الوضع الأمني في بعلبك يخرج عن السيطرة

فعاليات المنطقة تبحث في إجراءات «الأمن الذاتي»

TT

الوضع الأمني في بعلبك يخرج عن السيطرة

تُجمع كل الفعاليات والقوى في منطقة بعلبك الواقعة شرق لبنان والتي لطالما اعتبرت أحد المعاقل الأساسية لـ«حزب الله»، على أن المدينة دخلت منعطفاً خطيراً بعد خروج الوضع الأمني عن السيطرة وغياب الإجراءات العملية من قبل قوى الأمن والجيش اللبناني لمنع مزيد من التدهور. ورغم تأكيد كل الفرقاء رفع الغطاء السياسي عن المطلوبين الذين يفوق عددهم الـ1200 والملاحقين بـ37 ألف مذكرة توقيف، لا يزال هؤلاء يروعون المدنيين الآمنين بشكل يومي من خلال إقدامهم على إطلاق النار بشكل عشوائي في الأسواق، وإلزام التجار بدفع خوات.
وينكب الجيش اللبناني حالياً، بحسب مصادر عسكرية، على دراسة خطط وإجراءات للعمل على تفعيل دور عناصره على الأرض، إلا أنه يشدد على أن الحل لا يكون حصراً بالإجراءات الأمنية والتوقيفات، بل بالسعي لتغيير الذهنية القائمة لدى أهالي المنطقة. وتشير المصادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الجيش يقوم بواجباته كاملة، لكن المسؤولية لا تقع عليه وعلى قوى الأمن الداخلي حصراً، بل على الدولة ونواب المنطقة وفعالياتها المدعوين لبذل جهود حثيثة لتوعية المواطنين لتغيير الذهنية والثقافة المسيطرة لديهم».
ويعتبر رئيس بلدية بعلبك العميد المتقاعد حسين اللقيس، أن المشكلات الأمنية في المنطقة تفاقمت مؤخراً «نتيجة عدم اعتماد مبدأ المعالجة الفورية؛ ما شجع المخلين بالأمن على التمادي بأفعالهم»، محملاً قوى الأمن الداخلي المسؤولية كاملة: «باعتبار أنها قادرة على طلب مؤازرة الجيش في حال ارتأت ذلك، لكننا لم نرها تقوم بأي تحرك جدي يُذكر».
ويتحدث اللقيس لـ«الشرق الأوسط» عن غياب سلطة الدولة بشكل كامل عن المدينة، لافتاً إلى أن هناك مناطق محددة لا تدخلها حتى قوى الأمن. ويضيف: «ما يحصل في بعلبك خطر لا يتهدد المدينة وحدها، بل لبنان ككل، باعتبار أنه ومع ترسيخ فكرة أن المنطقة خارجة عن سلطة الدولة، ستكثر الجرائم في البلد وسيفر مرتكبوها إلى ما قد يعتبرونه بؤرة أمنية».
وفي حين يحث اللقيس قيادة قوى الأمن على الإعلان بشكل صريح في حال كانت أي من القوى السياسية أو الحزبية تمنع ملاحقة المطلوبين، مؤكداً رفضه أن يتولى حزب معين في المنطقة إمساك الأمن فيها باعتباره مسؤولية أجهزة الدولة، تعتبر مصادر في «تيار المستقبل» أن القوى الحزبية المسيطرة على المنطقة تتحمل مسؤولية أساسية لوضع حد للتفلت الأمني الحاصل، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «رغم كل ما يقوله نواب وقياديو (حزب الله) وحركة (أمل)، بالعلن، لكن فعلياً على الأرض لم نرهم يتخذون الإجراءات اللازمة».
كذلك، يشدد مفتي بعلبك السابق الشيخ بكر الرفاعي، على أنه وفي حال لم تتدارك الأحزاب الموجودة في المنطقة وعلى رأسها «حزب الله» الوضع، فإن ذلك سينعكس سلباً عليها: «باعتبار أن الملف متعلق ببيئتها وخياراتها، حتى أن ما يحصل قد يكون جزءاً من مؤامرة عليها من خلال السعي لشيطنة هذه المنطقة وتصويرها خارجة عن القانون». ويبدو الرفاعي متشائماً تماماً مما آلت إليه الأوضاع في المنطقة، ويتحدث لـ«الشرق الأوسط» عن إطلاق نار بشكل يومي تشهده المدينة من دون تحرك القوى لأمنية لملاحقة مطلقي النار، سرقة سيارات، تفشي آفة المخدرات، سواء لجهة التعاطي أو الاتجار، إضافة لفرض خوات على التجار والمواطنين. ويضيف: «بعلبك تحولت لغابة حقيقية؛ ما يدفعنا لدعوة فعاليات المنطقة والعائلات لتشكيل لجان في الأحياء تتواصل مع بعضها بعضاً لإمساك الأمن ووضع حد لما يحصل»، لافتاً إلى أن أحد أبرز الأسباب التي أدت لوصول الأمور إلى هذا الدرك، الركود الاقتصادي نتيجة القرارات الظالمة بموضوع البناء، إضافة لخضوع 40 في المائة من سوق المدينة لتجار الفوائد والربا.
من جهته، يرى النائب السابق كامل الرفاعي، أن انفلاش السلاح في المنطقة كما عدم إلقاء القبض على المخلين بالأمن، سببان رئيسيان لما آلت إليه الأوضاع، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن معظم أهالي المنطقة باتوا يلزمون منازلهم كل مساء، خوفاً من التعرض لإطلاق النار، وبخاصة في منطقة رأس العين. ويضيف الرفاعي: «نحن نتمنى ألا نصل إلى اعتماد مبدأ الأمن الذاتي الذي اقترحه التجار في المدينة نتيجة الحركة الاقتصادية الراكدة. لكن في النهاية آخر الدواء قد يكون الكي».
وكان محافظ بعلبك - الهرمل بشير خضر، وصف الوضع الأمني في بعلبك بعد لقائه وزير الداخلية نهاد المشنوق يوم الثلاثاء الماضي بـ«الخطير»، معتبراً أن «خطة أمنية كلاسيكية لا تصلح للمنطقة»، مشيراً إلى أن رأي المشنوق هو «تكثيف المداهمات، خصوصاً للمطلوبين الكبار قبل الصغار، في ظل وجود 37000 مذكرة توقيف لـ1200 مطلوب». وقد تناولت كتلة «المستقبل» في اجتماعها الأسبوعي موضوع التفلت الأمني في بعلبك، فشددت على وجوب أن «تتحمل القوى الشرعية من جيش وقوى أمن داخلي كامل المسؤولية في ردع المخالفين والخارجين على القانون، وتأمين الحماية لكل المواطنين في أماكن سكنهم وعملهم».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.