسؤولية «التصدي للخطر الداهم» ولمحاولات «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

واعتبر سعيّد خلال زيارات عمل قام بها إلى مؤسسات عمومية موسومة بأنه «انتشر فيها الفساد» - بينها مؤسسات زراعية وخدماتية عملاقة - أن البلاد تواجه «متآمرين من الداخل والخارج» وأنها في مرحلة «كفاح جديد من أجل التحرر الوطني»، ومن ثم، أعلن إسناده إلى القوات المسلّحة مسؤولية تتبع المشتبه فيهم في قضايا «التآمر والفساد» والتحقيق معهم وإحالتهم على القضاء.

المسار نفسه اعتمده، في الواقع، عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين التونسيين بينهم وزير الصحة والوزير المستشار السابق في قصر قرطاج الجنرال مصطفى الفرجاني، الذي أعلن بدوره عن إحالة مسؤولين متهمين بـ«شبهة الفساد» في قطاع الصحة على النيابة العمومية والوحدات الأمنية المركزية المكلّفة «الملفات السياسية والاقتصادية الخطيرة»، وبين هذه الملفات الإرهاب وسوء التصرّف المالي والإداري في أموال الدولة ومؤسساتها.

متغيرات في العلاقات مع ليبيا والجزائر وملفَي الإرهاب والهجرة

القمة المغاربية الأخيرة التي استضافتها الجزائر (لانا)

حملات غير مسبوقة

وفعلاً، كانت من أبرز نتائج «التفعيل الجديد» للدور الوطني للمؤسستين العسكرية والأمنية، وتصدّرهما المشهد السياسي الوطني التونسي، أن نظّمت النيابة العمومية وقوات الأمن والجيش حملات غير مسبوقة شملت «كبار الحيتان» في مجالات تهريب المخدرات والممنوعات، وتهريب عشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً نحو تونس، عبر الحدود الليبية والجزائرية تمهيداً لترحيلهم بحراً نحو أوروبا عبر إيطاليا.

وحسب المعلومات التي ساقها كل من وزيري الدفاع والداخلية، وأيضاً رئاسة الحرس الوطني، تمكنت القوات العسكرية والأمنية لأول مرة من أن تحجز مئات الكيلوغرامات من الكوكايين إلى جانب «كميات هائلة من الحشيش» والأقراص المخدرة.

وفي الحصيلة، أدّت تلك العمليات إلى إيقاف عدد من كبار المهرّبين ومن رؤوس تجار المخدرات «بقرار رئاسي»، بعدما أثبتت دراسات وتقارير عدة أن مئات الآلاف من أطفال المدارس، وشباب الجامعات، وأبناء الأحياء الشعبية، تورّطوا في «الإدمان» والجريمة المنظمة. وجاء هذا الإنجاز بعد عقود من «تتبّع صغار المهرّبين والمستهلكين للمخدرات وغضّ الطرف عن كبار المافيات»، على حد تعبير الخبير الأمني والإعلامي علي الزرمديني في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

تحرّكات أمنية عسكرية دوليةعلى صعيد آخر، جاء تصدّر القوات المسلحة العسكرية والأمنية التونسية المشهدين السياسي متلازماً زمنياً مع ترفيع التنسيقين الأمني والعسكري مع عواصم وتكتلات عسكرية دولية، بينها حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وما يُذكر هنا أنه في ظل عودة التوترات السياسية في ليبيا، وتفاقم الخلافات داخلها بين حلفاء روسيا وتركيا والعواصم الغربية، تزايدت الاهتمامات الأميركية والأوروبية والأطلسية بـ«ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية مع تونس».

أيضاً، ورغم الحملات الإعلامية الواسعة في تونس ضد الإدارة الأميركية وحلفائها منذ عملية «طوفان الأقصى»؛ بسبب انحيازها لإسرائيل ودعمها حكومة بنيامين نتنياهو، كثّفت واشنطن - عبر بعثاتها في المنطقة - دعمها التدريبات العسكرية والأمنية المشتركة مع قوات الجيش والأمن التونسية.

