مجلس الأمن يمنح جنوب السودان مهلة شهر للتوصل إلى سلام... أو مواجهة العقوبات

«إيغاد» تدعو أطراف النزاع إلى وقف الأعمال العدائية

TT

مجلس الأمن يمنح جنوب السودان مهلة شهر للتوصل إلى سلام... أو مواجهة العقوبات

تبنى مجلس الأمن أمس مشروع قرار بطلب من الولايات المتحدة يمنح الأطراف المتحاربة في دولة جنوب السودان مهلةً تنتهي في 30 يونيو (حزيران)، لإنهاء الاقتتال أو مواجهة عقوبات محتملة.
وحظي القرار الذي صاغته الولايات المتحدة بتأييد تسعة أصوات من أصل 15؛ حيث إن 6 دول امتنعت عن التصويت، بما فيها روسيا والصين وإثيوبيا، اللاعب الرئيسي في جهود السلام الإقليمية. ويدرج القرار 6 مسؤولين في جنوب السودان، بينهم وزير الدفاع، على لائحة للعقوبات الدولية في حال فشل الأطراف في التوصل لاتفاق سلام.
ويطلب من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن يقدم تقريراً بحلول 30 يونيو حول توقف القتال وما إذا توصلت الأطراف «إلى اتفاقية سياسية قابلة للتطبيق». وفي حال عدم تحقق ذلك «يدرس» المجلس فَرْض العقوبات مع إمكانية حظر بيع الأسلحة في غضون خمسة أيام.
واستقلت دولة جنوب السودان عن دولة السودان في 2011 بدعم كبير من الولايات المتحدة التي لا تزال أكبر مانح للمساعدات لجوبا. ويأتي القرار مع تزايد استياء الإدارة الأميركية تجاه حكومة الرئيس سلفا كير، في حين تتواصل الحرب الوحشية التي دخلت الآن عامها الرابع. وفي مقالة نشرتها هذا الأسبوع صحيفة «واشنطن بوست»، قالت السفيرة الأميركية في مجلس الأمن نيكي هايلي: «لم يعد لدينا وقت نضيعه على وعود فارغة». وكتبت: «عبر فرض قيود مالية وعلى تنقل أشخاص مسؤولين عن تهديد السلم، يمكننا التأكد من أنهم سيدفعون كلفة إطالة أمد العنف».
واقترحت الولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، فَرْض عقوبات على المسؤولين الستة في جنوب السودان، لكنها عدّلت مقترحها بعد مفاوضات بإضافة المهلة. واستهدفت لائحة العقوبات وزير الدفاع كيول مانيانغ جوك لتخطيطه للهجمات على بلدة باغاك التي تمت السيطرة عليها من القوات المتمردة في شمال شرقي البلاد عام 2017.
وتشمل اللائحة أيضاً وزير الدولة مارتن إيليا لومورو المتهم بتهديد الصحافة وعرقلة المساعدات الإنسانية وإعاقة مهام بعثة السلام الدولية في جنوب السودان. وعلى اللائحة أيضاً وزير الإعلام مايكل ماكووي، لدوره في تخطيط هجوم عام 2014 على مجمع للأمم المتحدة في بور، والإشراف على حملة لقمع وسائل الإعلام.
ويواجه قائد الجيش السابق بول مالونغ عقوبات لقيامه بتوجيه الأوامر للقوات الحكومية بمهاجمة مدنيين ومدارس ومستشفيات. كما تستهدف اللائحة نائب قائد الأركان مارك روبن لدوره في الإشراف على هجوم في 2015. والشخصية السادسة المستهدفة بالعقوبات كونغ رامبانغ شول، لقيادة هجمات في ولاية بييه الشمالية وتوجيهه قواته بعرقلة عمل عمال الإغاثة.
ومنذ اندلاع الحرب الأهلية في ديسمبر (كانون الأول) 2013 أُجبِر نحو 1.8 مليون شخص على الفرار من منازلهم فيما قتل عشرات الآلاف.
وفي 2016 فشلت واشنطن في الحصول على الأصوات الضرورية في مجلس الأمن لفرض حظر على الأسلحة وعقوبات محددة. وتبذل إثيوبيا مساعي كبيرة لإحلال السلام وتستضيف محادثات بين الحكومة ومجموعات متمردة دون التوصل إلى تحقيق أي اختراق.
من جهة أخرى, حث مجلس وزراء الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) الأطراف المتحاربة في جنوب السودان على قبول وثيقة المقترحات التي قدمها الوسطاء الأسبوع الماضي، وشدد المجلس على تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية فوراً، فيما اتهمت آلية المراقبة أطراف النزاع بانتهاك وقف إطلاق النار، واستهداف الأطفال والنساء.
