مأكولات أجنبية على مائدة الإفطار في موريتانيا

مأكولات أجنبية على مائدة الإفطار في موريتانيا
TT

مأكولات أجنبية على مائدة الإفطار في موريتانيا

مأكولات أجنبية على مائدة الإفطار في موريتانيا

ما إن يدخل رمضان تتبدل الأجواء فيه وتتنوع مائدة الإفطار بمختلف المشروبات والمأكولات، كانت في عهد قريب يستحيل توفر مكوناتها في الأسواق بموريتانيا.
يأتي شهر رمضان ويكون الإقبال كبيراً على الأسواق الغذائية، يتسابق الموريتانيون إلى اقتناء أجود ماكينات الطحين والمواد الغذائية حتى تتنوع المائدة بمختلف المأكولات.
ولعل هذا التغيير الجديد الذي عرفته موريتانيا في السنوات القليلة الماضية ناتج عن انفتاحها على العالم خاصة دخول أسواق عالمية جديدة لموريتانيا، ورواج أطعمة تتزين بها موائد الإفطار العالم العربي والإسلامي، لتنحو موريتانيا نحوها.
لم يكن الموريتانيون يعرفون عصائر المانجو أو الفواكه الطازجة ظلت لعقود محصورة في شربة المذق وهو عبارة عن خلطة من الحليب والماء، وتعد شراب الصائمين ولا غنى عنها.
وعن السر وراء التشبث بـ"المذق" والذي يعرف محليا بـ"الزريك"، يقول أبيب المتخصص في تاريخ موريتانيا "المذق أو الزريك وصل لموريتانيا عن طريق شبه الجزيرة العربية وهو شراب تقليدي، عبارة عن الحليب ممزوج بالماء ويستهلك بكثرة خاصة في رمضان".
ويؤكد أن ما يجعل الموريتاني لا يعرف في العقود الماضية إلا المذق هو أن جغرافية موريتانيا لا تتوفر فيها أشجار الفاكهة، كما أن الحليب ركيزة أساسية من مكونات "الزريك" متوفرة وذلك لما تملكه البلاد من ثروة حيوانية هائلة، وتم استغلالها على أحسن الوجه.
وشهدت السنوات الأخيرة طفرة في تنوع موائد الموريتانيين بمختلف الأطباق كالسمبوسة التي أصبحت من أهم مكونات الإفطار لدى الأسرة الموريتانية، حيث كانت صعبة المنال في البلاد، ويصعب إيجاد مكوناتها غير أنها غزت السنوات الأخيرة السوق خاصة أوراق لفها.
فاطمة أجاي سيدة موريتانية مولِعة بإعداد أنواع الأطباق، وتعطي عناية كبيرة السمبوسة وتتفنن في صناعة أشكالها. وتروي رحلتها مع الأطباق الرمضانية، قائلة، إن "المجتمع الموريتاني لم يكن يعرف البسبوسة ولا السمبوسة ولا مسخن الدجاج، وهذه وجبات تعطي الحيوية والنشاط للجسم والفيتامينات".
وتتضمن موائد الإفطار كذلك الحريرة المغربية والمقبلات التي تحضر على الطريقة المغربية، وغدت جزءا أساسيا من مائدة الإفطار، فلا غنى عنها.
ويتزامن شهر رمضان مع أوج الحرارة التي قد تصل إلى 45 في المائة، وتحرص ربات البيوت على إعداد مشروبات من الفواكه والموز، بالإضافة إلى "بيصام" ذي اللون الأحمر.
وبخصوص طريقة تحضير "بيصام"، تقول فاطمة: "يتم تحضيره بوضع نبات الكركديه في الماء ويصفى، ثم يحلى بالسكر ويقدم للصائمين".
وللشاي مكانته الخاصة في نفوس الموريتانيين، ويولون له اهتمام أكبر في رمضان، وتقرع ثلاثة كؤوس مع الإفطار، ثم يصنع قبل السحور ببضع دقائق، ليقيهم من صداع الرأس والمعروف بـ"آدواخ" وينتج عن عدم احتساء الشاي في وقته المعتاد.
ويقول موسى فال مالك مطعم في العاصمة نواكشوط إن أكثر مايستهلكه الموريتاني هو "المذق" و الشاي المعروف بـ"أتاي" والذي يعد بالنسبة للموريتانيين "أكسجين الحياة"، بحسب تعبيره.
ومع الإقبال الكبير على المعجنات والحلويات خلال رمضان، برزت مهن جديدة موسمية تنتشر في الأسواق يشرف عليها رجال ونساء يجدون في هذا الشهر الكريم فرصة مواتية لتحسين دخلهم.
فاطمة سيدة مع كل شهر رمضان تقوم بتصنيع الحلويات وعرضها، ويكون الإقبال كبيرا عليها، تمكنت بفضل هذه المهنة الموسمية فتح مورد رزق لها في شهر تستهلك فيه الأسر الموريتانية ما يصرف في شهرين.
تؤكد فاطمة أن بيع الحلويات حسّن من مدخلها وفتح لها بابا يمكن أن تستند عليه في رمضان الذي لا يشبه الأشهر الأخرى من حيث المصاريف.