بل، لقد أعلن جوي هود، السفير الأميركي لدى تونس، عن برامج واسعة لترفيع دور «الشراكة» العسكرية والأمنية الأميركية - التونسية، وبخاصة في المحافظات التونسية الحدودية مع كل من ليبيا والجزائر، وأيضاً في ميناء بنزرت العسكري (شمال تونس) ومنطقة النفيضة (100 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس).

وإضافة إلى ما سبق، أعلنت مصادر رسمية تونسية وأميركية عن مشاركة قوات تونسية ومغاربية أخيراً في مناورات عسكرية بحرية أميركية دولية نُظمت في سواحل تونس. وجاءت هذه المناورات بعد مشاركة الجيش التونسي، للعام الثالث على التوالي، في مناورات «الأسد الأفريقي» الدولية المتعددة الأطراف... التي نُظم جانب منها في تونس برعاية القوات الأميركية.

وحول هذا الأمر، أكد وزير الداخلية التونسي خالد النوري، قبل أيام في البرلمان، أن من بين أولويات وزارته عام 2025 «بناء أكاديمية الشرطة للعلوم الأمنية» في منطقة النفيضة من محافظة سوسة، وأخرى لحرس السواحل، وهذا فضلاً عن توسيع الكثير من الثكنات ومراكز الأمن والحرس الوطنيين وتهيئة مقر المدرسة الوطنية للحماية المدنية.

أبعاد التنسيقين الأمني والعسكري مع واشنطنوحقاً، أكد تصريح الوزير النوري ما سبق أن أعلن عنه السفير الأميركي هود عن «وجود فرصة لتصبح تونس ومؤسّساتها الأمنية والعسكرية نقطة تصدير للأمن وللتجارب الأمنية في أفريقيا وفي كامل المنطقة».

وفي هذا الكلام إشارة واضحة إلى أن بعض مؤسسات التدريب التي يدعمها «البنتاغون» (وزارة الدفاع الأميركية)، وحلفاء واشنطن في «ناتو»، معنية في وقت واحد بأن تكون تونس طرفاً في «شراكة أمنية عسكرية أكثر تطوراً» مع ليبيا وبلدان الساحل والصحراء الأفريقية والبلدان العربية.

وزير الداخلية خالد النوري نوّه أيضاً بكون جهود تطوير القدرات الأمنية لتونس «تتزامن مع بدء العهدتين الثانيتين للرئيس قيس سعيّد وأخيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون».

وفي السياق ذاته، نوّه عزوز باعلال، سفير الجزائر لدى تونس، بالشراكة الاقتصادية والأمنية والسياسية بين تونس والجزائر، وبنتائج زيارة الرئيس سعيّد الأخيرة للجزائر، وكذلك بجلسات العمل واللقاءات السبعة التي عقدها وزيرا خارجيتي البلدين محمد علي النفطي وأحمد عطّاف خلال الأسابيع القليلة الماضية في الجزائر وفي عواصم أخرى عدة.

