اليمين واليسار في مواجهة تاريخية على الرئاسة بكولومبيا

مرشح اليمين المتشدد يعارض اتفاق السلام مع متمردي «فارك»

المرشح الرئاسي إيفان دوكي يحيي أنصاره بعد صدور نتائج الدورة الانتخابية الأولى في بوغوتا أول من أمس (أ.ف.ب)
المرشح الرئاسي إيفان دوكي يحيي أنصاره بعد صدور نتائج الدورة الانتخابية الأولى في بوغوتا أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

اليمين واليسار في مواجهة تاريخية على الرئاسة بكولومبيا

المرشح الرئاسي إيفان دوكي يحيي أنصاره بعد صدور نتائج الدورة الانتخابية الأولى في بوغوتا أول من أمس (أ.ف.ب)
المرشح الرئاسي إيفان دوكي يحيي أنصاره بعد صدور نتائج الدورة الانتخابية الأولى في بوغوتا أول من أمس (أ.ف.ب)

تصدر مرشح اليمين المتشدد المعارض لاتفاق السلام مع متمردي «فارك»، نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية في كولومبيا، ليواجه في الدورة الثانية مرشحا عن اليسار المعادي لمؤسسات النظام.
وتقدم إيفان دوكي (41 عاما) الحديث على السياسة بفارق ضئيل على غوستافو بيترو (58 عاما)، رئيس بلدية بوغوتا اليساري السابق والمنفصل عن الأحزاب التقليدية، في بلد خارج من نزاع مسلح استمر أكثر من نصف قرن وحكمه اليمين على الدوام.
ويخوض المرشحان، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية، في 17 يونيو (حزيران) المقبل مواجهة غير مسبوقة في كولومبيا، حيث كان اليسار الذي يشكل أقلية يعاني حتى الآن من صراع الفصائل المسلحة الدموي على السلطة.
وفي هذا المشهد الجديد، لم ينجح إيفان دوكي في تكرار نجاح مرشده في السياسة الرئيس السابق ألفارو أوريبي (2002 - 2010) الذي انتخب مرتين منذ الدورة الأولى.
وحصل مرشح اليمين على 39.11 في المائة من الأصوات في الدورة الأولى، فيما حصل المتمرد السابق في حركة «إم 19» التي تم حلها على 25.1 في المائة في الدورة الأولى من الانتخابات التي بلغت نسبة المشاركة فيها 53 في المائة من الناخبين. وقال بيترو، أول مرشح يساري يصل إلى هذه المرحلة المتقدمة من السباق الرئاسي: «يمكنكم أن تثقوا بأننا سنفوز، وبأن تاريخ كولومبيا يمكن تغييره». وقال بيترو متحدثا إلى أنصاره الذين سيطر عليهم الفرح بعد إعلان النتائج: «الآن نعم، التعددية يمكن أن تكون أحد محاور الديمقراطية».
وفي كلمة ألقاها بعد ذلك، قال دوكي إنه يريد أن يكون «الرئيس الذي يوحد البلاد»، داعيا إلى قيام «كولومبيا يقترن فيها السلام بالعدالة». وأكد مرة جديدة عزمه على مراجعة اتفاق السلام الموقع مع القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) من دون الدعوة إلى «تمزيقه»، عادّاً أنه شديد التساهل حيال المتمردين السابقين الذين أعفاهم من السجن في حال الإقرار بجرائمهم.
وستحدد هذه الانتخابات الرئاسية التي يحاول فيها اليمين استعادة الرئاسة، مستقبل اتفاق السلام الموقع عام 2016 مع أقوى حركة تمرد في الأميركيتين، الذي استقطب مجتمعا عاش أطول حرب أهلية دامية في القارة.
وقال المحلل آندريس ماثياس من جامعة «إكسترنادو»، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن الدورة الأولى «تظهر الأهمية التي لا يزال يتمتع بها تيار أوريبي». ورأى أن «الاستقطاب سيكون واضحا في الدورة الثانية»، عادّاً «من الصعب معرفة أين ستصب أصوات» المرشحين الآخرين، خصوصا الوسطي سيرجيو فاخاردو الذي حل ثالثا بحصوله على 23.76 في المائة من الأصوات.
