لقاء في نيويورك لترتيب قمة ترمب ـ كيم

لافروف إلى بيونغ يانغ اليوم لبحث برنامجها النووي

كوريون جنوبيون يقفون عند إشارة مرور تحت لافتة تستعرض الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون الأحد الماضي (بلومبيرغ)
كوريون جنوبيون يقفون عند إشارة مرور تحت لافتة تستعرض الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون الأحد الماضي (بلومبيرغ)
TT

لقاء في نيويورك لترتيب قمة ترمب ـ كيم

كوريون جنوبيون يقفون عند إشارة مرور تحت لافتة تستعرض الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون الأحد الماضي (بلومبيرغ)
كوريون جنوبيون يقفون عند إشارة مرور تحت لافتة تستعرض الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون الأحد الماضي (بلومبيرغ)

توجه جنرال كوري شمالي كبير إلى الولايات المتحدة، أمس، فيما يستعد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لزيارة بيونغ يانغ مع تسارع التحضيرات الدبلوماسية للقمة التاريخية بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون.
ومن المقرر أن يلتقي الجنرال كيم يونغ شول، نائب رئيس اللجنة المركزية لحزب العمال والذراع اليمنى للزعيم الكوري الشمالي، وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في نيويورك وفق ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤولين.
وكان الرئيس الأميركي أكد في تغريدة الثلاثاء، أن الجنرال الكوري الشمالي في طريقه إلى الولايات المتحدة، وأن واشنطن شكلت «فريقا رائعا» للمحادثات الهادفة لحل الأزمة المتعلقة ببرامج بيونغ يانغ النووية. ولا يزال الرئيس الأميركي يأمل في أن تعقد القمة في 12 يونيو (حزيران) في سنغافورة، كما عبرت بيونغ يانغ عن تمسكها باللقاء. وكتب ترمب: «اللقاءات تجري حاليا بخصوص القمة وأكثر من ذلك. أن كيم يونغ شول نائب زعيم كوريا الشمالية يتوجه الآن إلى نيويورك. إنه رد ملموس على رسالتي، شكرا لكم».
من جهتها، قالت موسكو إن وزير الخارجية سيرغي لافروف سيتوجه إلى كوريا الشمالية اليوم لبحث البرامج النووية الكورية الشمالية. والشهر الماضي، أجرى وزير خارجية كوريا الشمالية ري يونغ هو محادثات مع لافروف في موسكو، في إطار الجهود المتسارعة لتحسين العلاقات المتوترة مع القوى الدولية.

