البرلمان العراقي يقرر إعادة الفرز اليدوي وإلغاء أصوات ناخبي الخارج والنازحين

البرلمان العراقي يقرر إعادة الفرز اليدوي وإلغاء أصوات ناخبي الخارج والنازحين
TT

البرلمان العراقي يقرر إعادة الفرز اليدوي وإلغاء أصوات ناخبي الخارج والنازحين

البرلمان العراقي يقرر إعادة الفرز اليدوي وإلغاء أصوات ناخبي الخارج والنازحين

في تطور لافت بشأن نتائج الانتخابات العامة، نجح مجلس النواب العراقي، أمس، في عقد جلسته الاستثنائية الرابعة المحددة لمناقشة النتائج وما أثير حولها من اتهامات وشكوك بالتزوير، ولجأت رئاسة المجلس إلى تمديد وقت الجلسة البرلمانية إلى الساعة السادسة مساء بانتظار حضور مزيد من النواب بهدف اكتمال النصاب القانوني اللازم لعقد الجلسة والبالغ 165 نائبا، وقررت هيئة رئاسة البرلمان إبقاء الجلسة الاستثنائية مفتوحة بشأن العملية الانتخابية وما رافقتها من خروقات. ويأتي التطور الأخير في ظل اتهامات لنواب عن كتلة «الأحرار» بعدم اكتمال النصاب.
واتخذ مجلس النواب قرارا بـ«قيام الجهات المعنية؛ كل حسب اختصاصه، باتخاذ الوسائل التي تضمن إعادة الثقة بالعملية الانتخابية منها بصورة عادلة ونزيهة». ومن بين تلك الوسائل «القيام بالعد والفرز اليدوي (بدل الإلكتروني) بما لا يقل عن 10‎ في المائة‎ من صناديق الاقتراع في المراكز الانتخابية، وفي حال ثبوت تباين بنسبة 25‎ في المائة‎ مما تم فرزه وعده يدوياً تتم إعادة العد والفرز يدوياً لجميع المحافظات وتزويد الكيانات السياسية وفوراً بنسخة إلكترونية وصور ضوئية لأوراق الاقتراع ونتائج الانتخابات».
وكانت مفوضية الانتخابات المستقلة رفضت في وقت سابق إعادة العد والفرز بالطريقة اليدوية.
وتضمن القرار كذلك «إلغاء انتخابات الخارج والتصويت المشروط في مخيمات النازحين في الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى لما توفرت عليه الأدلة من تزوير إرادة الناخبين، باستثناء أصوات الأقليات المشمولة بالكوتة».
من جانبه، دعا رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، أمس، السلطات القضائية وهيئة النزاهة للحفاظ على المسار الديمقراطي في العملية السياسية بالبلاد. وقال الجبوري خلال الجلسة التداولية لمجلس النواب إن «المجلس ارتأى عقد الجلسة سعياً لتنزيه العملية الانتخابية مما شابهها من أخطاء أو تلاعب بإرادة الناخب»، لافتاً إلى أن «تثبيت تجاوزات بالدليل القطعي إساءة لمجمل العملية الانتخابية وتشكيك بمجمل نتاجها».
من جهته، كشف النائب عن كتلة «الأحرار»، رياض غالي الساعدي، عن عدة خروقات حصلت في الجلسة أمس. وقال الساعدي في مؤتمر صحافي عقده بمبنى البرلمان إن «الجلسة الاستثنائية شهدت عدة خروقات، حيث لم تكن هناك دعوة رسمية للحضور، ولم يكن هناك جدول أعمال»، مشيرا إلى أن «النصاب لم يكتمل ووصل عدد الحاضرين إلى 140 نائبا أغلبهم من الكتل الخاسرة بالانتخابات».
وفي حين عدّ رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب محسن السعدون، أن «القرارات التي اتخذها مجلس النواب بشأن الانتخابات ليس لها تأثير على الأرض»، يرى النائب عن «القائمة الوطنية» حامد المطلك أنها «قرارات ملزمة لمفوضية الانتخابات». وقال السعدون لـ«الشرق الأوسط»: «القرارات لا تلغي القوانين المصوت عليها، القانون رقم (45) الصادر من البرلمان أقر موضوع التصويت الإلكتروني، ولا يمكن إلغاؤه بقرار العد اليدوي».
ويشدد السعدون الذي ينتمي إلى الحزب «الديمقراطي» الكردستاني الذي فاز بأعلى المقاعد في إقليم كردستان برصيد 25 مقعدا على «ضرورة الذهاب إلى آليات التشريع، بحيث يقدم مقترح للبرلمان لتعديل قانون الانتخابات وجعل العد والفرز يدويا بدلا عن الإلكتروني، تعقبها قراءة أولى وثانية ثم التصويت ومصادقة رئاسة الجمهورية وهذا يأخذ وقتا لا يستوعبه عمر البرلمان المتبقي».
ويرى النائب عن ائتلاف «الوطنية» حامد المطلك أن «محسن السعدون ينظر من زاويته الخاصة باعتبار أن نتائج الانتخابات صبّت في مصلحة حزبه». ويقول المطلك، وهو من المرشحين الذين لم يحصلوا على الأصوات اللازمة للفوز بمقعد، لـ«الشرق الأوسط»: «قرارات مجلس النواب التي صدرت (اليوم) ملزمة التنفيذ بالكامل، ذلك أن مفوضية الانتخابات تابعة لمجلس النواب وتحقيق النصاب في جلسة التصويت إضافة إلى استمرار عمل مجلس النواب إلى 1 يوليو (تموز) المقبل». ويضيف المطلك: «عملية العد والفرز اليدوي قائمة بالفعل، وقد استخدمت في كثير من المراكز، وبالتالي، فإن البرلمان حين يطالب بالعد اليدوي إنما يطالب بأمر واقعي، ومعروف أن عملية العد الإلكتروني فشلت في كثير من المراكز».
من جهة أخرى، كشفت وثيقة صادرة عن رئاسة مجلس الوزراء، أمس، تتضمن عدة إجراءات تحقيقية من قبل اللجنة العليا المشكلة بقرار مجلس الوزراء للنظر في الخروقات الانتخابية. وطالبت الوثيقة مفوضية الانتخابات بـ«تزويد (اللجنة العليا) بأسماء الناخبين في الخارج والمشروط والخاص بقرص مدمج خلال 24 ساعة من (استلام) الكتاب (الوثيقة) رسميا». كما طالبت الوثيقة الصادرة بتاريخ أول من أمس بـ«حضور رئيس مجلس المفوضين ورئيس الدائرة الإعلامية ومسؤول الانتخابات في الخارج ومسؤول تكنولوجيا المعلومات المشرف على أجهزة التصويت إلى مقر هيئة النزاهة»، إضافة إلى ذلك، تشدد الوثيقة على تزويد لجنة التحقيق بـ«تقرير يتضمن المواصفات الفنية للأجهزة الإلكترونية والوسط الناقل والخوادم والبرمجيات» المتعلقة بالعلمية الانتخابية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.