«سكة الحجاز»... معرض صور لمحطات قطار في البال

يأخذك معرض الصور الفوتوغرافية «سكة الحجاز» في دار النمر للفنون والثقافة إلى حقبة تاريخية تمتد من عام 1900 لغاية عام 1918. فمحتوياته المؤلفة من نحو 70 صورة ووثيقة تاريخية تم الحصول عليها من أرشيف رئاسة الوزراء في مدينة إسطنبول تروي بالأبيض والأسود قصة بناء هذه السكة الحديدية، التي كانت تربط ما بين تركيا والمدينة المنورة مروراً بدمشق والأردن وفلسطين. وينظم هذا المعرض الذي يفتح أبوابه لغاية 2 يونيو (حزيران) المقبل مركز الفنون والآداب في الجامعة الأميركية.
«تعد هذه السكة الحديدية من أولى المشاريع في المنطقة التي تم تحقيقها بواسطة تبرعات مالية شعبية قدمت من داخل السلطنة العثمانية ودول إسلامية أخرى»، توضح رشا صلاح المديرة المسؤولة عن دار النمر للفنون والثقافة. وتتابع في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «يأتي هذا المعرض ليكون بمثابة إرث تاريخي وثقافي نسلط الضوء عليه لما يتضمن من وثائق وصور تبرز أهميته في تلك الحقبة».
صور فوتوغرافية ووثائق تاريخية تمّ نسخها عن الأصلية منها الموجودة في أرشيف رئاسة الوزراء في إسطنبول تعرض اليوم في «سكة الحجاز» لتنقلنا بتراتبيتها إلى فترة بنائها والتي بدأت في عام 1900، والتي استغرقت نحو 8 سنوات لإنجازها. وبعدها نتعرف إلى أهم محطات تلك السكة المعروفة بالتركية بـ«حجاز تيمور يولى» وأبرزها محطات «الحجاز» و«القدم» و«عمان» و«تبوك» و«مدائن صالح» و«المدينة المنورة». فربطت المدينة المنورة بالقسطنطينية وشكلت طريقا بريا يسهل على الحجاج التنقل ما بين بلاد القوقاز وآسيا الوسطى. فبدلا من السير في الصحراء لمدة أربعين يوما وتكبد تكاليف السفر عبر البحر مروراً بقناة السويس الخاضعة للمراقبة البريطانية، صار من الممكن عبرها الوصول إلى هناك بالقطار في غضون خمسة أيام فقط. فهنا صورة لقطار يشق طريقه في مدينة يافا، وهناك أخرى تبين مجموعة من العمال الذين ساهموا في بناء هذه السكة التي أعلن عن بداية العمل فيها السلطان العثماني عبد الحميد الثاني. فيما تلفتك صور أخرى تظهر ضيق الطريق (بعرض 1050ملليمترا) التي كانت تحيط بمسار السكة المذكورة.
وتدقق في صور فوتوغرافية أخرى تظهر بداية انطلاق السكة من دمشق بحيث تتفرع بعده من بصرى جنوب سوريا إلى خطين، أحدهما يصل إلى الجنوب نحو الأردن، أما الآخر فكان يتجه غرباً نحو فلسطين. ويجول نظرك في مدن نابلس وحيفا وعكا أهم محطات الخط في فلسطين. فيما تتوقف أمام صور لمحطات أخرى تحولت اليوم إلى متاحف كمحطة المدينة المنورة التي تم تأهيلها وترميمها لتعرف اليوم تحت اسم «متحف سكة الحجاز».
وفي وثائق أخرى تلقي نظرة على طوابع بريدية حملت صور هذه السكة وكذلك صور نياشين وأوسمة مصنوعة من الذهب والفضة حرصت الدولة العثمانية على تكريم المتبرعين من خلال منحها لهم تخليداً لذكرى تأسيس الخط الحجازي.
وتحكي صور المعرض عن أهمية السكة ووظيفتها الدينية وكذلك عن حاجة الألمان والعثمانيين لها خلال الحرب العالمية الأولى.
فقصة «سكة الحجاز» منذ تأسيسها ولغاية افتتاحها وتشغيلها وصولا إلى توقفها عن العمل إثر اندلاع ثورة «تركيا الفتاة»، تعتبر صفحات تاريخية تقلبها باهتمام في هذا المعرض الذي يتضمن خريطة سير السكة ومعالمها وأبرز محطاتها.
ونظراً لاستخدام الخط الحجازي في بعض الأغراض العسكرية العثمانية يبرز المعرض الأضرار التي تعرضت له السكة خلال الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين. ففي سنة 1917 انضم لورنس إلى الثوار العرب فحرضهم على نسف الخط، ومنذ ذلك الحين لم تفلح المحاولات لإعادة تشغيله كما في السابق. فقد أتى تفجير الخط بالديناميت على معظم محطاته، ومن ثم تم ترميم بعضها بحيث استخدمها الملك عبد الله في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1920 منطلقا من محطة «المدينة» إلى محطة «معن» التي وصلها في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه بسبب الأوضاع السيئة التي كانت تعاني منها السكة. كما يتضمن المعرض صورا للسلطان عبد الحميد ولأحد المهندسين الذين عملوا في تنفيذ هذا المشروع.
ويعد هذا المعرض الأول من نوعه في لبنان والعالم العربي وبحسب مدير قسم الفنون والآداب في الجامعة الأميركية دكتور عبد الرحيم أبو حسين فإن الجامعة تطمح لإقامة المعرض نفسه في مدينة إسطنبول كما ذكر في حديث لـ«الشرق الأوسط».