* هذه المادة من مبادرة «المراسل العربي». لإرسال القصص الصحافية راسلونا على [email protected]



«أنا لبناني»... نادر الأتات يغنّي فوق ركام بيته الذي هدمته الحرب

الفنان اللبناني نادر الأتات (صور الفنان)
الفنان اللبناني نادر الأتات (صور الفنان)
TT

«أنا لبناني»... نادر الأتات يغنّي فوق ركام بيته الذي هدمته الحرب

الفنان اللبناني نادر الأتات (صور الفنان)
الفنان اللبناني نادر الأتات (صور الفنان)

يدخل الفنان نادر الأتات إلى كادر المخرج سام كيّال، يتأمّل ركام مبنىً كان وما عاد، ثم يجلس على كنبة مزّقتها الشظايا ويغنّي... «هون كان بيتنا هون انهدّ حيطنا... هون كانت الدكانة اللي منها اشتري». ليس في المشهد تمثيل ولا في الكلامِ شِعر، بقَدر ما فيهما من واقع حال المغنّي اللبناني الشاب. فهو، كما عدد كبير من اللبنانيين، خسر منزل أهله الذي دُمّر جرّاء القصف الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت، وخسر معه جزءاً من ذكريات الطفولة.

لم يتعمّد الأتات أن يروي قصة شخصية من خلال أغنية «أنا لبناني»، التي كتبها ولحّنها فارس إسكندر، وصدرت بالتزامن مع عيد استقلال لبنان في 22 نوفمبر (تشرين الثاني). يقول في حديث مع «الشرق الأوسط» إنه شعرَ بضرورة التعبير عمّا أصاب الوطن من خلال صوته، سلاحه الأقوى.

صحيحٌ أنّ المرحلة غير ملائمة للإصدارات الفنية، والفنانون اللبنانيون جميعُهم احتجبوا عن إصدار أي جديد خلال الحرب، إلا أنّ الأتات شكّل استثناءً بين زملائه. فمنذ مدّة قصيرة، وبالتزامن مع أكثر فصول الحرب احتداماً، أعاد تسجيل بيتَينِ معروفَين للإمام الشافعي:

«ولَرُبَّ نازلةٍ يضيق لها الفتى

ذرعاً وعند الله منها المَخرجُ

ضاقت فلمّا استحكمت حلقاتها

فُرجت وكنتُ أظنّها لا تفرج».

يقول إن تلك المقطوعة الصوتية القصيرة جاءت بمثابة «صلاة ورسالة أمل وسط كل ما يحصل».

قبل أيام، لم يتردّد لحظة في إطلاق جديده، فهو لا يعتبر «أنا لبناني» مشروعاً ترفيهياً بقدر ما يعتبرها مرآةً لمعاناة اللبنانيين، وبَوحاً بما يجول في خاطره.

بعد ضرباتٍ متتالية استهدفت الشارع الذي كان يقطن فيه والداه، تحوّل بيت العائلة إلى مجرّد ذكرى. يروي الأتات كذلك أن الخسارة لم تقتصر على المنزل، إذ إنّ الحرب سرقت شخصاً عزيزاً. «كان حسين سرحان بمثابة يدي اليمنى والمسؤول عن كل الأمور اللوجستية في مكتبي. قضى حسين بغارة إسرائيلية فيما كان نائماً في سريره. هو لا ينتمي إلى أي جهة حزبيّة، وكان مثالاً للطيبة والتفاني».

استمرّ البحث عن سرحان أياماً ليخرج بعدها جثةً من تحت الركام. حلّت الخسارة كصاعقة على الأتات: «لا شيء يعوّض عن شخص كنت أعتمد عليه كثيراً وأحبّه كأخ».