وقال ورقنه غبيهو، وزير خارجية إثيوبيا رئيس مجلس وزراء هيئة (إيغاد)، في كلمته أمام المجلس في أديس أبابا أمس: «على أطراف النزاع في جنوب السودان قبول المقترحات التي قدمها وسطاء (إيغاد) للمضي قدما في تحقيق السلام، وإنهاء الحرب التي دخلت عامها الخامس... وينبغي الإسراع في تنفيذ المقترحات ليتوقف إطلاق النار إلى الأبد».
ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية عن الوزير قوله إن هيئة (إيغاد) تلقت نحو 20 تقريراً عن خروقات لاتفاق وقف الأعمال العدائية الموقع بين الطرفين في أديس أبابا في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، كما تلقت تقريراً من آلية رصد ومراقبة وقف إطلاق النار والترتيبات الأمنية.
وأضاف الوزير موضحا: «غياب الإرادة لتقديم تنازلات لأجل الأطفال والشباب والنساء وكبار السن، الذين لا يستطيعون تحمل استمرار العنف... ولذلك فإن بناء الثقة بين الأطراف تعتبر مشكلة رئيسية في جنوب السودان»، مشددا على أنه «يجب على جميع الأطراف أن تقبل بمشروع (إيغاد) والالتزام به»، باعتباره إطارا أوليا للفترة الانتقالية ومن شأنه أن يقود الأطراف إلى إجراء انتخابات سلمية وديمقراطية، حسب تعبيره.
وكان رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد قد عقد اجتماعاً مطولاً مع رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت أول من أمس في أديس أبابا، وأعرب عن دعم بلاده لمنتدى السلام، وقال إن حكومته ستواصل العمل من أجل السلام والاستقرار في جنوب السودان.
وقالت آلية مراقبة وقف إطلاق النار في جنوب السودان في تقرير حديث أمس، قدمته إلى مجلس وزراء (إيغاد)، إن الجيش الحكومي والمتمردين «ارتكبوا انتهاكات ضد المدنيين، من ذبح وحرق أطفال أحياء، واغتصبوا النساء على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار، الذي وقع العام الماضي».
وفي السياق ذاته، ذكرت تقارير أخرى أن قوة من جيش جنوب السودان، تتكون من 200 جندي، هاجمت قرية نياتوت في مناطق أعالي النيل، وأطلقت النار عشوائياً ما تسبب في مقتل 22 مدنياً، وإصابة 73 آخرين،
كما اتهمت إحدى التقارير قوات المعارضة المسلحة، بزعامة نائب الرئيس السابق ريك مشار، باستخدام الجنود الأطفال في مناطق جنوب غربي البلاد وتعريضهم للموت.
وقُتل عشرات الآلاف في حرب جنوب السودان، التي دخلت عامها الخامس بقتال الجنود الموالين للرئيس سلفا كير، من قبيلة الدينكا، ونائبه حينها ريك مشار، من قبيلة النوير، وتوسعت الحرب لتتخذ بعداً عرقياً، وأدت إلى نزوح أكثر من 3 ملايين شخص، فيما تقول المنظمات الدولية العاملة في الإغاثة أن نحو 5 ملايين شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
في غضون ذلك، قال وزير الإعلام والناطق باسم الحكومة في جنوب السودان مايكل مكوي في مؤتمر صحافي، إن فرض عقوبات على مسؤولين كبار في الحكومة له دوافع سياسية، مبرزا أن هناك جهات دولية تقف وراء هذه العقوبات.
وأضاف مكوي أن الاتهامات الموجهة ضد مسؤولي الحكومة ليست لها أي أدلة دامغة، مبرزا أن «القرارات التي تتم في مجلس الأمن لا تعتمد على أي شيء آخر خلاف الدوافع السياسية، ويتم اتخاذها لمواجهة وضع معين». كما أوضح مكوي أن الحكومة سترد على هذه الادعاءات الخاصة بفرض العقوبات ضد مسؤولي الحكومة، متهماً البعثة الأممية في جنوب السودان بإرسال التقارير، والوقوف وراء خطة فرض العقوبات الأممية.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.