فضائح تلقي بثقلها في الحياة السياسية في أوروبا

TT

فضائح تلقي بثقلها في الحياة السياسية في أوروبا

فضائح سياسية ومالية كثيرة تلقي بثقلها في أوروبا منذ عشر سنوات، ما يؤدي إلى استقالة مسؤولين كبار وإدانة البعض منهم، كما أدرجتها الصحافة الفرنسية أمس في قائمتها، على غرار القضية التي أسقطت حكومة رئيس الحكومة الإسباني ماريانو راخوي أمس الجمعة بعد إدانة حزبه بقضايا فساد.
- في إسبانيا، تمت الإطاحة برئيس الوزراء المحافظ عبر مذكرة لحجب الثقة قدمها الحزب الاشتراكي بعد إدانة حزب الشعب الحاكم في قضية فساد. وشكلت هذه الإدانة في 24 مايو (أيار) الخاتمة القضائية لما يعرف بقضية «غورتيل» مع صدور أحكام بالسجن بلغ مجموعها 351 عاما طاولت 29 شخصا بينهم 12 من الكوادر السابقة أو الحالية من حزب الشعب.
- في أواخر فبراير (شباط) 2018، أدى اغتيال يان كوتشياك الصحافي الاستقصائي المختص في مكافحة الفساد وخطيبته إلى دخول سلوفاكيا في أزمة أسفرت عن استقالة رئيس الوزراء روبرت فيكو في منتصف مارس (آذار). وبعد ذلك بشهر استقال وزير الداخلية وقائد الشرطة. كان الصحافي يحقق في قضية فساد تتعلق بالمافيا الإيطالية وسياسيين سلوفاكيين، بمن فيهم مقربون من رئيس الحكومة.
- في أكتوبر (تشرين الأول) 2015، أثار احتراق ملهى ليلي في بوخارست (أكثر من 60 لقوا مصرعهم) موجة من الاحتجاجات ضد طبقة سياسية فاسدة ما أدى إلى استقالة رئيس الحكومة فيكتور بونتا (الاشتراكي الديمقراطي) الخاضع للكثير من التحقيقات القضائية. وفي مايو (أيار) الماضي، قررت محكمة البداية تبرئة رئيس الوزراء السابق في قضية اتهم فيها بالتزوير وتبييض الأموال عندما كان يمارس مهنة المحاماة.
- تولى سيلفيو برلوسكوني رئاسة الحكومة ثلاث مرات بين عامي 1994 و2011. ويواجه الكثير من المشاكل القانونية. من البراءة إلى المتطلبات، أدين برلوسكوني حتى الآن مرة واحدة فقط بشكل نهائي في أغسطس (آب) 2013 في حالة تهرب ضريبي وحكم عليه بالعمل من أجل الصالح العام لكنه خسر مقعده في البرلمان. لكن محكمة ميلانو «أعادت تأهيله» ما أدى إلى استعادته الأهلية بشكل قانوني.
- أدت فضيحة «الصناديق السوداء» في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي عام 1999 إلى إرغام المستشار السابق هيلموت كول (1982 - 1998) على دفع غرامة كبيرة.
- في العام 2012، قدم رئيس الجمهورية كريستيان وولف استقالته واتهم باستغلال النفوذ لقبوله هدية بقيمة 700 يورو من منتج أفلام. مورست ضغوط على الصحافة لمنعها من الكشف عن معلومات عن علاقاته المالية مع أحد المقاولين. تمت تبرئته العام 2014.
- بين العامين 2004 و2009. ارتكب أكثر من نصف أعضاء البرلمان البريطاني مخالفات في فواتير النفقات بأكثر من مليون يورو، وفقا لتدقيق في الحسابات نشر في فبراير (شباط) 2010. بعد بضعة أشهر مما كشفته صحيفة «ديلي تلغراف». وقد أدت هذه القضية إلى استقالة وزيرة الداخلية من حزب العمال جاكلين سميث ورئيس مجلس العموم مايكل مارتن. وحكم على سبعة برلمانيين محافظين أو عماليين بالسجن.
- أطاح برلمان سلوفينيا برئيس الوزراء المحافظ يانز يانسا في فبراير (شباط) 2013 بعد أسابيع من المظاهرات. وكان متهما بارتكاب مخالفات في إعلانه الضريبي. وسبق أن اتهم بتلقي رشى تتعلق بصفقة أسلحة خلال ولايته السابقة (2004 - 2008). وحكم عليه بالسجن عامين.
- في يونيو (حزيران) 2013. استقال رئيس الوزراء جمهورية التشيك من يمين الوسط بيتر نيكاس بعد فضيحة فساد وسوء استخدام السلطة، عبر التعاون الوثيق مع عشيقة. لكن النيابة العامة تخلت عن ملاحقته قضائيا.
- قدم رئيس الوزراء البلجيكي ايف لوتيرم استقالته في ديسمبر (كانون الأول) 2008، واتهم بالتدخل في قرارات المحكمة لإنقاذ بنك «فورتيس» من الإفلاس فيما بات يعرف بـ«فورتيسغيت». لكن التحقيق برأه من التهم وتولى بعدها رئاسة الوزراء بين عامي 2009 و2011.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