حقائق

قضايا الحدود التونسية... شرقاً وغرباً

اقترن بدء الولاية الرئاسية الثانية التونسي للرئيس قيس سعيّد بتحرّكات قام بها مسؤولون كبار في الدولة إلى مؤسسات الأمن والجيش في المحافظات الحدودية، وبالأخص من جهة ليبيا، ضمن جهود مكافحة الإرهاب والتهريب والمخدرات.ومعلوم أنه زاد الاهتمام بالأبعاد الأمنية في علاقات تونس بجارتيها ليبيا والجزائر بعد إثارة وزير الدفاع خالد السهيلي أمام البرلمان ملف «رسم الحدود» الشرقية لتونس من قِبل «لجنة مشتركة» تونسية - ليبية. وكما سبق، كان الوزير السهيلي قد تطرّق إلى استغلال الأراضي الواقعة بين الحاجز الحدودي بين ليبيا وتونس، قائلاً إن «تونس لم ولن تسمح بالتفريط في أي شبر من الوطن». وفي حين رحّبت أطراف ليبية ومغاربية بهذا الإعلان، انتقده عدد من المسؤولين والخبراء الليبيين بقوة واعتبروا أن «ملف الخلافات الحدودية أغلق منذ مدة طويلة».ولكن، حسب تأكيدات مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، فإن السلطات الليبية أعلنت عن تغيير موقع العلامة الحدودية الفاصلة بين ليبيا وتونس «جزئياً» في منطقة سانية الأحيمر، التي تتبع ليبيا. إذ أورد بيان مديرية أمن السهل الغربي في يوليو (تموز) 2022، أنها رصدت ضم سانية الأحيمر إلى الأراضي التونسية، من خلال وضع العلامة الدالة على الحدود بذلك المكان (شرق السانية) بمسافة تقدر بنحو 150 متراً شرقاً ونحو 6 كيلو جنوباً.‏ما يستحق الإشارة هنا أن اللجنة الخاصة بترسيم الحدود الليبية مع تونس، والمكلفة من قِبل وزارة الدفاع في حكومة طرابلس، كشفت عن وجود عملية «تحوير» للعلامة. لكن مصادر دبلوماسية من الجانبين أكدت أن هذه القضية، وغيرها من «الخلافات والمستجدات»، جارٍ بحثها على مستوى اللجنة المشتركة ومن قِبل المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين «بهدوء».في أي حال، أعادت إثارة هذه القضية إلى الواجهة تصريحاً سابقاً قال فيه الرئيس سعيّد بشأن الحدود مع ليبيا: «إن تونس لم تحصل إلا على الفتات» بعد خلافها الحدودي البحري مع ليبيا في فترة سبعينات القرن الماضي.والحقيقة، أنه سبق أن شهدت علاقات تونس وليبيا في أوقات سابقة توترات محورها الحدود والمناطق الترابية المشتركة بينهما؛ وذلك بسبب خلافات حدودية برّية وبحرية تعود إلى مرحلة الاحتلالين الفرنسي لتونس والإيطالي لليبيا، ثم إلى «التغييرات» التي أدخلتها السلطات الفرنسية على حدود مستعمراتها في شمال أفريقيا خلال خمسينات القرن الماضي عشية توقيع اتفاقيات الاستقلال. وهكذا، بقيت بعض المناطق الصحراوية الحدودية بين تونس وكل من ليبيا والجزائر «مثار جدل» بسبب قلة وضوح الترسيم وتزايد الأهمية الاستراتيجية للمناطق الحدودية بعد اكتشاف حقول النفط والغاز.وعلى الرغم من توقيع سلطات تونس وليبيا والجزائر اتفاقيات عدة لضبط الحدود والتعاون الأمني، تضاعف الاضطرابات الأمنية والسياسية في المنطقة منذ عام 2011 بسبب اندلاع حروب جديدة «بالوكالة» داخل ليبيا ودول الساحل والصحراء، بعضها بين جيوش و«ميليشيات» تابعة لواشنطن وموسكو وباريس وأنقرة على مواقع جيو - استراتيجية شرقاً غرباً.مع هذا، وفي كل الأحوال، تشهد علاقات تونس وكل من ليبيا والجزائر مستجدات سريعة على المجالين الأمني والعسكري. وربما تتعقد الأوضاع أكثر في المناطق الحدودية بعدما أصبحت التوترات والخلافات تشمل ملفات أمنية دولية تتداخل فيها مصالح أطراف محلية وعالمية ذات «أجندات» مختلفة وحساباتها للسنوات الخمس المقبلة من الولاية الثانية للرئيسين سعيّد وعبد المجيد تبّون.