وكان الرئيس المنتهية ولايته، خوان مانويل سانتوس (66 عاما)، أعرب عن ارتياحه لهذه «الانتخابات الأكثر أمانا» منذ عقود، والتي دعي نحو 36 مليون ناخب للمشاركة فيها. وقد أعلنت الهيئة الانتخابية أن عملية الاقتراع جرت بصورة «طبيعية تماما».
ولم يعد بوسع الرئيس الآتي من يمين الوسط الترشح بعد ولايتين رئاسيتين متتاليتين منذ 2010. وقد عمد في عهده إلى إحلال السلام، ولو أنه لا يزال هشّاً بسبب التأخير في تطبيق الاتفاق. لكن ترسيخ هذا السلام سيتوقف على الرئيس المقبل.
وإضافة إلى مراجعة الاتفاق مع «فارك»، وعد دوكي بالقضاء على المخدرات واستئصال الفساد وإنعاش رابع اقتصاد في أميركا اللاتينية الذي سجل تباطؤا في النمو إلى 1.8 في المائة. ويندد مرشح اليمين المتشدد بفنزويلا المجاورة التي تعاني أزمة اقتصادية خانقة قادتها إلى الإفلاس.
وينتقد كذلك المحامي والخبير الاقتصادي الذي يمثل ائتلافا يقوده «المركز الديمقراطي» بزعامة ألفارو أوريبي، الشخصية المثيرة للجدل رغم شعبيتها، المحادثات التي بدأت مع «جيش التحرير الوطني»، آخر حركة تمرد في البلاد.
وأوضحت الناخبة باولا روبيو (38 عاما) أنها صوتت لدوكي، من أجل «الحفاظ على النظام في البلاد». وفي مواجهته، اجتذب بيترو من حركة «كولومبيا إنسانية» الحشود ببرنامج إصلاحات اقتصادية يراعي الفقراء، غير أنه يتعرض للانتقادات بسبب علاقاته بالرئيس الفنزويلي السابق هوغو شافيز.
وفي بلد متحالف مع الولايات المتحدة، يدافع بيترو عن الاتفاق مع المتمردين السابقين وعن الحوار مع «جيش التحرير الوطني» الذي علق عملياته المسلحة بمناسبة الانتخابات. إلا أن السلطات شددت التدابير الأمنية ونشرت نحو 150 ألف جندي.
وقالت غلاديس كورتيس، الستينية التي تعمل خادمة منزلية، لوكالة الصحافة الفرنسية: «أصوت لبيترو (...) الذي ساعد الفقراء»، مشيرة إلى أنها لم تتوجه إلى صناديق الاقتراع «منذ وقت طويل» كما هي الحال بالنسبة لنصف الناخبين.
وما زال هذا البلد، المنتج العالمي الأول للكوكايين والذي يعد 49 مليون نسمة، يعاني من عنف المجموعات غير الشرعية التي تتنازع السيطرة على تجارة المخدرات في المعاقل القديمة لـ«القوات المسلحة الثورية» الكولومبية التي تحولت إلى حزب سياسي أبقى على الأحرف الأولى من اسمه.
وتواجه كولومبيا صعوبة في الخروج من نزاع شاركت فيه نحو 30 حركة تمرد وقوات الأمن وقوات شبه عسكرية، وأسفر عن أكثر من 8 ملايين ضحية بين قتلى ومفقودين ونازحين. وبعدما فشلت «فارك» في مارس (آذار) الماضي في محاولتها للفوز بعدد من المقاعد النيابية يفوق العشرة التي يمنحها إياها اتفاق السلام، تخلت عن خوض الانتخابات الرئاسية. وأعرب زعيمها رودريغو لوندونيو الذي كان من المفترض أن يكون مرشحا لكنه أصيب بنوبة قلبية، عن مدى تأثره لدى الإدلاء بصوته «لأول مرة» الأحد الماضي في بوغوتا، داعيا إلى «المصالحة بين جميع الكولومبيين». وفرض اليمين المتشدد نفسه في هذه الانتخابات التشريعية. وإذا ما فاز مرشحه دوكي في 7 أغسطس (آب) المقبل، فسيكون بوسعه الاعتماد على الكونغرس. لكنه يعول بصورة خاصة على شعبية أوريبي الذي أعرب عن دعمه له، نافيا في الوقت ذاته أن يكون دوكي دمية يحركها، وأثنى أول من أمس على «برنامجه الأمني» وعلى «حزمه».