وروسيا كانت مشاركة في المفاوضات السداسية التي جرت بين 2003 و2008، والتي كان هدفها إقناع الشمال بالتخلي عن برامجه النووية. وتراقب اليابان أيضا عن كثب التحضيرات للقمة، ويلتقي ترمب رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في واشنطن في 7 يونيو، كما أعلنت الناطقة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز.
وقالت إنه «منذ أن وجه الرئيس رسالة بتاريخ 24 مايو (أيار) إلى زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، يتجاوب الكوريون الشماليون» مع الجانب الأميركي. وأضافت أن «الولايات المتحدة مستمرة في التحضير بشكل نشط للقمة المتوقعة بين الرئيس ترمب والزعيم كيم في سنغافورة».
وكان كيم يونغ شول في مطار بكين الأربعاء، استعدادا لرحلته إلى نيويورك. ووصل إلى المطار عبر مدخل كبار الزوار، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية. وقالت المتحدثة باسم وزير الخارجية الأميركي إن اللقاء سيكون الثالث بين بومبيو الذي أطلق الاتصالات مع نظام بيونغ يانغ المعزول، عندما كان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) والجنرال كيم. وأضافت: «ما زلنا في طور إعداد الصيغة النهائية لتلك الاجتماعات».
وتأتي الزيارة في إطار تحركات دبلوماسية مكوكية تسبق القمة التي ألغاها ترمب قبل أن يقرر عقدها مجددا.
وكان ترمب ألغى القمة الأسبوع الماضي متحدثا عن «عدائية» من جانب الشمال، لكن منذ ذلك الحين خفف الطرفان من لهجتهما، ويبدو أن العملية عادت إلى مسارها الطبيعي. وبدأ مفاوضون أميركيون، الأحد، برئاسة السفير الأميركي إلى الفيليبين سونغ كيم لقاءات مع نظرائهم الكوريين الشماليين في قرية بانمونجوم للهدنة الفاصلة بين الكوريتين. وقالت ساندرز إنهم «يعتزمون عقد لقاءات إضافية هذا الأسبوع».
وسيكون كيم يونغ شول أرفع مسؤول كوري الشمالي يزور الأراضي الأميركية منذ زيارة جو ميونغ روك، خلال عهد الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون عام 2000، ولطالما لعب الجنرال كيم يونغ شول دورا بالغ الأهمية في الجولات الدبلوماسية الأخيرة الهادفة إلى إنهاء الأزمة النووية في شبه الجزيرة الكورية.
وخلال الحفل الختامي للألعاب الأولمبية الشتوية في بيونغ تشانغ بكوريا الجنوبية، التي شكلت نقطة تحول في الأزمة النووية، جلس إلى جانب إيفانكا ترمب ابنة الرئيس الأميركي. كما رافق كيم جونغ أون في رحلتيه الأخيرتين إلى الصين للقاء الرئيس الصيني شي جينبينغ، وأجرى محادثات مع بومبيو عندما زار بيونغ يانغ.
وأثير جدل بشأن الجنرال كيم في كوريا الجنوبية، حيث يتّهم بالتخطيط لحادثة غرق السفينة الحربية «تشيونان» في 2010، التي قتل فيها 46 بحاراً في هجوم تنفي كوريا الشمالية ضلوعها فيه.
وتولى من 2009 إلى 2016 إدارة المكتب العام الكوري الشمالي للاستطلاع، الوحدة المكلفة الهجمات الإلكترونية وجمع الاستخبارات. وخلال تلك الفترة، عززت كوريا الشمالية برامجها للقرصنة واتّهمت باختراق مجموعة «سوني بيكتشرز».
وفي حال تأكيد القمة في موعدها، يبقى أسبوعان فقط أمام المسؤولين لإنهاء التفاصيل اللوجيستية الشائكة مثل المكان الذي ستجري فيه المحادثات في سنغافورة، وكيف سيتمكن المسؤولون الكوريون الشماليون من السفر إلى هناك في ظل العقوبات الدولية المفروضة عليهم.
وتتمثل مهمة رئيسية أخرى في الاتفاق على برنامج المحادثات. فالعقبة الأساسية ستكون على الأرجح مفهوم «نزع الأسلحة النووية»، وهو أمر يتفق الجانبان عليه لكن هناك فجوة كبيرة في تعريفهما له.
وتريد واشنطن أن تتخلى كوريا الشمالية بسرعة عن أسلحتها النووية، بطريقة يمكن التأكد منها مقابل تخفيف العقوبات وتقديم مساعدات اقتصادية. لكن لا يبدو أن بيونغ يانغ مستعدة للتخلي الكامل على ترسانتها النووية.
على صعيد متصل، حصل برنامج «فيكتوريا ديرباشير» الذي بثته هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» أمس، على تصريحات نادرة لكوريين شماليين مقيمين داخل بلادهم حول أحوالهم المعيشية ورأي الشعب في الزعيم كيم جونغ أون.
وتقول سون هوي (اسم مستعار)، وهي أم لطفلتين تعمل في سوق شعبي: «في يوم عمل جيد، نحصل على ثلاثة أطباق في اليوم، وفي أيام أخرى نكتفي بأكل خليط من الأرز والذرة». وعن العلاقات مع أميركا، قالت هوي إن «الكثيرين لا يعلمون شيئا عن القمة المقبلة مع ترمب وإنه لا أحد يحب الولايات المتحدة»، لافتة إلى أن السلطات بدأت تدعو في الفترة الأخيرة إلى تقارب مع كوريا الجنوبية والعيش بسلام مع أميركا.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