خسر الأتات في الحرب أحد عناصر فريقه الأساسيين حسين سرحان (صور الفنان)

الفنان مواطنٌ كذلك، والجميع سواسية أمام ظلم الحرب ودمارها. من منزله المتاخم لمناطق القصف في بيروت، انتقل الأتات وعائلته شمالاً، ليختبر هو كذلك تجربة النزوح. «فتح لنا أهل مدينة البترون أبوابهم وقلوبهم واستقبلونا بحبّ». لكنّ البالَ لم يهدأ، لا على البيت في العاصمة ولا على دار العائلة في طليا البقاعيّة، لا سيّما أن قسماً كبيراً من البقاع مسيّج بالنيران الإسرائيلية.

لكن الأتات، وعلى غرار الروح الإيجابية التي لطالما بثّها من خلال أغانيه، قرّر أن يتعامل مع الصدمات والخسائر الشخصية «بالتسليم لربّ العالمين، لأننا بالإيمان نستطيع تخطّي أي شيء»، وفق تعبيره. هو تسلّح كذلك بحبه للبنان، «بكل حبّة من ترابه وشبرٍ من أرضه».

الدمار الذي لحق بالمبنى حيث منزل والدَي الأتات في الضاحية الجنوبية لبيروت (صور الفنان)

هذه النقلة من الحزن إلى محاولة الفرح انعكست كذلك على أغنية «أنا لبناني» لحناً وكلاماً. فبعد المطلع المؤثّر بعباراته، ارتأى إسكندر والأتات البناء على لازمة أكثر إيجابيةً: «أنا لبناني وعينيّ شبعانة سلام وسحر وجمال وإبداع وأغاني». يردّ الأتات هذا المزيج من الأسى والتفاؤل إلى «صفة تميّز اللبنانيين وهي أنهم مهما زادت الصعوبات عليهم، يظلّون إيجابيين». يتلاقى وصفُه هذا مع الكلمات التي كتبها فارس إسكندر: «دخلك يا أرزة اضحكي ما بيلبق إلنا البكي... بإيدك بيروت أمسكي صوب شطوط الأمان». يختصر الأتات ما شعر به خلال تسجيل الأغنية بالقول إنه «رغم إيقاع الفرح، فإن الإحساس كان طالعاً من وجعٍ عميق».

منذ أشهر، توقّف الأتات وهو المعروف بأنه نجم الأفراح وحفلات الزفاف والسهرات الصيفيّة، عن المشاركة في أي حفل. أرخت الحرب بظلالها الثقيلة على النشاط الفني كما على المعنويّات، لكن ذلك لا يعني أنّ العمل سيبقى متوقفاً إلى ما لا نهاية. يقول إن «اللبناني أمثولة في الإيجابية والفرح وحُسن الذوق والثقافة، وما مرّ عليه من تدمير وأسى لا يعكس صورته الحقيقية». من هذا المنطلق، يتسلّح الأتات بالأمل ليعود إلى حراكه الإنتاجيّ مع دخول وقف إطلاق النار أيامه الأولى.

يتسلّح الأتات بالأمل ليعود قريباً إلى نشاطه الفني مع إعلان وقف إطلاق النار (صور الفنان)

قيد التحضير حالياً 4 أغنيات تتنوّع ما بين رومانسيّ كلاسيكي وإيقاعيّ راقص. يرجّح الأتات أن تكون في طليعة الإصدارات، تلك التي تحمل بهجةً للناس «لأنّ هذا ما يحتاجونه بعد الحرب».

يعلّق الفنان الشاب آماله على وقف إطلاق النار ليقول: «لا يمكن أن يظلّ العمل متوقفاً إلى الأبد. هذا مصدر رزقنا نحن الفنانين. مثلُنا مثل أصحاب المطاعم، والنجّارين، والأطبّاء، والمدرّسين، وسائر أصحاب المهن... كلّهم يعملون ومن حقنا أن نعمل أيضاً». ويضيف: «من الطبيعي أن نصبر ونتوارى قليلاً خلال فترة الأسى، لكن لا بدّ من عودة».

مستلهماً كلام أغنيته الجديدة «نقفّل عالحرب بـقفل شاب وختيارة وطفل نرجع نبني ونحتفل ونغنّي للبنان»، يصبّ الأتات آماله على أن «يظلّل الأمان والسلام فترة أعياد نهاية السنة»، مضيفاً أن الهدية بالنسبة إليه ستكون إحياء حفل ليلة رأس السنة في بيروت، ليزرع فيها الفرح بين ناسه وأهله كما جرت العادة.