بلينكن يبدأ جولة في 3 دول لاتينية يحكمها رؤساء يساريون

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)
TT

بلينكن يبدأ جولة في 3 دول لاتينية يحكمها رؤساء يساريون

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)

وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الاثنين، إلى كولومبيا في مستهل جولة تشمل أيضاً تشيلي والبيرو، في محاولة لترسيخ شراكات الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية التي تعد فناءها الخلفي الجيوسياسي، في مواجهة الطموحات الصينية المتزايدة في منطقة شهدت انتخاب عدد من الرؤساء اليساريين أخيراً.
وخلال جولته التي تستمر أسبوعاً في الدول الثلاث، سيحضر كبير الدبلوماسيين الأميركيين أيضاً قمة وزارية. ويقر المسؤولون في واشنطن بأن هناك ضرورة لإظهار اهتمام الولايات المتحدة بجيرانها الجنوبيين، «باعتبارهم أولوية سياسية رغم التركيز على قضايا جيوسياسية كبرى، مثل الحرب الروسية في أوكرانيا، وتهديد الصين لتايوان». وتأمل إدارة الرئيس جو بايدن في أن يحافظ الزعماء اليساريون الجدد في أميركا اللاتينية «على نهج صديق للمشروعات الحرة وتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، وألا يجنحوا إلى الشغب الآيديولوجي في حكمهم».
وأفاد مساعد وزير الخارجية الأميركي براين نيكولز، في إحاطة للصحافيين، بأن بلينكن يزور ثلاث دول «كانت منذ فترة طويلة شريكة تجارية حيوية للولايات المتحدة، ولديها اتفاقات تجارة حرة مع الولايات المتحدة (…). نحن نركز على تعزيز علاقاتنا مع تلك الحكومات». وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان، أن بلينكن سيلتقي في بوغوتا الرئيس اليساري غوستافو بيترو، وهو متمرد سابق، ووزير الخارجية ألفارو ليفا لمناقشة الأولويات المشتركة بين البلدين، بما في ذلك «الدعوة إلى ديمقراطيات قوية في كل أنحاء المنطقة، ودعم السلام والمصالحة المستدامين، والتصدي للهجرة غير النظامية كأولوية إقليمية، ومكافحة الاتجار بالمخدرات، وتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، ومعالجة أزمة المناخ».
وأضافت أن بلينكن سيجدد دعم الولايات المتحدة لاتفاق السلام الكولومبي لعام 2016 خلال مناسبة مع نائبة الرئيس فرانسيا ماركيز، على أن يزور مركزاً لدمج المهاجرين في سياق دعم سياسة الوضع المحمي المؤقت في كولومبيا للمهاجرين الفنزويليين، الذي يعد نموذجاً في المنطقة. وكان بيترو، سخر خلال حملته، من الحرب التي تقودها الولايات المتحدة على المخدرات، معتبراً أنها «فاشلة»، علماً بأن هذه الدولة في أميركا الجنوبية هي أكبر منتج للكوكايين في العالم، ولطالما واجهت ضغوطاً من واشنطن للقضاء على محاصيل المخدرات. كما تحرك بيترو لإعادة التعامل دبلوماسياً واقتصادياً مع حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، رغم جهود الولايات المتحدة لعزل الدولة العضو في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك).
واستخدم مسؤولو إدارة بايدن نبرة تصالحية في الغالب حيال بيترو، مركزين على مجالات الاتفاق في شأن قضايا مثل تغير المناخ واستشهدوا بمناشداته لمادورو للعودة إلى المحادثات مع المعارضة الفنزويلية. وفيما يتعلق بدعوات بيترو لإنهاء الحرب على المخدرات، قال نيكولز إن واشنطن تدعم بقوة «النهج القائم على الصحة والعلم» لمكافحة المخدرات، مضيفاً أن هذا «ينعكس في سياستنا لدعم التنمية الريفية والأمن الريفي في كولومبيا. ونعتقد أن الرئيس بيترو يشارك بقوة في هذا الهدف». لكنّ مسؤولاً أميركياً أكد أن واشنطن تراقب عن كثب، ما إذا كان تواصل كولومبيا مع السلطات في فنزويلا المجاورة يخالف العقوبات الأميركية على حكومة مادورو.
وتأتي جولة بلينكن أيضاً، بعد عملية تبادل أسرى بين الولايات المتحدة وفنزويلا، ما يعكس تحسناً حذراً للعلاقات بين الدولتين، رغم عدم اعتراف واشنطن بإعادة انتخاب مادورو رئيساً لفنزويلا عام 2018... وقال نيكولز: «نحن لا نحكم على الدول على أساس موقعها في الطيف السياسي، بل على أساس التزامها بالديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان».
ويحمل كبير الدبلوماسيين الأميركيين في رحلته هذه، جدول أعمال مثقلاً لمنظمة الدول الأميركية. ويتوجه الأربعاء إلى سانتياغو، حيث سيعقد اجتماعاً مع رئيس تشيلي اليساري غابرييل بوريتش البالغ 36 عاماً من العمر، الذي تولّى منصبه في مارس (آذار) الماضي. وأخيراً، يتوجه إلى ليما الخميس والجمعة، للقاء الرئيس الاشتراكي بيدرو كاستيو الذي ينتمي لليسار الراديكالي والمستهدف بتحقيقات عدة بشبهات فساد واستغلال السلطة منذ وصوله إلى الرئاسة قبل أكثر من عام. وسيشارك في الجمعية العامة السنوية لمنظمة الدول الأميركية. وسيدرس المجتمعون قراراً يطالب بإنهاء «العدوان الروسي على أوكرانيا»، رغم أن بعض الدول الأميركية اللاتينية عبرت عن تحفظها، بالإضافة إلى قرارات بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في نيكاراغوا والوضع الاقتصادي والسياسي المتردّي في هايتي.